الشهر: سبتمبر 2003

فِعل الهيبة

لم أكن في يوم من الأيام مقتنعاً بإحجام دوريات المرور والشرطة عن مطاردة المفحط حتى رغم منطقية الحجة وهي أن المطاردة قد تعرض الآخرين أو المفحط نفسه للخطر. ذلك أن ترك مخالف يمارس المخالفة رغم تواجد الدوريات ومراقبتها إياه عن بعد على أمل القبض عليه واقفاً أو بعد أن يأوي إلى منزله أمر فيه انتقاص للهيبة وقد يستغل اسوأ استغلال.
وبالفعل أنشأ بعض هواة مشاهدة التفحيط موقعاً في الشبكة العنكبوتية، بل عدة مواقع، تعرض لقطات فيديو لهذه المخالفة الصريحة وهي تتم تحت مراقبة سيارة شرطة تكتفي بإصدار الأصوات التحذيرية وتتربص بالمفحط علّه يخطئ فتقبض عليه واقفاً.

هذا التحفظ أو قل التقليل من أهمية المطاردة مقارنة بخطورة النتائج المحتملة ربما أدى إلى تكون انطباع عن ضعف جانب المطاردة شجع أناساً أكثر إجراماً من المفحط وأشد خطراً على استغلال هذا الضعف في رسم خطط إجرامية تعتمد على الفرار بسيارة!!

نفس الشيء يمكن قوله عن التهاون في التفاعل مع سرقة السيارات وحوادث السرقة بشكل عام وهو ما جعل بعض الناس يعزفون عن التبليغ عن حوادث سرقة السيارات على افتراض أن السارق مفحط سوف يستخدم السيارة في التعبير عن عدم قدرته على شراء سيارة في شكل إتلاف لممتلكات الغير ثم رميها على أحد الأرصفة، وعلى أساس أن التبليغ لا يقدم ولا يؤخر، اللهم مزيد من العناء والمراجعة والكتابة دون مردود ايجابي، الأمر الذي قد يشجع اللصوص على التمادي وتطوير أساليبهم وأهدافهم.

علاقة الشرطة بالمجرم صغيراً كان أو من عتاة المجرمين ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحجم الهيبة وقديماً قالوا “اضرب الحمار يتأدب الأسد” وهو مثل جدير بالتطبيق في أمر مطاردة المفحط والجدية في البحث عن لصوص السيارات والمنازل ومعاقبتهم حتى تحافظ الشرطة على هيبتها وتسجل حضوراً يخيف كل من ينوي استغلال عدم المطاردة في ارتكاب جرائم أخطر وعدم البحث والتحري عن سرقة المنازل في ارتكاب اعتداءات أكثر ضرراً.

رد التعليم

أخيراً وبعد طول انتظار تنازلت وزارة التربية والتعليم عن كبريائها وقدمت بعض الاحترام لمشاعر الآباء والأمهات وعقبت على ما نشر حول موضوع الساعة والدقيقة والمتعلق بحرمان الطالبات والطلاب من النجاح للسنة الثانية الابتدائية واعتبار نجاحهم مجرد إعادة سنة في الأولى الابتدائية على اساس انهم ودون ذنب منهم قبلوا في المرحلة الابتدائية قبل السن النظامية التي اسميتها “السن البيروقراطية”.
اقول ان الوزارة قدمت بعض الاحترام لأنها اقتصرت كالعادة على تبرير قرار التشدد في السن بمبررات تربوية ودراسات تدعي أنها مستفيضة لكن الوزارة أهملت جل الاحترام عندما تجاهلت التساؤل الأهم ومربط الفرس الذي ورد في جميع الشكاوى والمقالات والتحقيقات الصحفية والقانونية في “ديوان المظالم” وهو لماذا طبقت الوزارة تعميماً سرياً لم يبلغ لأولياء الأمور بأثر رجعي؟! ولماذا لم يصدر القرارمبكراً قبل السنة الدراسية؟! او صدر متأخراً وطبق على السنة القادمة؟!

بطبيعة الحال فإن الوزارة وبحكم ما تشهده من عشوائية في اتخاذ القرارات ومركزية قاتلة في تسيير الأمور وبيروقراطية القرون الماضية ارتكبت خطأ ولم يكن لديها الشجاعة على الاعتراف به ولا الحجة لتبريره ولا الثقة في النفس التي تجعلها تعيد النظر فيه، مع أن جميع هذه العناصر، الشجاعة والوضوح، قوة الحجة أو الثقة في النفس جميعها عناصر تربوية هامة كنا نتوقع أن تعلمها الوزارة لأبنائنا لكن فاقد الشيء لا يعطيه.

نحن نقدر للوزارة أنها رضخت للضغوط من كل حدب وصوب ونشرت رداً لكننا لم نتوقع ان يكون الرد حشواً وتنظيراً وخطبة توجيهية.

نحن لم نعترض على القرار فالسن النظامية الفعلية معروفة منذ عرفنا “وزارة المعارف” شأنه شأن كل انجازات التعليم الحقيقية الفاعلة التي شهدها وطننا الغالي، فالإنجازات الحقيقية مجيرة لرجال عملوا في الوزارة منذ عشرات السنين، عملوا بصمت وأنجزوا بناء مصمتاً قوياً.

اعتراض الجميع وتظلمهم كان بسبب التطبيق بأثر رجعي، على اسمه، تضررت منه نفسيات أطفال هم عدة المستقبل فإذا تخرجوا بأمراض نفسية فبئس العدة وبئس العدل.

تطرق التعقيب للعدالة، كم هي رنانة هذه العدالة، وكم هي عنوان عريض شامل ناصع إذا طبق بعدالة وشمول.

أين العدالة في نقل المعلمات؟!، أين العدالة في تنقل المعلمين؟! أين العدالة في الانتدابات والمكافآت والمميزات للموظفين الإداريين؟! أين العدالة في أن يتقاضى إداري راتب وبدلات معلم ويخضع لكادر المعلمين وهو يقبع فوق كرسي وثير، ومكيف مركزي ليس له زئير ولا يقابل طالباً يكاد من هيجانه أن يطير ولا يحتك إلا بحاشية أو وزير؟!

أين العدالة في نوعية المدارس، أثاثها، بنائها، تكييفها بين حر صيف وبرد قارس؟!.

أين العدالة في معلم يستقبل ومعلم تقفل في وجهه السماعة؟!

أين العدالة في والد يستضاف بكوب قهوة ووالد يطرد قبل أن يتفوه؟!

كثر القائلون وقل الفاعلون

كلما سمعت وزيراً يتحدث عن المثاليات ويمني الناس بأحلام عصافير يستحيل عليهم حتى مجرد تخيلها لأنهم يعيشون حقيقة الحرمان من أساسيات سهلة وصغائر أمور يسيرة.
وكلما سمعت وزيراً يضخم للمسؤول أفعاله ويثني عليها والواقع يشهد أن أبسط الاحتياجات غير متوفرة.

أقول كلما سمعت هذا وذاك تذكرت قول المأمون عندما وعظه رجل فأصغى إليه منصتا فلما انتهى الرجل من نصحه قال المأمون: “قد سمعت موعظتك، فأسأل الله أن ينفعنا بها وبما علمنا، غير أنا أحوج إلى المعاونة بالفعال منا الى المعاونة بالمقال، فقد كثر القائلون، وقل الفاعلون”، انتهى ما قاله المأمون.

أقول وبالله التوفيق، إذا كان المأمون ومنذ العصر العباسي قد قرر أن إحصائية القائلين غلبت الفاعلين بل إن أهل القول في تزايد وأهل العمل في تناقص منذ ذلك الوقت، فكيف هي الحال بنا اليوم؟

في عصر المأمون لم يكن هناك مذياع ولا تلفاز ولا انترنت أي أن أدوات القول كانت محدودة جدا تقتصر على الخطب “غير المنقولة بوسائل الإعلام” والقصائد الشعرية وحديث مجلس أمير المؤمنين ومع ذلك لاحظ المأمون أن القائلين في تزايد والفاعلين في تناقص فكيف بعصرنا هذا حيث تتوفر تقنيات الإغراء على القول من كاميرات تلفزيونية (ديجتال) تحمل ميكروفونات لاقطة تحول الصور الملونة المتحركة والصوت الجهوري إلى قنوات محلية وفضائية عربية وعالمية، إضافة إلى “فلاشات” صحفية مبهرة يبدو أنها تسبب الإدمان للبعض والتعود للبعض الآخر.

وفي المقابل لا توجد تقنيات الإجبار على العمل فقنوات المحاسبة والمتابعة شبه غائبة ووسائل الإعلام التي تنقل القول في اليوم نفسه لا تقدم تقارير عن التقصير في العمل باستثناء الفلاشات الصحفية التي إذا نقلت الوقع المخالف للقول قوبلت بالنفي “والنفي يتم بتقنية القول نفسها”!

أخشى أن زماننا هذا أصبح قولا كله وانعدم فيه الفعل، فشواهد الأقوال كثيرة وما يلمس من الأفعال قليل جدا وهذا ما نلحظه بالعين المجردة دون ارتداء نظارة سوداء فقد كثرت مناسبات الأقوال وقلت نتائج الأفعال وأصبحت فترات وزارية تنتهي وتتجدد وتنتهي وسمتها الأقوال والأماني والأحلام.

أجمل ما في الحياة الدنيا أن الأفعال تبقى لها آثار وعلامات ورموز تدعو إلى ذكر أصحابها بالخير بينما تخلف الأقوال تساؤلات وانتظاراً لا يلبث أن يطويه اليأس بعد أن يذكر أصحاب الأٍقوال باللوم والدعاء عليهم إذ وعدوا وأخلفوا.

منذ اليوم الذي قرر فيه المأمون إحصائيته عن تزايد القائلين ونَقءصِ الفاعلين وحتى يومنا هذا فإن آثار الأفعال باقية ووزر الأقوال ينتظر أصحابها.

كلمة الوزير

لو افترضنا جدلاً صحة التقليد الذي سنّه وزير التربية والتعليم والمتمثل في إلقاء خطبة تتناقلها وسائل الإعلام وتنقل على الشبكة العنكبوتية موجهة للآباء والأمهات والطلاب والمعلمين بمناسبة بدء العام الدراسي (خطبة سنوية) فإن من الأولى أن يلقي وزير التعليم العالي خطبة عصماء في المناسبة نفسها يوجهها لطلاب وطالبات الجامعات وأساتذة ومعيدي الجامعات.
لكننا لا نعتقد بسلامة هذا التقليد غير المبرر لأننا إذا اعتقدنا بأهميته فمعنى ذلك أن على وزير الصحة أن يوجه كلمة سنوية لجميع الأطباء والصيادلة والممرضات والمرضى والمريضات مع بداية كل عام وعلى وزير الزراعة أن يوجه خطبة للمزارعين وموظفي الوزارة مع كل موسم حرث ووضع بذور.. وهكذا مع كل وزير وهو أمر غير منطقي ولا مقبول لأن التقليد الصحيح المحبب هو أن نستمع إلى كلمة القيادة بمناسبة الأعياد بما تحمله من صادق المشاعر للوطن والأمة الإسلامية والعربية والعالم أجمع وبما لها من بعد سياسي واجتماعي وأهمية على كافة المستويات.

هذا من حيث المبدأ، مبدأ إلقاء وزير التعليم خطبة سنوية في كافة المواطنين لأننا جميعاً إما آباء أو أمهات أو طلاباً أو طالبات أو معلمين ومعلمات وتربويين وخلافه، أما من حيث تفاصيل كلمة وزير التربية والتعليم فإن الملحوظ أن الوزير خاطب الآباء والأمهات بلهجة توجيهية وكأنهم جميعاً في حاجة إلى توعية مع أن فيهم وزراء وأساتذة جامعات في نفس مستوى معاليه ومنهم مثقفون وكبار أطباء، أي أن شريحة كبيرة منهم تحتاج إلى من يسمع آراءهم عوضاً عن أن يوجههم.

توجيه المعلمين كان من الممكن أن يتم عن طريق لقاء مفتوح مع عدد كبير منهم يستمع إلى شكواهم ومشاكلهم ومقترحاتهم النابعة من خبرة ميدانية يفتقدها الإداريون الذين يصنعون قراراً لا يعايشون سلبياته على أرض الواقع والتطبيق!!. ولا مانع أن تنقل أحداث هذا اللقاء ليشاهدها بقية المعلمين ويستفيدوا من التوجيه والحوار.

الطلاب يكفي أن يوجههم وينصحهم المعلمون.

وبالرغم من أن الكلمة “توجيهية” فقد تحدث الوزير عن مشاريع الوزارة و”إنجازاتها” وذكر من ضمنها المشاركة في برنامج جلوب مؤكداً أن الكرة الأرضية ملك للجميع وهي لا تعترف بالحدود السياسية الوهمية التي رسمها الإنسان “انتهى” وهنا لا بد أن نذكّر الوزير ونائبه أن مدارس البنات لدينا لا تقبل تسجيل طالبة ما لم تحضر فاتورة الكهرباء لكي تثبت انها من سكان الحي مع أن أحياء المدينة لا تفصلها حدود!! ولن تضطر أم لتسجيل ابنتها في مدرسة في حي أخر إلا لأن الحي الذي تقطنه ليس به مدرسة وبالتالي فإن من المهين أن تترك تتقاذفها المدارس بالرفض ومن التخلف أن لا تثبت أحقيتها بتسجيل ابنتها إلا بإرفاق فاتورة كهرباء.

تسمع كلام وزارة التربية والتعليم الكبير فيعجبك وترى صغر أفعالها فتتعجب!!.

من غرائب التعليم

ليعذرني وزير التربية والتعليم ونائبه فقد شدني الحنين لممارسة الأبحاث والدراسات فقررت أن أستغل فراغ الطلاب والطالبات وإجازتي السنوية وأوزع استبياناً عن مدى رضى طلاب وطالبات المدارس الحكومية عن وضع هذه المدارس من عدة جوانب أحدها توفير البيئة المناسبة للدراسة وقضاء ست ساعات يومياً، على أقل تقدير.
اختيار زمن العطلة المدرسية لم يكن لمجرد استغلال الفراغ ولكن تلافياً لانتشار خبر الاستبيان بين الطالبات والطلاب ثم صدور تعميم يهدد من يكتشف تورطه في تعبئة الاستبيان بالفصل أو إعادة سنة دراسية واعتبار السنة الماضية (سنة تحضيرية)!!

لن تكفي هذه المساحة لمجرد إيجاز الانطباع الأولي عن نتائج الدراسة، وأعد بأن أقدمها عند استكمال تحليل البيانات لمن يقبل النصيحة والرأي الآخر في وزارة التربية والتعليم.

اسمحوا لي بأن أتطرق وبسرعة لما بدأ يتضح لي حول عنصر واحد فقط، لكنه هام، هو توفر الحد الأدنى لتلبية الاحتياجات الآدمية خلال ست ساعات يقضيها مجموعة من البشر في المدرسة منهم الأطفال والصغار والمراهقون من بنين أو بنات.

اتضح بشبه إجماع أن البيئة المدرسية لا توفر أبسط مقومات السلامة أو الوقاية ناهيك عن الجو المناسب لاستيعاب الدرس، وهذه معلومات ليست بجديدة إلا في بعض التفاصيل. فمثلاً لم يدر بخلدي قط أن بناتنا أثناء فترة الاختبارات “بداية الصيف الحار” يتم إخراجهن من الفصول وإنزالهن للساحة بين حصص الامتحانات ويتركن في الشمس حتى لا يكتبن على الطاولات أو يخبئن البراشيم!!

كنت أعتقد أن شحوب الخارجة من الاختبار وسواد بشرتها وذبولها كان بسبب صعوبة الامتحان أو الشحن النفسي، كنت أحسب أن البقاء في الشمس حكراً على المحكومين بالأعمال الشاقة.

في أمر آخر هام فإنني شخصياً أعتبر أن قضاء الحاجات الآدمية في جو من الخصوصية والصحية، أهم من تعليم الحاسب أو برامج الموهوبين، فتلك الخصوصية طبع بشري يجمع عليه جميع سكان العالم المتحضر والمتخلف على حد سواء “حتى بعض الحيوانات تحرص على الانعزال عند قضاء حاجاتها الفسيولوجية!!

هل يعلم الوزير أن 90% من الطالبات في المدرسة الحكومية لا يستخدمن دورة المياه في المدرسة مهما كان السبب لأنها غير مناسبة لدخول البشر ولا تحقق أبسط احتياجات الطهارة ناهيك عن النظافة والصحة، ولأنها أيضاً لا تحقق الستر ولا الخصوصية بسبب عدم إمكانية غلق الباب أو حتى سده!!

يقول العديد منهن أنها تفضل التحجج بأية حجة للغياب أو التمارض للخروج من المدرسة إذا علمت أنها ستحتاج إلى دورة المياه!!

كيف لطالب أن يصبح موهوباً أو يستوعب استخدامات الحاسب الآلي وهو لا يستطيع أن يقضي حاجته؟! ألم أقل لكم أن صيانة المدارس أهم من بلايين تصرف على الحاسب والموهوبين!!، لكن ثمة فرق أهم لمن يعشق الأضواء، ما قيمة خبر صحفي عن افتتاح دورة مياه؟!

أطرف ما في الدراسة أن أُمّا تقول بأن ابنتها الصغيرة في المرحلة الابتدائية تسعى إلى مصالحة زميلتها مهما حدث من شجار ويهمها كسب ودها لأنها الوحيدة التي تمسك لها باب الحمام وتحرسها بإخلاص حتى تنتهي “ربما تهدف الوزارة من عدم الصيانة إلى إصلاح ذات البين”.

تقول إحدى طالبات المرحلة الثانوية: لا أدخل دورة المياه إلا لإصلاح “طرحتي” في المرآة والتأكد من نضارة وجهي، لكنهم يرشون المرايا بواسطة “بخاخ” الدهان حتى لا نتمكن من النظر في المرآة، فنقوم بحك “البوية” لننظر إلى وجوهنا!!

عجباً، لماذا وضعت المرايا إذا كانت سوف تدهن وهل من “التربية” منع النظر في المرآة؟! ربما أرادت أن تزيل بعض إفرازات عينيها صباحاً مجاملة لمشاعر الزميلات وحتى لو أرادت أن تتزين في المدرسة فما المانع؟!

إنها متلازمة التناقض بين القول والعمل.

صحافة تقيل

لا يمكن لأحد أن يقلل من أهمية هامش حرية الرأي المتاح حالياً خاصة في الإعلام المكتوب، كما أن هذا الهامش من حيث المساحة لا يمكن إنكار أنه تمدد مقارنة بأي وقت مضى، وهذا حدث بلا شك نتيجة قناعة بأهمية الشفافية والمكاشفة والحوار والنصيحة الصادقة في الإسهام في تصحيح كثير من المسارات وعلاج بعض المشكلات وكشف بعض الأخطاء والممارسات لمن هم حريصون كل الحرص على تصحيح الاعوجاج أينما وجد ومحاربة الفساد وضمان حقوق المواطنين وإنجاز معاملاتهم وتسيير مصالحهم دون تقاعس وعلاج مشكلة الفقر ووقف الهدر وإنعاش الاقتصاد وغير ذلك من خطوات وتوجهات مخلصة.
ولا يمكن لمنصف أن يدعي أن صحافتنا أساءت استغلال هذا الهامش أو بالغت في استغلاله فحتى هذا التاريخ فإن صحافتنا تتعامل بقدر كبير من المسؤولية والرزانة وضمن الإطار الذي يحقق المصلحة العامة دون مبالغة أو تقصير أو تقاعس، وإن كانت شهادتي في الإعلام مجروحة عندما أرتدي “غترة” ولا أقول “قبعة” الكاتب وهذا يحدث ثلاث مرات أسبوعياً إلا أنني أرتدي ثوب القارئ كل دقيقة وأرى أن من يمكن أن يجرؤ على ظلم إعلامنا في هذا الصدد هو من كانت لديه الجرأة على المخالفة التي قد تكشفها الصحافة.

بيت القصيد والأهم في أمر الدور الهام للإعلام هو أن هامش حرية النقد وحده لا يكفي ما لم يتم التجاوب مع ما يطرح في شكل مساءلة للجهة المقصرة ومحاسبة جادة للمقصر.

القضية التي تقيمها الصحافة يجب أن لا تقعد إلا بعد تصحيح الأخطاء والملف الذي يفتحه طرح صحفي هادف يجب أن لا يغلق إلا بإصلاح الاعوجاج.

إن الدعوات الصادقة التي توجه لإعلامنا المحلي بالإسهام في تنوير المسؤول وإصلاح العيوب وممارسة النقد الهادف لا تهدف إلى مجرد التنفيس بطرح المشكلة بل نابعة من ثقة في قدرة إعلامنا على لعب دوره الهام ودلالة على وعي المسؤول بأهمية ذلك الدور وتلك الأهمية تكمن في توفر عنصر التفاعل مع ما يطرح على أعلى المستويات.

معظم الملفات التي فتحتها الصحافة في دول تؤمن بأن الإعلام هو نبض الشارع لم تغلق إلا على تفاعل وتنفيذ وكل تلك الملفات أعقبها تحقيقات ومساءلة ولذلك فإن كل عنصر في المجتمع موظفاً صغيراً أو مسؤولاً كبيراً أو نجماً مشهوراً يحسب ألف حساب للسلطة الرابعة قبل أن يهم بمخالفة لأنه يعلم أن ما توقظه الصحافة لا ينام في اليوم التالي وما تحركه لا يسكن وما تفتحه لا يغلق إلا بما يرضي الشارع وهذا ما نريده.

نريد أن يقرن هامش الحرية بهامش تجاوب حتى لا يعتقد انه مجرد تنفيس أو استجابة لظروف وقتية أو تحقيق لمطلب خارجي لأنه ليس كذلك.. هو خطوة في طريق تصحيح صادق وجاد ولذا لابد من استكماله بالتفاعل الحازم معه.

أقول ذلك وأنا أرى بعين القارئ أن كثيراً من النقاد المخلصين والمحققين الصحفيين والمراسلين النشطين أثاروا قضايا جديرة بالاهتمام وفتحوا ملفات تستحق التفاعل ومرت مروراً هادئاً ثم نسيت.

ثقافة التأجيل

إذا كانت الصحافة في نقدها الساخر ورسومها الكاريكاتورية ركزت على نوع واحد من أنواع تعطيل معاملات المواطنين وهو أشهر هذه الأنواع والمعروف بعبارة “راجعنا بكرة” فإنه لابد من التذكير بأن هذا الأسلوب ليس الوحيد الذي يمارسه المعنيون بتسيير أمور المواطنين وإنهاء إجراءات معاملاتهم.
التأجيل طبع سائد نعاني منه ولا يوجد له مبرر غير الكسل وغياب الرقيب وعدم توفر القدرة على الشكوى واستحالة الوصول للمسؤول الكبير دون مبرر قوي وشكوى التعطيل أو التأجيل لا يعتبرها مديرو المكاتب مبرراً كافياً للدخول على الوزير أو وكيل الوزارة.

نعاني من متلازمة التأجيل لأننا نستثقل أداء الواجب لكل الناس ولذلك فإن العلاج الناجع حالياً للخلاص من هذا المعوق لسير الأمور هو استخدام “الواسطة” لأن الواسطة تشحذ الهمم وتنشط قوى الإخلاص المهملة فيتحول الموظف إلى شعلة نشاط وحركة دائبة وتعجيل بدل التأجيل ومرونة بدلاً من التيبس ولهذا فقد انتشرت الواسطة وتفشت وأصبحت الأمور لا تسير مطلقاً إلا بالبحث عن معرفة “هذا في الاجراءات الروتينية طبعاً أما في غيرها من الاستثناءات الكبرى فإن الواسطة تأتي في كامل حللها وزينتها.

ثقافة التأجيل، كما يحلو لي تسميتها تتمثل في كل أوراق “روزنامة” التقويم لدينا وتشاركنا في تفاصيل عناصر الوقت بدءاً بالساعة مروراً باليوم والأسبوع ثم الشهر والسنة. وإليكم أمثلة بسيطة لكنها “ويعلم الله” تلعب دوراً كبيراً في تعطيل وقت ومصالح المراجعين وتسبب لهم قلقاً نفسياً ربما لا يملك الجميع التعبير عنه:

تراجع الموظف قبل أو حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً في أمر لا يستغرق جرة قلم أو تسجيل وارد فتسمع عبارة “بعد الصلاة”، وتصل بأوراقك بعد طول طريق وازدحام خروج مدارس إلى الموظف قبل انتهاء الدوام بساعة كاملة فتسمع “اليوم ما يمديها تعال بكرة”.

معظم مراجعات يوم الأربعاء التي تنقصها الشفاعة تصاحبها عبارة راجعنا السبت.

منذ العاشر من شعبان تبدأ دوائرنا الحكومية في تأجيل جل نشاطها واجتماعاتها والبت في مشاريع هامة إلى ما بعد رمضان فتكاد لا تسمع في أروقة دوائر الحكومة إلا عبارة “خلها بعد رمضان، تعرف رمضان الله يشرفه” مع أن شهر رمضان من أفضل الفترات للإنجاز لمن يريد الانجاز.

قبل إجازة العيد بأكثر من عشرة أيام يتأجل كل شيء إلى “بعد العيد” وهكذا مع عطلة الحج والإجازة الصيفية.

إن حمى التأجيل ترتفع حرارتها لدينا يوماً بعد يوم تؤخرنا دون أن نشعر سنوات عديدة وتعطل مصالح المحتاجين وأخطر من هذا وذاك تثير اشمئزازهم وتحبطهم دون أن تكون لديهم القدرة على الشكوى وهذا خطير جداً.

سفارة يشد بهاالظهر!!

في التقرير الصحفي الذي نشرته جريدة “الرياض” يوم الخميس الماضي حول دفن رفاة المواطن السعودي فهد عقيل الظفيري أول أسير سعودي الجنسية ثبت أن نظام صدام حسين أعدمه ضمن جرائم القتل الجماعي أجاد الزميل الصحفي سعد العجمي كعادته في تغطية الموضوع بشمولية وتقصّ للمعلومة خاصة فيما يتعلق بغياب سفارة المملكة في الكويت عن مراسم الدفن والقيام بواجب العزاء لأسرة الفقيد فقد حاول جاهداً وعن طريق اتصالات مكثفة بجميع الأطراف المعنية سواء في السفارة أو الخارجية الكويتية أو فريق البحث والتحري معرفة مبررات مقنعة لعدم مشاركة سفارة المملكة في الكويت في هذه المناسبة الهامة إنسانياً وسياسياً ودولياً لكنه لم يجد غير مبرر تنطبق عليه صفة العذر العائم وهو رد القائم بالأعمال في السفارة حسب ما أورده تقرير الزميل سعد العجمي “لم نبلغ رسمياً ولم نعرف إلا عن طريق الإعلام”.
عجباً لهذا الإعلام، أخباره عن الوفاة لا يعتد بها في مجرد تقديم عزاء وفي الوقت ذاته تدفع مئات الألوف لتقديم العزاء عبر صفحات الإعلان فيه!!

لا أريد التركيز على موقف سفارتنا في الكويت وإن كنت أعتقد ان اكتشاف رفات أسير سعودي قتله نظام الطاغية كان يفترض أن يعامل كحدث هام تقديراً للمواطن وتسخيراً للبعد السياسي والدولي لتوفر دليل إثبات على قتل أسير سعودي.

دعونا نتريث حتى نقرأ رداً أو تبريراً من السفارة ونركز على موضوع نحن في أمس الحاجة إلى إثارته اليوم بمناسبة ما حدث مع جثمان المواطن الظفيري “رحمه الله” وبمناسبة ما يحدث من إيذاء لكل من ينتمي إلى هذا البلد الأمين بسبب تركيز الإعلام الصهيوني في أمريكا وبعض دول أوروبا على الربط بين أحداث 11سبتمبر والإرهاب من جهة ومواطني هذا البلد.

الموضوع هو مدى اهتمام سفاراتنا في الخارج باتخاذ مواقف صلبة وقوية للوقوف مع المواطن السعودي في أي محنة يتعرض لها، مواقف داعمة من شأنها أن تشعر تلك الدول وشعوبها أن المواطن السعودي يحظى بدعم بلاده وحماية حقوقه وأنه تقف خلفه سفارة لا يمكن أن تسمح بالإساءة إليه، وسوف تستخدم كل ثقلها السياسي والدبلوماسي وإمكاناتها القانونية للنيل ممن يسيء إليه أو يظلمه.

إن قوة الجنسية تستمد من قوة ونشاط السفارة التي تمثلها وليس بالضرورة أن تستمد من القوة العسكرية للبلد نفسه، ولعل لدينا هنا أمثلة واضحة من عمالة منزلية تتفاوت هيبة كل منها حسب قوة ونشاط سفارتها في ضمان حقوقه والدفاع عنه.

تقيم الدول العظمى الدنيا وتقعدها من أجل قضية مواطن لأنها تدرك أن هيبة الوطن من هيبة المواطن.

ان أمر اهتمام سفاراتنا بمواطنيها يجب أن لا يترك لنشاط واجتهاد كل سفارة منفردة، لابد أن يكون هناك نظم وإجراءات مكتوبة ملزمة يتم اتباعها حسب كل موقف وقضية، والتفاعل معه بحسب ما يتطلبه الموقف.

لو وجدت مثل تلك الإجراءات الملزمة لكل السفارات فسوف يصبح من السهل تحديد ما إذا كانت سفارتنا في الكويت قصرت عن واجب أم فاتتها مبادرة ذاتية؟!

وهكذا فإن الموقف إياه يذكرنا بسؤال عريض عن دور سفاراتنا في مساندتنا كظهر قوي.

جثة في بحيرة العقيق

إحدى مشاكلنا المزمنة أننا نرى عيب المواطن ولا نرى عيوب أنفسنا، وتبني بعض الوزارات والأجهزة الحكومية أنظمتها وإجراءاتها الجزائية القاسية على أساس عيوب ممارسات المستهلك أو المواطن والعيب فيها أشد وأعظم.
حادثة انفجار ماسورة الماء في حي العقيق ونشوء بحيرة من الماء النقي المحلى (ماء نحن في أمس الحاجة إلى كل قطرة منه، وصرفنا على تحليته مبالغ نحن في أشد الحاجة إلى كل ريال منها) أقول حادثة هدر الماء ليست المثال الوحيد على مشكلتنا المزمنة تلك فنحن نعيشها شبه يومي مع كل وزارة ودائرة حكومية، لكن وزارة المياه بشاعريتها وحسها المرهف وتدفق مشاعرها ساهمت بتدفق الماء لتذكرنا أن الترشيد في استهلاك الماء شأنه شأن ترشيد الصرف المالي هو مطلب ملح يجب أن يعيه المواطن وليس بالضرورة أن يعيه المسؤول!!، وكأن الترشيد في كافة أشكاله مطلب “مواطني” وليس وطنياً!!

الأمثلة كثيرة، نقولها لأننا نعيشها عياناً بياناً في أوجه كثيرة من حياتنا.

في وقت مضى كان المواطن مطالباً بالترشيد في استخدام الكهرباء لتخفيف الأحمال على المولدات وكانت في الوقت نفسه أضواء الشوارع تعمل نهاراً ومكيفات وأضواء الوزارة على أشدها ليلاً رغم خلو الوزارة

في المقابل ومنذ أن نشأت سحب الأزمة الاقتصادية ووزارة المالية تطالب المواطنين بضرورة تقدير الوضع الذي يحتم التقشف وربط الأحزمة مع أن الوزارة نفسها ترى يومياً أوجه الصرف غير المرشد في جوانب كثيرة ولا تسجل موقفاً أو تحرك ساكناً.

يا أولي الألباب: المواطن بشر له أحاسيس وله مشاعر سريعة التأثر والتغير فإذا قرر الإقلاع عن التدخين ثم شاهد طبيباً يدخن قلت همته حتى في حماية صحته وعاد لممارسة ما يضره، وإذا قرر الترشيد في الكهرباء ثم شاهد أنوار الشوارع تضيء نهاراً أحبط ولم يتعاون وإذا هم بالتقشف تجاوباً مع مطلب وطني ثم لاحظ أن الوطن نفسه لم يتقشف في أوجه صرف أكبر، تقشفت مشاعره الوطنية، وإذا تأثر بلوحات التوسل بأن قطرة الماء ثمينة تستحق من يتلقفها بكفيه ثم رأى أن وزارة الماء لا تعير اهتماماً لقسم الطوارئ ولا تتحرك لإصلاح أنبوب من الضغط العالي حتى يشكل بحيرة في عز الصيف فإنه سوف يعتذر لخادمته عن توبيخه لها بالأمس لأنها غسلت الصحون بماء الصنبور المتدفق ولم تستخدم الحوض وسيصبح مفهوم الترشيد في نظره جثة مطمورة في بحيرة العقيق.

بالمناسبة أود أن أسأل سؤالاً بريئاً جداً: بحيرة العقيق عندما تمتصها الأرض ويتوجه ماؤها إلى “بيارات” سكان الحي فتمتلئ وتحتاج إلى “صهريج” شفط من سيدفع تكلفة الصهريج؟! الشركة سبب العطل أم وزارة المياه، أرجو أن لا يقول أحد بأنه المواطن، لأنه ليس ضمن خيارات الجواب الصحيح ولا يصح إلاّ الصحيح بس الصحيح أن الذي سيدفعها المواطن.

التعليم يستفز المظلومين!!

قلنا فيما مضى وبناءً على ما لاحظه الجميع من عدم اكتراث وزارة التربية والتعليم بمشاكل الناس ومعاناتهم من بعض قرارات الوزارة وعدم قبول هذه الوزارة للرأي الآخر، قلنا ان هذه الوزارة ربما تعاني من أعراض غرور التجديد!!
تعامل الوزارة اللاحق لا ينم عن أن المشكلة مجرد غرور واعتداد بالنفس وتجاهل لوجهات النظر الأخرى، لقد وصل الأمر حد الاستفزاز والعناد والتحدي لمشاعر الناس وهذا لا يخدم الصالح العام ولا ينسجم مع توجه هذه البلاد منذ تأسيسها على يد المغفور له إن شاء الله الملك عبدالعزيز وحتى هذا اليوم الذي بني على احترام رأي ومصالح ومشاعر المواطنين والمحاولة قدر الإمكان تلبية احتياجاتهم ما لم تكن تضر بمصالح الغير أو تتعارض مع الصالح العام.

أحد الشواهد الواضحة جداً على نية وزارة التربية والتعليم تحدي العموم هو إصرار الوزارة على قرارها إعادة السنة الدراسية الأولى لصغار أبرياء تم قبولهم رسمياً قبل إكمالهم السن “البيروقراطية”. ذلك القرار الذي وجد كل أشكال الاستغراب والاستنكار والمعارضة والشكوى لديوان المظالم من جهة وأشكال أخرى من المطالبة والتوسل والرجاء للوزارة لمراعاة نفسيات من سيعيدون سنة دون ذنب اقترفوه.

وزارة التربية والتعليم لم تكتف بمجرد تجاهل الشكاوى مستندة على بطء تحرك ديوان المظالم وامتداد مواعيده ولم تكتف باستحقار عبارات الرجاء والتوسل والتعامل معها بكبرياء المغتر بثقة التجديد.

لقد ذهبت وزارة التربية إلى أبعد من ذلك وأبعد مما كان أي متشائم يتوقع حدوثه، لقد نهجت منهج استفزاز المشاعر فبعد أن أصرت على الاستمرار في تنفيذ قرار خاطئ بإجماع القانونيين والتربويين وأولياء الأمور وأطباء النفس راحت تنشر في الصحف أخباراً متتالية تتغنى بما تعتقده انتصاراً على الرأي العام وتؤكد أن الصغار الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوف يفاجأون بأنهم يعيدون السنة الأولى الابتدائية رغم فرحتهم وعلى مدى ثلاثة أشهر أنهم ناجحون ومنقولون إلى الصف الثاني الابتدائي.

أخبار تتحدى الأم الحزينة والأب المقهور بظلم القرار وتؤكد استمرار تعسف لم نتعوده من قبل.

هذه الممارسة هي التي نقصدها حينما نقول بأنها لا تخدم المصلحة العامة فمثل هذا الاستفزاز له انعكاسات تتناقض مع الحب ومشاعر المودة واحترام القرارات السابقة واللاحقة وكل هذه العناصر تحتاجها وزارة مثل وزارة التربية والتعليم ويحتاجها الوطن ويحتاجها المواطن لذا فإننا نؤكد على أن استثارة مشاعر أناس متضررين من قرار جائر عن طريق تكرار نشر أخبار تؤكد استمرار هذا القرار أو تلمح إلى نشوة انتصار باستمراره أمر غير مقبول ولم نتعود عليه.