الشهر: فيفري 2004

خط إبليـس السـريع

من البديهي أنه كلما ازدادت الحاجة والفاقة، كلما استشرت سلوكيات الفساد والإفساد، وغني عن القول أن الوازع الديني يقف سداً منيعاً يردع أهواء النفس البشرية عن اللجوء للسلوكيات غير المشروعة في حل الأزمات المالية مهما عظمت.
لكننا لا نستطيع أن ندعي عموم الصلاح مثلما أننا لا نستطيع تعميم الفساد.

ومنذ زمن ليس بالقريب، وتحديداً في زمن الطفرة كنا نسخر من مجتمعات لا يسير فيها أمر ولا يتم فيها إجراء إلا بدهن السير!!.

وإذا كنا قد اعترفنا بأن الفساد الإداري المتمثل في ممارسات كبرى مثل الاختلاس أو العبث بالمال العام واستغلال السلطة يعتبر مشكلة تستحق المحاربة وناقشناها بمنتهى الشفافية ونسعى للحد منها، فإن الخلل على المستويات الدنيا التي تعاني من تدني الرواتب وتزايد الالتزامات المالية بدأ يظهر بشكل مقلق، ويحتاج الى علاج من نوع آخر غير ذلك الذي يتعلق بمن يريد أن يربو ماله ويحقق ثراءً فاحشاً على حساب الوطن.

العلاج يكمن في تصحيح الأوضاع لتحول دون الفاقة ونعني جعل أجور الوظائف الدنيا تتناسب مع الالتزامات المالية المتزايدة وارتفاع الكثير من الرسوم واحتياجات العيش في مستوى متوسط أو أقل من المتوسط دون اللجوء لرفع رواتب الوظائف العليا وهو ما سبق أن طالبت به كثيراً مدعياً أو معتقداً أن زيادة الرواتب لا يشترط أن تكون لجميع المستويات الوظيفية طالما ان المراتب العليا والوزارية تفوق دخول ومميزات موظفيها احتياجات ومتطلبات العيش المرفه جداً وتتسبب الزيادة الجماعية في ارتفاع الأسعار وتكاليف الخدمات وخلافه.

والى جانب معالجة موضوع الدخول المتدنية فلابد من التركيز على جانب الوعظ الديني، لكن جانب سد الذريعة الدنيوية يبقى مهماً جداً فالشيطان نهاز للفرص وعندما تنسد الدروب في وجه الإنسان فإن إبليس ينثر لوحاته ودعاياته في الخط السريع.

إن ثمة أموراً يجب أن نكون أكثر جدية وسرعة في فرضها ومتابعتها ومنها على سبيل المثال لا الحصر فرض حد ادنى للأجور فالمطالبة بالسعودة وحدها لا تفكي دون وضع حد أدنى لأجر الموظف السعودي في القطاعين الحكومي والخاص، إلى جانب زيادة فرص العمل في الوظائف الرقابية خاصة الدنيا منها، وهي الوظائف التي قد تكون عرضة للإغراء بالرشوة أو عرضها من قبل الموظف فوظيفة المراقب سواء في البلديات أو الصحة لم يطرأ عليها زيادة في عدد الوظائف رغم الزيادة الكبيرة في أعداد المؤسسات المستهدفة سواء المطاعم أو محلات بيع المواد الغذائية والمستشفيات والمستوصفات والصيدليات ومحدودية أعداد المراقبين وتدني دخولهم تجعلهم عرضة للإغراء كما تجعل منهم مستغلين لوظائفهم وهو ما تشرحه شكوى بعض اصحاب المؤسسات من الملتزمين والمستقيمين من أن بعض المراقبين تعود على دهن السير بسبب أو بدون سبب حتى لو اختلق مشكلة غير موجودة.

إذا كانت البطالة سبباً رئيساً لتزايد حوادث السرقة فإن تدني الأجور سبب هام في حدوث الفساد في الوظائف الدنيا.

فِـلم بطولـة البـطالة

مما شاهدته وسمعته (إما بحكم العمل الإداري أو بحكم الفضول الصحفي) من حاجة بعض أبناء هذا الوطن للعمل، اي عمل، ومعاناتهم من البطالة القاتلة وربما فقرهم وافتقار أسرهم لأبسط سبل العيش والتعايش مع مستجدات هذا العصر المادي بفواتيره وارتفاع اسعار مستلزماته الأساسية من غذاء ووقود ووسائل تدفئة أو تبريد ووسائل تنقل بين الأطراف المترامية.
أقول مما شاهدته وسمعته أجدني مضطراً إلى اقتراح تكثيف العمل الإعلامي لنقل الصورة الفعلية لهذا الواقع الأليم ولتكن المبادرة من القناة الرياضية التي تابعت من خلالها عدة أعمال صحفية ميدانية جيدة ومكلفة مثل حلقة “وين رايح” التي لا يمكن مقارنة الهدف منها ومردودها بحلقة عن البطالة ونقل معاناة شباب يبحث عن أي عمل ويعاني من هستيريا البحث عن مصدر رزق ثابت.

أعتقد أن الشريحة المستهدفة بالتوعية بهذا الواقع الخطير هم شريحة رجال الأعمال والقطاع الخاص بصفة عامة، ولا أقصد هنا التوعية الروتينية المتمثلة في الحث على السعودة وتوفير وظائف للسعوديين.

أريد من صحفي تلفزيوني بارع ومخرج وطني متحمس أن يجمع عدداً من الشباب في مكان محدد “لابد أن يكون المكان كبيراً بحجم ملعب كرة قدم ليتسع للأعداد الكبيرة التي سوف تتوافد” ويدع الميكرفون والكاميرا تنقل مشاعر التوسل والرجاء والألم الذي يعيشه كل واحد منهم وتترك له الحرية ليصف حجم المأساة التي يعيشها بسبب البطالة واستعداده للقيام بأي عمل شريف وعدم منحه تلك الفرصة في وقت تدق أرقام العمالة الوافدة من كل حدب وصوب أجراس الخطر من كل النواحي الاقتصادية والأمنية والاجتماعية.

أريد من المخرج أن ينتقي عدداً ممن يصفون معاناتهم وتصاحبهم الكاميرا إلى حيث يقيمون وتنقل معاناة أسرهم ووصف جيرانهم لمعيشتهم وكيف أن البطالة حولتهم إلى قنابل موقوتة يسهل على كل من أراد أن يعبث بها ويوسوس في عقول أفرادها.

نريده فلماً وثائقياً سريعاً عله يحرك المشاعر الساكنة والضمائر النائمة في الشركات والمؤسسات والشركات العائلية التي لازال أصحابها يعيشون على أنقاض حجة قديمة واهية مفادها أن المواطن السعودي لا يقبل إلا بعمل إداري مريح.

أريد لهذا الفلم ان يعرض في كل منتدى اقتصادي وكل مؤتمر وندوة او تجمع لرجال الأعمال لأنهم بحق في حاجة لتوعية فعلية وتجديد لأفكار قديمة، بحاجة لأن يروا ما رأيت ويسمعوا ما سمعت!! لقد رأيت شباباً أضناهم البحث عن وظيفة حتى دب فيهم اليأس وأصبحوا لا يصدقون عندما تقول قبلناك فيصاب بحالة هستيرية كمن وجد راحلته بعد طول ضياع وعطش وإرهاق.

من يسعفني؟!

لازال الناس يعانون أشد المعاناة من رفض المستشفيات والمستوصفات الخاصة للحالات الإسعافية بحجة أنها حالات حرجة في نظر أطباء الإسعاف في القطاع الخاص ومعظمهم من المتعاقدين الذين يقعون تحت ضغط شديد من المالك أو الملاك يتمثل في التشديد على الأطباء بعدم قبول الحالات الإسعافية بحجة أنها تشكل عبئاً على كاهل المستشفى أو المستوصف!!.
الملاك يستغلون أسوأ استغلال عدم وجود تعريف واضح وصريح للحالة الحرجة أو الحالة الإسعافية وهو غياب طال كثيراً لهذا التعريف وعدم وجود مواصفة واضحة (كريتيريا) للحالات التي يعتبر المستشفى أو المستوصف الخاص ملزماً بقبولها وهذا الغياب أدى إلى اعتبار كل الحالات أو جلها حالات غير إسعافية وغير حرجة في نظر الملاك وليس العكس أي ليس اعتبار جميع أو جل الحالات إسعافية أو حرجة، وانعكاس المفاهيم هذا شأنه شأن كثير من الممارسات يعود إلى أن الطرف الأقوى هو التاجر!! فهو من يستطيع فرض ارادته على مواطن أو مقيم فجع بإصابة لأحد أفراد أسرته وليس في وضع يسمح له بالتفاوض أو حتى الشكوى “هذا إن وجد من يستقبل شكواه”.

المستشفيات الحكومية هي الأخرى أصبحت مستشفيات قطاعات خالصة لا تقبل معالجة غير منسوبي القطاع وتحد كثيراً من قبول الحالات الطارئة لكنها تتميز عن المستشفيات الخاصة بأن القرار لا يتدخل فيها الجانب المادي التجاري والأمر متروك لقرار طبيب الإسعاف لكن هذا القرار محفوف بقلق يرجح جانب رفض الحالة وليس كما في السابق حين كان إسعاف المصاب وإبقاؤه عدة ساعات أو استضافته منوماً عدة أيام للتأكد من سلامته تماماً هو السائد.

لقد كنا أجمل كثيراً حينما كان أطباء المستشفى يحاولون إقناع قريب المريض أو هو نفسه بالبقاء للتأكد من سلامته وكانت المستشفيات تشتكي من أن “عدم وعي” بعض المرضى أو أقربائهم يجعلهم يصرون على خروج المريض ضد المشورة الطبية.

أما الأن فإن الشكوى قد تحولت إلى “عدم قدرة” المريض على الحصول على الرعاية الطبية التي يحتاجها ويستحقها.

إن من المرفوض وغير اللائق أن ينتقل أب بابنه المصاب في المقعد الخلفي لسيارته يبحث عمّن يسعفه وأن نتحول في غمضة عين من حالة “من يقنعني ؟” إلى وضع “من يسعفني ؟!”، كل هذا ونحن نقف في مصاف الدول المتقدمة في المجال الطبي.

والصيدليات لا تناوب

هدية للصحة ملاحظة تهديها زاوية بصوت القلم للرقيب في صحة الرياض إذا كان ثمة رقيب، فالصيدليات الأهلية التي تزين لوحاتها الكبيرة جداً بعبارة “خدمة 24ساعة” تغلق أبوابها صباح يوم الجمعة تماماً منذ الفجر رغم أن الإقفال للصلاة يفترض أن لا يبدأ قبل العاشرة والنصف وغني عن القول أن مرضى الضغط والسكر وغيرهم يفترض أن لا ينقطعوا عن الدواء ساعة واحدة ناهيك عن أمراض الأطفال والأمر لا يحتاج إلى ترجل الرقيب من سيارته فالسلاسل واضحة وإذا كان الأمر كذلك فإننا نسحب المطالبة بمنع بيع الدواء في البقالات ولا مانع من بيعه في “كل شيء بريالين” ويؤسفني كصيدلي أن نرضخ لذلك.

العشب لنا

تعامل البعض منامع ما أنعم الله به علينا جميعاً هذا العام من نعمة اخضرار الأرض واكتسائها حلة خضراء لاينم بكل أسف عن وعي ولا عن حب للأرض ولا عن احترام لحق الآخرين في الاستمتاع بهذه النعمة، كما انه والعياذ بالله دلالة على عدم شكر البعض للنعمة وهو ما يهدد بزوال النعم.
إن ترك بقايا الفوط الصحية والفضلات الآدمية وأنواع النفايات القذرة تعج بها الرياح لتلوث أعشاباً أخرجها الخالق سبحانه وتعالى لتكون للأرض جمالاً ولنا متعة وللأنعام طعاماً ولنا منها منافع ومن بعضها علاج، أقول إن إهانتها بهذه الصورة هو جحود لنعمة من أنزل على الأرض ماءً فاهتزت وربت، قبل أن يكون أنانية وإساءة للآخرين وحرماناً لهم من الاستمتاع بنفس النعمة والجمال وإضرار وضرر لرعاة الأغنام وجعل أغنامهم تقتات على مثل تلك المواد والنفايات الخطرة وهي في النهاية لحوم نتغذى عليها، ولو أدرك حتى الأناني هذه الحقيقة لربما تراجع عن ذلك السلوك لأن الأناني بطبعة لا يكف إلا عن ما يسيء له ولأولاده!!

منذ أسابيع وبمناسبة ارتواء الأرض وظهور بوادر العشب كتبت داعياً إلى وقف ممارسات وضع اليد على بعض ما حبانا الله إياه في هذا الوطن من نعم جمال الطبيعة برياضها ونفودها ورمالها ووديانها وراجياً صاحب اليد الطولى في محاربة الفقر ومنع التعديات على شواطىء المدن الساحلية والحرب على الفساد الإداري أن يوقف التعديات المتمثلة في وضع اليد على منابت العشب ومجاري الأودية والمرتفع من الرمال.

وما حدث هذا العام وأثناء إجازة عيد الأضحى المبارك من استمتاع وابتهاج الجميع بنعمة جمال طبيعة الأرض وتعامل الغالبية منهم مع هذه النعمة بطريقة صحيحة تنم عن وعي تجعلني اؤكد على تلك الدعوة وذلك الرجاء باتاحة الاستمتاع للجميع، وفي الوقت ذاته أعتقد أنه حان الوقت لنتعامل مع المخالفين والجاحدين للنعم بطريقة عصرية تتمثل في فرض جزاءات وغرامات فورية على كل من يهم بمغادرة موقع دون إزالة مخلفاته وحملها إلى صناديق النفايات التي وفرتها البلديات فعلاً هذا العام رغم بعد المسافات.

إن مثل هؤلاء المخالفين هم من يفترض الاقتطاع من أموالهم مبالغ رادعة وسنكون في قمة السعادة عند فرض الغرامات عليهم وايداعها في المال العام، وأرجو أن لا يقول قائل أن التطبيق صعب أو مستحيل لأن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من دورية في كل دائرة نصف قطرها 50كم ثم ان احتمال إيقاع غرامة هو في حد ذاته رادع لأن الأناني بطبيعته حريص على ماله وما يملك ونحن لدينا الآن إمكانية تسجيل المخالفة على رقم لوحة السيارة لتنعكس على السجل المدني فورياً فلماذا لا نستفيد منها؟! ثم إن تسيير الدوريات سيخدمنا في نواحي الانقاذ والتوعية والجوانب الأمنية وجميعها نحتاج إليها بمثل حاجتنا إلى تحصيل الغرامات.

الحوادث مسؤولية المنظمات الإسلامـيـة

حري بالمنظمات والجمعيات الإسلامية في أنحاء المعمورة أن تلعب دوراً لا يقل أهمية عن نشر الإسلام والعناية بأحوال المسلمين ألا وهو توعية الحجاج باحتياطات السلامة عند أدائهم مناسك الحج.
من غير المقبول أن تهدر أرواح المسلمين بالمئات كل عام لأن عدداً منهم يفتقد للوعي وينقصه الإلمام بما يحقق سلامته وسلامة غيره ولا يستطيع الجمع بين أداء الفريضة بما في الإسلام من يسر وتسهيل مع اتقاء الخطر على النفس.

الواضح جداً أن درجة الحماس لأداء بعض المناسك تفوق حد اتقاء الخطر وأن بعض الحجاج يغلب حماسه وعاطفته على عنصر أهم وهو حماية النفس المسلمة وإحياؤها، هذا في جانب الاندفاع الخطر، أما الجانب الآخر الذي لا علاقة له بالحادث ولكنه ذو علاقة بالمنسك والوعي الديني بالهدف من كل عمل كلف به الحاج فهو ما يتمثل في بعض التصرفات أثناء أداء المناسك مثل رجم الجمرات بالأحذية والأحجار الكبيرة والصراخ شتما وسبا وكأنه يخاطب ابليس موجها له اللوم على ما حدث في حياته وهي بدع تنم عن عدم وعي وقلة توعية، لكن ما يتعلق بالحماس الذي يشكل خطرا على حياة المسلمين هو موضوعنا اليوم والذي أرى أن المنظمات والجمعيات الإسلامية والدعاة الذين يجوبون الكرة الأرضية “جزاهم الله خير الجزاء” يعتبرون جميعا مسؤولين عنه، ومن واجب تلك المؤسسات وأولئك الدعاة أن يجعلوه من أهم أساسيات عملهم الدعوي.

إن وفاة مئات أو حتى عشرات الحجاج سنويا قد يستخدم للإساءة للإسلام والمسلمين لوصمهم من قبل أعدائهم بالتخلف وعدم الوعي وهو من أسباب إعاقة الدعوة للإسلام والإساءة إليه إلى جانب إزهاق أرواح المسلمين.

إن توعية وفود الحجيج بعد وصولهم لا تكفي ولن تكفي ما لم يتم توعيتهم بالصوت والصورة قبل قدومهم وعلى مدار العام وليس فقط في موسم الحج، وهذا أحد أهم أدوار الجمعيات والمؤسسات والمنظمات الإسلامية ويجب أن تدعم ماليا لأداء هذا الدور دون مراعاة لتوجهات بعض الدول الغربية وعلى رأسها شيطان العصر امريكا في الحد من دعم تلك المنظمات، إننا ندعمهم لنشر الوعي وحماية الإنسان والحفاظ على حياته.