اليوم: 10 يوليو، 2004

أزمة انطباع

المشكلة أننا تعودنا أن تكون قراراتنا مبنية على انطباع، مع أننا نعيش في عصر الدراسات والإحصاءات والنسبة والتناسب والقرارات المعتمدة على معلومات احصائية وحقائق وليس مجرد انطباع مبني على مشاهدة واقعة قد تكون نادرة أو سلوك قد لا يكون شائعاً.
عدوى الانطباع انتقلت وانتشرت واستشرت بفعل غياب أو تغييب الدراسات والاحصاءات فلم تعد مقتصرة على صدور قرار مبني على “إشارة لما لوحظ” أو تطبيق مقترح أساسه انطباع شخص واحد نقله وضخمه واستصدر فيه قراراً ملزماً. أي لم تعد العدوى منتشرة في دوائرنا الحكومية بل تأثر بها القطاع الخاص والأهلي ثم المجتمع ثم الأفراد فرداً فرداً (أعلم أن الطبيعي هو أن نبدأ بالأفراد كوحدة ثم ننتهي بالمجتمع ككل لكنني قصدت أن أقول إن النظرة العامة الانطباعية أصبحت ديدن كل فرد حتى في حياته الخاصة والعامة طبعاً).

الطريف أن الفكرة الراسخة نتيجة انطباع شخصي لا يغيرها إلا انطباع مخالف لنفس الشخص، وإذا ما كان هذا الشخص هو صاحب القرار فلا يمكن لآثار انطباعه أن تزول، ما لم يتغير انطباعه الشخصي أولاً ثم يصحح ما أفسده انطباع سابق!!.

الأمثلة كثيرة جداً وفي مجالات شتى ولكن دعونا نستشهد بمثل واحد لكل صنف وأعني انطباعاً حكومياً وآخر قطاعاً خاصاً ثم انطباع مجتمع وانطباع فرد:

حكومياً كان الانطباع أن وظيفة مذيع تلفزيوني لا يمكن أن يقوم بها سوى اثنين أو ثلاثة لا غيرهم خاصة في المهام الصعبة والفقرات الهامة وأهمها نشرات الأخبار ولعل قناة الإخبارية والقناة الرياضية غيرتا هذا الانطباع بطريق الصدفة عندما برز أكثر من مذيع سعودي شاب وأبدوا مقدرة فائقة في قراءة الخبر والثقة في النفس والظهور البهي وأبدى عدد من المحاورين ذكاءً وفطنة واختياراً دقيقاَ للسؤال في مواقف عصيبة وعلى الهواء مباشرة، فبعد أن جازفت كل من الإخبارية والرياضية وعاندت ذلك الانطباع خرجنا بكم كبير من المذيعين الناجحين.

في القطاع الخاص لا يزال الانطباع بأن الشاب السعودي غير جاد في عمله ويريد وظيفة إدارية هو الانطباع السائد رغم أن وزير العمل نفسه لديه عكس هذه القناعة ويحاول جاهداً تغييرها بالتصوير تارة بزي الطباخ وتارة مع الحلاقين. لكن القطاع الخاص يحتاج إلى إقناع كل هامور بتجربة شخصية حتى يزول الانطباع.

على مستوى المجتمع فإن ثمة انطباعاً سائداً بأن السياحة الداخلية مكلفة جداً وأن الإيجارات مرتفعة وهذا الانطباع أسهمت أزمة التأشيرات بعد أحداث 11سبتمبر في تغييره بالتجربة لدى كثيرين لكن مهمة الهيئة السعودية للسياحة أن تسعى لتغييرها تماماً عن طريق مزيد من التحكم ومزيد من الإعلام المقنع وإن كنت شخصياً سبق أن كتبت ما ينفي تماماً مثل هذا الانطباع بشرح تجربة شخصية في عسير نشرتها في هذه الزاوية ونشرتها جريدة الوطن في صفحة كاملة.

وعلى المستوى الفردي أعتقد أن انطباع معالي وزير التربية والتعليم بأن إنجازات وزارته على ورق الصحف تعادل الإنجازات على أرض الواقع يعتبر من الانطباعات الفردية التي يصعب تغييرها مثلما يصعب تصديقها!!