اليوم: 1 ديسمبر، 2004

القرار الهش

حقيقة أستغرب كثيراً هشاشة القرار لدينا فيما يختص بما يضر بالصحة من الأغذية والمشروبات عديمة الفائدة والتي هي في الواقع ضرر في مجملها وليس لها أي مردود صحي ايجابي أو أي قيمة غذائية على الإطلاق.
ومصدر الاستغراب الشديد هو اننا نمتلك قدراً كبيراً من الإدراك لاقتصاديات الصحة وتكلفة علاج آثار ما يضر بالصحة سواء في أجهزتنا الحكومية أو مؤسساتنا العلمية ومواطن صنع القرار أو تقديم المشورة حول القرار، هذا من جانب الإلمام باقتصاديات الصحة.

ومن جانب إدراكنا لمستوى الوعي الاجتماعي المتدني لدى عامة الناس ومعرفتنا بعدم قدرة نسبة كبيرة منهم على استيعاب التحذيرات الصحية والنصح فإننا أيضاً لدينا خلفية جيدة تدرك اننا لا يمكن أن نقارن في هذا الجانب “وأعني مستوى الوعي الاجتماعي” مع دول متقدمة يكفي النسبة الكبرى من شعوبها أن تعرف الحقيقة لتقرر الامتناع عن تناول ما يضر من عدمه ولعل لنا في التدخين عبرة فبالرغم من أنه اضمحل في دول أوروبا واختفى تقريباً في ولايات أمريكا إلا أنه في ازدياد عربياً وخليجياً وفي بلادنا تحديداً رغم تكثيف الحملات التوعوية والجهد العظيم للقائمين على مكافحة التدخين وعلاج إدمانه.

هشاشة القرار الذي يتخذ حيال المشروبات والأغذية المضرة بالصحة لا يتناسب مطلقاً مع ما ذكرناه من الوعي باقتصاديات الصحة وحجم الأضرار وشح الوعي الاجتماعي.

خذ على سبيل المثال ما يسمى بمشروعات الطاقة والتي لا أقول كثر الحديث، ولكن كثرت التقارير العلمية الموثقة عن انها مشروبات هدم طاقة صحية وجسمانية ومشروبات كلها ضرر صحي تنذر بأمراض نفسية وجسدية يصعب علاجها وتكلفته مرتفعة وما زلنا نتعامل مع أمر منعها بمنتهى الهشاشة تماماً كما فعلنا مع منتجات ولا أقول أغذية بالغة الضرر مثل “الشبس” و”الفشفاش” وما تحتويه من نسبة كبيرة من الصبغات الضارة التي لم ننجح حتى في منعها من التواجد في المقاصف المدرسية وحول المدارس إلا بقدر بسيط جداً وكأنها موضع خلاف.

نشرت جريدة الاقتصادية في عدد يوم الأربعاء الماضي 12شوال 1425هـ تقريراً موسعاً وملوناً مدعوماً بالصور وحديث الأطباء واخصائيي التغذية عن محتويات ما يسمى بمشروبات الطاقة من المواد الضارة التي لا علاقة لها بزيادة الطاقة الحرارية للجسم بل بزيادة الطاقة المنبهة مثل الكافيين والتورين والجنسنج وغيرها والتي تسبب أضراراً مثل القلق وزيادة حرارة الجسم وزيادة ضربات القلب واضطراب النوم وتسوس الأسنان والتبول والتعود والأعراض الانسحابية وتأثيرها على مرضى القلب والحوامل. ولو كانت تلك الأضرار أضراراً جانبية لدواء نافع في عمومه فإنها مدعاة لوقفه أو الحد من استعماله.

ومع أن هذه المشروبات ليست دواء ولا نفع فيها وتضر بالصحة وستكلفنا علاج هذه الأضرار إلى جانب الأهم وهو خسارة فادحة في صحة ونفسيات أجيالنا الحالية والقادمة كمواليد من أمهات يتناولنها على انها مشروبات طاقة فإن التوصيات والقرار لا تعدو ضرورة تسجيلها في وزارة الصحة و”التوصية” غير المنفذة بوقف تسويقها حتى يتم وضع تحذير أو لاصق يبين حقيقة محتوياتها وإزالة العبارات في الدعاية أو الملصق التي تشير إلى انها مشروبات طاقة.

هذا القرار أو التوصية الهشة التي لن ينفذ منها إلا خطوة أهش بكثير تفترض خطأ أن مجتمعنا يستجيب للتحذيرات الصحية وكأنه ليس نفس المجتمع الذي لا يكترث بلاصق التحذير على علبة السجائر إلا عند البحث عن تاريخ الانتهاء وكأن التدخين لا يضر إلا عند انتهاء تاريخ السيجارة!!.

للحديث بقية قريبة عن دور هيئة الغذاء والدواء التي لا تزال بعيدة عن القرار.