الشهر: ديسمبر 2005

بشوت المؤتمر الصحفي

مع الوثبة النوعية التي شهدناها فيما يتعلق بالشفافية والحوار ومواكبة الحدث بقدر كبير من الوضوح، كان من المفترض أن تشهد المؤتمرات الصحفية قفزة نوعية في مستوى التمثيل من قبل وسائل الإعلام بحيث يرقى حضور أي مؤتمر صحفي إلى مستوى وضوح وتجاوب المسؤول، لكن ذلك لم يحدث حتى اليوم من قبل كثير من وسائل الإعلام المحلية المقروءة والمسموعة والمرئية.
كان المؤتمر الصحفي في أيام خلت أشبه ببيان صحفي أو جملة خبرية يريد المتحدث من المؤتمر الصحفي ايصالها، وكان هامش التساؤل واثارة أي موضوع آخر ضيق جداً ناهيك عن فرصة طرح أسئلة حساسة، ولذا فقد كان من المقبول أن تخفض الصحف من تمثيلها في المؤتمر وترسل مراسلاً لا يتوقع منه أكثر من حمل جهاز التسجيل وبعض الأوراق المصورة التي تحوي معلومات تريد الجهة الحكومية ايصالها وحسب.

تلك المرحلة شهدت الكثير من الاساءات للصحافة نفسها والتندر على بعض المراسلين ممن لديه الجرأة على السؤال لكن ليس لديه الالمام بما يسأل عنه ولم يبذل جهداً يذكر للتحضير للمؤتمر الصحفي.

كانت أعصاب المسؤول قبل وأثناء المؤتمر الصحفي لا تعاني من أي قلق لأنه يعلم أن أحداً لن يفاجئه بسؤال محرج أو نبش في عمق مسؤولياته فحضور المؤتمر ليسوا أكثر من مستمعين يحملون مسجلات.

اليوم يفترض بالإعلام أن يتواكب مع ما نشهده من انفتاح وشفافية ووضوح ومرونة في تقبل سؤال الآخر، فيبادر إلى الرفع من مستوى تمثيله في المؤتمرات الصحفية والمناسبات التي يعقبها سؤال وجواب.

رفع مستوى التمثيل لا يعني بالضرورة أن يكون مندوب الوسيلة الإعلامية ممن يشغلون منصباً في إدارة التحرير وإنما ممن يمتلكون خلفية عميقة عن الموضوع والماماً شاملاً بأبعاده والأطراف ذات العلاقة إلى حد لا يجعل سؤاله مجرد استفهام وإنما اضافة وفتح ملفات.

نريد من مندوب الصحيفة أن ينقل تساؤلات المواطن والمقيم وأن يعود بما يزيل شكوكهم، ويوقف اجتهاداتهم وتوقعاتهم واشاعاتهم. نريد منه أن يفتح الملف الذي يتمنى الموظفون لدى ذلك المسؤول فتحه، لكنهم لا يستطيعون، لا أن يكون دوره أن يفتح الطريق للمسؤول لأن يعلن عن ذاته وانجازاته.

وأخيراً دعوني أقول أن (البشت) أو المشلح لباس رسمي نفخر بارتدائه في المناسبات الرسمية ذات الهدوء والحركة القليلة جداً والدبلوماسية والأناقة والصحفي عندما يمثل مهنته ويمارسها ميدانياً بالطريقة الصحيحة يفترض فيه أن يكون سريع الحركة متجرداً من المجاملة لا يأبه بهندامه وشكله بقدر ما يهمه مضمونه، وبالتالي فإن ارتداءه للبشت أثناء أداء مهمته ليس له غير دلالة واحدة.. هي أنه يريد للصحافة أن تقدمه لا أن يقدمها.

إشكالات بيروقراطية

في أحد مكاتب الضمان الاجتماعي جاء مستحق الضمان «المعتاد» يريد حقه فطلب منه الموظفون «ورقة» إثبات حياة. قال لهم أنا أمامكم حي أرزق وهذه بطاقة الأحوال وبها صورتي وتثبت أن الحي الذي يتحدث أمامكم هو أنا، قالوا له: احضر شهوداً!!. تصوروا أحضر شهوداً أنك حي (أليس الأمر مضحكاً؟!) فطلب منهم هم أن يشهدوا أنه حي فرفضوا بحجة أن الموظف لا يشهد.
منذ سنوات وفي مصلحة معاشات التقاعد عايشت بنفسي موقفاً لمراجع يدفع كرسياً متحركاً يقبع فوقه شاب معاق بشلل رباعي وقد نحلت وانحنت ذراعاه وساقاه وكان الموظف يريد إثباتاً بتقرير طبي أن هذا الوريث معاق ومستحق لتقاعد والده. وكان يتعامل بطريقة غير إنسانية مطالباً بإبعاد المعاق عن وجهه فهو يريد ورقاً لا إنساناً في كرسي.

مرافق المريض يقسم بربه أنه صرف مبالغ كبيرة (نسبة لحالته المستورة) دفعها لسيارات الأجرة متنقلاً من مستشفى لآخر يريد تقريراً يثبت أن هذا الشاب المعاق معاقاً!!، وأن المستشفيات ترفض بحجة انه لم يحضر خطاباً رسمياً من مصلحة التقاعد يطلب التقرير (عجباً ليس في عرف وزارة الصحة لدينا أن الإنسان من حقه أن يحصل على تقرير طبي عن وضعه إذا طلبه بنفسه).

لابد من خطاب رسمي، ومصلحة معاشات التقاعد وباسم موظفها الفظ الغليظ ترفض إعطاءه خطاب طلب تقرير للمستشفى فكاد المسكين والمعاق أن ينفضا من حول الموظف دون الحصول على حقه المشروع المستقطع من رواتب والده.

بعد تدخل الحضور وأنا منهم اقتنع رئيس الموظف بتوقيع الخطاب وطلب من الموظف إعداده فرفض «دلالة واضحة على غياب سياسات العمل وضعف المدير» لكن الخطاب كتب ووقع بتعاون المراجعين.

وزارة الصحة كانت طرفاً في أحد المثالين ممثلة بالبيروقراطية في أمر التقارير الطبية وليست على الإطلاق أفضل حالاً من وزارة الشؤون الاجتماعية.

السؤال الآن هل نحن وفي ظل هذه البيروقراطية التي ذكرت أمثلتها مهيئون لتطبيق الضمان الصحي التعاوني في عام 2007م أي بعد عام واحد؟!.

لنقل إن وزارة الشؤون الاجتماعية وعدت بصرف مستحقات الضمان شهرياً وبطريقة إلكترونية بنكية منظمة، هل يمكن لوزارة الصحة أن «تعد» تعد فقط بأن المرضى المؤمن عليهم لن يعانوا من بيروقراطيتها المتأصلة وهي التي أشرعت الضوء الأخضر أمام مستشفيات القطاع الخاص بعدم استقبال الحالات الإسعافية إلا إذا كانت حالات حرجة وذلك قبل أن تضع تعريفاً للحالات الحرجة بل ولم تضع هذا التعريف حتى يومنا هذا.

الجواب لدى المستشفيات الخاصة وشركات التأمين وشركائهم فيبدو أن الأمر كله بات تجارة حرة.

بدأت متسولاً

في أحد أيام الجمعة من رمضان شديد الحرارة اقترح علي احد اقاربي «يصغرني بسنتين يدعي دائماً أنها أربع» أن أفضل طريقة لتقطيع «بعد العصر» الطويل هو التجول في حراج ابن قاسم، على أن نصلي العصر في مسجد الحراج لنجد موطئ «كفر» للسيارة ثم نبدأ رحلة البحث عن جهاز بربع قيمته أو كتاب كان ممنوعاً أو قطعة أثرية.
انطلقنا مع أذان العصر من عمارتنا المسلح «الإسمنت سلاح غير ممنوع» وكان نادراً في حي ثليم حيث كنا نسكن مع مجموعة من الأسر النجدية الرائعة التي رحلت وتركت «ثليم» لعمالة وافدة غير أمينة حولته إلى وكر وهدف للمداهمات. كان حراج ابن قاسم «حذفة عصا» من ثليم فوصلنا وأدركنا الصلاة، وبعد الصلاة كان كل شيء يغري بأخذ قسط من النوم، حرارة الجو خارج المسجد، هدير مكيفات الفريون وبرودة الهواء المنساب ممزوجاً بهواء مكيف صحراوي.

قلت لقريبي «يازين النومه إلين يبرد الجو شوي» مط شفتيه إلى أسفل والحواجب إلى أعلى علامة الموافقة، أما أنا فتوسدت يدي اليمنى وغطيت وجهي بطرف الغترة ونمت، ومثل أي نائم لا أدري كم لبثت؟!، لكنني استيقظت على صوت المحرج يشدو «حراج وحده حراج ثنتين من يسوم الخربان؟! سكر في ماء لا تجروب ولا ضمان» باعة الحراج أمينون حتى في دعايتهم يذكرون السلبيات ويتركون لك الاستمتاع بالإيجابيات عكس كبار التجار.

صحوت وأقعدت ظهراً نحيلاً «آنذاك» ببطء شديد كمن يثني عمود «أم صتمه» والتفت أبحث عن الطاقية وأعدل الغترة فإذا بي أجد بجانبي مجموعة من النقود فئة ريال وخمسة وعشرة يتلاعب بها الهواء فوق صورة صك ومجموعة مفاتيح (مشهد متكامل لشحاذ مسجد حسن الهندام من فئة ارحموا عزيز قوم ذل). رفعت نظري فإذا بقريبي في الجانب البعيد يضع طرف غترته في فمه ليخفي ضحكة مدوية ونتوءات الشحم تنتفض داخل ثوبه الضيق فأدركت أنني كنت ضحية مقلب ذكي ومسلّ لشخص يريد أن يقطع الوقت وكان يحمل صك «وكالة» دائماً في جيبه!!، وضعه أمامي ووضع فوقه ريالاً كان كافياً لاجتذاب طيبة المتصدقين.

حمدت الله أنني نمت لأتسول ولم أتسول لأنام (!!) ولا زلت وقد عشت التجربة اربأ بقلمي أن يتسول أو أن يحارب متسولاً وأكاد إذا رأيت متسولاً نائماً في مسجد أن أوقظه سائلاً إياه «مقلب قريب أم مقلب رعاية اجتماعية؟».

حتى الآن لم أسال قريبي ماذا فعل بالنقود لكنني رأيته يجمعها ولعل الرد على مكره أن أترك مصير النقود معلقاً فمن يدري في أي سهم ذهبت سهم دنيا أم آخرة؟!.

أصحاب المعالي وصاحبة السعادة

أضخم ميزانية في تاريخ المملكة والتي أعلنت منذ أيام أستطيع أن اسميها ميزانية السعادة ، لأنها فعلا أدخلت في نفوس المواطنين بهجة وتفاؤلا افتقدناه طويلا وتستطيع أن تلحظه في وجوه الناس بل وسلوكياتهم ومشاعرهم ، ومن المؤكد أن ذلك سينعكس إيجابا في شكل تصحيح آلي وتلقائي لكثير من الممارسات الاجتماعية الخاطئة الناجمة عن الشد النفسي والقلق وسبق في مقالة بعنوان ( المواطن السعيد ) ذكرت انه مثلما أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف فإن المواطن السعيد أقدر على التحمل والعطاء والإنتاج من المواطن الكئيب .
كنا قد جربنا أعواما من الطفرة التي كانت لها سلبياتها مثلما كان لها الكثير من الإيجابيات ثم جربنا سنيناً من التقشف نتيجة لشح الميزانية صاحبها العديد من الظواهر السلبية التي لم نتعود عليها ، لكنها علمتنا أن نحفظ القرش الأبيض لليوم الأسود ، واليوم علينا في تعاملنا مع هذه الميزانية الأضخم في تاريخنا أن نستفيد من أخطاء الطفرة في جانبين هامين :

الأول: أن يتعامل أصحاب المعالي الوزراء مع الاعتمادات بطريقة تحقق الاستفادة منها في مشاريع دائمة طويلة الأمد تشكل بنى تحتية إما جديدة أو امتداد للقائمة حتى لو استغرقت هذه المشاريع وقتا طويلا ولم تؤت ثمارها أو تفتتح إلا بعد سنوات كثيرة مقبلة قد لا يشهدها الوزير نفسه ، فمشكلتنا التي تبدو مزمنة أن الوزير يستعجل تحقيق إنجاز يشهد تدشينه والحديث عنه في فترته وهو أمر غير ضروري فالإنجازات تنسب لأصحابها وإن طال الأمد ، كما أنها تبقى أصولا في الوطن و تجير له في النهاية وهذا الأهم .

الثاني: ضرورة الاعتماد على الطاقات الشابة التي يحدوها الأمل للعمل والتي لديها الاطلاع على تجارب الآخرين وسعة الأفق المبني على أساس علمي بكيفية الاستفادة من تجارب الآخرين وتطبيقها بعد تحقيق متطلباتها من جميع الجوانب وإيجاد الأرضية الضرورية للتطبيق، لا أن نعتمد على موظفين أمضوا عشرات السنين في الوظيفة دون أن يقدموا شيئا يذكر ، بل ربما كانوا عالة وحجر عثرة في طريق البناء بسبب توقفهم عند مرحلة محدودة من التعلم انتهت بتخرجهم وحصولهم على الوظيفة .

إن صاحبة السعادة ( ميزانية السعادة ) في حاجة إلى حكمة وتجرد أصحاب المعالي وإنكارهم للذات و عملهم الجاد فلا عذر لهم كما ذكر خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بعد إعلان الميزانية.

كما أننا في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في وظائف الوكلاء الذين لم يتم تدويرهم أو تجديد دماء وظائفهم وأعطوا مشكورين ما هو في حدود إمكاناتهم على مدى عشرات السنين ولم يعد لديهم حتى كمستشارين ما يتناسب مع المرحلة الحالية وآن الأوان لأن يقدم لهم الشكر الجزيل.

رد وزارة الصحة

بكل احترام قرأت تعقيب الزميل الصيدلي عبد العزيز بن عبدالله الصالح مدير عام الرخص الطبية وشؤون الصيدلة بوزارة الصحة حول ما كتبته عن رفع سعر الأدوية.. واتفق مع الزميل العزيز فيما ذهب إليه من أن الجدل يقوم على ركنين أساسيين هما الخلفية الثقافية الواسعة والمرجعية الفكرية وأضيف لهما القناعة بما تقول والأمانة في المنافحة تماما مثلما أن المسؤوليات الجسام تستلزم تأهيلاً علمياً وخبرة طويلة وحنكة وقوة شخصية ومن خلال معالجة وزارة الصحة لكثير من القضايا التي تعنى بإنصاف المريض من المتاجرة في الطب فإن المرء يحار في مدى توافر تلك المستلزمات في الوزارة من الرأس إلى أخمص القدم.
فيما يتعلق بارتفاع أسعار الأدوية المسجلة بعملة اليورو فإن الواقع المر أنها ارتفعت ولا وجود لوعود انخفاض نوفمبر 2005 ونحن في منتصف ديسمبر ويكفينا هنا ما ورد من وعد أن الوزارة (تسعى) لتثبيت سعر الدواء بالدولار وليس بأي عملة أخرى وأن ذلك سيتم خلال أشهر حسب الوعد وهذا يغني عن قول كل خطيب فيما عدا من سوف يتساءل (ولماذا لم يحدث ذلك قبل الرفع ؟! ومثلما سعى له صيادلة الوزارة في السابق ؟!)

وبالنسبة للفقراء والمحتاجين وتوفير أدوية الضغط والسكر لهم مجانا من قبل الوزارة فإنني أذكر الزميل الصيدلي عبد العزيز الصالح بل وكل مسؤول في الوزارة أن للضغط أدوية تصل قيمة الواحد منها 107 ريالات لعدد 28 حبة فهل توفر الوزارة هذه الأدوية مجانا ؟! أم أن على الفقراء أن لا يصل ضغطهم إلى مراحل متقدمة؟! وأتساءل كيف لهذا أن لا يحدث؟! ناهيك عن أدوية الكولسترول التي زاد سعرها ليصبح 8 ريالات للحبة الواحدة فهل وفرتها الوزارة للفقراء؟!.

عجبا يطلب مني التعقيب أن أثقف المريض بتوفر الأدوية المثيلة أو ما يعرف بالجنيسة المماثلة في الاسم العلمي وقبل أن أتساءل لماذا لم تقم الوزارة بالتثقيف؟! دعني أسأل ما فائدة تثقيف المريض بوجود أدوية بديلة رخيصة إذا كانت الوزارة غير قادرة على فرض كتابة الاسم العلمي على الأطباء ام اننا نريد ان نقول لمن لا يجد الخبز عليك ب (الكيك) وهل ثمة تفسير لعدم إجبار الأطباء على كتابة الاسم العلمي ومنح المريض حق الحصول على الأرخص غير ضعف الوزارة ؟!، تماما مثلما هو الأمر مع عدم القدرة على تطبيق النظام الذي يمنع الدعاية للأدوية والرضوخ لمطالبات رفع سعر الدواء .

نعم البدائل موجودة وبسعر رخيص لكن المطلوب ليس فقط (تثقيف) الجمهور كما ذكر التعقيب بل (توقيف) الأطباء عن التحيز نحو الدواء الأغلى سعرا و(تخفيف) روح النقابة لدى أطباء الوزارة بحيث تكون حماية المريض أولا .

أخيرا يرى التعقيب أن المقارنة بين ارتفاع أسعار الأدوية وبقاء سعر الدخان رخيصاً غير مناسبة ولم يبين لماذا !! وهو من أساسيات الحوار والجدل (إذا وجدت أركانه الأساسية)، وهنا أود أن أذكر أن مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث رفع دعوى قضائية على شركات التبغ ووكلائها بسبب ما يصرفه على علاج مضاعفات التدخين ومنها السرطان في المملكة وكان الأحرى بالوزارة أن تكون الخصم الأول للتدخين كونها تعالج مضاعفاته بدلا من أن تكون محامي الدفاع عن شركات الدواء وخصماً لمريض يدفع قيمة دوائه.

اعترافات مدير سارق

كلما عاشرت عدداً أكبر من البشر كلما أدركت ان الانسان مخلوق غريب الى درجة انه يحتوي على مجال مغناطيسي من حوله يمنعه من رؤية ذاته والاقتناع بأخطائه والاحساس بعيوبه مع انه يرى نفس الاخطاء وذات العيوب في غيره.
هذا الشيء لم يفت على الحكماء من شيابنا فقديماً قالوا في مثل نجدي «يشوف القذات في عين اخيه والرمح في عينه ولا يبصر!!» والقذات شانية صغيرة جداً تتطاير في الجو يبصرها المقصود بالمثل اذا وقعت في عين انسان آخر اما الرمح على كبره فلا يبصره ولو دخل عينه. اما في قصص التراث العربي القديم فقد روي مثلاً ان امرأة تقول لرجل دخل بها سراً بالحرام: يا ابا فلان ان الناس يتهمونني بمعاشرتك فرد عليها: «يخسون» وواصل ما جاء من أجله!!

كتبت ذات مرة عن المديرين الذين يسرقون انجازات وافكار موظفيهم ويجيرونها لأنفسهم ويحصلون بها على اعلى المراتب وذكرت انه تصرف لايليق ويتسبب في اخفاء الكفاءات الحقيقية المبدعة خلف ستار زائف هو رؤساؤهم الذين يدعون ابداع موظفيهم لانفسهم، وحدثني كثر عن تأييدهم لاثارة هذا الموضوع واستهجانهم الشديد للمدير الذي يخفي موظفيه ليظهر هو، والغريب ان احد هؤلاء المعجبين بالموضوع اصبح مديراً وبلغني انه ما استلم مقترحاً او فكرة اعجبته الا اعاد ترتيب حروفها بنفس الجوهر ورفعها لرئيسه على انها فكرته وابداعه قلت في نفسي ربما كان «يستغفلني» بادعائه اعجابه بما كتبت فدعني «اغافله» بتهنئة وسؤال عن تلك التهمة فلا خير في صحفي ينتقد الناس بما لا يجزم وجوده فيهم ولا انسان يضمر في داخله انطباعاً عن شخص دون ان يمنحه حق تصحيح ذلك الانطباع او تأكيده.

قلت له يقول موظفوك انك لا تسمي افكارهم بأسمائهم قال لي: يا اخي مشكلتهم ما يفهمون ان التسلسل الاداري يستوجب ان تكون الكتابة من المدير وليس صغار الموظفين، قلت له: وبهذا التسلسل متى يصبح صغار الموظفين المبدعين كباراً بإبداعهم وافكارهم ويأخذون فرصتهم؟! رد علي يا اخي اهم شي الوطن يستفيد من الفكرة بصرف النظر عن صاحبها ومن اوصلها.

قلت له انت وامثالك تريدون من الوطن ان يكون مسرحاً للدمى المتحركة التي تحركها انامل خفية من تحت الطاولة وتجعلها تتراقص بتناغم رائع، لكن ماذا لو انقطع الخيط الموصل بالاصبع الاوسط وسقطت الدمية على ركبتيها والاصبع يتحرك تحت الطاولة، ألن يكون في ذلك سخرية كبيرة؟!.

ثم باغته بالسؤال عن اعجابه بما سبق ان كتبته وهو ذاته ما يمارسه، فرد بارتباك ابداً الوضع هنا مختلف، فودعته مردداً «بل وضعك الذي اختلف!!».

تأشيرة «فتوة»

في قديم الزمان وعندما كنت في عنفوان الشباب أقبع في مستودع كفرات داخل منزلنا حوّره والدي رحمه الله ليصبح غرفة مذاكرة، عكر هدوء حارتنا، «ثليم» هدير سيارة وانيت أمريكي (يبدو أن تعكير الهدوء والأمن صناعة أمريكية قديمة استمرت) يتقدم تارة ويتأخر أخرى ويعانق جدران الطين بمقدمته مرة وبمؤخرته مراراً ويترنح في شارع ضيق يستخدمه الصغار استاداً رياضياً، مزروعاً بالاسفلت ومرماه كومة من الحجلرة بلا عوارض يحاولون فيه تقطيع وقت طويل لا يعرف الترفيه فكاد صاحب الوانيت أن يقطعهم ويقطع وقتهم ويمضيه إلى الأبد.
نزلت مسرعاً وقد علمت ان أحد الصغار خرج من منزلنا للتو فجزمت ان هذه الأصوات لعجلات تتناوب على جسده الرقيق ورغم الفرحة بسلامته إلا أن شدة الغضب تغلبت على حالة التردد والخوف في داخلي وقررت ان أدخل مغامرة أول عراك جدي قد أخرج منه مهزوماً بعين زرقاء، أو بدون عين، ففتحت باب (الوانيت) وكان أقوى عضلاتي آنذاك لساني فاستخدمته لإدخال الرعب في قلب الخصم بكلام لا أذكره والمؤكد انه لم يفهمه فقد أردت ان أكون ظاهرة صوتية كالعرب.

فوجئت وأنا أفتح الباب بشاب عريض المنكبين بارز الفكين، كبير الكفين فكدت أن أغير رأيي وأقول له «السلام عليكم فقط أردت ان اتأكد من أن الباب مقفول» لكنني شممت رائحة مبشرة فقد كان مخموراً ولعل من حقارة الخمر وخبث هذا الرجس انه يضعف صاحبه مهما بلغ من قوة أمام نحيل (آنذاك) خائف (حتى اليوم) مثلي، فأخرجته من سيارته واستدعيت الشرطة وكانت الشرطة آنذاك لقلة وسائل المواصلات تحمل المجرم والقابض عليه في نفس السيارة فالتفت إليّ وقال «سوف أشرب من دمك» قلت له «إن لقيت دم اًعقب شوفتك فاشربه ولن أستغرب لأنك ممكن تشرب أي شيء».

في الشرطة حرصت على أن أسجل في المحضر انه هددني وأي شيء يحصل لي فهو بسببه، لأنني أعلم انها المرة الأخيرة التي سوف أفوز فيها، لكنهم طمأنوني أن «السكران جبان» ودعوت الله أن يكون سريع النسيان أيضاً وقد استجاب لي.

حسناً.. تذكرت هذا الموقف وأنا أشهد أن ممارسات «الفتوة» زادت في مجتمعنا فهذا معلم يُضرب وذاك مبدع يهان حتى الموت وموظف «مفصول» يعتدي على مديره فيفصل شبكية عينه، فماذا حل بنا؟!

أعتقد ان علينا أن نتعامل مع مواقف «الفتوة» مبكراً وباجراءات رادعة قبل ان تصل لدينا إلى الحد الذي يصعب السيطرة عليه مثلما يحدث في الشام ومصر لأننا إذا لم نحسم أمر هذه الممارسات بعقوبات رادعة وسريعة لا تقبل روتين المحاكم العادية فإن علينا أن ننتظر ما حدث لغيرنا، حيث نحتاج إلى استئجار حراس أمن لتقوم بواجباتك الوظيفية التي يمليها عليك ضميرك، وعندها فإنه لابد لوزارة العمل أن تستحدث وظيفة «فتوة» وتقبل بمنح التأشيرات لها لأن في المجتمع من لا يستطيعون سعودة الوظيفة بالأجر المتوقع والمواصفات المطلوبة وعلينا أن نستقدم لها من الخارج.

والفتوة لمن لا يعرفها تسمية مصرية لشخص بدين طويل إذا أراد أن يصفع الواقف جلس وإذا رفع ركبته وافقت رأسك يهدد سكان الحارات ويحرس الراقصات من أزواجهن ومن الاعتداءات.

الجديد في غش شرائط السكر

منذ أن تشرفت بنشر خبر ضحايا شرائط تحليل السكر المغشوشة يوم الاربعاء الماضي وهاتفي المحمول لم يهدأ وكذلك الهاتف الثابت، وجميعها مكالمات لمواطنين ومقيمين يحترقون ألماً لما يتعرضون له من غش دون تحرك جهة لتحميهم ويزيدهم حرقة أنهم حتى على مرض السكر لم يخلوا من الحسد!!.
غني عن القول إن أكثر من 10٪ من مرضى السكر هم من الأطفال الذين لا يقدرون على التعبير عن حرقتهم بل لا يمكنهم الاستفادة من التوعية التي صاحبت نشر الخبر ولا يمكن لوالديهم إدراك تعرضهم لجرعة زائدة من الأنسولين أثناء نومهم وبالتالي فقد تموت أكبادنا التي تمشي على الأرض وهي نائمة.

في موقع جريدة (الرياض) الالكتروني وصل عدد التعليقات حتى ساعة كتابة هذه الزاوية صباح الجمعة إلى أربعين تعليقاً بعضها يتساءل عن تقاعس إدارة مكافحة الغش التجاري في حماية المستهلك من الغش واقتصار اهتمامها على حماية العلامة التجارية، والبعض الآخر يبكي بحرقة ما آلت إليه حال وزارة الصحة من ضعف في الرقابة وليونة في التعامل مع المتاجرة في الطب سواء كانت المتاجرة نظامية أو مخالفة وقد تساءل أحدهم بحرقة ما إذا كانت وزارة الصحة تجتهد في حماية المريض مثلما تفعل لحماية الطبيب وأنا أقول والتاجر.

هذا الكم الهائل من التفاعل مع المشكلة من الناس ليس مستغرباً ولا يعد اكتشافاً فالاكتشاف المذهل الذي نقلته تفاعلات القراء مع الخبر هو أن عدداً من مسؤولي المكاتب العلمية للشركات المصنعة للشرائط الأصلية تطوعوا أصالة عن أنفسهم ونيابة عن شركاتهم وخاطبوا إدارة مكافحة الغش التجاري رسمياً حول وجود شرائط مقلدة لمنتجاتهم تعطي قراءات خاطئة وتهدد أرواح المستخدمين.. فما الذي حدث؟!

مكافحة الغش التجاري أشعرتهم شفهياً أن عليكم أولاً تسجيل منتجكم كعلامة تجارية لتتم حمايته وعندها فإننا سنحمي العلامة التجارية إذا نما إلى علمنا أن أحداً يقلدها!!

يقول أحد المواطنين المخلصين في إحدى تلك الشركات إن إدارة المكافحة أصبحت تتوسل إليه بخطابات رسمية بعد نشر الخبر أن يزودها بتفاصيل شكواه مع العينات!!.

مواطن آخر أيضاً مخلص ويعمل في شركة مصنعة للأصلي طلب مقابلة وزير الصحة لابلاغه بأمر التقليد الخطير منذ عدة أشهر، وتركه مدير المكتب ينتظر لعدة ساعات وعندما ألح عليه بأنه متطوع لإبلاغ الوزير عن موضوع مهم (وشرح الموضوع) أبلغه مدير المكتب أن كل من في صالة الانتظار «يعتقدون» مثلك أن مواضيعهم مهمة، فحمل حقيبته وغادر!!

لابد أن مدير المكتب الآن يبحث عن المواطن الغيور ليتوسل إليه بالعودة.

لماذا يا جماعة لا نتحرك حتى نرى الصحافة تهز مقاعدنا؟! لماذا لا نتذكر دائماً أن حسيبنا الله يعلم سرنا ونجوانا وما تخفي صدورنا؟!

في جحيم من القُبل

كنتُ قد حذرت في أكثر من مقال سابق من خطورة انشغال موظفي الدوائر الحكومية والخاصة بمتابعة سوق الأسهم والبيع والشراء عن طريق الشبكة العنكبوتية، الأمر الذي أدى فعلاً إلى تأخر مصالح المراجعين ومعاملاتهم، بل أدى إلى عدم قدرة بعض الموظفين في مسؤوليات حساسة على مقابلة أصحاب الشكاوى واحالتهم إلى السكرتارية أو إلى موظفين لا يملكون القرار لإنصافهم وذلك لمجرد «تصريفهم» حتى يغلق السوق.
وبالنسبة للمستشفيات والدوائر الصحية فإن السلبيات لا تنتهي باغلاق السوق في الفترة الصباحية بل تمتد مع امتداد دوام المستشفيات في الفترة المسائية وتمتد معه المعاناة.

وفي الدوائر الصحية ذات الدوام المستمر من الصباح حتى بعد المغرب فإن فترة توقف سوق الأسهم بين جلستيه الصباحية والمسائية هي الفرصة السانحة لصاحب الحق ان يجد من يستمع إلى مطالبته حتى لو كانت تتعلق باهمال صحي أو جانب إنساني مهم ومع ذلك فإن فترة الهدنة القصيرة تلك تضيع على المراجع بين «فسحة» الغداء التي هي حق من حقوق الموظف يحرص عليه ويدركه ليس بذات الإدراك لحق المراجع طبعاً!! وبين نقاشات هاتفية وحضورية حول نفس الموضوع «تجارة الأسهم».

هذه الأسهم ضربت إنتاجية المجتمع في مقتل في مجالات شتى وأضرت بمصالح الناس عن طريق إهمال غير مشروع وانشغال غير مستحق وغير منصف.

الذي استجد يعتبر ضربة خطيرة جديدة تتخذ طابع المشروعية تتمثل في تحول كم كبير من الأنشطة الاستثمارية ذات الطابع الفردي أو الجماعي الصغير إلى الاستثمار في الأسهم مما عطل أنشطة عديدة وحول السيولة عن الاستثمار المفيد ذي الإنتاجية والمصالح المشتركة إلى استثمار في أرقام ووحدات وهمية لشركات لم تبدأ أعمالها بعد فأصبح تاجر الأسهم كمن يشتري طيراً في الهواء أو سمكاً في الماء وهذا نتائجه، على المدى البعيد، عندما يجد الجد وتقاس مكانة الدول بإنتاجيتها لا سيولتها، ليس من الصالح الوطني في شيء.

أتألم كثيراً وأنا أشاهد لوحات «للتقبيل.. لعدم التفرغ» تتزايد على واجهات أنشطة تجارية ذات مردود عملي، حتى أصبح اقتصادنا يعيش وسط جحيم من القبل.