الشهر: جانفي 2006

المكان المناسب

حسب معلومات عدد من القطاعات الحكومية الصحية الموثقة فإن كل قطاع انتدب عدداً كبيراً من موظفيه لحضور معرض ومؤتمر صحة العرب في دبي «هذا التجمع الذي تشد له الرحال من كافة أنحاء المعمورة لعرض أحدث المنتجات الطبية والصناعية الصحية وتُلقى في مؤتمره أوراق بحثية تميل إلى الجانب الصحي التجاري ويعتبر التجول في القاعات الثماني الرئيسة في معرضه والقاعات الأخرى الإضافية فرصة عملية لا تعوض ويفترض أن تستغلها الجهات التي أرسلت له من موظفيها».
وصل معدل من انتدبوا من بعض القطاعات الحكومية التي تهم الشركات إلى 120 موظفاً أغلبهم من المديرين التنفيذيين ومساعديهم ومشاركيهم !!.

كان ذلك حسب معلوماتي الموثقة، أما حسب ملاحظاتي الدقيقة فإن عددا قليلا جداً من السعوديين حضر إلى موقع المعرض وسجل، وعدد أقل بكثير تجول في المعرض واستفاد أما العدد الأكبر ممن تم انتدابهم فإنك تشاهدهم مساءً يتجولون في أسواق دبي، الإمارات مول، وابن بطوطة مول وغيرها وقد تورمت أعينهم من «النوم» أما عدد غير قليل ممن رشحتهم قطاعاتهم لحضور المعرض والاستفادة خاصة من المدراء التنفيذيين ومساعديهم فإنهم كانوا أكثر استهتاراً بالثقة الممنوحة لهم فلم يغادروا فنادقهم مطلقاً حتى لزيارة الأسواق ومشاهدتها والاحتكاك بالناس وتفرغوا للأكل والشرب بينما فوتت الفرصة على موظفين لهم طموح ورغبة في تطوير أنفسهم وإفادة قطاعاتهم بما ينعكس إيجاباً على توفير أجهزة طبية ومعدات وأدوية بأسعار منافسة ونوعيات وخيارات متعددة وجودة عالية .

ولأن القطاعات الصحية الحكومية حالياً يقوم عليها إما قليلو خبرة إدارية أو ضعيفو شخصية أو هما معاً فإنهم يعتقدون أنه طالما أن من سيتكفل بتكاليف انتداب الموظف هي شركة تجارية وأن الجهة الحكومية لن تدفع درهماً واحداً فإنها لا يجب أن تدقق في أمر التزام المنتدب بالحضور والاستفادة، على أساس فكرة جد متواضعة بل أقرب إلى السذاجة ومفادها أن «البلاش ربحه بين» .

هؤلاء المسؤولون بلغ بهم ضعف الخبرة والمجاملة وضعف الشخصية الإدارية أن نسوا أن ذلك المدير التنفيذي النائم في الفندق يكلفهم أجره اليومي المدفوع له وهو نائم، ويكلفهم ضياع فرصة استفادة موظف آخر من حضور تلك المناسبة على حساب نفس الشركة ولكن بمشاركة فعالة، ويكلفهم تراكم أعماله إذا كان له أعمال إدارية تتعلق بمصالح مرضى ومواطنين وقطاع صحي حكومي بأكمله، ويسبب ما تشهده تلك المؤسسة من شلل أثناء فترة المؤتمر والمعرض بسبب انتداب غالبية مديريها التنفيذيين لكي يناموا أو يأكلوا و«يشربوا» في دبي، نسوا أن ذلك يكلفهم خسارة عدد كبير من صغار الموظفين الطموحين الذين يصيبهم الإحباط عندما ينتدب غير الجادين فقط بينما يتركون هم المعنيون حقاً بتوفير الأجهزة والأدوات والأدوية وإجراء المفاوضات محرومين من فرص التطوير حتى المجانية منها !! والتي تتكفل بها الشركات .

إن المدير الضعيف الذي «يبصم» على مشاركة 80٪ من موظفيه التنفيذيين في مثل ذلك المعرض الهام لأنهم حصلوا على دعوات من شركات أو رشحوا أنفسهم للسفر على حساب شركات إنما يعرض منشأته لخطر الفساد الإداري فالشركات تسمي من ينفعها وكان يفترض به أن يرشح أسماء غير متوقعة ومستحقة ومضمونة الاستفادة .

أنا هنا لا أعني وزارة الصحة فقط ولا قطاعاً صحياً آخر بعينه ولكن يبدو أننا في هذه السنوات نعيش سنوات عجافا إدارياً لا بد أن ننهض منها قريباً إن شاء الله بإعطاء القوس لباريها والإدارة للمتخصص فيها، فأنا أستطيع تسمية السنوات القليلة الماضية والحالية إدارياً بسنوات الجمود، فلم نعد نرى المدير الحازم الذكي الخبير القادر على قيادة المنشأة الى بر الأمان .

ضرب عنق الحقيقة

كانت الإخبارية رائعة في تطرقها السريع لموضوع الساعة في وطننا الحبيب وهو موضوع تدوير مناصب 18 من المديرين في وزارة الصحة، وبمثل ما سعدنا بقناة شابة، أسعدنا أكثر مقدمو برامج شباب في جميع قنواتنا التلفازية أمثال د.عبدالله الطاير وعادل أبوحيمد وغنام المريخي وعبدالعزيز العيد وبتال القوس وعبدالعزيز البكر وعبدالرحمن الحسين وتركي العجمة وسعد الشملاني وغيرهم كثر من نتاج التجديد والفكر الإداري المتطور ومنح الثقة للشباب القادر على الإبداع والتحضير الجيد وقراءة أفكار وتوجهات ضيوف الحوار وتوجيه أسئلة تخدم مصلحة الوطن والوطن فقط.
في المقابل نأسف كثيرا لاستمرار كبار السن من الموظفين الحكوميين في مجاملة رؤسائهم حتى وهم يتحدثون عبر التلفاز حيث تتفحص (الكاميرا) كل تعابير الوجه التي توحي بأن المتحدث أقل الناس اقتناعاً بما يقول!!

لماذا تلوي أعناق الحقائق أمام ملايين المشاهدين العارفين ومنهم أستاذك وزميلك وطالبك وغيرهم من المتخصصين الذين يدركون أنك تناقض كل الحقائق العلمية والقناعات والمنطق.

كيف لأستاذ في الإدارة أن يجرؤ على القول أن سنة واحدة لقائد إداري كافية ليبدع في منصبه خصوصاً إذا كان ذلك المنصب جديداً عليه وليس ضمن خبراته العملية، وانه منقول من إدارة لا تربطها أدنى علاقة بالمنصب الجديد؟! هل يعتقد أن الوزير فقط من يشاهد الحوار المتلفز، أم أن مجاملة الوزير هي غايته التي تبرر كل وسيلة؟!

كيف لمسؤول مدور مرتين خلال عام واحد بعد عمر طويل قضاه في شؤون الموظفين أن يجرؤ على القول إننا نلاحظ في الوزارة تحسناً في كل الأمور، مع أن التدوير الحالي لم يتم شهره الأول والتدوير السابق لم يمض عليه سنة واحدة شهدت كماً مخيفاً من الزلات والأخطاء ذات العلاقة بصحة المواطن والمقيم وعلماً أن ذلك التغيير لم يشتمل على إضافة عنصر جديد واحد من خارج الوزارة رغم توفر الكفاءات المؤهلة في الوطن وفشل بعض من تم تدويرهم في وظائفهم السابقة؟!

لماذا يعتقد هؤلاء أن مناصبهم مرتبطة بمجاملة وزير وهم يعيشون في عهد تدعوهم فيه القيادة إلى مزيد من الشفافية والمصارحة وكل ما من شأنه غرس روح الحوار في نفوسهم بل إن خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – قام بتفعيل ممارسة الشفافية والحوار في كل شؤون البلاد؟!

لماذا يضربون أعناق الحقائق بسيف المجاملة ويمارسون تدليس الواقع ومغالطة الناس وأنفسهم؟! هل لأن تلك المجاملة طبيعة بشرية يصعب عليهم تغييرها حتى وإن كانت معطيات الوطن وتوجهاته تنبذها؟! أم لأنهم يعتقدون أن المجاملة في حيز عملهم تجلب المصالح الشخصية على حساب مصلحة الوطن.

ألم نتعلم درساً من دروس لي عنق الحقيقة من المقولة الشهيرة (كل شيء على أحسن حال) أو المقولة الأشهر «ان مخزون المياه لدينا يعادل جريان نهر النيل آلاف السنوات والتي نعيش بعد بضع سنوات من قولها رعب شح المصادر المائية وربما نضوبها؟!

إغماءة الصحة

عندما نتناول وزارة الصحة باللوم أو حتى بالنقد فلأننا نتعامل مع صحة وطن، صحة أجيال، صحة أجساد تشكل في مجموعها جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
كل الأمم باختلاف ثقافاتها وأديانها وطبائعها ترفض رفضاً قاطعاً أن تصبح صحة الإنسان حقل تجارب وهذا أمر طبيعي فطري لا خلاف عليه.

الأمر الذي لا يقل خطورة ولا إثارة للاستنكار أن تكون إدارة الصحة حقل تجارب، وضحية لاختبار قدرات أشخاص لأننا بذلك نعرض كيان وزارة الصحة للخطر.

معالي وزير الصحة أعلن نيته تدوير المناصب في الوزارة لأشخاص لم يمض على تدويرهم أو تعيينهم ثمانية اشهر وحقيقة كنت أعتقد أنها مزحة إعلامية، حتى بدأت فعلياً وبتبديل مراكز حساسة تحتاج إلى تأهيل من نوع خاص وخبرة وتمرس في مجال العمل وأمانة مجربة ومثبتة.

الصحة ليست مدرسة لتعليم القيادة، الصحة وزارة يفترض أن تستقطب أعلى المؤهلات، وأكثر الثقات، وأشرس الخبرات وأقوى الشخصيات، وتثبتها في المسؤوليات الحساسة ذات الطابع التنفيذي وذات العلاقة بنشاطات يومية تتعلق بذئاب المصالح التجارية وشركات دواء وقطاع صحي خاص ووكلاء دواء وملاك صيدليات ومستوصفات وغيرهم وهي مناصب في أمس الحاجة لمدير خبير موثوق، مستقر، ومؤهل نافذ الصلاحية لا مدير مدور تجده بالأمس بعيداً عن المواجهة واليوم سكرتيراً وغداً مسؤولاً تنفيذيا.

التدوير يجوز في وظائف فنية أو تخصصية تعتمد على كسب المزيد من المعلومات عن منشأة واحدة تقدم خدمة محددة، لا أن يطبق التدوير في مواقع إدارية تنفيذية ذات قرار حساس ويلعب فيها الإمضاء حداً قاطعاً كالسيف.

الصحة ليست لعبة كرة قدم تصدق معها نظرية الكرة الشاملة ويجرب فيها لاعب الوسط مدافعاً والمهاجم حارس مرمى!!، فالإدارة الصحية باتت علماً قائماً بذاته شديد التخصص دقيق التأهيل متعدد الفروع.

لطالما طالبنا وطالب كثيرون قبلنا وبعدنا أن تترك إدارة المنشآت الصحية للإداريين ويتفرغ الأطباء للطب وتعطى كل قوس لباريها وكل خبز لخبازه «على أن لا يأكل نصفه فهذا الشق من المثل غير مقبول هنا ».

ما لم تعد وزارة الصحة النظر في فكرة التدوير تلك فإنني «والله أعلم» أتوقع أن تشهد الإدارات العامة في الوزارة فوضى وارتباكاً لم تشهده من قبل وسيصاحبها ثغرات إجرائية ينتفع منها غير النظاميين من المتربصين في القطاع الصحي الخاص وأرباب المخالفات والحيل ونهازي الفرص ويعاني منها المريض والوطن وتكون الإغماءة هذه المرة من نصيب وزارة الصحة نفسها.

تعريفنا للحوار

في اللقاء الوطني الخامس للحوار الفكري الذي عقد في أبها وشهد أول نقل تلفزيوني مباشر لجلسات اللقاء ذكر أحد المشاركين ما مفاده أن الواحد من المشاركين يبدي رأيه متحدثاً لمدة ثلاث دقائق دون تحاور ومناقشة وأخذ وعطاء وهذا لا يمت لمفهوم الحوار بصلة ولا يعتبر حواراً!! وأعتقد جازماً أن معه كل الحق فيما قال فما تابعناه لا يعد حواراً على الاطلاق بل تجمعاً يتحدث فيه كل شخص عن موضوع محدد بما يراه حوله لمدة ثلاث دقائق يبدأ بعدها دق الخشب ليتوقف (بعض الشعوب العربية يعتقد خطأ أن الدق على الخشب يطرد العين والحسد، ولا أعتقد ان من يمنح فرصة محددة للحديث ثلاث دقائق عن موضوع محدد لديه ما يحسد عليه!!).
في أمسية أدبية رائعة كان يفترض أنها حوارية أيضاً منحت الفرصة لعدد منتق من الحضور للتحدث عن موضوع يحدده مدير الأمسية لوقت أطول كثيراً من ثلاث دقائق وتحدث عدد ليس بالقليل كل حسب رؤيته وأعجبني ما قاله الأديب الشيخ عبدالله بن دريس عندما وصف ما دار بأنه ليس حواراً بل أشبه بجلسة مفتوحة لمؤتمر قمة عربي عندما يتحدث كل رئيس بما لديه دون تحاور أو مناقشة.

المثالان يؤكدان أننا في أمس الحاجة للتحاور حول تعريفنا «للحوار» وما إذا كنا ننطلق من التعريف المعروف للحوار أم أن لدينا تعريفنا الخاص لاجتماع خاص ينفرد خلاله كل برأيه ويتحدث عنه و«يفضفض» في دقائق معدودة، ونرغب في تسميته حواراً أو لقاءً وطنياً للحوار!!

إذا كان من عيوب الحوار الحقيقي بمفهومه المتعارف عليه لدى كل الأمم، انه يطول وقد يتشعب إذا لم يتولّ ادارته شخص مؤهل ألمعي، قوي الشخصية عميق التجربة، وقد ينتهي بخلافات وعراك إذا لم ينعم المشاركون بروح احترام رأي الآخر والعقلانية، فإن للحوار بمفهومنا الحالي الخاطئ عيوبه الكبيرة والخطيرة أحدها انه يوحي بأن ما يقوله كل مداخل يقابل بصمت ينم عن الرضى وهذا غير صحيح تماماً مثلما أن تعريفنا الحالي للحوار لم يكن صحيحاً البتة.

عاصفة السعودة

لابد من التحذير من هدوء عاصفة السعودة التي هبت منذ عدة سنوات وبلغت الذروة منذ فصل العمل عن الشؤون الاجتماعية، لأن هذا الهدوء يفهمه بعض أعداء السعودة في القطاع الخاص على انه اليوم الأخير لنشاط وقتي، شأنه في ذلك شأن اسبوع النظافة او اسبوع الشجرة.
ولمن يستكثر استخدام عبارة (أعداء السعودة) على اعتبار ان السعودة خطوة وطنية ذات اهداف متعددة تصب في الصالح العام لهذا الوطن ومن المستغرب ان يكون لها أعداء في القطاع الخاص السعودي اؤكد له ان للسعودة مقاومين كثراً من صناع القرار في القطاع الخاص ومن بعض اعضاء مجالس الإدارة ومن بعض المديرين العامين في شركات كبرى ومن بعض مساعديهم.

من هؤلاء محبو الدينار والدرهم من صناع القرار او الملاك قصيري النظر ممن يرون في السعودة زيادة للمصروفات ولا يهمهم سوى استغلال فرص الكسب في هذا الوطن وقروضه وتسهيلاته ويتنكرون لاحتياجاته. ومنهم اعضاء مجالس ادارة تعنيهم ارباحهم ودخولهم الخاصة ولا تعنيهم تفاصيل سياسة واهداف المؤسسة او الشركة طالما انها تربح.

والمدير العام ومساعدوه يعيشون وهم خطر السعودة على مناصبهم، لأن السعودي لا يرضى بأي فعل لا يرضي دينه وضميره ووطنيته، والسعودي المتميز حتى لو كان في موقع وظيفي اسفل الهرم او اوسطه، الا انه يذكرهم بأن مواقعهم قد يتميز فيها غيرهم وهذا ما نقصده بالوهم!!.

هذه ليست نظرة تشاؤمية لوضع القطاع الخاص، ولا إطلالة على الوضع بنظارة سوداء، بل عصارة مشاهدة ومراقبة طويلة لوضع لم يتغير في عدد من شركاتنا الكبرى القادرة على تدريب وتوظيف السعوديين بل المحتاجة لتوظيف كوادر في مجالات ووظائف اساسية يشكل توظيف السعوديين فيها مصدر أمن وضمان للاستمرارية بعنصر وطني في متناول اليد وخبرة وطنية باقية، على عكس تلك الأجنبية المخططة للرحيل يوما ما. ومع ذلك يحاول ثلاثة او اربعة من المهيمنين على قرار الشركة تلافي توظيف السعوديين قدر الإمكان وبكل وسائل التهرب الممكنة.

وللأسف فرن من هذه الشركات شركات مساهمة هي من المواطن وله، ومنها شركات صناعية في مجالات حيوية ومهمة ذات علاقة بالأمن الدوائي او الغذائي التي يدفع الوطن والمواطن ثمن المجازفة بمستقبلها ومع ذلك يتقدم لهم سعوديون متميزون ومتخصصون في نفس المجال الصناعي او التجاري، تتمناهم الشركات المشابهة في الخارج ويرفضون في وطنهم.. لماذا؟!.

الأسباب لا تخرج عن أهداف شخصية ليس من بينها هدف واحد يخدم مصلحة الوطن او حتى الشركة على المدى البعيد وهدوء عاصفة السعودة يخدم هؤلاء كثيرا ويضاعف من ضحاياهم.. كل ما اتمناه ان لا تكون عاصفة السعودة موسمية وان تستمر على مدار السنة لتقتلع النوايا السيئة، وأن يتم التعامل مع أفكار ومقترحات وإجراءات وزارة العمل (وهي التي تبني المقترح على دراسة لواقع المشكلة) .. أن يتعامل معها وبسرعة على انها نظم وإجراءات نافذة لا مجال للنقاش حول استمرارها.

تجاوزات ظالمة

الممارسة ضد مرضى المستشفيات الحكومية ومرافقيهم التي تناولتها في مقالة الأحد الماضي والمتمثلة في تعاقد المستشفيات مع مؤسسات (ونوش) لسحب سيارات المرضى وحجزها وتغريمهم مبالغ مالية مقابل استلام سياراتهم تشتمل على عدة تجاوزات ذكرت منها ما له علاقة بالجوانب الإنسانية، وأذكر هنا ما يتعلق بعدم نظامية الاجراء وعدم مشروعيته و منها على سبيل المثال لا الحصر : أن التصرف في ملكية خاصة للمواطن أو المقيم (وهي هنا السيارة) لاتجوز ممارسته لغير الجهات المخولة رسمياً وهي المرور والشرطة ولا يحق لجهة صحية أو مستشفى فعل ذلك بنفسها فما بالك عندما تخول جهة تجارية بممارسة ذلك الفعل لتحقيق كسب مادي.
والثاني أن من خول بتحديد السيارة التي تسحب على أنها مخالفة هو عامل للمؤسسة وليس صاحب اختصاص في تمييز ما هو مخالف مما هو غير ذلك !!.

والثالث أن تحديد المبلغ جاء دون مسوغ نظامي أيضاً وبناء على اتفاق جهة حكومية غير ذات اختصاص مع تاجر مستفيد من زيادة المبلغ.

والرابع أن المبلغ إذا كان ضمن بنود الجزاءات والعقوبات فالمفترض أن يدخل خزينة الدولة وليس خزينة مؤسسة تجارية ولا حتى جهة حكومية غير وزارة المالية.

هذه التساؤلات وغيرها كثير لا بد من إثارتها بشدة والتعامل معها بحزم من قبل الجهات الرقابية ، أما نحن كصحافة فإننا لا بد أن نثير مسألة هامة جداً وهي مدى وعي المواطن بحقوقه وما يفترض أن يتقبله من عدمه وممن يتقبل الإجراء ولماذا ؟

إن علينا توعية المواطن والمقيم بما يحقق حمايتة من استغلال طيبته وتسامحه ، فإذا كان قد بلغ درجة كبيرة من تقبل ما تقرره الأنظمة في حقه فإن من حقه علينا توعيته بصفة دائمة ومستمرة بماهية الجهة أو الفرد الذي لديه الصلاحية لتنفيذ الأنظمة في حقه حتى لا يحدث ما يحدث حالياً من استغلال لهذه الطيبة من ممارسات.

من الإنصاف أن نقول أن الدولة تولي ما يتعلق بمصير المواطن و المقيم من قرارات أهمية كبيرة ورسمت لها آلية بالغة الدقة تكفل الإنصاف والحيطة إلى درجة أنها لا تصدر إلا بعد تمحيص هيئة الخبراء ومجلس الشورى وتصدر عن أعلى مجلس تشريعي هو مجلس الوزراء.

لكن الاجتهادات تأبى إلا أن تتدخل بطريقة غير مقبولة ولعل ما ذكرناه آنفاً أحد الأمثلة أما المثال الثاني فهو ذلك التصريح الصحفي من وزارة الصحة الذي يمنح المستشفيات والمستوصفات الخاصة رفض استقبال الحالات الإسعافية ما لم تكن حالة حرجه وذلك دون توفر تعريف للحالات الحرجة الأمر الذي جعل تلك المستشفيات تتفنن في رفض إسعاف المصابين وتتركهم عرضة للمضاعفات والخطر مع أن نظام الدولة في هذا الصدد واضح وصريح وقديم لا يفترض أن يلغيه تصريح صحفي!!.

مستشفيات تخالف توجّه الدولة

بينما تنتهج أجهزة الدولة المختلفة أرقى وأحدث أساليب التعامل الحضاري مع المواطن والمقيم في معظم مناحي الحياة وتحاول جاهدة تطبيق الآليات الحديثة وكل ما سخرته طفرة الالكترون للتسهيل على بني البشر ما أمكنها ذلك، فإننا نجد في المقابل ان عدداً من المستشفيات الحكومي يمارس ضد مرضاه ومرافقيهم أساليب أقل ما يقال عنها إنها تعيدنا عشرات السنين إلى الخلف (أساليب جد متخلفة) إلى جانب أن هذه المستشفيات تتجاهل تماما الجانب الإنساني وحقوق المواطن التي كفلتها الدولة، وهي بالمناسبة تمارس ذلك دون اذن رسمي ودون استناد إلى أساس نظامي أو قانوني أو أي حق يخولها لفعل ما تفعله بأكثر فئات المجتمع استحقاقاً للعطف والإنسانية وهم المرضى وذووهم .
أقول دون أي تخويل من جهات الاختصاص وعلى رأسها وزارة الداخلية وإمارة المنطقة تقوم بعض المستشفيات الحكومية بإبرام عقود مع (شركات) لتوفير عدد من سيارات السحب (ونش) وينص العقد على أن تتولى (ونوش) الشركة سحب سيارات المرضى التي لا تقف في المواقف المخصصة للمراجعين (المواقف بعيدة جدا عن العيادات بل عن المستشفى لأن الأفضلية لمواقف كبار الموظفين الإداريين ثم الأطباء ثم صغار الموظفين وأخيرا المرضى، مع أنهم الأقل صحة ونشاطا وقدرة على المشي).

سائق الونش في الغالب شرق آسيوي والشركة تتقاضى ما لا يقل عن أربعين ريالا من صاحب السيارة المسحوبة الأمر الذي جعل الشركة تتلهف لسحب أي سيارة حتى لو كان وقوفها لا يعيق حركة ولا يضر بالطريق فالمهم هو الأربعون ريالا ثم انها تحتجز السيارة في موقف بعيد جدا.

مجموعة ونوش تسحب سيارات مرضى جاءوا طلباً لتخفيف ألم فزادوهم ألماً وصراخاً وشجاراً مع عامل شركة ترك له الحبل على الغارب دون جهة محايدة تشرف على عمله.

تجولت في أسواق الديرة، أكثر مناطق الرياض ازدحاماً وارتياداً فلم أشاهد (ونشاً) يسحب سيارة وشاهدت قسائم مخالفة حضارية ومواقف وفيرة وقريبة ورخيصة (هذه هي الرياض عاصمة الإنسانية ).

مايتعلق بالممتلكات والعقوبات تحكمه انظمة يصدرها مجلس الوزراء فبأي حق يترك مصير مواطن مريض أو مقيم مريض في يد رجل واحد (حتى لو كان مدير المستشفى او القطاع الصحي) وهذا الرجل يجير التصرف في هذا المصير لشركة بل لعامل آسيوي يهمه أن تكسب شركته. فبعض السيارات سحب بعد الوقوف بدقائق أثناء إدخال الراكب إلى الإسعاف، كما أن السيارات التي تسحب لا تسد طريقا أو تمنع انقاذ مريض أو خلافه مما قد يصوره منتفع !!.

الأمر يحتاج إلى وقفة صادقة وإذا جاءت الوقفة الصادقة سوف تنكشف ممارسات كثيرة في حق المرضى وهي بالتأكيد وللأمانة ليست سياسة الدولة .

شورى وشهرة

لأن نظام ولوائح مجلس الشورى لا تشتمل على أية فقرة تتيح لعضو المجلس أن يثير قضية أو يطرح توصية خارجة عن الموضوع المحال للمجلس للدراسة، فإن بعض الأعضاء يتحين فرصة مناقشة نظام وضع قائم ومعروف ليطرح فيه توصية قد تكون في تعقيداتها أكبر من النظام قيد الدراسة نفسه.
هذا الاستغلال للفرص قد يكون محموداً أحياناً ومفيداً للمجتمع وقد يكون غير محمود وغير مفيد للمجتمع في أحيان أخرى.

قد يستطيع العضو المتحمس لمشروع وطني استخدام هذا المدخل لفتح آفاق واسعة ولفت النظر الى قضية ما كان لها أن تنظر لولا مبادرته الوطنية، فيتبناه المجلس بصمت وهدوء ويحقق مصلحة وطنية ويعالج مشكلة وتسجل لذلك العضو مبادرته داخل أروقة المجلس بصمت ولا ينتفع شخصياً أكبر مما انتفع أي مواطن.

وقد يستخدم عضو آخر نفس المدخل لاقحام توصية في النظام رغم بعدها عن واقعية النظام قيد الدراسة ويتسبب في استعجال طرح قضية قبل نضجها وقبل أوانها لتولد ولادة مبكرة أقرب الى الإجهاض منها الى الولادة فيحصل رفض بعد زوبعة لا يستفيد منها إلا العضو نفسه بتحقيق شهرة لشخصه أو فرض استقرار لعضويته على أساس أنه بذاته يتحول الى قضية اذا أثار قضية واشتهر بها بصرف النظر عن واقعيتها من عدمه.

لعل الاستشهاد بمثال يجعل ما أريد الوصول اليه أكثر وضوحاً فعندما طرح كل من الدكتور محمد آل زلفة و د. عبدالله بخاري منذ مدة موضوع قيادة المرأة للسيارة كان المجلس يناقش نظام المرور ولم يكن لمناقشة النظام المطروح أية علاقة بمن يقود السيارة أو أدنى مجال لمناقشة أمر ذي علاقة بتوجه اجتماعي صرف ولعل ما ذهبا اليه آنذاك من استغلال فرصة مناقشة نظام المرور لطرح توصية بحث موضوع قيادة المرأة للسيارة وأثارا زوبعة اجتماعية لا تزال تعصف، يجعلني أطرح تساؤلاً أحسبه بالغ الأهمية وهو ماذا لو أن كل عضو من أعضاء مجلس الشورى قرر طرح توصية عند مناقشة أحد الأنظمة من شأنها أن تصرف الأضواء عن النظام الأصل؟! لك أن تتخيل درجة الفوضى التي ستحل بآلية المجلس في مناقشته لقضايا أساسية وهامة وحيوية وذات أولوية لأن مجتمعنا في أمس الحاجة لها، وكيف أن المجلس سينشغل عنها بأفكار وطروحات وتوصيات فردية خارج صلب الموضوع.

لابد من أن تعالج لوائح وأنظمة المجلس هذا الجانب وتسد الثغرات بوضع شروط دقيقة للتوصيات الفردية أهمها ارتباطها الوثيق بواقع النظام وتطبيقاته وقت الدراسة وتعريف دقيق جداً للتوصية ذات العلاقة التي يحق للعضو طرحها بدلاً من الاعتماد على المظلة الواسعة لمسمى نظام أو صفته.

التفرع خطير ومضيعة للوقت والجهد والتركيز وغالباً ما يشغل المتباحثين عن صلب الموضوع الأساسي ولنا في تجارب الآخرين عبرة فقد خرجوا عن نقاش ما يحكم علاقة الرجل والمرأة الى الانشغال بحقوق الجنس الثالث والشاذين جنسياً.

الوزير والاستقداميون والمصارعة الرباعية

الأخطار التي تحيط بالوطن، كل الوطن من استفحال البطالة في المجتمع ينظر إليها الأعمى وتسمع من به صمم ولذا فإن الدولة أخذت على عاتقها علاج هذه المشكلة، وأرادت من القطاع الخاص أن يلعب دوره في دعم أمن الوطن الذي هو بالدرجة الأولى أمن للتاجر لكن القطاع الخاص «بعض التجار» يأبى دوما الا أن يكون غصة في حلق كل إنجاز معتقداً أنه يتعارض مع مصالحه لأنه لا يرى أبعد من أنفه.
دعونا نستعرض تجربة أحد الوزراء مع القطاع الخاص في محاولة الوزير لتنفيذ سياسة وطنه، ولعل من المصادفة أن يكون هو ذاته وزير العمل د. غازي القصيبي.

في وزارة الصناعة والكهرباء كتب له أن يواجه ملاك المصانع وشركات كهرباء مشتتة فأسس صناعة وطنية شقت طريقها اليوم ووحد شركات الكهرباء فأنار ظلمة طالما جعلت جيلنا يستذكر دروسه تحت ضوء الشموع والسرج في عاصمة النور.

في وزارة الصحة قاسى أكثر المواجهات عنفاً مع تجار الدواء وملاك المستشفيات وغني عن القول أن من يتاجر في صحة الناس يتسم ببسطة في الجسم وشح في العلم وذلك جد خطير.

في وزارة العمل يعكس مقال غازي القصيبي في جريدة «الاقتصادية» بعنوان «السعودة بين المنجزات وأوهام «الاستقداميين» نوعية من يكشرون عن أنيابهم في وجه وزير مخلص يريد لخطط الدولة في مواجهة البطالة أن تنجح.

إنهم هذه المرة ليسوا ملاك مصانع ولا أصحاب شركات ولا وكلاء دواء وملاك مستشفيات وحسب، إنهم خليط من الاستقداميين من كل هؤلاء.. هذه المرة المصارعة رباعية ضد رجل واحد لكنه عن أربعة نقول: «ما شاء الله لا قوة إلا بالله فليس من مصلحتنا ولا مصلحة الوطن أن يحسد القصيبي».

وزير العمل لم ينهج في رده عليهم اسلوب النفي الممجوج ولا ملاطفة الضعيف الساكت على ذنب، ولم يغالط في الإحصاءات والأرقام والحقائق، ولم يسئ إليهم شخصياً باختلاق تهم وتشكيك في النوايا دون أساس بين، لقد نعتهم بما يفعلون حقاً في حياتهم اليومية وهو أساس موقفهم المعادي للسعودة ألا وهو أنهم «استقداميون».

يقول لا فض فوه «استقدامي» هصور يتلقف شائعة كاذبة من صحيفة ويكر عليها شاهراً في وجهها شهادته العليا، و«استقدامي» باسل يزرع حقل ألغام ويفجره بناءً على معلومة سمعها في مجلس من مجالس المسامرة (المعروفة محلياً بالحش)، ومن مغالطات «الاستقداميين» النابهين أن وزارة العمل «تتشطر» على المؤسسات الصغيرة و«تخاف الكبيرة» مع أن الحقيقة أن السعودة لا تفرق بين مؤسسة صغيرة ومؤسسة كبيرة، النسب هي النسب ووسائل التنفيذ هي وسائل التنفيذ» .. (أ.ه).

وبالرغم من وضوح رده عليهم وصراحته ومباشرته إلا أنهم لا زالوا حتى هذا اليوم يتناولون موضوع السعودة بالهمز واللمز والمنّة على الوطن بتوظيف سعودي واحد وتهديد الوطن بنقل استثماراتهم للخارج فيتناولون الموضوع بكل أسف بعين عوراء لا ترى ما قدمه الوطن ويقدمه لهم، كما أنهم يكتبون بمغالطة واضحة تستغفل القارئ حين يذكرون ميزات ما يريدون وعيوب ما يريده موظف حكومي كما يسمونه.