الشهر: يوليو 2006

أمريكا وقناة الجزيرة صنوان كشفهما حميدان

لو قيل لك إن في فساد النية إيجابية لقلت إن المتحدث فقد عقله، ومع ذلك لا أجد غضاضة في القول إن (أجمل) ما في فساد النية على قبحها هو أن من يمارسها يستحيل عليه أن يخفي مشاعره ويتحكم في سلوكياته بحيث يبدو للآخرين حياديا أو (حقانيا) أو منصفا للطرف المستهدف.

يستحيل ذلك لأن تعبير النفس البشرية عما يدور في داخلها يفوق قدرة العقل على ضبط انفعالاتها و تعابيرها مهما بلغ هذا العقل من القدرة والدهاء.

قناة الجزيرة من قطر والولايات المتحدة الأمريكية مثال متطابق لما ذهبت إليه وفي مجالين متشابهين.

قناة الجزيرة التي استعجلت انتقاد موقف (السعودية) من الحرب في لبنان وسخرت كل من يجيد النعيق من غربان السياسة المتربصين لفرصة استرزاق عن طريق محاولة النيل من هذا البلد الذي يحمل هم الأمة ويمثل عقلانيتها ورزانتها. وقناة الجزيرة التي سخرت من التبرع المبدئي العاجل الذي قدمته المملكة كإغاثة عاجلة بخمسين مليون دولار وركزت عليه في برامجها الموجهة ضد المملكة.

نفس القناة أخرسها تماما الموقف الحازم لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز نحو الغطرسة الإسرائيلية، ذلك الموقف الشجاع الرادع غير المسبوق لم تتناوله (الجزيرة) مطلقا ولو كمادة إعلامية كونه موقفاً نادر الحدوث منذ حرب 73م.

التبرع السعودي السخي لإعمار لبنان (500 مليون دولار) ومليار دولار لدعم الاقتصاد اللبناني لم يحرك روح الصحافة في (الجزيرة) لمواكبة الحدث والتعليق عليه مثلما فعلت مع التبرع المبدئي العاجل للسعودية.

المضحك أن التبرع النهائي للدول العربية الأخرى بمعدل20مليون دولار (أقل من نصف التبرع المبدئي السعودي) والذي يشكل 4٪ من مساعدات الإعمار السعودية الجديدة لم تتناوله قناة الجزيرة بالنقد أو المقارنة مع المساعدات السعودية مما يدل أن الهدف ليس لبنان ولا شعب لبنان ولا ضحايا الحرب بل السعودية.

لو كان للعقل سيطرة على أهواء النفس لدى (الجزيرة) لكانت أظهرت ولو إيهاماً بالحياد وتعاملت مع الموقف الثاني بنفس مقدار التعامل مع الموقف الأول لتوهم جمهورها بالحياد , لكن فساد النية هنا أجبر(الجزيرة) على عدم إخفاء مشاعر الحقد على المملكة فعجزت عن تمثيل دور الحياد!! ولذا فأنا أعتبر هذه الخاصية في فساد النية جميلة لأنها تكشف الستار.

الولايات المتحدة الأمريكية أكثر أدعياء العدالة والديمقراطية أجبرها فساد النوايا نحو الإسلام والمسلمين على إظهار زيف ادعاءاتها فجاءت مواقفها من الاعتراض على وقف القتل في لبنان متوافقة مع ممارساتها في (غوانتانامو) وأبو غريب من حيث الافتقاد للحكمة في إظهار الحياد.

حميدان التركي (فك الله أسره) ضرب العصفورين (الجزيرة) وأمريكا بحجر واحد يتمثل في قضيته، فقد كشفت زيف العدالة الأمريكية لتصبح أقل بلاد العالم أمنا وأكثرها استهدافا وتجريدا من الحريات وحقوق الإنسان، وبينت أن (الجزيرة) لا تطيق التعامل مع أي (سعودي) حتى لو كان أسيرا في أمريكا طالما وقفت معه بلاده، فلم نشاهد أدنى إشارة من (الجزيرة) لقضية حميدان التركي أو وقوفاً إلى صفه ولو بعشر ما يحدث مع تيسير علوني أو سامي الحاج.

نحن لا نقول لا تتابعوا قناة الجزيرة فتلك حريتكم ولكن تابعوها بحس العاقل ودققوا في أهدافها ولا تنخدعوا، والشيء نفسه مع المبادئ الأمريكية المعلنة، قارنوها مع واقع أفعال أمريكا في الداخل و الخارج وستجدون أنها أكثر السياسات سلباً للحقوق والحريات?. ?

سياحة خليجية مشتركة

تشهد ولادة أي اتفاق خليجي مشترك مخاضاً صعباً وطويلاً وتنتهي غالباً بخروج الجنين بالمقعدة وهذا في علم الولادة، بل حتى لدى القابلات، يعني استحالة الولادة الطبيعية وتهديداً لحياة الأم والجنين .

صعوبة اتفاق دول الخليج العربي على مشروع مشترك أو تفعيل اتحاد خليجي في شأن اقتصادي أو حتى إجرائي كالتنقلات أمر لا يتناسب مع توفر المعطيات لهذا الاتحاد أو الاتفاق مثل تقارب العادات والتقاليد والظروف المعيشية وطبيعة السكان واللغة الواحدة والدين الواحد وغيرها من العوامل التي لم تتوفر للاتحاد الأوروبي مثلاً ومع ذلك حقق اتحاداً شبه تام وسوقاً مشتركة وعملة مشتركة وحرية تنقلات .

الغريب أن الحاقدين على الخليجيين ينظرون إليهم كوحدة واحدة ويوجهون لهم النقد والحسد بل والشتم على أساس أنهم خليجيون في بوتقة واحدة بينما لا يتعامل الخليجيون مع بعضهم كوحدة واحدة !!.

رغم كل المحن التي تعاملت مع الخليج كوحدة واحدة الا أن الخليج لم يتعامل مع نفسه كذلك فغريب جداً أن ينظر إلينا الخصوم كرقم واحد وننظر لأنفسنا على أننا ستة أرقام مختلفة !!.

وعلى أي حال فإن كل عوامل البطء والإحباط يجب أن لا تجعلنا نتوقف عن المحاولة تلو الأخرى، لذا فإنني أقترح فكرة سياحة خليجية مشتركة “دعونا نتحد ولو في السياحة”، بمعنى أن نحول خليجنا إلى وجهة سياحية واحدة نشجع عليها وإليها كسياحة داخلية خليجية بدلاً من السياحة الداخلية لكل دولة على حدة .

دول مجلس التعاون الخليجي لو توجهت مجتمعة لصناعة السياحة المشتركة فسوف تحقق استثمارات بينية وفردية ومشتركة كبيرة جداً.

لتحافظ كل دولة على قناعاتها ومسموحاتها وممنوعاتها ولكن تعمل معاً على استثمار عوامل الجذب لكل دولة فتكون السياحة الداخلية “خليجية” ووجهة السائح الأجنبي خليجية بتأشيرة زيارة واحدة لنسمها “خلجن” على وزن “شنجن” تسمح للسائح بزيارة شواطئ دبي وجدة ومصايف أبها وصلالة والشيء نفسه يقال عن نقاط الجذب في الكويت وقطر والبحرين .

من المهم جداً أن ينعم المواطن الخليجي بمميزات خاصة تشجعه على سياحة خليجية داخلية مثل تذاكر طيران مخفضة، تذاكر دخول مخفضة، إجراءات تنقل ميسرة، وأسعار إقامة مخفضة ومتقاربة حتى ولو بدعم من هيئة سياحة خليجية مشتركة .

دعونا نجرب شيئاً مشتركاً سهل التطبيق، نجرب فقط .

تدهور طبي وأخلاقي

لا أعتقد أن ممارسة خاطئة مرت على هذا الوطن أخطر من ترك الأطباء الاستشاريين مواقع عملهم الحكومي نهاراً جهاراً وأثناء الدوام الرسمي ليعملوا في مستشفيات خاصة، ضاربين عرض الحائط بالأنظمة والمنع وقبل ذلك الخوف من الله وأمانة المهنة.

أساس تقييم الخطورة هنا يعود إلى عدة اعتبارات أساسية منها ترك المريض في المستشفى الحكومي محروماً من إشراف الطبيب الاستشاري الذي تدفع له الدولة رواتب عالية وبدلات أعلى وصرفت على تعليمه وتدريبه وأوصلته إلى ما وصل إليه، ومنها أيضا ممارسة الطبيب الاستشاري لمخالفة لا تليق بمن يطلق على مهنته أعلى صفات الإنسانية واضطراره لممارسة الكذب لتبرير عدم تواجده في مقر عمله الرسمي، وغني عن القول أن مجرد الانخراط في سلك التحايل ومخادعة الناس بداية أعراض الفساد إن لم تكن أعراضه المتقدمة.

عندما يرد طبيب استشاري على النداء الآلي من خارج المستشفى الحكومي أثناء وقت الدوام الرسمي ويبلغ سكرتير القسم مثلاً أنه في غرفة العمليات وهو ليس كذلك بحكم اتصاله من خارج المستشفى فقد أساء لمهنة الطب النبيلة ولجميع من ينتسب إليها لأن هذا النوع من المراوغة مقبول من أصحاب مؤهلات دنيا أو صغار سن ومركز ولكن ليس ممن أدى القسم بناء على حساسية مهنته.!!

وعندما يطلب الطبيب الاستشاري من أحد أعضاء فريقه الطبي المبتدئين أو المتدربين التغطية على غيابه غير النظامي بالادعاء أنه في غرفة العمليات فهو بذلك درب وعود وربى أحد تلامذته على الكذب وخيانة الأمانة، هذا خلاف أنه لم يشرف على تدريبه حسب ما تقتضيه الأمانة وأهمله مثلما أهمل المريض.

الوضع الصحي المتدهور وتراجع التعليم الطبي والأخطاء الطبية نتائج لممارسة الأطباء الاستشاريين لهذه المخالفات المتمثلة بأخذ راتب ضخم من الدولة والعمل في القطاع الخاص أثناء الدوام الحكومي تحدث عنها المجتمع بأسره واشتكى منها في كل موقع وأصبحت حديث المجالس واللجان والاجتماعات لكن علاجها لا يزال مستعصياً.

الوضع الأخلاقي المتدهور في مهنة الطب هي النتيجة الثانية التي بدأت رائحتها تفوح في شكل لجوء الاستشاري للمراوغة والكذب والتسيب وسيادة فكر المتاجرة بالاسم والتوقيع ووصف الأجهزة من متاجر طبية محددة تصرف نسبة أو تعود ملكيتها للطبيب وهذا التدني الخطير أمر متوقع فليس أسهل ولا أسرع من توالي التنازلات الأخلاقية.

لذلك فإن من الحكمة أن نوقف هذه الممارسات فوراً وبأساليب رادعة لا أن نندفع خلف مقترحات إعطائها المظلة النظامية لأن الوضع حالياً يعتبر مأساوياً فما بالك عندما نوجد لهم الأعذار.

قلتها كثيراً ومراراً وتكراراً من أراده القطاع الخاص فليطلبه للانتقال ويمنحه الراتب المغري الذي يزيد على ما تمنحه الدولة ولن يقبل الرحيل ولو حصل على أضعاف مضاعفة لأنه يعلم أن الاستقرار لا يوفره القطاع الخاص ولا العائلي وما دام الأمر كذلك فعلى التاجر أن يبحث عن الحلول بقيمتها وليس على حساب الحكومة فيكفي أن الدولة منحت الأرض والقرض والتسهيلات وكان ردهم لأفضال الوطن هو التلميح بالرحيل إلى دول مجاورة فدعهم يرحلون وسيعودون لأنهم يعلمون أن أحدا لن يدللهم مثل هذا الوطن.

وعي المواطن العادي

لطالما كانت هذه العبارة «وعي المواطن» مخرجاً بل مفراً للمسؤول المتقاعس يحاول من خلالها الإيهام بأن «وعي المواطن» هو ما ينقص كمال كل اجراء أو خطوة أو حسن استخدام للمكان العام والمال العام والممتلكات العامة.

قلتها بالفم المليان في أكثر من لقاء تلفزيوني وأكتبها بالقلم المليان ان وعي المواطن بات يفوق وعي كثير من المسؤولين أو الموظفين والشواهد كثيرة وواضحة.

وعي بالمواطنة الحقّة في شكل تضحيات رجل الأمن ورجل الحرس ورجل المطافئ بل ورجل الشارع في حين يحرص بعض كبار الموظفين على مصالحهم الشخصية مع قدر «صفر» من التضحية.

وعي بالحقوق والواجبات واطلاع على تجارب الدول الأخرى يفوق تقدير كثير من المسؤولين واطلاعهم.

أفكار نيرة ومقترحات رائعة من موظفين صغار وصلت في قيمتها وعلو شأنها ان المدير ينسبها لنفسه أو يسرقها ولا يسرق إلا الثمين.

سعة اطلاع وثقافة عالية وإلمام بالمستجدات والتقنيات الحديثة من حاسب آلي ووسائل اتصال وثقافات شعوب وحقوق إنسان وأنظمة دول يبدو جلياً من كتابات ومداخلات وتعقيبات مواطنين عاديين يبهرونك بدرجة وعيهم وتفوقهم حتى على المعنيين بالأمر.

أنا اعتقد ان الارتياد الكبير لما يسمى بشارع الحوامل أو مضمار المشي الرياضي المجاور لشارع الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الرياض والعدد الهائل من الرجال والنساء شيباً وشباباً وبطريقة هادئة ودون فوضى ولا مضايقات وبحد أعلى من النظافة مقياس مهم لدرجة الوعي العالية لدى شريحة كبيرة من الناس والذي أجزم به أكثر ان أحداً من المسؤولين لم يكن يتوقع هذا الإقبال المبني على الوعي بدليل شح دورات المياه وقلتها وإقفال إحداها للتطوير والابقاء على الأخرى مقفلة فترات طويلة وسعة محدودة.

الجوازات مثال آخر فعندما اتضحت الاحتياجات وسير المعاملة ويسرت متطلباتها ولعبت الأرقام التسلسلية دورها امتثل المراجع للنظام والتزم بدوره واصبحت الأمور تسير في انسياب مفرح وصمت وانعدام البحث عن واسطة وأجزم ان 90٪ من المراجعين لا يعرف اسم مدير عام الجوازات ولا مساعديه ولا رؤساء الأقسام ولعل هذا ما يحذره المديرون الآخرون ممن لا يسعدهم تطبيق الشفافية في الاجراءات حتى ينعموا بالتوسل والتوسط وترديد الاسم.. ألم أقل لكم إن المواطن العادي أكثر وعياً.

سبحانك ربي وشكراً وزير الصحة

قد يقال يجامل وزيراً، وقد يقال يروج لنفسه لكن الله وحده يعلم أنني «ولا أزكي نفسي» أروج لرحمة ربي واستجابته وأحث على دعائه.
جاءتني رسالة جوال من احدى القارئات تقول فيها: سأروي لك قصة قد تقول إنها من نسج الخيال، هجرني زوجي وسافر مع زوجته الثانية خارج منطقة الرياض وتركنا ولن يتركنا رب العالمين وأحد أبنائي مدمن مخدرات وللأسف ساءت حالته وأصبح مصدر خطر وبعد عناء شديد استصدرت أمراً بالقبض عليه وإيداعه مجمع الأمل وذهبت بالأمر لشرطة العليا فلم يكلفوا أنفسهم بمساعدتي وطلبوا مني التوجه الى مجمع الأمل لتأمين سرير فذهبت للمجمع وأخبروني أنهم سوف ينسقون مع الشرطة ولا حاجة لرجوعي لهم وخرجت وأنا ألهج بالدعاء أن يسخر الله من يأخذ بيده وأن تكون عين الخيرة له وكانت دموعي تختلط بحروفي، ومنذ شهرين لم يتم أي شيء حيث راجعت مركز الشرطة بعد أن وصل ابني مراحل خطيرة فأصبح يستولي على أي شيء ثمين في المنزل ويضرب اخواته فذهبت للشرطة وتوسلت إليهم أن يقبضوا عليه فرفضوا وقالوا ليس بيدنا اعتقاله وهناك الآن حقوق إنسان تحاسبنا وبعد رجاء وبكاء وتوسل أخذوه مشكورين لمجمع الأمل وشخصت حالته على أنها إدمان ويحتاج تنويماً ولكن لا يوجد سرير فأعادوه للشرطة لتبدأ معاناتي مرة أخرى حيث طلبوا أن أحضر لاستلامه وإلا سيطلقون سراحه وإذا أطلق سراحه فإننا جميعاً في خطر خاصة بعد أن سلمناه للشرطة (انتهت رسالتها).

اتصلت بالمرأة فإذا هي في مجمع الأمل تجهش بالبكاء وتتوسل لمدير مكتب مدير المجمع (المسافر) أن يقبل بدخول ابنها وهو يرفض بعنجهية بحجة عدم وجود سرير ورفض التحدث معي أيضا!!

طلبت منها أن تهدأ وأن لا تغادر المجمع حتى اتصل بها وحاولت الاتصال بكل من له علاقة بالمخدرات أو الشرطة لمحاولة التحفظ عليه حتى يتوفر سرير لكنني لم أفلح فالساعة قاربت الثانية بعد الظهر يوم الأربعاء وستحدث كارثة إن خرج في عطلة نهاية الأسبوع، عندها توجهت إلى القبلة ودعوت ربي «اللهم أعني على تفريج كربة هذه المرأة» وما هي إلا أقل من خمس دقائق وإذا بجوالي يرن وأرد فيكون المتصل معالي وزير الصحة د. حمد المانع (لم يكن الوزير ولا الوزارة من ضمن من حاولت الاتصال بهم بل إن هذه الوزارة أشبعتها نقداً ووزيرها أدهشني لطفاً وتقبلاً) تحدثت مع معاليه وكان يسأل عن امكانية مركز الأمصال الذي أديره في تغطية احتياج إحدى الدول العربية وبعد حديث طويل يعكس حرص معاليه على المركز والدول المجاورة شرحت له معاناة تلك المرأة وموقف ذلك الموظف فما كان من معاليه إلا أن طلب رقم جوال المرأة واتصل بنفسه بالموظف وبالمرأة وما هي إلا نصف ساعة حتى أودع المدمن في المجمع.

إن قبول الله لتلك الدعوة بالفرج وتسخير وزير مخلص، ديناميكي، دمث الأخلاق نعمة إلهية تستحق الشكر ضمن نعم كثيرة لا نحصيها عدداً ومنها أننا في بلد يتحلى وزراؤه بأخلاق قيادته ويستمدون منها سرعة التجاوب والتفاعل بمشاعر كلها الحب والإخلاص للوطن والمواطن ولكن متى ما وصل الأمر لهم فابشر بنعم التجاوب والخوف كل الخوف على من لا يستطيع الوصول وهو أمر كتبت عنه في هذه الزاوية في 11 ابريل 6002م بعنوان (صوت لم يصل) وأحسب أنني أوفيته حقه.

القوي والضعيف والجبان

سيارات أمانة مدينة الرياض تطارد بائع حبحب وتحذفه يمنة ويسرة إلى أن تنتهي المطاردة بحادث سير واصطدام (وانيت الجح) بالرصيف وتعريض جميع رواد الخط السريع بمن فيهم المطارد لخطر الموت وفرار سيارتي الأمانة بعد الحادث .. والأمانة وعبر الصحف تعترف بملكية السيارتين وبما حدث وتعد بالتعرف على أفراد الفرقتين لكنها تبرر ما يحدث من مطاردات بطريقة غير مقنعة واتهامات لباعة الحبحب المساكين .
البطيخة أو (الجحة) كما نعرفها ثمرة صحراوية صيفية مغلقة لا يعرف دواخلها و أسرارها إلا السكين ولأنها مغلقة بتغليف الخالق سبحانه وتعالى فإنه ليس منها خطورة ولا تحتمل غشاً ولا تسمماً ولا تزييفاً فلماذا يطارد بائع الجح وتعرض حياته والآخرين للخطر.

من غرائب الصدف أنني كتبت عن هذا الموضوع قبل هذا الحادث بسنتين وتحديداً في 51/9/4002م تعليقاً على خبر لمطاردة وضرب بائع (جح) من قبل مراقب البلدية وكتبته تحت عنوان (ضرب مروج جح).

وعادت القصة لتحدث بنفس تفاصيلها ، مطاردة وصدم ولكن هذه المرة دون ضرب لأن بائع الجح ضرب في حاجز خرساني !! وهربت سيارات البلدية !!.

اليوم أود أن أتطرق للموضوع من جانب آخر وهو لماذا رقابتنا قوية على الضعيف فقط وعلى الممارسات الأقل ضرراً وأهمية.

مكافحة الغش التجاري تلاحق من يبيع أسطوانة مدمجة مقلدة بعشر ريالات مع أن لها زبائن لا يتحملون سعر البرنامج الأصلي الباهظ ، ونفس المكافحة تترك باعة شرائط تحليل السكر المقلدة يعيثون بنتائج السكر فساداً !! وبالمرضى أضراراً يؤدي إلى الموت!!.

ليس هذا فقط بل وبمقارنة أكثر قرباً فإن أجهزة الحاسب نفسها تقلد وتوضع عليها لواصق مصنعة محلياً وهذا أكثر إجحافاً في حق المستهلك وتزييف كروت الذاكرة يتم محلياً بشكل واسع دون حراك من مكافحة الغش التجاري .

صاحبة «المبسط» التي تعيل أيتاماً وتحاول تأمين قوت يومهم بشرف تركل بضاعتها ويصادرها أصغر مراقب بلدية والمحل التجاري الكبير (سوبر أو هايبر) لا تؤخذ عينة من بضاعته الفاسدة إلا بإذن وترخيص وحبة (خشم) ولو دخله أكبر مراقب فقد يخرج بدون (خشم).

المريض الذي جاء لغسل الكلى أو تناول علاج كيميائي للسرطان وأوقف سيارته في مكان لا يضر بأحد لكنه لا ينفع الشركة التي تدير المواقف تسحب سيارته بأمر مدير المستشفى ويغرم 04 ريالاً والطبيب (في نفس المستشفى) الذي يتحرش بمريضة نفسية يستر عليه المدير العام التنفيذي .

الموضوع لا يتعلق بحكم القوي على الضعيف ، بل السر هو في حكم الجبان على الضعيف لأن الجبان ليس قوياً ولم يكن قوياً قط لذا فهو لا يحكم إلا على الضعيف !!.

وقود الإصلاح

في تجاوب رائع ووطني مع توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله والذي حثنا جميعا على ممارسة الشفافية والحوار في كل مكان، حتى في بيوتنا، بادر الدكتور خالد العيبان وكيل وزارة الصحة للتخطيط وأجرى حوارا صحفيا شفافا وصريحا ورائعا تحدث فيه بكل تلقائية عن حال وزارة الصحة ونشر السبت الماضي 82جماد الأولى 7241ه الموافق 42يونيو 6002م.
لا استطيع أن اختزل ذلك الحوار (الثري) الذي نشر في أكثر من نصف صفحة في هذه المساحة المحدودة،لأن كل جملة فيه يصعب اختصارها وإلا تغير معناها وفهمت على غير مقصدها النبيل، كما أنني لا يمكن أن اسميه تصريحا جريئا لأن التجاوب مع توجيهات الملك القائد في عصر الشفافية الرائدة لا يجب أن يعزى للجرأة أو التجرؤ على أحد و يستحق أن يحمل صفة المبادرة الوطنية والتجاوب المخلص .

كنا ولازلنا نتمنى أن يكون بيننا أكثر من مسؤول بنفس الصدق والصراحة، بل أن الصحة في كل القطاعات وليس في وزارة الصحة وحسب في أمس الحاجة إلى كلمة إداري صادق، لا يحدد مساره تعصب لمهنة ولا طلب لمصلحة خاصة و لا البقاء في نعمة كرسي (يتمصلح) منه ولا يعطيه!!، شخص لا يخشى في الله لومة لائم ولا يخطط لتجارة مهنية بل يستثمر عطاء الوطن وإخلاص قيادته وثقتها في تحقيق مصالح ومكاسب وطنية يستفيد منها الشعب (كل الشعب) لا فئة منه ولا تخصص واحد!!.

ذلك إداري متخصص متمرس يحمل الدكتوراه في علم الإدارة، الذي انتهك صحيا، ومتخصص في الإدارة الصحية التي هي صلب عمل الوزارة والصحة في شقها الإداري في كل قطاع.

ومثلما أن علينا أن نحترم تشخيص طبيب لمتلازمة مرضية مستعصية فإن علينا أن نقف احتراما لتشخيص إداري مختص لواقع الإدارة في الشأن الصحي والتي هي حالة مرضية إدارية لم تشخص إلا مرة واحدة وذلك في كتاب (حياة في الإدارة) بعد فحص دقيق عن قرب استغرق عاما واحدا ولم يعجزه التشخيص لأن المشخص كان وللوهلة الأولى إداريا فذا.

لقد آن الأوان لأن نمارس التصحيح بإعطاء القوس لباريها، فنترك الإدارة للإداري والطب للطبيب والهندسة للمهندس والصيدلة للصيدلاني دون تداخل في التخصصات، ولا مجاملة للمهن ولا تخط لعلماء الإدارة ممن صرفنا على تعليمهم لقناعتنا بأهمية ما يتعلمون!!.

كما أن على وزرائنا أن يتوقفوا عن منح المسميات والمناصب دون تفعيل لممارستها، فعندما يتم التخطيط دون علم وكيل الوزارة للتخطيط فإن ثمة إثم حاك في النفس وخشيت أن يطلع عليه الآخرون أو أننا لا نؤمن بالتخطيط ولا نخطط وهنا يحق القول أننا نتخبط وإلى متى نتخبط؟!!.

مختصر الحديث أننا في أمس الحاجة إلى أكثر من صريح في كل موقع لنشخص واقعنا بأمانة ونفعل توجيهات قادتنا التي هي روح الإخلاص النقي من كل أهواء، تلك الروح التي تهدف إلى مصلحة الوطن والمواطن والمقيم.

وحذار من اتخاذ مواقف شخصية من الصراحة لأنها وقود الإصلاح الحقيقي.