اليوم: 17 يناير، 2007

لا ثقة بكذاب

لو كان لي من الأمر شيء، لجعلت شرط اجتياز اختبار الكذب أساسا لكل اختيار وكل توظيف وكل تحميل لمسؤولية، لأن الكذب مفتاح الفساد، ودلالة الخداع، ومؤشر الفشل!!، ألا يكفي أن حبل الكذب قصير، فكيف نتوقع لكذاب أن ينجح ؟!بل كيف لنا أن نأمن من كذب؟! كيف نأمنه على وظيفته؟ وعلى مسؤولياته؟ وعلى من هم تحت سلطته؟!
الكذب من فصيلة السرقة بل هو أخطر، فقديما قالوا (من يسرق البيضة قد يسرق الجمل)، ومن يكذب في الأشياء الصغيرة لا بد وأن يلجأ للكذب في الأمور الكبيرة لأن الكذب أصبح مخرجه السهل في كل مواجهة أو موقف صغر أو كبر .

وأقول أن الكذب أخطر من السرقة لأن السارق الخبير، إذا وصل حد السرقات الكبيرة لا يعود إلى سرقة ما صغر، بينما الكذاب يكذب فيما صغر أو كبر، وفي كل وقت ومناسبة.

ليس أدل على ما أدعيه من موقف المحدث الجليل عندما شد الرحال إلى البصرة ليتلقى حديثا عن رجل في البصرة وعندما رآه يوهم الفرس بطرف ردائه وكأن فيه شعير وهو خال، رفض أن يأخذ عنه الحديث جازما أن من كذب على فرسه لا يؤمن في روايته، وكذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) .

صحيح أن ثمة كذب مباح في الإصلاح بين الناس كما روى البخاري وغيره مما ورد في حديث مسلم، لكن ما أقصده كذب الرذيلة، أي كذب، صغر أو كبر فإن مدمنه يجب الحذر منه ومراقبته وعدم تكليفه بالمسؤوليات، لأن من كذب لك كذب عليك!!، ومن ضعف إلى حد الخروج من مأزقه بالكذب فإنه خطر على الوظيفة والمسؤولية والمستفيدين والمجتمع أجمع.

وان كنا استشهدنا بشيء من تراثنا وأمثلتنا وحكمنا وتعاليم ديننا وفي ذلك كفاية، إلا أنه لا يمنع من الاستشهاد بتجارب الآخرين، حيث يعتبر اثبات الكذب على متهم مفتاح خسرانه بكل قضاياه، وهذا ما عانى منه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون نفسه، عندما كذب أمام المحكمة في دعوى بولا جونس وأنكر أمام المحكمة أية علاقة بينه وبين مونيكا لوينسكي، فغرم تسعين ألف دولار لكن كذبته كانت وبالا عليه في كل مواقفه وقضاياه، ليس لأنه ارتكب فعلا ما ولكن لأنه سجل كاذبا.

أكرر الأمنية بأن يكون اجتياز شرط الخلو من سوابق الكذب أهم من الخلو من أي سوابق أخرى وألا تمنح الثقة لكذاب في أي وظيفة صغرت أو كبرت.