اليوم: 13 أكتوبر، 2008

سائح (محشور)

أكثر ما يثير الاستغراب والاستنكار أن مراكزنا التجارية مهما بلغت من الطراز العمراني الرائع والأبراج شاهقة الارتفاع، والسلالم الكهربائية المتعددة والمصاعد الشفافة الأنيقة، ومهما ارتفعت أسعار إيجاراتها وتضاعفت تبعا لذلك أسعار بضائعها ووصلت أرباحها أرقاما فلكية، وبالرغم من أن هذه المراكز التجارية تشهد اقبالا شديدا وحركة دائبة وتنوعا في مرتاديها، بين مواطن ومقيم وزائر وسائح..
أقول بالرغم من هذا كله إلا أن مراكزنا التجارية لا تعتني مطلقا بأهم النواحي الإنسانية والاحتياجات الآدمية الحضارية وفي مقدمتها توفير دورات مياه تتناسب مع روعة الطراز العمراني وأناقة المصاعد وحجم الأرباح وقبل هذا وذاك عدد الزوار.

نحن، وبكل أسف، نهمل هذا العنصر المهم حضاريا، وأعني توفر دورات مياه لائقة قابلة للاستخدام، في كل المرافق سواء البلدية منها أو التجارية أو المطاعم أو المنشآت الرياضية أو حتى المستشفيات.

نتعمد أن نضع لدورات المياه أسوأ المواصفات وأقل الأدوات وأصغر المساحات وأقبح الأثاث ولا نعتني بالنواحي البيئية التي تجعلها قابلة للدخول فيها أو استخدامها إلا في الحالات الضرورية جدا، ونتناسى أهميتها البالغة في التأثير على نفسية المرتاد والأهم من هذا أننا نتجاهل أو نجهل دورها في التأثير على سلوكيات الناس والارتقاء بشعورهم نحو الممتلكات العامة فأنت حين تحترم الحاجة الآدمية للإنسان وتوفر له أفضل الظروف وأرقاها فإنك تجبره على احترامك واحترام ممتلكاتك وعلى العكس فإنه حين لا يجد أحداً يعير احتياجاته أدنى اهتمام فإنه لا يعير اهتماماً لأحد.

حقيقة أستغرب كثيرا عدم تناسب دورات المياه لدينا مع درجة السوق أو المطعم أو المنشأة البلدية أو الدائرة الحكومية أو الرياضية فتجد المنشأة فئة خمس نجوم بينما دورات المياه في الإهمال تعوم .

ليس لدي عقدة الأجنبي ولا أرى أننا يجب أن نوفر الرفاهية من أجل السائح فقط، فالمواطن والمقيم عندي أحق وأجدر، ولكن الشيء بالشيء يذكر فأنا وبحكم عملي في المجال الصحي والأبحاث تحديدا كثيراً ما أضطر للخروج برفقة ضيف على الوطن سواء متحدثاً في مؤتمر أو باحثاً أو خبيراً جاء يعقد اجتماعا وأحرص أن أجوب به أرض وطني بما فيها من منشآت وأسواق مزهوا فخورا وأنا أطلعه على منجزاتنا المشرفة حقاً، لكنني أحرج كثيراً وارتبك أكثر عندما يحتاج الى دورة المياه، إلى أين آخذه ؟!!، هل أعيده الى الفندق أم أجعله يستخدمها فيعود إلى انطباعه القديم عنا؟!!.

أقترح أن تتدخل أمانات المدن وهيئة السياحة وتفرض على كل مركز تجاري وسوق ومطعم ومنشأة حكومية أو أهلية مواصفات ومعايير عالية لدورات المياه، وتتضمن صيانة ونظافة على مدار الساعة، شريطة أن تبدأ أمانة المدينة بحدائقها ومرافقها العامة، وأكرر ليس من أجل السائح الأجنبي فقط ولكن من أجل المواطن والمقيم والسائح من الداخل.