الشهر: سبتمبر 2008

بين رمضانين

هي صور تتكرر في كل صلاة، ولكن كوءن رمضان حافلاً بالكثير من الصلوات والمزيد من الروحانية والخشوع، دعونا نستشهد برمضان وبصلاة التراويح والتهجد تحديدا.
عشرات الصفوف من المصلين الخاشعين على اختلاف ظروفهم وأحوالهم ومشاربهم وشكواهم، منهم الغني والفقير، التاجر والمستهلك، الرئيس والمرؤوس، الوزير والموظف الصغير، المدير والعامل الأجير.

أكف ترتفع جميعا إلى السماء في وقت واحد تؤمن خلف الإمام (آمين) ..أكف ناعمة وأخرى متشققة من كدح العمل، أصبع تزينها الخواتم والدبل وأصبع يلفها لاصق الجروح.

أكتاف متلاصقة، كتف يعلوه (بشت) ناعم مطرز بإطار من ذهب وكتف يعلوه قميص قد من حمل الخشب وبقايا بودرة الاسمنت كلهم سواء، وكلهم في حالة خشوع وربما بكاء يرجون ما عند ربهم تضرعاً وخشية من يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

السؤال الذي يطرح نفسه كل عام، هو ماذا بعد رمضان؟!

هل يعطف الغني على الفقير فيتصدق طوال العام؟ هل يرفق التاجر بالمستهلك فلا يغشه ولا يخدعه ولا يستغل ضعفه ويوفي له الكيل والميزان ولا يبالغ في رفع الأسعار ولا يحجز البضائع لترتفع أسعارها ولا يبيعه الرديء بسعر الجيد والتالف بسعر الصالح؟!، وهل يصدق المستهلك مع التاجر فيوفي بالدين ولا يستبدل بضاعة أتلفها أو يتلف صالحاً ليستبدله؟!.

هل ينصف الرئيس المرؤوس ويعدل بين المرؤوسين فلا يفضل صهرا أو قريبا، ولا يظلم موظفا أو موظفة مستغلا نفوذه وعلاقاته وضعف مرؤوسيه؟

وهل يخلص المرؤوس العمل ويعطيه حقه ولا يدعي على رئيسه كذبا وبهتانا، أو يطلب ما ليس له بحق؟!.

هل يخلص الوزير عمله لله ويستجيب لأمر ولي الأمر بسرعة إنجاز مصالح الناس وحل مشاكل وزارته، واستغلال وقته وقدراته لمنفعة الناس والإخلاص لوطنه بدلا من السعي لذاته، وهل يتبع القول بالعمل بل ويسبق عمله قوله كما أوصاه قادته؟

هل يتعظ المدير ويتذكر أن فوق كل ذي علم عليم، وأن إهماله لشؤون المراجعين والمرضى والموظفين والضعفاء والمأجورين قد تمنع استجابة دعائه، بل قد تعجل باستجابة دعاء الناس عليه.. وهل يخلص الأجير في أداء عمله فلا يغش في بناء ولا تكلفة ولا أداء عمل صغر أم كبر؟

هل يؤثر فينا رمضان حتى يأتي رمضان بعده وقد أخلصنا العمل لوجه الله بين رمضانين حتى ندعوه فيستجيب لنا، أو نلقاه وقد رضي عنا.. هذا ما نرجوه من كل مسلم، اللهم لا تجعل حظنا من صيامنا الجوع والعطش ولا من قيامنا السهر والتعب.

الجهات الخيرية

المتابع يجد أننا في هذا الوطن نبذل جهوداً كبيرة ومستمرة ومضنية على أعلى المستويات، وكل القنوات وعلى مدى سنوات طويلة نحاول من خلالها حل مشاكل المواطنين مع جهات خدمية أنشئت من أجل خدمتهم لكنها لم تفعل أو قصرت في خدماتها أو لم تنصف موظفيها أو لم تتعامل معهم بعدل.
مشكلة تلك الجهود أنها تمثل ردة فعل وقتية، إما لخبر صحفي أو برنامج تلفزيوني أو مقال لكاتب أو شكوى حزينة مؤثرة لمسؤول كبير، وجميع تلك المنبهات أو أحدها تؤدي إلى حالة استنفار في الجهة المعنية أو لدى المسؤول الأعلى عن الجهة أو حتى الجهات الرقابية، لكن الاستنفار يعنى فقط بذات الشكوى أو فحوى التقرير وغالبا ما تنتهي حالة الاستنفار إلى وضع دفاعي لا يخلو من إرضاء المشتكي وإبقاء المشكلة قائمة على من لم يرفع صوته بالشكوى.

الخلاص من صداع هذه المشاكل المستمر لا يمكن أن يتحقق طالما أن مسببات ودواعي القصور موجودة ولم نتطرق لإزالتها رغم معالجتنا الوقتية لبعض نتائجها لكن الأرضية لممارسة التقصير موجودة والمناخ المناسب لحدوث القصور، بدءاً بسوء تقديم الخدمة، ومروراً بالمجاملات وانتهاء بالخلل الإداري، لا يزال متوفراً في بعض من الدوائر.

في ظني المبني على معايشة للدوائر الحكومية على مدى 30سنة، فإن الجهات المهتمة بإنهاء المعاناة مع أداء القطاعات الحكومية إذا ما أرادت قطع دابر هذا الصداع المزمن فإن عليها ان تفرض على كل جهة حكومية كتابة نظمها وإجراءاتها وسياساتها في كل صغيرة وكبيرة خلال مدة لا تتعدى عاماً واحداً، على أن تشمل النظم والإجراءات كل معاملة وكل تعيين وكل ترقية لموظف وبشفافية عالية تمكن الرقيب من اكتشاف الإجراء المخالف، وتمكن كل صاحب حق من التساؤل عن سبب حرمانه منه أو عرقلة إجرائه مقارنة بشخص آخر يشابهه في المعطيات المعلنة.

لقد قصدت بالأرضية المناسبة لممارسة التقصير ضبابية بعض النظم والإجراءات الواضحة الشفافة في بعض دوائرنا الحكومية وإذا غابت النظم سهلت مخالفتها لأنها غير موجودة أصلا (كيف لك أن تعاقب سائقاً على تجاوز إشارة مرور حمراء إذا كانت إشارة المرور معطلة أصلا لا يتضح فيها الضوء الأخضر من الأحمر أو الأصفر؟!!).

لقد قطعنا شوطاً لا بأس به في مجال الشفافية على مستويات أكثر حساسية من مجرد دائرة حكومية خدمية فلماذا نتنازل عن فرض الشفافية على دائرة صحية أو تعليمية أو بلدية، فقط دعونا نجرب توفير الجهود الوقتية (الهينة) والتركيز على فرض نشر النظم والإجراءات في المعاملات والمؤهلات والتعيين والترقيات وسنجد أننا سنأسف على تأخرنا .

الحاج لوغان

التون لوغان الذي نشرت جريدة “الرياض” خبره في محطاتها المتحركة يوم الاثنين 8رمضان 1429ه لو كان بطلا لمسلسل تركي أو مصري أو فيلم أمريكي لأبكى الملايين، لكن مشكلته أنه أحد الضحايا الحقيقيين لغياب العدالة في القوانين الوضعية وتغليب الاجتهادات البشرية على التعاليم السماوية، ولأن مأساته حقيقية تصور هشاشة القضاء الأمريكي، واعتماده على النظرة المادية للمحامي، وازدواجية الالتزام بالأخلاقيات فإن مأساته لم تجد الصدى الإعلامي المستحق ولم تصور في فيلم وثائقي أو تمثيلي .
التون لوغان تم إدانته خطأ في جريمة قتل عام 1982م. وكان في منتصف العشرينيات من العمر فصدر عليه حكم بالسجن مدى الحياة بناء على أقوال الشهود مع عدم وجود أي دليل مادي على تواجده في مكان الحادث (عملية نهب تعرض لها أحد مطاعم ماكدونالدز بشيكاغو وقتل خلالها حارسان) .

أثناء الحكم على لوغان كان اثنان من محامي المجرم الحقيقي ويدعى اندريو ويلسون يعلمان علم اليقين أن ويلسون هو القاتل باعترافه لهما وباعتراف شريك له آخر كان قد أودع السجن لاشتراكه في السطو لكنهما كتما الشهادة.

ولأن المجرم الحقيقي ويلسون بقي طليقا فقد قام بقتل شرطيين في شيكاغو في حادثة لاحقة، واستمر المحاميان في الدفاع عنه، وعدم الشهادة ضده لتبرئة لوغان الذي ادخل السجن ظلما وبهتانا بسبب كتمان الشهادة واكتفى المحاميان بالتوقيع على شهادة خطية باعتراف ويلسون واتفقا معه على عدم إعلانها إلا في حالة وفاته .

طبعا حجة المحاميين هنا هي التزامهما نحو موكلهما أو (عميلهما الدائم ويلسون) بعدم الشهادة ضده، والوفاء بحقوق مجرم متعدد الجرائم حتى لو كان على حساب بريء أدخل السجن، وهذا ما قصدته بازدواجية الالتزام بالأخلاقيات في حدود الإدراك القاصر للبشر. لأن هذا الوفاء للمجرم وكتم شهادة البراءة للبريء كان ثمنها أن قتل ويلسون الطليق شرطيين آخرين ودخل السجن مدى الحياة، وعاش في السجن 26سنة ذهبت من عمر البريء لوغان خلف قضبان الحديد، ليموت بعد ذلك ويلسون ويفرج المحاميان عن الشهادة المكتومة ويخرج لوغان من ظلم 26سنة مرضت خلالها والدته وماتت (قهراً بالتأكيد) دون أن يحضر جنازتها، كل ذلك بسبب كتمان الشهادة، وهشاشة القضاء الأمريكي وغباء المبادئ الحقوقية التي يطالبون بها ويحاولون نشرها .

لو كنت داعية متمكناً، لذهبت إلى لوغان هذا وأطلعته على المواقع التي تكرر فيها التحذير من كتمان الشهادة في القرآن الكريم (ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه)”البقرة 283″( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون) “البقرة42” (يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين إن يكن غنياً أو فقيرا فالله أولى بهما) “النساء135”. ودعوته وكل من تعاطف معه وهم كثر إلى مبادئ دين حنيف لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

مثل هذه المواقف والثغرات الواضحة في حياة غير المسلمين هي الجديرة بأن تستغل من قبل الدعاة للتعريف بشمولية الدين الإسلامي وعدالته وعدالة الدولة التي تطبق تعاليمه وتعتمدها دستورا، وشرعا تحكم به على الناس، لأنه يمثل العدالة السماوية الكاملة المتكاملة، ففي ديننا وفاء بالعهد والتزام في التعامل، ولكن ليس على حساب الأبرياء من الناس.

لو تحقق هذا من قبل الدعاة في الخارج، فإنني أجزم أن المظلوم لوغان وجميع عائلته وأصدقائه ومن شعروا بألمه وتعاطفوا معه سوف، يحجون هذا العام مسلمين .

الفتاة العربية أسهل

في غضون أقل من ستة أشهر استنزفت الجهات الرسمية ممثلة في الشرطة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدرا كبيرا من جهودها وطاقاتها ووقتها لتعقب أشخاص تعرفوا على نساء وفتيات عن طريق الانترنت أو الجوال وحصلوا منهن (طواعية) على صور فاضحة أو مقاطع بلوتوث (غير مشرفة)، ثم بدأوا في استغلال هذه المواد في تهديد الفتيات والنساء ومساومتهن بين الحصول على ما هو أكثر من مجرد الصور والمقاطع أو نشر فضائحهن في الانترنت وعن طريق تقنية البلوتوث.
يحق لنا أن نفخر برجال الأمن البواسل، ورجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المخلصين، التقاة، الغيورين ونشعر بالفخر برجال هذين الجهازين كونهم استطاعوا ،وفي زمن قياسي، القبض على هؤلاء المجرمين وإنهاء معاناة النساء والفتيات بمنتهى الستر والحكمة، وعن طريق بذل جهود جبارة تسعى لتحقيق الجمع بين عدة متطلبات كل منها يجعل الآخر أكثر صعوبة وهي الستر والتيقن والقبض على المجرم متلبسا !!.

ويحق لنا أيضا أن نتساءل بحسرة، لماذا تضع نساء وفتيات مجتمعنا أنفسهن في هذه المواقف التي تنم عن سهولة اصطياد، وإفراط في الثقة في الغرباء، وقبل هذا وذاك سهولة في منح الصور غير المحتشمة والمقاطع الخادشة للحياء مع أنها أشياء يفترض أن لا تبدو أبدا لأحد بل لا تصور أصلا ولا يصح التفكير في تصويرها لو توفر قدر من العقلانية والذكاء والتربية الحسنة في المنزل والمدرسة والمجتمع أجمع؟!!.

أستغرب كثيرا لماذا ترفض الفتاة الغربية مهما بلغ انحلالها، بل وحتى لو كانت مومسا، ترفض التصوير أو نشر صورها بينما يسهل استسلام الفتاة في مجتمعات محافظة لمثل هذه الطلبات أو الإغراءات، سواء بحجة الزواج او غيرها.

لقد شاهدنا في الأخبار كيف أن مجموعة من المومسات في تايلند دخلن في عراك مع المصورين لمنع أخذ صور لهن أثناء مداهمة الشرطة لأحد أوكارهن وبذلن لمنع ذلك دماءهن، وهو ما لم يبذلنه لمنع استغلال أجسادهن للمتعة، بينما لا تبالي الفتاة العربية بصفة عامة في أمر التصوير ومنح الصور للآخر.

إذاً هناك خلل ما يجب أن نبحث عنه ونعالجه، خلل يجعل الفتاة العربية فريسة سهلة وقد سبق أن كتبت تحت عنوان (عورات فتياتنا والبلوتوث) منذ حوالي سنتين مؤكدا أن الموضوع كله خطير ولكنني لا أريد أن أشتته بالتساؤل عن أصل الذنب أو الجرم فمسبباته وأحكامه واضحة ودعوني اقتصر على جزئية سهولة تسليم المراهقة السعودية خصوصياتها لكل من يتمكن من إقناعها والتربص بها.

أعتقد جازما أن السبب يعود إلى خلل في التربية والتعليم معا وكذلك التوعية الاجتماعية المعدومة أصلا فيما يخص تقوية الشخصية والحذر.

لدينا قصور كبير في أمر التحذير من الغرباء وتوعية الفتاة بالطرق التي يمكن أن يسلكها شاب أو حتى فتاة أخرى لمساومتها أو الضحك عليها والنيل منها.

في المنزل يستبعد الأهل حدوث التحرش بل ويعتبرون مجرد التحدث عنه أو التحذير منه من المحظورات أو الحديث المخجل.

وفي المدرسة فإن المعلمة إن كان لديها من الوعي والذكاء ما يميزها عن الأم فإنها بالكاد مثقلة بهمومها هي، وهموم دفتر التحضير، وهموم النصاب العالي من الحصص والعدد الكبير من الطالبات ومطالبتها بالتقيد بما يرد في تعاميم تعليم البنات (وما أكثرها) وبأنظمة سطحية قاصرة أعدها من لا يعيش الواقع من الذكور!!.