من يحب الوطن أكثر ؟!

أثناء توقفي عند إشارة مرور ، نظرت يمنة فإذا بي أرى سيارة قديمة عفا عليها الزمن لا تكاد تحمل من سمات أصلها شيئاً غير هيكلها المهترئ ، وإذا بذراع تنسل من فتحة النافذة وكأن صاحبها “يتطقس” حالة الطقس أو يستجدي نسمة هواء تدخل إلى الكبينة غير المكيفة ، فالجو في الرياض شديد التقلب هذه الأيام ، وذلك الرجل لم يكن خبلاً ليبيع (عباته).
في طرف الذراع الممتلئة كف لا تقل ارتواءً لكنها يد خشنة جف على جلدها شيء من تراب مختلط ببودرة الإسمنت وتكاد ترى في بطن الكف شظايا من بقايا خشب لم يجد الرجل بعد وقتاً لانتقاشه !! كف لا تتمنى أن تقع على خدك ولا خد صديقك ولا حتى عدوك ولو مزاحاً .

بيت القصيد أنني تأملت داخل السيارة فإذا بشيء كبير يتدلى من مرآة الوسط على شكل قلب من قماش بضعف حجم القلب البشري يحمل ألوان علم دولة عربية وقد كتب عليه “أحبك يا وطني”.

وأنا أتأمل هذه المفارقات وأفكر في مفارقات أكبر ، أعطتنا إشارة المرور الإذن بالانطلاق فإذا بسيارته تحمل كل قواها وصوتها للتحرك فتهتز وترتعش، كمن أصابه مس من جان، ويسعل محركها بصوت يدعو إلى الشفقة وكأنه رئة مدخن يلفظ أنفاسه الأخيرة.

فارقته وأنا أفكر في المفارقة الغريبة ، لماذا يعبر الكادحون والمساكين العرب عن حب الوطن أكثر من المترفين ؟!.

هل يحب الشقي الكادح وطنه أكثر ممن منحه الوطن السعادة والرفاه ؟! وهل هذه

سمة عربية ؟!.

شاهدت سيارات عربية فارهة ويخوت وطائرات خاصة (شاهدت صورها طبعاً) ولم أر في أي من زواياها شعاراً يليق بالديكور يحمل تعبيراً لحب الوطن مثلما فعل صاحبنا هذا في عربته تلك .

الواقع يقول إن ااإبن غير المدلل أكثر نفعاً لوالديه من شقيقه الذي أرهق والده صرفاً وترفاً ودلالاً ، فهل ينطبق ذلك على الوطن وأبنائه ؟

على أي حال ثمة تعبير عن الحب وترديد له ، وثمة تجسيد للحب وتطبيق له والذي أراه أن الكادح يعبر عن الحب ويطبقه هذا مؤكد ، وهذا سر من أسرار الحب وملاحقة المحبوب والمحبوبة والهيام بها رغم الجفاء .

وألاحظ أيضاً أن كثيرين يقولون إن أعمالهم للوطن ومن أجل الوطن ولكنك عندما ترى النسبة والتناسب بين انتفاع الوطن منهم وانتفاعهم من الوطن تجد الفارق كبيرا جداً ، فانتفاعهم أكثر من نفعهم ، وما حققوه من مصالح شخصية يفوق ما قدموه وهؤلاء حتى لو علقوا في سياراتهم “بطانية” تحمل عبارة حب الوطن لن يجزوه حقه لكنهم لا يعلقون على مرايا الوسط غير عبارة “أحبك يا نفسي”.

رأي واحد على “من يحب الوطن أكثر ؟!

  1. صباحك جنه أستاذي 🙂

    شرف لي قراءة حروفك عن قرب

    كنت أفكر كثيراً لماذا الهنود و المصريين الشعوب الكادحه

    تعشق أوطانها بشدة و نحن المرفهين لا تربطنا روابط وطنية بأوطاننا

    لا نحبها بشدة مثلما يفعلون نفتقد الإنتماء و الشعور بالمواطنة

    أين الخلل برأيك أتوقع بانه من المدرسة

    فسابقاً كان يحرم النشيد الوطني و الإحتفالات فهل من هنا

    حصل هذا الجفاء ..؟؟

    شكري لك

اترك رد