اليوم: 28 مارس، 2009

ارحموا عزيز طب أدار

أود أن أتناول موضوع إدارة الأطباء من وجهة نظر مختلفة وبالاستشهاد بمثال تقشعر له الأبدان يجعلنا نتنبه إلى أن التأثير العكسي لتولي الطبيب للإدارة قد يجعله يتخلى حتى عن حسّه الطبي الإنساني وقد تطغى سيطرة البيروقراطية حتى على معلوماته الطبية.
سائق سعودي يعمل في إحدى المنشآت الصحية التي يديرها طبيب ، أصيب بمرض السرطان في الغدد الليمفاوية ، حماكم الله وإيانا وشفاه ، مما استدعى علاجه بالعلاج الكيميائي المكثف الذي أدى إلى مضاعفات كثيرة معروفة منها سقوط عدد من أسنانه فما كان منه بعد إتمام مراحل العلاج ،وتحديداً في عام 2007م ، إلا أن طلب من المدير العام التنفيذي للمنشأة ،وهو طبيب، الموافقة على تركيب أسنان بديلة للأسنان التي فقدها فقوبل برفض الطبيب حيث أفاده بأن علاج الأسنان ليس ضمن حقوقه كموظف وأن عليه إذا أراد تركيب الأسنان أو زرعها أن يدفع التكاليف لمركز الأعمال من حسابه الخاص.

دعونا من عدم قدرة سائق براتبه الزهيد على دفع تكاليف علاج الأسنان، ودعونا من أمر أحقية موظف المستشفى، وهو مواطن، في علاج أسنانه في المنشأة التي يعمل فيها، ودعونا نركز على ما نسيه الطبيب عندما انشغل بالإدارة !!.

علاج الأمراض السبعة حق من حقوق كل مواطن ضمنته له الدولة أعزها الله و مرض السرطان هو أحد وأهم هذه الأمراض السبعة التي تطرقت لها في أكثر من مقال سابق، وما نسيه الطبيب الماهر هو أن علاج مضاعفات المرض، أو مضاعفات أدويته هو جزء من علاج المرض، أي أن ذلك العلاج الكيميائي لو أدى إلى تكسر خلايا الدم وهبوط الهيموجلوبين فإن المريض من حقه الحصول على الدم ، ولو أدى إلى إنهاك أحد أعضاء المريض أو تلفه فإن علاج هذه المضاعفة استمرارية لعلاج المرض، فلا يمكنك أن تقول للمريض عالجت مرضك وعليك بتولي علاج المضاعفات ، ومثل ذلك فإن سقوط أسنانه لم يكن بسبب إهماله تنظيف أسنانه ولكنه نتيجة معروفة للعلاج الكيميائي لأحد الأمراض السبعة، فإعادة الأسنان لهذا المريض لوضعها قبل إصابته بالمرض حق من حقوقه لا يحق لإداري كائن من كان أن يحرمه إياه ، ولو كان هذا الإداري إدارياً مؤهلاً متخصصاً في الإدارة لما حرمه هذا الحق لأنه سيكون ملماً بالأنظمة والقرارات والحقوق ومهيأً نفسياً للاستنارة بالرأي الطبي، أما وأنه طبيب يفترض أن يشغل الطب والجراحة كل ذهنه فقد جاءت الإدارة لتستحل أهم جزء من هذا الذهن وهو المتعلق بالجوانب الإنسانية ، ففقد إنسانية مهنة الطب ولم يتقن فن الإدارة، وإنني لأعجب أشد العجب ممن يجرؤ على حرمان مريض سرطان من مواصلة العلاج وكيف لا يتذكر قدرة الله عليه؟!!.

ولأن المرض الإداري كالمرض العضوي تنتقل عدواه مع ناقل المرض فإن قرار إعادة تشغيل مراكز الأعمال في وزارة الصحة أحد الأعراض، لذا فإنني لا أخشى فقط عودة إشغال الأسرة بزبائن مراكز الأعمال على حساب المواطنين من المرضى المستحقين للعلاج المجاني ، بل إن الأمر قد يصل إلى تحويل المستحق للعلاج المجاني مثل صاحبنا هذا إلى مركز الأعمال ، ففقدان الحس الإداري لا يقل خطورة عن فقدان الحس الإنساني وإذا فقدا معاً فتوجه بالدعاء إلى الله فهو خير من يعوضك ويقتص لك .