اليوم: جانفي 2, 2011

تعويض أهل القبور

كنا نطالب بالصوت الرفيع، ونقول منذ عشرات السنين إن من أسباب الهم في المجتمع والضجر الشديد الذي يصل درجة الاحتقان أن قنوات الشكوى ضيقة أو شبه مسدودة، وأن القضايا في المحاكم تسير ببطء شديد دون حسم أو حل أو إنصاف سريع.
نحن لم نكن نتحدث عن الحكم ونحدد لمن صدر وضد من صدر ولماذا؟! معاذ الله أن نفعل ذلك، لأننا نثق في إنصاف وعدل قضائنا، لكننا كنا نتحدث عن متى يصدر الحكم ولماذا يتأخر؟! ودور هذا التأخر في إحداث شعور باليأس من الحصول على الحق، والأخطر من ذلك الشعور هو إدراك المخطئ الجائر أن حصول خصمه على حقه بطيء جدا أو شبه مستحيل، مما يزيده جرأة على الجور وأكل حقوق الناس بالباطل وترديد عبارة (رح اشتك) أو (الشرع فاتح بابه)، وباب الشرع كان مفتوحا فعلا، لكن لدخول القضايا وليس لخروج الأحكام بكل أسف.
ما نقوله ونردده ويردده كثير من الناس كان قديما وربما لا يزال، ومن إحقاق الحق أن نقول أن معالي وزير العدل الدكتور محمد العيسى وعد أكثر من مرة بحل موضوع التأخر، وأنه يسعى إلى ذلك بما أوتي من وقت وجهد، وأن تنويع تخصصات المحاكم وإنشاء محاكم اختصاص سوف يفرغ المحاكم كلا في مجال اختصاصه، ووعود معاليه محل ثقة كبيرة والعبرة بالنتائج، وخطوات تنظيم كتابات العدل ومحاكم التصالح والتحاكم الإلكتروني وتنظيم مواعيد القضايا، كلها دلالات تبشر بأن القضايا التي يمكن الإسراع في إنهائها لعدم وجود تعقيدات توجب الانتظار سوف لن تطول، ونحن ننتظر المزيد.
على أي حال، فإن تأكيدي على الجانب التاريخي لشكوانا من التأخير في البت في القضايا، والذي كنا نقوله منذ عشرات السنين له أسبابه ومبرراته، فقد كانت شكوانا تلك تقابل ــ آنذاك ــ بالنفي والاستغراب والتمسك بأن القضايا لا تتأخر، ونحن ككتاب وإعلاميين نصر على أن شكوى الناس من التأخير كبيرة بل عظيمة، ولعلنا الآن وبعد خبر «عكاظ» المنشور يوم الإثنين الماضي 21 محرم 1432هـ أثبتنا صحة ما كنا نشكو منه ويتم نفيه ــ آنذاك، فها هي قضية مطالبات مواطنين بتعويضهم عن أراضيهم التي نزعت ملكيتها وأنشئ عليها مطار الملك عبد العزيز بجدة لم يصدر الحكم فيها إلا بعد 34 سنة، وهو حكم صدر من المحكمة الإدارية بديوان المظالم ونقضته محكمة الاستئناف، وبصرف النظر عن حيثيات الحكم أو الاستئناف أو النقض، إلا أن مطالبات أصحاب هذه الأراضي بدأت منذ 34 عاما، ولم تحل وهي مثال لما كنا نشكو منه وينفى آنذاك، وها هي الحقيقة تظهر بعد هذه المدة الطويلة والقضية أيضا لم تنته، ولك أن تتخيل الغبن والهم الذي أشرنا ونشير وسنشير إليه، فمن كان في ريعان شبابه عند نزع الملكية، وكان يحلم بالتعويض ليبني منزل العمر وهو في الثلاثين ــ آنذاك ــ تعدى الستين اليوم ولم يهنأ بالحصول على حقه، أما من كان في الخمسين وقتها، فالأقرب أنه في قبره الآن (حسب معدل أعمار أمة محمد)، والقضية ما زالت بين حكم واستئناف، وأكرر أننا لا نعترض على الحكم أو الطعن، ولكن يعنينا عدم البت كل هذه المدة، وإلا فإن عوض الأحياء ومن هم في القبور على الله.