اليوم: جانفي 30, 2011

نسيان مجرمي الأولى أغرقها ثانية

جدة، وخاصة مع الموجة الكارثية الثانية خلال عام واحد، ليست في حاجة إلى إثارة مشاعر الحزن لدى عامة الناس، ولا إلى حرق أعصاب من ليس لهم علاقة بالقصور ولا دور لهم في التقصير. جدة ليست في حاجة إلى تسابق القنوات لتصوير مستوى المياه في الشوارع وأدوار المباني العالية، ولا لتسابق مواقع النت في نشر صور الجثث وأحوال الطالبات المحتجزات والأطفال العالقين. جدة ليست في أدنى حاجة لأن يردد مذيع برنامج رياضي تلفزيوني عبارات ساخرة، ثم يستشهد بقصيدة لا يملك القدرة على قراءة سليمة لأبياتها. جدة ليست في أدنى حاجة لتصوير حجم المشكلة وحجم القصور وحجم الدمار ومقدار الخسائر، وعرضها على من لا حول لهم ولا قوة!!. جدة ليست في حاجة لأن يستعرض كل منا قدراته في وصف ما حدث. ما حدث في جدة نعرفه ونعرف أسبابه، وأكثر من اكتوى بناره هو من خسر فيه أبا أو أما أو طفلا أو منزلا أو سيارة.
ما تحتاجه جدة لتصلح حالها ولا تتكرر فيها ولا في غيرها هو معرفة مصير مئات المتهمين في الكارثة الأولى! كما أمر خادم الحرمين الشريفين يوم الأربعاء الماضي عندما شدد على محاسبة المتقاعسين عن تنفيذ قرارات العام الماضي!، ما هي عقوباتهم؟!، من هم؟!، أين هم؟!، ماذا حل بهم؟!، وكيف تعاملنا معهم؟!، هل أدينوا جميعا أم أدين بعضهم وما هي عقوبة من أدين؟!، ولماذا لم يدن من لم يدن؟! وكيف تمت تبرئته؟!!، عندما تضرب عنق قاتل في ساحة عامة يرتدع كل القتلة والمجرمين أعواما، وعندما تقطع يد سارق وتعلقها يعلق كل قطاع الطرق واللصوص والنشالين أنشطتهم سنين عديدة، ولو حدث (لا سمح الله) أن خرج أي من هؤلاء بفعلته فإن كل أنشطة الإجرام تستأنف.
الكارثة الثانية ليست نتاج قصر الفترة بين الكارثتين، فخلال سنة يمكن وبسهولة تلافي ما حدث لو استمر الحماس، الكارثة الثانية سببها طول الفترة بين الكارثتين، فخلال سنة أمكن وبسهولة تلافي الغضب مما حدث وتهوينه وتبريد الحماس ضد من اقترفوه وإيجاد الأعذار والحجج وترديد عبارات إبعاد التهم والتبرئة، بدلا من الاستمرار في توجيه الاتهامات وأدلة الإدانة. كان خروج بعض المسؤولين من دائرة المسؤولية عن الكارثة الأولى أسرع من خروج الماء من حي قويزة وأنفاق أحياء جدة، ولم تنفع صور الجثث ولا لقطات (فيديو) الموت ولا مقالات الحزن في استمرار الغضب ضد المدانين والمتهمين، ولم يمنع اللطم والعويل على الحزن من تكرار الحزن.
كل من تسبب في الأولى مجرم جدير بالعقوبة المعلنة، وكل من قلل من أهمية الأولى شريك، وكل من قال بأنها حادثة نادرة لا تحدث إلا كل مائة سنة مسؤول عما حدث هذه السنة، وكل من كتب مقللا من دور الفساد فيما حدث في الأولى، ومتهما من طالب بالعقوبة بالإقليمية والعنصرية شريك في جرم الثانية، ولا أقول الأخيرة، لأنها سوف تتكرر إن اكتفينا بلطم وعويل يتبعه خروج (متلطم) مع كفيل.
باختصار.. لو تمت محاسبة ومعاقبة مجرم الأولى لما تهاون المتسبب عن تلافي الثانية.