ننصح كأمريكا ونخدم ككوستاريكا

أصعب شيء على أي إنسان أن تنصحه باستغلال خدمة ولا توفرها، أو عمل إجراء حضاري وآليته غير موجودة، فهذا بالنسبة له كالتعذيب فأنت تدله على الأسلوب الصحيح لكنك لا تتيح له فرصة سلوكه، وهذا ما يحدث بالضبط عندما نكرر نصح الناس بإجراء الفحوصات الطبية الدورية كل ستة أشهر، ونكرر ذلك في كل وسائل التوعية وقنوات الإعلام، من صحف وإذاعة وتلفاز فكثيرا ما نسمع ونشاهد عبارة (عزيزي المواطن إن إجراء الفحوصات الطبية الدورية كل ستة أشهر يقيك من أخطار الأمراض الصامتة ويساعد على اكتشافها مبكرا وبالتالي علاجها قبل استفحالها أو فوات الأوان) وتلك وربي عبارة نصح جميلة جدا بل مثالية، لكن هذا المواطن لو ذهب إلى مكتب الاستقبال في أي مستشفى حكومي وطلب إجراء فحص دوري فإنه قد يواجه بعبارة (ليش الأخ سيارة؟!) بمعنى أن الطلب سيكون مستغربا ومرفوضا بالتأكيد لأن المستشفى يتوقع أن لا تأتيه إلا بشكوى من مرض، بل يطلب تحويل من مركز صحي يحدد ما هي شكواك، والمركز الصحي لا تتوفر فيه كثير من الفحوصات الأساسية الهامة.
نفس الشيء يحدث مع فحص الثدي دوريا للنساء، فكل العبارات إعلاميا تطالب بإجراء فحص دوري (روتيني ) للثدي من أجل الاكتشاف المبكر لسرطان الثدي، لكن هذا الفحص لا يمكن أن يتم (روتينيا) وأكثر من يستغرب الإقبال على قبول مثل تلك النصيحة هو المستشفى نفسه ومكاتب الاستقبال فيه، وخذ أيضا مثال الحث على علاج الإدمان من المخدرات فهي عبارة تكاد تسمعها وتقرؤها في كل مكان لكن المدمن وأسرته ووالديه عندما يستجيبون للنداء فإنهم لا يجدون ما نصحوا به متوفرا فمستشفيات علاج الإدمان لا تقبلهم بحجة عدم توفر السرير.
التفسير الوحيد لما يحدث هو أننا مهنيا نعرف ما يجب عمله ونعيه جيدا مثلما يعيه أي مهني في الدول المتقدمة وأمريكا مثال، لكننا لا نوفر بالضرورة ما ندرك أهميته بالقدر والقدرة الكافية ونشابه في ذلك دولا لا تعي نفس وعينا والمهني الواعي سواء كان طبيبا أو صيدلانيا أو أستاذ جامعة ينصح بما يراه صحيحا ولا يعنيه توفر وسائل تنفيذ النصيحة وتبقى الحيرة على ملامح المتلقي بين ما يطلب منه وما يمكنه عمله على أرض الواقع، وأتمنى أن نسرع في الجمع بين الحسنتين فننصح بما نراه ضروريا ونوفر ما نراه أساسيا لتنفيذه.

3 آراء على “ننصح كأمريكا ونخدم ككوستاريكا

  1. المشكلة أن الإعلان المفترض الذي من المفترض أن يكون توعوي ..
    يظهر لنا كتحذير مخيف بالرغم من ندرته ( أي الإعلان ) ..

    ولعل المتتبع لكثير من الدول المجاور تخصص جهة للتوعية الصحية بينما عندنا فإن الأمر ارتجالي فكلما زادت الميزانية الخاصة ببرنامج أو مؤتمر زاد الإقبال عليه من المنتفعين لا للمصالحة العامة وإنما للمصلحة الخاصة .. فتجد الطبيب أو الأستاذ وغيرهما قد أصبحوا بقدرة قادر أهل اختصاص في مجال الدعاية والإعلان والتركيز على المنابع حتى تجفيفها ..

    أصبحنا نفتقد للبرامج الإعلامية التوعوية المتخصصة وجاء بدلاً عنها الإعلانات ( البايخة ) ليتهم يقونون بشرائها من الدول المتقدمة وهي كثيرة جداً ويحرصون عليها..
    إن ما يقدم في الصباح وآخر الليل لا يعتبر توجيه وتوعية ولكن يعتبر حشو برامجي فقد المشاهد المقصود لأنه في الأساس غير موجه ونجهل حقيقة التوجيه والشرائح المقصودة ..

    إن التوعية الصحيحة قد أغتيلت بداعي التقدم والحضارة ولأجل أشباه المذيعات اللاتي يفتقدن لأبجديات التوعية وكيفية طرحها ..
    وإلا فإن مكتبة التلفزيون السعودي مليئة بحلقات ( الطب والحياة ) للدكتور زهير السباعي الذي كان يعرض منتصف الأسبوع بعد صلاة العشاء وهنا التوعية الصحيحة في التوقيت ..
    وكذلك برامج الدكتور مصطفى محمود وغيرهما كثير جداً ..

    إعجاب

  2. اشكرك اخوووي .. فعلاً نحتاج مراكز للفحص ولمعالجة ايضاً المدخنين لدي أخ يدخن ولكن لا يستطيع تركه خوفاً من التعب فلابد من توفير مراكز خاصه لهم..

    إعجاب

أضف تعليق