اليوم: ديسمبر 26, 2021

تهنئة الأعداء ومجاملة الأغنياء

لي مع التهاني بالأعياد والشهر الكريم مواقف ووجهة نظر نابعة من تجربتي الخاصة، أحب أن أشاركها معكم، دون أن أفرضها على أحد، فهي تبقى وجهة نظر وتجربة خاصة قد لا تنطبق على الجميع وقد يمر بها البعض مثلما مررت بها فيوافقني الرأي أو يكون له رأي آخر.

شخصياً لم أقتنع قط بالتهاني عبر رسائل الجوال بواسطة (تحديد الكل) سواء النصية أو عبر (الواتساب)، وكنت ولازلت أسميها التهاني المعلبة لأنها تذهب لكل من خزن رقمه في جوالك دون قصد ودون أن تحمل مشاعر خاصة بالمرسل إليه، ولا عبارة خاصة به تشعره بأنه هو المقصود بالتهنئة وأن المرسل تذكره فعلاً فبادر لتهنئته، بل حتى أن اسمه غير مذكور في الإرسال، وأي رسالة لا تحمل اسم المرسل إليه لا معنى لها، تماماً مثل رسالة لا تحمل اسم المرسل!، فهي في حكم المجهول، وما ذكر طبعاً لا ينطبق على رسالة التهنئة الموجهة لشخص بالاسم، سواء كانت رسالة نصية أو عبر (الواتساب).

ولي مع رسائل (الواتساب المعلبة) مواقف كثيرة أذكر منها ما يؤكد ما ذكرت أعلاه (أنها لا تحمل مشاعر حقيقية خاصة) فحينما كنت مديراً عاماً لمركز إنتاج الأمصال لسموم الثعابين والعقارب بالحرس الوطني كنت مضطراً لاتخاذ مواقف صلبة مع بعض المقاولين والموردين غير الملتزمين بالعقود وتصل حد خصومات كبيرة أو إيقاف مستحقات وبالتالي تنتهي العلاقة بخصومة تصل حد العداوة وربما إرسال بعض العبارات الغاضبة لجوالي، وما أن يحل الشهر الكريم أو أحد العيدين تردني من ذات الأرقام رسائل تهنئة (تحديد الكل) والتي بالتأكيد ضلت الطريق وجاءت دون قصد المرسل ولا تحمل مشاعره الحقيقية بدليل أن الرسائل الغاضبة تستمر!

شخصياً أعتمد التهنئة بالاتصال الهاتفي المباشر أو حضورياً للبعض (قبل كورونا) فأقوم بالاتصال بأشخاص وضعت قائمة بأسمائهم وهم خليط من أصحاب المعروف والأقارب والقريبات وزملاء العمل الأكبر سناً (لا مركزاً) وعدد ممن خدموا الوطن بإخلاص ثم ترجلوا، فاتصل بهم واحداً تلو الآخر بالترتيب اتصالاً مباشراً وإذا لم يرد أرسلت رسالة بالاسم ووعدته بمعاودة المحاولة ثم فعلت.

التنويه لهذا الأمر لا يعني فرضه أو التباهي به، ولكن للتذكير بأن لا نكتفي بالتقنية المجانية (واتساب وغيره) عن التواصل مع أقربائنا ومن نحب تواصلاً صادقاً فعالاً والاتصال المباشر والتحدث هاتفياً أضعف الإيمان للاطمئنان على كل من عرفنا ونعرف خاصة قريباتنا من النساء، فلا يغرنك أن نساء اليوم أصبحن في غنى عن العون والمساندة ولو نفسياً، وكذلك كبار السن ومن له عليك فضل سابق، فقد يكون في حاجتك اليوم، وأصدقاء وصديقات والديك ففي برهم بر بوالديك، ومن تعرفه مريضاً أو ضعيفاً أو محتاجاً، فلا نقصر المجاملة على (من نحتاج) بل الأهم (من يحتاج!)، وليس أفضل من مناسبة الشهر الكريم والعيدين لمثل هذا التواصل، والله أعلم وأحكم.

كورونا الرياض.. ارتفاع الحالات هبوط الجامعات

ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا في الوطن عامة أمر مقلق ويحتاج لوقفة حزم فلا يمكن أن نقبل بالفشل بعد نجاح غير مسبوق، لكن استمرار تصدر منطقة الرياض لعدد حالات الإصابات حتى قاربت نسبة 50 % من مجموع الإصابات اليومية في المملكة أمر محير وليس مقلقاً وحسب، ومصدر الحيرة الكبرى هو أننا حتى اليوم لم نحدد أسباب زيادة الحالات في الرياض تحديداً، وهنا يقع العتب على جامعاتنا ومراكز الدراسات، فيفترض أن تقوم الجامعات ومراكز الدراسات بدراسات عاجلة مستفيضة لمعرفة الأسباب والمتغيرات وتزويد لجنة متابعة كورونا بالنتائج والتوصيات، فنحن في عصر القرار القائم على دراسة.

شخصياً طالبت عبر صفحتي في (تويتر) بأن تتحرك الجامعات ومراكز الدراسات لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة، وكباحث، أقيم اعتباراً للأبحاث والأبحاث فقط، لا يمكنني افتراض أسباب أو اتهام سلوكيات اجتماعية وتحميلها المسؤولية، وإن كانت هناك مؤشرات يمكن الاستفادة منها في توجيه اتهام، لكن المنطق العلمي يقبل وضع الفرضيات، أياً كانت، لكنه لا يقبل بتأكيدها من دون دراسة وبحث وإثباتات، وهذا ما نحن في أمسّ الحاجة إليه حالياً.

بعد أن طالبتُ كثيراً عبر (تويتر) طرحت ذات الفكرة على معالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة خلال مكالمة هنأته خلالها بالشهر الكريم، وأيّد معاليه المطالبة بأن تتولى الجامعات مثل هذه الدراسة عاجلاً، وأشاد الوزير بما حققته جامعات المملكة العربية السعودية من تقدم على مستوى العالم في جهود أبحاث كورونا حيث حققت المركز الأول عربياً و 14 عالمياً، فيما حققت المرتبة 12 على مستوى دول مجموعة العشرين.

وفي نظري أن جهود النشر العلمي الانفرادي في مجال كورونا كمرض جهود مشكورة ولكنها تخدم أصحابها في الترقيات ولاشك أنها خدمت الجامعات بحثياً، لكنني أريد دراسات مكثفة مشتركة لتفسير ارتفاع الحالات بصفة عامة والارتفاع الكبير المستمر في الحالات في منطقة الرياض تحديداً، وتشخيص أسباب الارتفاع وسبل إيقافها وأقترح أن لا تكون هذه الأبحاث اختيارية للجامعات بل تُفرض كواجب وطني، فنحن في حاجة ماسة لأبحاث من حيث الكيف وليس الكم، لأن الكم يخدم الباحث في الترقية، لكن الكيف يخدم الوطن.

ومن وجهة نظري كباحث في مجال الأدوية وتحديداً الأمصال، فإن كل الفرضيات مسموحة ومتاحة وقد تؤدي لاكتشافات، لكن تبقى الفرضية فرضية حتى تؤكد بأبحاث دقيقة، لذا لا يمكن أن نفترض اجتهادياً فحسب، ولكن نفترض ونبحث، وبالمناسبة ففي معرض حديث معالي الوزير معي هاتفياً قال متألماً: الغريب أن التطعيم في الرياض هو الأكثر نسبة ومع ذلك نفاجأ بارتفاع الحالات في الرياض (انتهى).

هنا دار في خلدي مجرد خاطرة أو فرضية لابد من استبعادها بالبحث وهي: هل ثمة تأثر للفحص بحالة من تلقى التطعيم، علماً أن مضادات الأجسام المنتجة في جسم من تلقى اللقاح بحقنة في العضل يصعب علمياً تداخلها مع عينة أخذت من الحلق أو الأنف، ولو كان اللقاح يؤخذ بالبخاخ في الفم أو الأنف لكان الاحتمال ممكناً، ومع ذلك فإن البحث والبحث فقط كفيل بنفي كل الفرضيات أو إثباتها.

نشر في جريدة الرياض يوم  الأحد 6 رمضان 1442هـ 18 إبريل 2021م

اختفت الشفافية وبقي “القرف”

رغم مرور ست سنوات على مقال كتبته في صحيفة عكاظ -آنذاك- وتحديداً يوم الاثنين 12 أكتوبر 2015م بعنوان (شفافية مقرفة لكنها رائعة)، إلا أن تقنية “الواتساب” أعادت ترويج المقال هذه الأيام وبكثرة، حتى أنه وصلني من عدة مجموعات “واتساب” لتوعيتي بما ورد في المقال، ووصل بعض أفراد أسرتي وأقاربي بالصدفة لغرض التوعية نفسه، ولا أعلم سر إعادة إحياء الموضوع، لكنه يبقى أمراً مهماً، ليس لأنني كاتبه، ولكن لأن الموضوع يمس سلامة وصحة الناس ولم يطرأ عليه تغيير منذ ذلك الحين.

المقال يحلل تقريراً صدر من وزارة الشؤون البلدية ونشرته صحيفة “مكة” يقول: إن 43 % من عمال المطاعم الذين تمت إحالتهم للفحص الطبي وجد أن لديهم أمراضاً خطيرة ومعدية تتراوح بين فطريات في الأصابع وسعال وزكام وجروح في اليدين والأصابع، وذهبت شفافية تقرير الوزارة إلى أبعد من ذلك “قرفاً”، فأوضح التقرير أن غالبية جروح وقروح الأصابع وفطريات الأصابع ظهرت فيمن يعدون الطعام والخبازين، وهذا معناه إمكانية انتقال فيروسات الكبد للمستهلك عبر طعام تلوث بدم العامل.

أنا كان دوري أن حللت التقرير كصيدلي، وتناولت أبعاد مثل هذا الإهمال الخطير، وأضفت أنني شخصياً لا يقرفني التقرير إطلاقاً؛ لأنني ومنذ مشاركتي كمراقب متطوع في أمانة مدينة الرياض منذ أيام الأمين عبدالله العلي النعيم، ورؤيتي ما رأيت في المطاعم لم أعد آكل ذرة طعام أو حلوى تعد في الخارج، وكنت أكتفي قبل زواجي بما تطبخ أمي، تغمدها الله بواسع رحمته، ثم حالياً ما تطبخه أم مهند أو إحدى بناتي -حفظهن الله-.

اليوم وبعد مضي ست سنوات أرى أن وضع المطاعم من الداخل لم يتغير، بل ربما ازداد أمر الغش والتلاعب بالتواريخ سوءاً، وكشفت بعض المداهمات القليلة -بناء على بلاغات مواطنين- صوراً من قذارة الداخل في مطاعم شهيرة وكبيرة، وما يقلق أكثر ويدعو للحذر من المأكولات التي تعد خارج المنزل هو عنصر التعمد في التلويث لأسباب حقد عامل أو لأسباب شاذة باطلة، لسنا ببعيد من حوادث تلويث الزيتون بالبول أو القهوة بالبصق والتي أعلن القبض على مرتكبيها بعد انتشار المقطع، ولكن ماذا عن الممارسات المتوقعة التي لم تنشر أو لم تصطدها الكاميرات؟!

الجديد أيضاً موضوع التوصيل، فلم تعد تنظر لمن يعد الطعام وتحمله بنفسك، بل أصبح ينقله وسيط لا تعلم كيف يتعامل مع طعامك، لذا أرى أن الشفافية في هذا الصدد قلّت، فملاك المطاعم مشغولون بالجشع، وعدد المطاعم زاد وتنوع و”القرف” قد يكون زاد، وكم نحن بحاجة لمزيد من الدراسات والتقارير الشبيهة بما صدر عن وزارة الشؤون البلدية آنذاك ثم تكثيف الرقابة داخل المطابخ المغلقة، وحتى ذلك الحين لن تقبل نفسي طعام المطاعم.. وأنتم أدرى و”أبخص”.

نشر في جريدة الرياض يوم الأحد 29 شعبان 1442هـ 11 إبريل 2021م

هذيان طبيب نفسي مخالف

دور الطبيب، أي طبيب، في المشاركات الإعلامية يقتصر على توعية الناس لا تخويفهم، ومساندتهم لا إحباطهم، ويكون ذلك بأن يزودهم بما لديه من معلومات وخبرات ضمن حدود معينة لا يبالغ في تخطيها لا بتشخيص ولا بوصف علاج.

أما الطبيب النفسي، تحديدا، فإن القيود في تعاطيه مع العامة إعلاميا هي أشد وأكثر حذرا من التخصصات الأخرى، وذلك لخطورة الإيحاءات النفسية وتأثيرها البالغ في سلوكيات الأصحاء ناهيك عن المرضى، والحساسية الشديدة للتعاطي مع الأمراض النفسية ومضاعفاتها وتفسيراتها، وسرعة التوهم بها عند وصف بعض أعراضها، لذا فإن القوانين والأعراف الطبية وأخلاقيات المهنة تحرم التفسير العلني للسلوكيات، وتشخيص بعض التصرفات على أنها مرض نفسي معين في وسائل الإعلام، بل إن التحريم وصل حد التجريم في بعض الدول المتقدمة، حيث لا يحق لطبيب نفسي ربط سلوك وتصرف شخص بمبرر نفسي مرضي بحيث قد يؤدي للقياس عليه من قبل العامة، فيحدث الإرباك والشك والوساوس، فيصاب المجتمع بأسره في مقتل. ما يحدث في بعض مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية أن بعض الأطباء النفسيين يتجاوز كل الحدود في وصفه وتفسيراته وظنونه الشخصية غير المبنية غالبا على أساس علمي ثابت، بل يرى فطاحلة الطب النفسي العقلاء أن نظرياته ضرب من الهذيان غير العلمي المضلل، وحتى وإن صح بعض تفسيراته، فإن قوله في الإعلام وتعميمه مخالفة مهنية وأخلاقية، وأن جل ما يهذي به في برامج القنوات هو للبحث عن الشهرة وجذب مزيد من المخدوعين لعيادته.

المخالفة الثانية تتمثل في تركيز الطبيب على لقب “بروفيسور” لجذب الزبائن، وهذا اللقب لقب أكاديمي مكانه المجلات العلمية والأبحاث والمشاركة في المؤتمرات العلمية فقط، ولا يجوز استخدامه في المستشفيات والعيادات والممارسات الإكلينيكية إطلاقا، وهو بالمناسبة ليس دلالة على مهارة طبية، فقد يكون “بروفسورا” مسنا توقفت مهارة يده أو ذهنه وقدراته عند سن معين، وكذا توقفت متابعاته عند مرحلة حصوله على درجة أستاذ، فليس بأفضل مهنيا وعمليا واطلاعا من استشاري كان من طلابه، لذا لا يجوز خداع الناس بالألقاب الأكاديمية عبر القنوات الفضائية ووسائل الإعلام.

دور الطبيب النفسي أن يستمع لمريضه، ويُسْمِعه، ثم يشخص حالته، ويصف لها علاجا دوائيا، أو يحيله لجلسات اختصاصي نفسي لعلاجه، وليس من أدواره أن يحلل مشكلات اجتماعية في الإعلام فيحث على الطلاق، ويربط سلوكيات المجتمع بحالات مرضية شاذة يعممها، فيبرر للتنمر وللعادات السيئة والتحرشات داخل الأسرة، أو يصف دواعي الخيانة الزوجية والدياثة.

على الطبيب النفسي أن لا يحاول كسب الشهرة لكي يبالغ في رسوم الزيارة ثم لا يرى المريض ويحيله لجلسات مساعديه بجشع، أو أن يسارع بوصف دواء له تأثيرات أخطر من المرض أو جهاز غير مرخص، وأن ينصح نفسه وزملاءه في البعد عن هذه الممارسات بدلا من التنظير الاجتماعي غير المباح.

نشر في جريدة الرياض يوم الأحد 22 شعبان 1442هـ 4 إبريل 2021م