اليوم: 24 يناير، 2022

صور أخرى لتدليس يهدد حياتكم

في مقال الأسبوع الماضي تطرقت لصور من التسويق بالتدليس والغش والمعلومات غير الصادقة ولا الشفافة سواء عن الأدوية أو العصائر أو الألبان بعنوان (منهج إبليس في التسويق بالتدليس)، وختمت بإشارة سريعة موجزة إلى استمرار التسويق بمعلومات مغلوطة عن مشروبات إهدار الصحة، وأود التفصيل هنا بالقول: إن تلك المشروبات التي يزعم منتجوها أنها (مشروبات طاقة) هي في الحقيقة مشروبات إهدار طاقة وصحة وحياة، باحتوائها خليطاً من سموم بتركيزات عالية (كافيين وتورين وأحماض أمينية) وهذا الخليط بتلك التركيزات تتفاعل مع بعضها وتغلق الشرايين إضافة إلى سكر الجلوكوز وما خفي من مواد مضافة)، وضرر هذه المشروبات ثابت علمياً وسبق أن شكلت لجنة وطنية لدراسة تركيب تلك المشروبات وأضرارها قبل إنشاء هيئة الغذاء والدواء وانتهت بأن ضررها ثابت لا شك فيه على خلايا المخ والقلب والدورة الدموية وضغط الدم والإجهاض وحدوث نوبات الصرع!

حياة الإنسان وسلامته هما أهم ما يهمنا ولا يسبق الحديث عنهما شيء آخر، ولكن ذلك لا يمنع من التذكير بأن من يلقي بأيديه إلى التهلكة يضر بنفسه ويرهق الوطن، لذا لا يكفي فقط التوعية بأضرار هذه المشروبات بل يجب وقف الترويج لها والحد من القدرة على الحصول عليها، فالتوعية وحدها لا يعتمد عليها في أمر الصحة، ولا أحب مقارنة الصحة بالتكاليف لكن للإقناع والتذكير لابد من القول: إن علاج أضرار هذه المشروبات وغيرها من صور إلقاء الإنسان نفسه في التهلكة، كالتدخين والشيشة والمخدرات والخمور تكلف الوطن جهوداً ومبالغ طائلة (إضافة إلى خسارة الإنسان وهو الأهم طبعاً) فيجب محاربتها ليس فقط بالنهي عنها أو التوعية.

ومن صور التدليس الأخرى التي لا تقل أهمية ادعاء بعض شركات مكافحة الحشرات أنها تستطيع القضاء على الثعابين والعقارب بالمبيدات الحشرية وهذا افتراء باطل، فالثعابين لا تؤثر فيها المبيدات الحشرية ولا تبعدها، والعقارب تهيجها المبيدات ولا تقتلها، وهذا الهيجان يزيد من خروجها وحركتها وبالتالي خطورتها، وقد أجريت على مجاميع كبيرة منها أبحاثاً مكثفة بنفسي فوجدت أنها لا تتأثر لا بالرش المباشر عليها ولا برش المكان الذي تمر عليه ولا برش المكان الذي تعيش فيه، ومكمن خطورة هذا التدليس أنه يعطي المخدوع شعوراً كاذباً بالأمان، فلا يحذر ويقع في خطر يصل حد وفاته أو أحد أفراد أسرته، ويجب وقف تلك الدعايات الكاذبة.

ومن الصور المشابهة ما يروج له بعض الموردين بأنه يستورد عدة لعلاج عضات الثعابين ولدغات العقارب بشفط السم من مكان اللدغة بعد جرحها بمشرط أو وضع مادة عليه، وهذا كله افتراء يؤدي إلى تأخر توجه الملدوغ للمستشفى فتحدث الوفاة أو المضاعفات، وجدير بالقول: إن السم إذا حقنه الثعبان أو العقرب في العضل أو تحت الجلد لا يمكن خروجه وأن الجرح يزيد من امتصاص السم ويزيد من احتمال تلوث الجرح وحدوث الغرغرينا ويجب منع هذه الأكاذيب والغش الذي يعبث بأغلى ما يملك الإنسان (حياته وحياة من يحب).

نشر في صحيفة الرياض يوم الأحد 9 ربيع الآخر 1443هـ 14 نوفمبر 2021م

منهج إبليس في التسويق بالتدليس

لتكن البداية بالتسويق للأدوية وهي من أكثر أساليب التسويق خطورة وجناية؛ فهي تتعلق بمريض يبحث عن الشفاء لا عن مزيد من المعاناة، وبدأ منهج التسويق للأدوية بالتدليس عن طريق مندوبي الدعاية لشركات الأدوية ووكلاء الدواء في المملكة، ونظراً لعدم شعور الصيادلة السعوديين بالأمان الوظيفي في الشركات ومكاتب الوكلاء فقد تولى أمر الدعاية صيادلة أو مساعدو صيادلة غير سعوديين وكانوا يقابلون الأطباء في المستشفيات الحكومية ويعطونهم معلومات مغلوطة عن إيجابيات الدواء مع إخفاء السلبيات والأعراض الجانبية بل ويغرون بعض الأطباء بمميزات ودعوات حضور مؤتمرات وتذاكر وخلافه عند اعتماد الدواء أو وصفه.

تنبهنا نحن الصيادلة السعوديين في المستشفيات لهذا الأمر، وأصبح همنا في لقاءاتنا في المؤتمرات والندوات ومحاضرات التعليم الصيدلي المستمر، وكنا قلة لكننا أصبحنا نتصيد المندوبين ونمنع وصولهم للأطباء إلا بإذن وموعد من الصيدلية يرافقهم فيه أحد صيادلة المستشفى الحكومي ليشرح للطبيب تأثير الدواء على وظائف الأعضاء كالكبد والكلى والقلب وتفاعله مع الأدوية المزمنة الأخرى وتأثيراته الجانبية وجرعاته المناسبة لحالة المريض، وهي أمور في عمق تخصص الصيدلي وقد لا يعرفها الطبيب ولا يجد الوقت للبحث عنها، ثم نجح وطننا اليوم في سعودة المكاتب العلمية لشركات الأدوية وفي الطريق لجعل التسويق للدواء وطنياً خالصاً، لكن المشكلة الحالية تكمن في قلة عدد الصيادلة والتحول لتخصص الصيدلة الإكلينيكية وعدم وقف الدعاية للأدوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الإعلامية بمعلومات مغلوطة وتدليس وخداع للمريض والطبيب على حد سواء.

التدليس الآخر يحدث في مجال لا يقل أهمية عن الدواء وهو الغذاء ولعل إحدى صوره (وليست الوحيدة) الادعاء بأن العصير طبيعي 100 ٪ وهو في واقع الأمر والطعم والرائحة والتحليل مواد صبغية صناعية، أو الادعاء بأن العصير خالٍ من السكر وهو غير ذلك أو الادعاء (التويتري) أو (الواتسابي) أن لهذا المنتج الغذائي مزايا علاجية لرفع سعره، أو الادعاء بأنه عضوي وهو غير ذلك أو عدم الإفصاح عن أغذية معدة وراثياً وهو أمر ضروري ومطبق عالمياً، أو الادعاء بوجود مواد هاضمة أو فيتامينات في لبن أو حليب وهو غير صحيح، وهذا الأمر ناصحت فيه هيئة الغذاء والدواء في كل مراحلها، وأرجو أن يخضع للرقابة والتمحيص قريباً.

مشروبات الطاقة (المهدرة للطاقة والصحة)، والتي شهدنا منها حالات وفيات محلياً وعالمياً مازالت تجد ترويجاً لدى الشباب لم يتم إيقافه بعد، رغم أضرارها المثبتة علمياً خصوصاً عند الإفراط في تناولها وأنها لا تزيد الطاقة بل تنهك الجسم.

وقد نجد فرصة أخرى لتناول صور من منهج إبليس في التسويق بالتدليس، وهو أمر غير مشروع ونتائجه خطيرة على الصحة والمال والحياة.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأحد 2 ربيع الآخر 1443هـ 7 نوفمبر 2021م

أنقذوهم نفسياً يا أصحاب المعالي

في مقال الأسبوع الماضي كتبت عن ضرورة المساندة النفسية والاجتماعية لأقارب المصابين والمتوفين في غرف الطوارئ بالمستشفيات الخاصة والحكومية، عن طريق فرض تفعيل لدور الاختصاصية الاجتماعية والاختصاصي النفسي في المستشفيات وزيادة تلك الوظائف وسعودتها، وهو ما يستدعي تضافر جهود ثلاثة وزراء، وزير الصحة ووزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ووزير التعليم، الأول لتفعيل المهام للاختصاصي النفسي والاجتماعي في كل مستشفى خاص وحكومي وفرضها مطلباً أساسياً والثاني لإضافة الوظائف وسعودتها والثالث لزيادة المخرجات لهذه التخصصات المهمة وهذا الوقت الذي نشهد فيه تطوراً جاداً حازماً عازماً هو أنسب الأوقات لكل رقي بالخدمات، ووعدت في المقال القادم أن أفصّل في أسباب ودواعي التركيز على الصحة النفسية للمجتمع عبر مساندة أفراده في مصائبهم.

الوقاية النفسية للمجتمع مطلب أساس لمجتمع سليم منتج يسهم أفراده وأسره في تحقيق التنمية وينعم بالاستقرار والأمن والرفاه. الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية بل تفوقها أهمية، لأن أثر المرض الجسدي يخص الفرد ويؤثر نفسياً في الأسرة، أما المرض النفسي فيتعدى أثره الفرد والأسرة ويمتد للمجتمع والوطن أجمع، ولست هنا في مقام من يستشهد بالأمثلة، ويفترض أن يتولى أساتذة وعلماء الاجتماع والنفس ذلك عن طريق نشر الدراسات، ونحن مقصرون كثيرًا في مجال الدراسات والإحصاءات الخاصة بمجتمعنا ولازلنا اتكاليين في هذا الصدد ونعتمد على دراسات مجتمعات أخرى، رغم الحاجة الماسة لدراسات تخصنا نحن.

ورغم شح الدراسات إلا أن الظواهر الاجتماعية والاقتصادية التي مرت علينا في سنين مضت تستدعي أن نولي اهتماماً بآثارها النفسية ونهتم أكثر بأمر المساندة النفسية لمن يحتاجها لتحقيق مجتمع صحيح نفسياً قدر الإمكان، ومن الظواهر الاجتماعية التي لا تخفى على المهتم بالشأن الاجتماعي حالات الطلاق ومشكلات الانفصال والحضانة وحالات العنف الأسري والمشكلات الأسرية وتزايد حوادث السيارات وما يصاحبها من فقد وإصابات وإعاقة، أما المشكلات الاقتصادية التي يصاحبها آثار نفسية فأبرزها ما رافق كارثة سوق الأسهم عام 2006م.

كل تلك الحوادث تستدعي اهتماما بآثارها النفسية المصاحبة ومساندة في حينها لتقليص تلك الآثار أو إنهائها بإذن الله، واستمرار في مباشرة الحالات الجديدة فوراً عن طريق تكثيف دور الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين.

المؤسف جداً أن الطب النفسي لدينا أصبح مسرحاً يركز فيه بعض الأطباء على الظهور الإعلامي والبحث عن الشهرة بالتحدث عن حالات نادرة شاذة وربما غير موجودة في مجتمعنا، سعياً لشهرة (خالف تعرف) التي تؤدي إلى كسب مادي، ورفع لسعر فتح الملف والجلسات، بينما الانتكاسات النفسية التي تحدث كثيراً لا تخضع للنقاش والبحث عن حلول وقائية عن طريق مساندة الاختصاصي النفسي والاجتماعي للمكلوم بادئ الأمر.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأحد 25 ربيع الأول 1443هـ 31 أكتوبر 2021م

يحتاجون ثلاثة وزراء

عندما عملت صيدلانياً في مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني منتقلاً من عمل أكاديمي ودخلت غمار المنظومة الصحية التطبيقية بعد أن كنت أكاديمياً نظرياً بعملي كمعيد ثم محاضر بكلية الصيدلة بجامعة الملك سعود، عشت تحولاً كبيراً جداً في إحساسي وشعوري نحو المرضى وأقاربهم وظروفهم واحتياجاتهم.

من يدخل المستشفى يعيش تحولاً كبيراً، سواء دخله مريضاً أو مرافقاً لمريض أو ممارساً صحياً، لا فرق إطلاقاً، فإذا خالطت المرضى وعشت معاناتهم ومعاناة أحبتهم فلابد أن تعيش أحاسيسهم ومشاعرهم وتتبنى قضاياهم، هذا طبعاً إذا كنت إنساناً طبيعياً و لديك ذرة من شعور، وغيرك ممن لا يعيش ذلك الشعور يعد هو الاستثناء والنشاز، والمعاذ بالله من منزوع المشاعر والأحاسيس.

أعود فأقول في بداياتي كصيدلاني شاركت تطوعياً في تجارب الكوارث الافتراضية التي يجريها المستشفى دورياً كمتطلب احتياطي، ليس فقط كصيدلي ولكن كمشارك في الإعداد لهذه التمثيلية الافتراضية بتدريب الممثلين كمصابين وعمل المكياج لهم إما برسم الجروح أو وضع ما يشبه الحروق، وكان فريق الإعداد يدرب أيضاً ممثلين يقومون بدور الأقارب الذين تعرضوا لصدمة إصابة أو فقدان قريب ليتم التعاطي معهم في غرفة الطوارئ، كانت تجربة ثرية مفيدة جدا، ومربط الفرس هنا أنني أثناء تنفيذ خطة الطوارئ رأيت تفاعل الممثلين كأقارب وما يفعلونه من تصرفات وانفعالات لا شعورية وذهول فظننت أنها حركات مبالغ فيها كالقفز عاليا والجري في الممرات والصراخ ودفع من يقترب منهم.

عندما أصبحت مديراً عاماً وتولى معالي د. فهد العبدالجبار إدارة الشؤون الصحية بالحرس الوطني كمدير عام تنفيذي لصحة الحرس اتخذ خطوة رائعة (ليست الوحيدة) فقد فرض على كل مدير عام لإدارة أن يناوب ليلاً مرتين شهرياً كمدير عام تنفيذي للشؤون الصحية بالحرس الوطني له صلاحيات ومهام فهد العبدالجبار نفسه وكنت من أكثر من ناوب بحكم جدول المناوبات، وصادف في مغربية رمضانية أن حصل حادث مروع بين سيارتين محملتين بالركاب (ساعة الإفطار بسبب السرعة) وبلغت الإصابات في الحادث أكثر من 14 بين مصاب ومتوفى، فأعلنا حالة الطوارئ كما ينص نظام المستشفى وكنت المدير التنفيذي المناوب ذلك المساء فرأيت على الطبيعة ماكنت أظنه مبالغة من أقارب المتوفين والمصابين (عظم الله أجرهم في مصابهم وثبتهم وجبر كسرهم)، لم يبالغ الممثلون، بل إن التأثير النفسي على الأقارب عند فقد قريب أو حبيب أمر جلل، مع أننا ولله الحمد مجتمع مسلم مؤمن وإيماننا يهون علينا المصائب إلا أن الحاجة للمساندة عند صدمة وصيحة الغفلة (حمانا الله منها) تبقى ماسة جدا.

لذا كنت ولازلت وسوف استمر بالاقتراح بأن نولي جانب الدعم النفسي والاجتماعي لذوي المصاب في المستشفيات الحكومية والخاصة الأهمية التي يستحقها بما يحقق مجتمعاً صحيحاً نفسياً وذلك بأن نعيد الاختصاصيات الاجتماعيات لمهامهن الحقيقية ونزيد من وظائف الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين في المستشفيات وفي المجتمع عامة لمساندة كل مكلوم والوقوف معه، وهذا الأمر معني به ثلاثة وزراء: وزير الصحة ووزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ووزير التعليم، الأول لتفعيل المهام للاختصاصي النفسي والاجتماعي في كل مستشفى خاص وحكومي وفرضها مطلباً أساسياً والثاني لإضافة الوظائف وسعودتها والثالث لزيادة المخرجات لهذه التخصصات المهمة وهذا الوقت الذي نشهد فيه تطوراً جاداً حازماً عازماً هو أنسب الأوقات لكل رقي بالخدمات، وفي المقال القادم أفصل في أسباب ودواعي التركيز على الصحة النفسية للمجتمع عبر مساندة أفراده في مصائبهم.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأحد 18 ربيع الأول 1443هـ 24 أكتوبر 2021م

الصحة فريق ممارسين جميعهم مهمون

في أعوام قليلة مضت، ليست بعيدة جداً، صوّر للمخطط الصحي وصاحب القرار أن الصحة طبيب وممرضة فقط، طبيب يشخص المرض ويكتب علاجه، وممرضة تقوم برعاية المريض وفق ما يوجهها الطبيب، وهذا كله غير دقيق، بل وتجاهل تخصصات مهمة جداً، لا يمكن للطبيب أن يعمل من دونها، بل هي اليوم أهم من الطبيب نفسه؛ لأنه من دونها إنما يعمل بتخرصات وتوقعات غالباً ما تخيب.

حتى التمريض نفسه لم يعد اليوم تابعاً لتوجيهات الطبيب، فهو تخصص وعلم قائم بذاته ومهارة صحية لا تقبل التوجيه، ففي جوانب كثيرة تعرف الممرضة المدربة الخبيرة ما لا يدركه الطبيب، ليس قصوراً فيه، ولكن لأن التمريض ليس علمه ولا خبرته ولا مجال ممارسته.

ذلك التصور والتصوير الخاطئان بأن الرعاية الصحية طبيب وممرضة، زادتا وتوسعتا في وقت مضى مع سيطرة الأطباء على مفاصل الإدارة الصحية وصنع القرار الإداري فيها، وهو ما تغير اليوم – ولله الحمد – بتطورنا في المجالات كافة، وهما (أي التصور والتصوير) وإن كانا بلغا ذروتيهما في تلك المرحلة، غير البعيدة، والتي شهدت إعداد لائحة الوظائف الصحية بين العامين 1411هـ و 1412هـ وسلم رواتب الكوادر الصحية الناتج عنها، إلا أنه إحقاقاً للحق فإن ذلك التصور الخاطئ بدأ في المجتمع قبل ذلك بكثير كنتيجة لبدايات رعاية صحية بدائية، كان فيها الطبيب في عيادته أو قريته هو الطبيب وفني المختبر وفني الأشعة والصيدلي واختصاصي التجبير والعلاج الطبيعي، وتساعده ممرضة، فتولدت تلك النظرة للرعاية الصحية أنها طبيب وممرضة، واستمرت رغم التطور الهائل في مجال التخصص وتنوع مهام ومهارات وعلوم وتخصصات فريق متكامل لا تتم الرعاية الصحية بغياب أحد أفراده ولا أهمية لفرد في الفريق تفوق الآخر.

وما استمرار ذلك التصور الخاطئ في مرحلة إعداد لائحة الوظائف الصحية وسنوات تلتها إلا نتيجة تعصب بعض الأطباء أو قلة منهم (ممن استشيروا آنذاك) فتعصبوا لمجال تخصصهم وكسب عيشهم، حتى إننا وصلنا إلى مرحلة أُحبط فيها بقية الممارسين الصحيين في الفريق، وجميعهم مهمون جداً، فأصبحوا يشبهون الرعاية الصحية بساعة اليد، لا يرى منها غير عقارب الساعة والدقائق المتحركة، أما التروس التي تحركها وتديرها بدقة متناهية فهي مخفية تماماً مع أنها الأهم.

واليوم نحن نعيش زمن تخطيط سليم ورؤية ثاقبة مبنية على العلم والحقائق والشمولية والمنطق الصحيح للأشياء، والمنطق يقول: إن كل عضو في الفريق الصحي له دوره الأساس والمهم الذي لا غنى عنه، ولا تكتمل الرعاية الصحية من دونه، فمن دون الصيدلي (عالم الدواء) لا يلم الطبيب بتعارضات الأدوية وتفاعلها مع بعضها وتعارضها مع بعض الأعراض والأمراض وأيضها وإخراجها ودوره في تحديد جرعاتها، ومن دون فني الأشعة وفني المختبر لا يتحقق التشخيص الدقيق، ومن دون فني التخدير لا يتم التخدير، ومن دون اختصاصي التغذية لا تنجح المحاذير الغذائية، ومن دون اختصاصي العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل لا تنجح العمليات، وللاختصاصي الاجتماعي والاختصاصي النفسي أدوار لا تكفي المساحة ولا أضعافها لشرحها.

لذا علينا استقطاب كوادر وطنية في جميع ما ذكرت وما قد نسيت من تخصصات، وخلق وظائف لهم في المستشفيات الحكومية والخاصة، والتوسع في سعودة تلك الوظائف، فأبناء الوطن هم من يبقون له في كل الظروف.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأحد 11 ربيع الأول 1443هـ 17 أكتوبر 2021م

داخ الطفل والمغشي عليه غيره

منذ حوالي أربع جمع (شهر تقريباً) وعندما أقام المؤذن لصلاة الجمعة فإذا بطفل في الثالثة عشرة من عمره يقف استعداداً للصلاة ثم يسقط فجأة على ظهره وقد أغمي عليه، تجمعنا حوله لنسانده فعاد للوعي فطلبنا منه أن يرتاح ويتمدد حتى نفرغ من الصلاة، لكنه أصر على أن يصلي قائلاً (ما فيني شي بس دوخة ولن أفوت الجمعة)، وفعلاً صلى وعدنا لسؤاله إذا كان يعاني من أمراض كالسكري أو الضغط أو التشنجات فأجاب بالنفي وأخذ يسأل عما حدث له وكيف سقط؟ فأخبرناه بما حدث وسألنا إن كان برفقته أحد وأجاب بالنفي ورفض أن نوصله لمنزله مؤكداً أنه بخير، وقام أحد المصلين (جزاه الله خيراً) بالتكفل بمراقبته حتى يصل منزله.

أول أمس الجمعة صلى بجانبي فسألته عن أحواله وهل تكرر ذلك العرض؟ وهل راجع المستشفى لمعرفة السبب؟ فأفاد أن العرض لم يتكرر وأنه راجع المستشفى فأخبروه أن وضعه الصحي جيد وتفسيرهم لما حدث أنه كان جائعاً، وبدأنا محادثة تعرف فاتضح أنه من طلبة حلقات تحفيظ القرآن في الحي وهو في المرحلة المتوسطة الآن وطموحاته عالية شأنه شأن كل صالح.

مثل هذا الطفل، الحريص على أداء الصلاة دون إلحاح من أب أو أم، بدليل حرصه على عدم تفويت الجمعة رغم تعرضه للإغماء ومحافظته على الجمعة، نشاهد أمثاله كثيراً جداً، ولله الحمد فكثير من الشباب والأطفال يرتادون المساجد لأداء الفروض وخاصة صلاة الفجر دون مرافق، ربما لأنه يتيم الأب أو لأن والده من أبطال المهمات الوطنية خارج المدينة أو مريض، والعامل المشترك الأعظم لهؤلاء الأطفال والشباب هو التربية الحسنة لأم صالحة أو والدين أحسنا التربية بحرص على صلاح الأبناء.

تلك النماذج تبشر بأننا بخير عظيم وأننا بانتظار أجيال جادة يعتمد عليها الوطن وأن مجتمعنا لازال زاخراً بأمهات منشغلات بتربية جيل صالح نافع لا يرهق الوطن، وآباء همهم تنشئة ذرية صالحة من الأبناء والأحفاد.

هذه النماذج من النشء الصالح لا يرهق الوطن وأجهزته الأمنية، لا بإتلاف ممتلكات ولا بتفحيط وإزهاق أرواح ولا بتحرش ولا بسرقة وإجرام، ولا بفشل دراسي وبطالة وإزعاج وفوضى، ولا يصبح عبئاً على الوطن فهذه النوعيات، سيئة التربية، هم المغشي عليهم، لذا قلت عن ذلك الطفل في المسجد أنه داخ وأغشي على غيره.

الشباب والشابات الذين تربوا على مكارم الأخلاق والأمانة والجدية والشهامة والغيرة والصدق والشجاعة أنفع للوطن في أنفسهم وفيما ينتجون ويربون من أبناء وبنات وأحفاد وحفيدات، فتلك الخصال هي من تجعل جندياً تبتر ساقه في ميدان الدفاع عن الوطن ويطلب العودة لذات الميدان الذي فقد فيه ساقه.

أقترح جائزة وطنية أو وساماً لكل أسرة (أم وأب) أحسنوا تربية أبنائهم وأنتجوا للوطن مواطناً باراً بوطنه مخلصاً لدينه صالحاً في سلوكه ومنتجاً في مجال عمله. إن انشغال بعض شباب هذا الجيل بالألعاب الالكترونية أنتج شباباً أقل تحملاً للمسؤولية وأجهل بسبل العطاء فبعضهم (أرجو أنهم قلة) لا يستطيع استبدال إطار سيارته! مما جعل بعض الدول تفرض حظراً على الألعاب الإلكترونية وتحدد لها ساعات محددة أسبوعياً وليس يومياً.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأحد 26 صفر 1443هـ 3 أكتوبر 2021م

النظرة القاصرة

ومن أمثلة النظرة القاصرة أن يدافع شخص عن مغالاة شركات الأدوية العالمية ورفعها لأسعار الأدوية على وطننا، وبالتالي ارتفاع درجة نبرة الشكوى من فرق سعر الدواء لدينا مقارنة بدول أخرى، يدافع بقوله: إن نسبة من يدفع قيمة الدواء من المواطنين لا تزيد على 10 ٪، لأن العلاج مجاني!! إما لأن القطاعات الصحية توفر الدواء مجاناً لأكثر من 50 ٪ من المرضى، والبقية وهم 40 ٪ مؤمن عليهم وتدفع عنهم شركات التأمين!

كلام عجيب غريب، ونظرة قاصرة تدل على ضحالة في التفكير، فنحن يجب أن ننظر لتأثير رفع السعر هذا على اقتصادنا الوطني، فما تدفعه الدولة -أعزها الله وأدام خيرها على المواطن والمقيم- يبقى صرفاً وطنياً مرهقاً، ويجب أن ندافع عنه كما ندافع عن ما نصرف من مالنا الخاص، وهذه النظرة القاصرة تذكرني بمن يجور بعدم وعي بل بغباء على سيارة حكومية قائلاً “حلال حكومة”، وحتى ما تصرفه شركات التأمين هو إنفاق وطني، وله مردود سيئ ليس على الاقتصاد فقط بل حتى على تكلفة الخدمات، فشركات التأمين بذلك سترفع تكلفة التأمين على المواطن وعلى المؤسسات والشركات الوطنية التي تؤمن على موظفيها، وأيضاً ستقلل من التزاماتها وتتشدد في طيف التغطية كنتيجة لارتفاع سعر الدواء سواء المستورد أو المحلي.

وبالمناسبة فإن من الممارسات الخاطئة الخطيرة تعمد بعض الأطباء في بعض المستشفيات الخاصة كتابة مزيد من الأدوية المسكنة والفيتامينات والمكملات الغذائية للمريض المؤمن عليه صحياً، بحجة ونظرة قاصرة مفادها أن شركة التأمين هي من ستدفع تكلفة الدواء، وهنا إضرار بصحة المريض أولاً بتناوله لأدوية وعقارات لها أضرار جانبية من دون حاجة، وثانياً رفع غير مبرر لتكلفة العلاج، وإفشال لمشروع التأمين الصحي بسلوكيات غير أخلاقية.

ومن النظرة القاصرة، القول بالعرض والطلب في مجال الدواء، فالدواء سلعة أساسية يجب أن يحمى أمنها بما يحقق أمناً دوائياً للوطن ولا تترك لا للعرض والطلب، ولا لجشع المصنع، ولا لتأثير شركات الأدوية التسويقي سواء على بعض الأطباء في الوصف أو بعض الصيدليات التجارية في فرض تعرفة رفض أو قبول زيادة تسويقية “بونص”.

لذا اقترحت وأقترح دوماً أن نعمل وطنياً وخليجياً على مشروع متكامل للشراء الموحد للأدوية، ليس فقط للقطاعات الحكومية بل لكل الدواء الداخل إلى البلد سواء لصيدليات حكومية أو أهلية أو خاصة، وبذلك نضغط على الشركات العالمية التي تستغلنا وتصنفنا حسب قدرتنا الشرائية ومستوى الدخل، وتضغط علينا بأسعار خيالية جشعة.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأحد 19 صفر 1443هـ 26 سبتمبر 2021م

من عجائب قيادة السيارة في الرياض

شئنا أم أبينا فإن سلوكيات قيادة السيارة في أي بلد أصبحت سمة تعكس صورة البلد وأهله، لم يعد التعامل في المطار أو تعامل سائق الأجرة فقط من يعطيك الانطباع الأول عن البلد، أصبح نظام المرور في البلد وسلوكيات قادة وقائدات المركبات هو من يكوّن الصورة عن البلد ويخلق الانطباع الأول والأخير عنه وعن أهله، حتى إنك أصبحت تعرف أن المشهد التلفزيوني صور في القاهرة من أصوات المنبهات، وتعرف أنه في نيودلهي من تخاطف السيارات في التقاطعات، بل إن دول أوروبا وأميركا أصبحت في أفلامها ترمز لإيطاليا بفوضى القيادة من دون أن تكتب اسم البلد في المشهد.

وبما أننا نتوجه برؤية طموحة لجعل وطننا وجهة مثالية في المجالات كافة، فإن على إدارة المرور أن تقتنع أن تطبيق الغرامات على المسببات الرئيسة للحوادث، مثل السرعة وقطع الإشارة واستخدام الجوال، لا تكفي لفرض سلوكيات قيادة تليق ببلد متقدم، ولا تكفي أيضاً للحد من الحوادث والحد من حالة القلق والتوتر أثناء القيادة، لا بد من التأكد من تطبيق عبارة “القيادة فن وذوق” في الميدان، وفرضها بقوة النظام والعقوبات، إذا أردنا أن نحد من الحوادث والقلق والتوتر والفوضى المعيبة في سلوكيات قيادة المركبات في كل مدننا.

قدت السيارة العائلية الكبيرة -9 ركاب- في أغلب دول العالم، وضحك علي أفراد أسرتي كثيراً لأنني كنت أتوتر من شدة ودقة النظام المروري الذي لم نتعود عليه، فبمجرد أن أسمع صوت منبه خلفي أشعر أنني أخطأت فأعمد لأقرب موقف وأتوقف لاستجمع قواي وأتذكر ما الخطأ الذي ارتكبته؟! وتتعالى ضحكات الركاب، ثم أواصل قيادة شديدة الانضباط وسط تهامس الجميع “يا رب أحد يدق له بوري”.

في الرياض كنت وما زلت أتوتر في كل مشوار ولو قصير، ليس من شدة ودقة النظام، بل من الفوضى حولك، ولم أرَ في حياتي أعجب مما رأيت في الرياض، فبمجرد أن تعطي إشارة برغبتك في الانحراف من وسط الطريق لليمين استعداداً للخروج إلى الطريق الفرعي حتى تجد أنهم يسرعون أكثر لتجاوزك من اليمين!! وكأنه يقول: “أقول ابتل وأنت ساكت”، حتى إنني ذات مرة حاولت الخروج من المسار الرئيس إلى الفرعي بعد إعطاء إشارة قبل مسافة كافية جداً، لكن صاحبنا يزاحمني من اليمين حتى تجاوزت المخرج المطلوب فتوقفنا جانباً وفتحت الزجاج الجانبي وعاتبته قائلاً: “حبيبي عطيتك إشارة تتوسل إليك تخليني ألف يمين، ويبدو أنك لم تفهمها!! يعني كان لازم أوقف وأنزل أبوس راسك تخليني ألف يمين؟!” ضحكت زوجته بقوة، ويبدو أنني تسببت في مشكلة عائلية!.

الأعجب ذلك الذي يلصق صدامه الأمامي في صدامك الخلفي يريد أن تفسح له المجال لتجاوزك على الرغم من أنه يرى أن على يمينك مركبات فلا ينتظر ورغم أنك تسير بالسرعة النظامية القصوى! فلو توقفت فجأة لحدث حادث جماعي كارثي، وهذا يحدث.

أما الأعجب منه فذلك الذي تنبهه بالنور -فقط- أنك ترغب في تجاوزه من اليسار نظامياً فيخفض سرعته عناداً أو يتوقف! “هذا ناوي مضاربة، فخير لك أن تشكو أمرك لله وتتوقف عند أقرب بقالة وتشرب ماء”، لا تشرب عصيراً فغير صحيح أنه خالٍ من السكر وأنت “مش ناقص”. الأعجب من كل هؤلاء ذلك الذي يتجاوز منطقة رؤية الإشارة الحمراء على أساس أنه مستعجل ثم لا يراها إذا تحولت للأخضر، فإذا نبهته بلطف و”بتكبيس النور فقط” عاند وتوقف.

تلك مشاهداتي في الرياض، وقد تحدث في مدننا الأخرى، والمرور “أبخص”.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأحد 12 صفر 1443هـ 19 سبتمبر 2021م

صيانة الوكلاء لا تواكب تطورنا.. حاسبوهم

كتبت في مقال الأسبوع الماضي مقترحاً بضرورة توثيق نجاحنا في التعاطي مع كورونا والذي لا مثيل له عالمياً وأن نوصله لشعوب العالم ونفاخر به وبشباب وشابات سعوديين قاموا عليه بدعم حكومي بحت، يعكس تطوراً سريعاً يشهده القطاع الحكومي في كافة المجالات والإجراءات.

اليوم أكتب لكم عما توصلت إليه من عدم مواكبة القطاع الخاص لهذا التطور الذي نعيشه وضرورة أن تواكب شركات القطاع الخاص ووكالاته ما نشهده من قفزات نوعية حكومية في مجال التعاملات أو أن يتم استبعاد من لا يستطيع المواكبة وتنحيته حتى لا يكون حجر عثرة في طريق وطن همته عالية ويسعى لتحقيق طموحات عالية لا تقبل أن تكون فيها مستويات منخفضة فتحدث المطبات.

دعوني أستشهد بمثال يوضح ما أريد الوصول إليه وهو التخلف الشديد في تعاطي وكلاء الأجهزة الضرورية مع أمر الصيانة لأجهزة دفع المستهلك ثمنها باهظاً ويشتمل الثمن الباهظ على قيمة الضمان وتكاليف الصيانة المشمولة بالضمان أو التكلفة الأعلى للصيانة بعد انتهاء فترة الضمان، ومن دلائل هذا التخلف الشديد تأخر مواعيد الحضور للصيانة وعدم رد أرقام هواتف الصيانة وعدم رد أرقام خدمات العملاء في حين ترد أرقام المبيعات والتسويق فورياً ودون تأخير.

تخيل أن موعد حضور فني صيانة إحدى أكبر وكالات أجهزة التكييف لفحص الخلل يزيد على عشرة أيام في مدينة الرياض (العاصمة) التي تصل درجة الحرارة فيها لما فوق الخمسين درجة، وتخيل تأثير ذلك على المرضى وكبار السن والأطفال وربات البيوت وكافة الأسرة، بل تخيل تأثير عدم حضور الفني في الموعد المحدد على عطاء وإنتاجية رب الأسرة الموظف الذي استأذن من عمله أو حصل على إجازة للتفرغ لاستقبال الفني والإسراع في حل مشكلة الأسرة.

التكييف مجرد مثال، لكنه ينسحب على كثير من الأجهزة المنزلية الضرورية ومنها أجهزة طبية ضرورية لاستمرار حياة مريض ووكالات السيارات وغيرها من أساسيات الحياة.

أجريت دراسة سريعة (وللحق أقول غير مكتملة علمياً) حول الموضوع بسؤال عدد من المديرين التنفيذيين السابقين لشركات تكييف ووكلاء سيارات ووكلاء أجهزة منزلية عن سبب سوء خدمات الصيانة في تلك الشركات، فكان ثمة شبه إجماع على أن السبب هو عدم اهتمام الوكلاء بأمر الصيانة وخدمات ما بعد البيع و إيكالها لموظفين غير سعوديين همهم مصالحهم الشخصية وعلاقاتهم مع العملاء الذين يمكن أن يستفيدوا منهم.

هذه الملاحظة أحيلها لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، مكرراً القول إن مستوى وسرعة وتطور خدمات القطاع الخاص إذا ما قورنت بتطور خدمات وزارة العدل إلكترونياً في كافة الإجراءات، وخدمات وزارة الصحة التي وصلت حد صرف الوصفة عبر الهاتف وإعطاء اللقاح في المنزل وخدمات وزارة الداخلية في (أبشر) وأخواتها، وخدمات وزارة التجارة في تسهيل الاستثمار وفتح السجل التجاري خلال دقائق، وخدمات وزارة الموارد البشرية عبر ساند ومساند وغيرها، فإن خدمات القطاع الخاص تعتبر من العصور الوسطى وتحتاج لمحاسبة الوكلاء وتغريمهم بما يحقق خدمة للمستهلك توازي خدمات الجهات الحكومية.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأحد 5 صفر 1443هـ 12 سبتمبر 2021م

وثّق نجاحك للشعوب وفاخر بأبنائك يا وطني

دعك من السياسيين ورؤساء الدول، فهؤلاء يدركون جيداً نجاحاتنا، ويعرفونها كما يعرفون أسماءهم، وبعضهم قد يصعب على نفسه الاعتراف بها، ولا يسره التصريح بها، فلا يقدم ولا يؤخر وصول المعلومة حول ذلك النجاح الفريد للسياسيين، لكن من المهم جداً أن يصل للشعوب في مكان وجودهم، في بيوتهم وفي مزارعهم وفي الأماكن التي يرتادونها عبر وسائل الإعلام التقليدي والحديث ووسائل التواصل الاجتماعي بكل قنواته، لسببين، الأول: أن لدينا ما نفاخر به، من وطن وقيادة ومواطن، يشكلون قوة ناعمة مؤثرة، والثاني: أن من حق شعوب العالم أن تعرف حقيقتنا وتفاخر بنا وتتخذنا قدوة، وشهادة الشعوب أصدق وأنقى وأكثر تأثيراً، فالناس شهود الله في أرضه.

نجاحنا في التعاطي مع جائحة كورونا العالمية مجرد مثال لنجاحات عدة، لكنه الأكثر تأثيراً في الناس والأكثر استيعاباً للمتلقي في أنحاء المعمورة، لأنك تتحدث عن أمر عانى منه كل سكان العالم وواجهته دولهم بدرجات مختلفة وبجهود متباينة، وكنا نحن المثال المثالي والرقم الأصعب والتعامل الإنساني الأرقى بين كل دول العالم على اختلاف درجة تقدمها العلمي والصحي والتنظيمي وخبراتها وادعاءاتها الإنسانية.

منذ بداية ظهور السلالة الجديدة للفيروس وهجومه على أعداد محدودة من البشر اتضح أن لدينا كوادر علمية وبحثية وصحية عالية التأهيل والخبرة في مجالات علم الفيروسات والمختبرات وعلم الأمراض والأمراض المعدية والصيدلة والطب الوقائي ووسائل التشخيص، يجمع شملها هذه المرة وزير مؤهل إدارياً، يجيد توظيف كل متخصص وممارس صحي في مجال علمه وتخصصه بحياد تام ووعي مهني، ووكلاء ومساعدين متخصصين أيضاً في مجال الإدارة الذي هو بحد ذاته علم واسع، وكل هؤلاء نعمة من الله سبحانه وتعالى، قبل كل شيء، ثم أعدتهم قيادة عرفت كيف تعد لهذا الوطن كوادر وطنية مؤهلة في كل مجال ثم اختارتها بحكمة وسخرتها، كل في مجال تخصصه، قيادة تقوم على رؤية ثاقبة سديدة وطموحة.

عندما بدأ الوباء في الانتشار والفتك، وفي وقت ترددت فيه قيادات دول متقدمة، تعتقد أنها سبقتنا، ترددت في إنقاذ مواطنيها والصرف عليهم لإخراجهم من المناطق الموبوءة وإعادتهم لأوطانهم بعد حجرهم وقائياً، كان موقف قيادة المملكة العربية السعودية كريماً وسخياً وحازماً وسريعاً بلا أدنى تردد، فقامت بحجر مواطنيها في أماكن وجودهم في فنادق فخمة وإعاشتهم لعدة أشهر، ومن ثم إعادتهم بطائرات خاصة لفنادق فخمة داخل مدن إقامتهم في الوطن مع إعاشتهم لمدة أسبوعين، وكل ذلك على حساب الدولة وبصرف سخي غير مسبوق عالمياً، خصوصاً عند القياس بعدد السكان، وهذا مهم جداً، فأنت تتحدث عن وطن عدد سكانه يفوق الـ20 مليوناً، وليس بضعة آلاف.

العمل بعد تفشي الجائحة عالمياً كان عملاً خارقاً، من جميع الجهات والوزارات، الصحة والداخلية والتعليم والعدل والتجارة والبلديات وأمانات المدن وهيئة مكافحة الفساد وجميع الجهات الرقابية ونقاط التفتيش خاصة المراكز الحدودية والمعابر، فعند فرض الحجر وإجراء الفحص كان التطبيق حازماً والرقابة على توفر المواد الغذائية والتموينية صارمة وتسخير الإجراءات الإلكترونية في تعاملات وزارة العدل فائقة التميز، فلا حاجة لمراجعة، وتطبيق التعليم عن بعد، والإجراءات الصحية الإلكترونية بما فيها صرف الأدوية كان متقدماً جداً.

ما حققناه من نجاح يصعب رصده في مقال محدود الكلمات، إلا بالإشارة له بكلمات لها دلالاتها “توفير أسلم اللقاحات، التطعيم المجاني، التنظيم الرائع لمواقع الفحص والتطعيم بترحيب غير مسبوق وبكوادر سعودية، الصرامة في الحجر وفرض التباعد مع تسهيل كل الإجراءات إلكترونياً، التزام المصلين في المساجد بالكمامة والسجادة والتباعد ما يمثل وعي مجتمع صالح، تنظيم حشود الحجاج والمعتمرين بشكل ينم عن جهد عظيم لشؤون الحرمين وصورة مشرفة لوعي الإنسان المسلم يجسدها الطواف بالتباعد وسلامة ضيوف الحرمين، انخفاض الإصابات والوفيات بفضل الله رغم الارتفاع عالمياً… إلخ”، كلها صور تدعو للفخر ولكن لا بد من توثيقها سريعاً ونشرها إلى شعوب العالم في أفلام ووثائقيات عبر فضائيات العالم وكتب ومطويات، فلدينا ما نفخر به، خصوصاً أن من قام على هذه الإنجازات هم رجال ونساء سعوديون، ومن استفاد منها هو “كل إنسان” مواطن ومقيم ومخالف لنظام الإقامة، وضعْ ألف خط تحت “السعودية مملكة الإنسانية”.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأحد 28 محرم 1443هـ 5 سبتمبر 2021م