الكاتب: محمد سليمان الأحيدب

عقرب وضب.. وموقف مخيف وطريف

في مقال الأسبوع الماضي كتبت وبتوصية من مجموعة من المهتمين بشأن الوقاية من السموم توضيحا لبطلان ما يروج في وسائل التواصل عن طرق وخزعبلات تدعي علاج الملدوغ بالعقرب وشرحت أن العامل المشترك الأعظم المضلل لهؤلاء هو أن العقرب لم يحقن السم أصلا لانسداد إبرته في 20 ٪ من الحالات، كما أثبتت دراساتنا في مركز الأمصال، ثم عرجت على (سباحين) الجدة حبابة التي تدعي أن عقربا خان الضفدع ولدغه فقتله وقلت إن ذوات الدم البارد (مثل الضفدع) لا تتأثر بسم العقارب ووعدتكم أن أذكر موقفا طريفا محرجا مر بي في هذا الصدد.

ما حدث هو أنني ومنذ أيام الشباب وممازحة الضب بصب الماء في جحره (قبل حمايته) كنت ألاحظ أن جحر الضب لا يخلو أبدا من عقرب تخرج علينا فور صب الماء وكأنها تقول (الأستاذ ضب نايم، وما يبي إزعاج واليد اللي تمتد لكفيلي ألدغها)، وزادت عندي هذه الملاحظة عندما بدأت تأسيس المركز الوطني لإنتاج الأمصال بالحرس الوطني، وأصبحنا نخرج في رحلات برية نصطاد الصل الأسود لاستخراج سمه، وكنا نعلم أن الصل يتواجد دوما في جحر الضب في تعايش بيئي فيه الكثير من الأنانية والاعتداء وثقل الدم، فالصل يدخل جحر الضب فإن وجده صغيرا ابتلعه واحتل بيته، وإن وجده كبيرا حل ضيفا ثقيلا عليه دون دعوة ولا استئذان، والضب مثل بعض الطيبين من البشر (وسيع صدر ويتغافل ويقول نعتبره حماية من يد مقرود يمد يده ليتل العكرة) احترسوا فما خرجنا به من رحلات صيد الصل أن الصل دائما تجده في جحر الضب ولكن ليس كل جحر ضب فيه صل وإن لم يكن فيه صل فإن فيه عقربا.

ملاحظتي تلك (وجود العقرب مع الضب) جعلتني أتساءل، تساؤل الباحث منذ بداية أبحاثي على السموم لنيل الماجستير حتى قبل انتقالي للحرس وتأسيس المركز، هل العقرب تلدغ الضب ولا يتأثر بسمها؟ (هنا يجب أن ندرس خصائص دمه وجهازه المناعي وما العنصر المسؤول عن هذه المناعة؟) أم أنها لا تلدغه ولو لدغته لمات مثل غيره، عندها قررت دراسة الأمر أثناء الوقت الطويل الذي أمضيه لساعات تفوق 15 ساعة في مراقبة تأثير السموم ومن ثم الأمصال على رحم الفار أو أوعية الجرذان أو عضلة الساق الأمامية للقط أو قلب الأرنب أو أمعاء الوبر، وجميعها تحتاج مراقبة أجهزة الرصد لساعات، فقمت بوضع ضب متوسط الحجم مع عقرب في إناء زجاجي عميق وقمت بمراقبتهما ووجهي أمام الإناء لمدة ثلاثة أيام متتالية، فكان الضب هادئا والعقرب يدور حوله وفوقه ولم يلدغه، ثم قررت أن أستثير الضب ليتحرك فوضعت فوقه اضاءة قوية، فذوات الدم البارد تستثار بالضوء فلعله يلطمها أو يدوس عليها فتلدغه لكن ذلك لم يحدث لمدة ثلاثة أيام أخرى، وما حدث هو أن أستاذي في الماجستير البروفيسور محمد إسماعيل حامد دخل علي في المختبر واستغرب وجود تجربة الضب والعقرب، وكان رجلا حاضر النكتة وصارما في ذات الوقت، فشرحت له فكرتي وأعجبته لكنه انتبه لما لم أحسب حسابه فقال لي (انت حاطط بوزك ببوز الضب، تعرف لو الضب خبط العقرب بذيله حيطير العقرب في وجهك وحتتمدد جنب القط اللي أنت مخدره دا)، ضحكنا ثم قمت بتغطية الإناء بزجاجة واستمررت في المراقبة، لكن لم ألاحظ أن العقرب لدغ كفيله، فقمت بإذابة سم عقرب في محلول ملحي وحقنت ثلاثة أضعاف الجرعة التي تقتل الأرنب في عضلة رجل الضب فشاهدت أن الرجل تشنجت وامتدت لأقل من دقيقتين ثم عادت طبيعية وبقي الضب حيا حتى قررت إطلاقه بعد أسبوع.

وتعاطفا مع الضب الذي صبر كثيرا قررت إطلاقه في روض معشب، فخرجت من جامعة الملك سعود على طريق الملك فهد شمالا باتجاه سدير ثم لمحت على يميني أرضا معشبة مزهرة فتوقفت قرب الشبك وخشيت أن أطلقه فيعود خلفي للطريق السريع حيث الكفرات ليس منها مناعة فقمت بتوجيهه نحو العشب عبر ماسورة واسعة لتصريف السيل وبدأت بمداعبة عكرته ليتحرك وكان الوقت قرب غروب الشمس فإذا بيد ضخمة تداعب كتفي ثم رقبتي لألتفت مرعوبا (كنا نسمع أن الضب يتجنس أي أن الجن يتمثل في شكل ضب) نظرت خلفي فإذا برجلين طويلين عريضي المنكبين قال أحدهم (وش عندك؟!) قلت (أبي أدخل الضب في النفق) قال (وأنت بتدخل معنا في الدورية ما لقيت تطلق ضبك إلا في شبك قوات الأمن الخاصة؟!) شرحت له القصة وكأني بالضب يضحك ويقول (خل أبحاثك تنفعك) وتفهم رجلا الأمن الوضع وأمسكت بضبي وقد أصبح يستخف بي ويمون ولسان حاله يقول (سيب العكرة يا واد) فأطلقته في مزرعة والدي (السمرية) في جلاجل وكان، -رحمه الله-، رحيما لا يحب إيذاء أحد حتى الحيوانات.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 4 رجب 1447هـ -24 ديسمبر 2025م

العقرب المسكين بريء من دم الضفدع

حاولت جاهدا وسوف استمر في المحاولات بتسخير ما أجريته من بحوث علمية مكثفة على سموم الثعابين والعقارب لنشر التوعية وتصحيح ما يحاك حول علاج الملدوغ من آثار سموم العقارب والثعابين من معلومات مغلوطة واجتهادات خاطئة لها أسبابها التي شرحتها في حسابي على اليوتيوب أو في حوارات متلفزة أو عبر المقالات، ومن تلك المعلومات الاعتقاد بإمكانية إنقاذ الملدوغ بالعقرب بوضع كلوركس أو تمرة أو جمرة أو بنزين، وقلت مرارا أن من أسباب هذا الوهم أن العقرب أصلا لم يحقن السم لانسداد إبرته فحدث الوهم بشفاء المصاب من تسمم لم يحدث أصلا، ولو حدث فإن السم لن يخرجه من الأنسجة لا تمرة ولا جمرة ولا عجينة، وأكثر ما يقلقنا كمتخصصين أن تؤدي تلك الأوهام (الواتسابية) إلى حرمان مصاب من العلاج أو تأخير وصوله للمستشفى فلا يصل إلا بعد فوات الأوان.

في حالة عضات الثعابين فإن تلك الأوهام أقل انتشارا لأن الثعابين إما أن تكون سامة جدا سريعة الفتك فتكون حالات الوفيات أكثر من حالات السلامة (خاصة لمن لا يصل للمستشفى ويتلقى العلاج بالأمصال) أو أن الأفعى تكون سامة جدا لكن تأثيرها يبدأ موضعيا ثم يزداد فيعرف أن العلاج بتلك الطرق الوهمية فشل سابقا وتعلم الناس دروسا مستفادة تجعلهم لا يجازفون، أو أن الثعبان أصلا غير سام لكنه مخيف جدا وهيبته فرضت النقل للمستشفى وظن الناس أن التسمم عولج، وبهذا أصبحت عضات الثعابين والأفاعي ليست مجالا للمجازفة والاجتهادات والقصص الوهمية مثل لدغات العقارب.

مشكلتنا الأكبر مع العقارب التي جميعها سامة وبعضها أشد سمية من الآخر ومع ذلك مررت في محاضراتي بمواقف لأطباء يعتقدون أن العقرب غير سام بل واجهت في مباشرتي لحالات ضحايا لدغ العقرب في غرف الطوارئ بطبيب طوارئ لم يقتنع أن العقرب سام إلا بعد وفاة خمسيني حضر ملدوغا بعقرب في يده وأحضر العقرب معه وتوفي (رحمه الله) نتيجة الاستهانة بصرخاته.

أثبتت دراساتنا في المركز الوطني لإنتاج الأمصال المعادلة لسموم الثعابين والعقارب بوزارة الحرس الوطني أن 20٪ من العقارب السوداء تكون إبرتها مسدودة، وعندما نحاول استخراج السم منها بالتنبيه الكهربي فإننا نضطر لقص طرف الإبرة ليخرج السم، هذه الظاهرة هي السبب الرئيس في شيوع الاعتقاد أن تلك العلاجات الشعبية من تمر وجمر وخلافه أنقذت الملدوغ وأخرجت السم، بينما السم لم يدخل أصلا!!

ومن أعجب ما شاع مؤخرا في مواقع التواصل الاجتماعي ما قاله أحد المجتهدين من كبار السن أن حرق العقرب ثم طحنه ودهن طحينه على حلمة ثدي الأم المرضع يجعل الرضيع يكتسب مناعة ضد سم العقرب، وهذا طبعا غير صحيح مطلقا وقد يؤدي للتساهل في حماية الطفل الذي اعتقدوا أنه مطعم ضد العقارب، فالحقيقة أن علم المناعة ومضادات الأجسام بريء تماما من مثل هذه الآليات، وقد نأتي في مقال آخر على ما نعانيه لحث جسم الخيل على إنتاج مضادات أجسام للسم عن طريق الحقن تحت الجلد على مدى شهور طويلة، والمؤكد أنه حتى الملدوغ عدة مرات لا يكتسب مناعة ضد السم كما يزعم البعض.

أما أطرف ما سمعت فهو قول الجدة حبابة في (سباحينها) وقصصها للأطفال أن العقرب اتفق مع الضفدع لينقله على ظهره فوق الماء لليابسة ووعده ألا يلدغه فيغرقان معا، لكن العقرب غلبه طبعه فلدغ الضفدع ومات وغرقا معا، ولحبابه أقول رفقا بمعلومات أطفالنا فسم العقرب لا يؤثر في ذوات الدم البارد إطلاقا (الضفدع من ذوات الدم البارد مثل الضب)، ولي في ذلك تجربة علمية طبقتها لمعرفة لماذا يعيش الضب مع العقرب بسلام وحماية دون أن تلدغه بل هي تحمي (بوابته) من أن تمسها يد، وقد خرجت من التجربة الدقيقة بموقف محرج طريف أرويه لكم في المقال القادم لضيق المساحة.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 26 جمادى الآخرة 1447هـ 17 ديسمبر 2025م

رمز سري مختلف للخدمات الثانوية غير البنكية

عندما كثرت محاولات الاختراق للحسابات البنكية وسحب الأموال بطرق احتيالات متعددة تعتمد على طلب الرمز السري المرسل، وعندما كثرت التحذيرات الحكومية من صور تلك الاحتيالات، اقترحت عبر حسابي في منصة (X) تويتر سابقا، أن نفرض على الشركات الخدمية (الاتصالات وإيصال الشحنات والمتاجر وتوصيل الطلبات) استخدام رمز سري يختلف تماما في صيغته وعدد خاناته عن الرمز السري الأهم وهو الخاص بتطبيق أبشر والنفاذ الوطني والبنوك وتوكلنا، بحيث لا يكون هناك أي تشابه ولا أدنى فرصة للخلط والإيهام أن الرمز المطلوب هو لخدمة ثانوية بينما الحقيقة أنه لعملية بنكية أو حساب في منصة أبشر أو النفاذ الوطني أو توكلنا تمكن من الاختراق والاحتيال.

وبعد أن تعددت صور الاحتيالات وتعددت نصائح التحذير من إعطاء الرقم السري للمتصل الذي يوهمك أنه مندوب إيصال شحنة أو موظف اتصالات أو مندوب مبيعات، ومع استمرار وقوع ضحايا لهذه الاحتيالات بسبب طيبة البعض لاسيما كبار السن والكبيرات ممن لا يتوقع سوء النوايا أو لا يخطر بباله الربط بين إعطاء الرقم والخدمات الأساسية أو جهل البعض برسائل التحذير لمحدودية اطلاعه على وسائل التواصل والتحذيرات وقصص الاحتيالات فإنني لا أجد بُداً من تكرار الاقتراح على أساس مهم، وهو قطع دابر الارتباط بين الرقمين أو الرمزين أصلا بحيث يعلم العميل فورا أن صيغة الرمز المطلوب تخص عملية بنكية أو دخولا لأبشر أو للنفاذ أو توكلنا وليست من الصيغ الخاصة بخدمة ثانوية عابرة كتوصيل شحنة أو طعام أو شركة اتصالات أو قفل بلاغ أو شكوى، وهي الأعذار التي يتحجج بها المحتال للحصول على الرقم.

لنتفق مثلا على ألا تزيد رموز الخدمات الثانوية عن خانتين من الأرقام فقط وهذا كاف لمثل تلك الخدمات غير الخطيرة، فالرمز مطلوب فقط لإثبات استلام شحنة أو إتمام طلب أو قفل بلاغ فلا داع أن يكون الرمز أكثر من خانتين، وتبقى الأرقام ذات الأربع خانات للخدمات الأساسية كالدخول لحساب بنكي أو منصة أبشر والنفاذ وتوكلنا وهي أرقام لا يطلبها الموظف أصلا، وما إن يطلب المتصل رقما من أربع خانات يدق ناقوس الخطر لدى العميل ويقوم فورا بالإبلاغ، كما أن من الممكن أيضا أن تكون صيغة رمز الخدمات التي اسميتها (الثانوية) أو غير الأساسية عبارة عن حروف وليست أرقام فيكون التمييز أكثر وأبعد عن الشبهات، والمهم أن نقطع دابر الخلط بين ما هو أساسي خطير مهدد بـ(التهكير) وما هو ثانوي بسيط وأمره يسير.. والله أعلم وأحكم.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 19 جمادى الآخرة 1447هـ 10 ديسمبر2025م

الأنظمة لا تلغي حق الجار

حق الجار كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة باقٍ، وله حقوق وحرمة استقيناها من تعاليم ديننا الحنيف، وإن أوضحت الأنظمة والقوانين حدود التعامل درءًا للاختلاف فإن علينا أن نحترم الأنظمة كمرجعية عند الاختلاف؛ لا أن نجعلها وسيلة لأذية الجار بطريقة تشيع الخلاف، ولن يفعل هذا إلا جار جائر..

تسن الأنظمة والتشريعات لتكون مرجعية لتحديد الحقوق والمسؤوليات عند الاختلافات، لكنها لم تكن قط داعيا لاختلاق الخلافات في التعاملات ولا تبيح تجاهل تعاليم الدين وأساسيات القيم والأخلاقيات في التعامل بين الأبناء والوالدين والأشقاء والإخوان والأقارب والجيران، ولا تنسينا فسحة الأنظمة والقوانين الالتزام بحقوق الجيران والوالدين والأشقاء وذوي القربى وكل من لهم حق علينا فرضته تعاليم ديننا الحنيف الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية.

أنظمة المرور (مثلا) تحدد نسبة المسؤولية عند حدوث حادث؛ لكنها لا تعني عدم الصفح والتنازل، وأنظمة فض المنازعات والخلافات، بل وحتى المشاجرات تحدد صاحب الحق لكنها تحث على الصلح وتشجع التنازل، وحتى في قضايا القتل فإن الله سبحانه وتعالى قد كتب علينا القصاص في القتلى وأتاح العفو، وجعل ثوابه عظيما، فما بال بعضنا اليوم يتشبث ببعض الأنظمة البلدية وأنظمة الوقوف فيؤذي جيرانه بالتبليغ عن هذا وسحب سيارة ذاك ومضايقة قريب أو جار بحق وبغير حق؟ فالأمر علينا غريب وطارئ لم نتربَّ عليه ولم نعتده من الآباء والأجداد، بل تربى مجتمعنا على إكرام الجار وكف الأذى والصفح عنه إذا أخطأ هو أو أحد أفراد أسرته، وعرف عن مجتمعنا عبر التاريخ أن للجار حقوقا وحرمة استقيناها من تعاليم ديننا الحنيف فنتقاسم معه الرزق إن شعرنا بقلة ذات يده، ونقتسم معه الرغيف إن لاحظنا على أبنائه جوعا، بل كم من بيت بات جائعا ليشبع جاره دون علمه، وإن سمح المجال فقد أورد موقفا واقعيا لجار تحمل خطأ من جاره في بناء ولم يشتكِ أو يتذمر أو يتجهم وجهه بل ابتسم أمامه عند كل صلاة.

نعم أوضحت الأنظمة حدود وقوف السيارات في الحي تسهيلا على السكان ومنعا للخلافات والنزاعات، ولكن ذلك لا يعني أن تترصد لجيرانك فتضع السلاسل على سيارة جار مضطر أو تعاقبه بالإحاطة بسيارته ومنعه من الخروج، فأنت بذلك تتعمد الأذى لا الإصلاح، وهنا لا ننسى أن الوقوف أمام باب الجار أذى لا يجوز لا قبل صدور النظام ولا بعده، لكن خطأ الجار (عند الكرام) لا يعالج بالأذى!، ونعم صدرت أنظمة تمنع نوعا من المظلات لكن أمر أولوية التنفيذ لدى الجهة الرقابية وليست من شيم الكرام أن تزعج الجهات بالتبليغ عن جارك!، وعندما تدفع حاوية القمامة لتصبح أمام جارك فأنت جار مؤذٍ أقشر، وعندما يضطر جارك لإجراء ترميم في منزله فإن أمر التأكد من حصوله على تصريح الترميم هو مسؤولية مراقب البلدية، وعندما تزعجه بالبلاغات فأنت جار مؤذٍ مزعج تعتقد أنك مواطن صالح.

عندما كنا نقطن حي جبرة بالرياض قبل أكثر من ستين سنة، كانت بيوتنا من طين لكن قلوبنا من قطن، وتذكر شقيقتي الكبرى أن جارنا أراد إضافة غرفة من طين وطبق ومرابيع وقام عماله بإدخال الخشب في الجدار الذي بيننا وبينه وربما بطريق الخطأ بالغوا في طرق الخشب فاخترق جدار ديوانية منزلنا وخرج علينا مطلا عبر رفوف جبس مشب الديوانية وسقطت الدلال وتكسرت الرفوف ومع ذلك لم يشتك والدي -رحمهم الله جميعا-، بل أصبح والدي يقابله في المسجد بابتسامة أعرض مما كان يفعل ولم يبلغ أحد من الجيران ونهانا عن أن نتحدث عن الأمر وأعاد ترميم أرفف الوجار بالجبس حول الخشب ولم يعلم جارنا عن الوضع إلا بعد بيع بيت جبرة وذكر العيب في شروط البيع.

هكذا كنا جميعا مع جيراننا وليس والدي فقط، وهكذا كانت تربيتنا في التعاطي مع الجار، وهكذا يجب أن نستمر، فحق الجار كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يبقى، وإن أوضحت الأنظمة والقوانين حدود التعامل درءًا للاختلاف فإن علينا أن نحترم الأنظمة كمرجعية عند الاختلاف لا أن نجعلها وسيلة لأذية الجار بطريقة تشيع الخلاف ولن يفعل هذا إلا جار جائر.

نشر بجريدة الرياض يوم  الأربعاء 12 جمادى الآخرة 1447هـ 3 ديسمبر 2025م

تشديد الرقابة على الإعلانات الطبية المسيئة

لا خير في إعلان يوهم أن ثمة مشكلة وهي غير موجودة، أو يضخم سلبية وهي جد صغيرة، ويشوه الصورة عن الوضع الصحي وهي في أجمل حللها، لا لشيء إلا ليوهم بأنه الأفضل، وأنه هو الحل لمشكلة يوهم الناس بوجودها وهي غير موجودة، أو أن وجودها نادر جدا وهو أحد أسبابها، والإعلان الطبي هو في الأساس حساس جدا يمس مشاعر المرضى فيجرحها أو يستغل حاجة المريض فيروج لطبيب أو دواء أو مستشفى أو شركة تأمين بطريقة وهمية، لذا فهو ممنوع نظاما ويجب تشديد الرقابة عليه، خاصة تلفزيونيا وفي مواقع التواصل التي هي الأكثر إيهاما وترويجا وإغراء.

الأمثلة على الترويج الطبي في هذا الزمان كثيرة جدا مع تعدد القنوات خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت منفلتة عالميا ويديرها أشخاص وأصحاب مصالح شخصية وأنانية، إما لخدمة الطبيب نفسه أو لخدمة المستشفى أو الشركة بمقابل مالي، ومن حسن الحظ أن قنوات التواصل الاجتماعي لا تنعم بمزيد ثقة اجتماعيا، بل إن الثقة بها تقل كلما زاد الوعي المجتمعي، وكلما أثبتت أخبارها ودعاياتها أنها غير صحيحة ولا صادقة.

المشكلة تكمن في الإعلانات المتلفزة لقنوات فضائية تجارية خاصة في أوقات مشاهدة الأطفال وأوقات الذروة وبين مباريات كرة القدم أو الأنشطة الرياضية الأخرى، فالتلفاز ما زال يتمتع بثقة ومتابعة وإن كانت المصداقية تعتمد على المعلومة ووعي المتلقي إلا أن خطورة الإعلانات التلفزيونية لا يمكن تجاهلها فهي الأكثر انتشارا، وبالتالي تأثيرا سواء في الداخل أو الخارج، لذا فقد أسفت (كمواطن) أن تعلن إحدى شركات التأمين الطبي تلفزيونيا عن تميزها ببث مشاهد توحي بوجود فوضى (غير حقيقية) في شارع التأمين ولقطات لمرضى وهم يتزاحمون ويعانون بحثا عن موافقة وتصورهم بطريقة مضحكة (كوميدية) لا تليق ولا تتناسب مع حقيقة واقعنا في هذا العصر، وليست صورة صحيحة إطلاقا، بل ظالمة لواقعنا، حيث لو وجدت حالات قليلة أو نادرة لمشكلة مع موافقات بعض شركات التأمين (وهي منهم) فإن الأمر لا يصل للحد الذي يصوره الإعلان، وكان جديرا أن يحترم المعلن الوضع الصحي المتقدم والمتميز عالميا الذي نعيشه ولله الحمد، وأن يتعامل بوقار واحترام مع المرضى الذين صورهم وكأنهم فوضويون، وأن يحترم المعلن منافسيه في سوق التأمين، وقطاع التأمين عامة فلا يصوره بهذا الصورة المسيئة.

أعلم أننا نتمتع -ولله الحمد- بأنظمة وتشريعات تعنى بأمر الإعلانات، خاصة الصحية، وكل ما يؤثر سلبا على المستفيد مريضا أو مستهلكا، خاصة من إعلانات مشاهير التواصل الاجتماعي، لكن من المهم جدا تشديد الرقابة على محتوى الإعلان الطبي في جميع القنوات نظرا لحساسيته البالغة.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447هـ 26 نوفمبر 2025م

للممارس والمعلم حماية وللمريض والطالب حماية أيضًا

جميل جدا أن يركز المسؤولون في وزارتي الصحة والتعليم على أمر حماية الممارس الصحي والمعلم من الاعتداء أو الإهانة، ويتناولون ذلك في تصريحاتهم وتنبيهاتهم، ولكن من المهم أيضا أن يرافق ذلك التركيز وبذات القوة تنبيه وتصريح على أن للمرضى وأقاربهم وللطلاب والطالبات وأولياء أمورهم حقوق يجب على الممارسين الصحيين ومستشفياتهم والمعلمين والمعلمات ومدارسهم احترامها وحمايتهم من أي اعتداء أو إهانة أو تقصير، فلا يشغلنا أمر حماية الطبيب عن حماية المريض، ولا أمر حماية المعلم عن حماية الطالب، فكأني -وحسبما يردني من شكاوى ككاتب رأي- ألمس أن أمر التركيز على حماية الممارس والمعلم أنساهما أن للمرضى وأقاربهم وللطلاب وأولياء أمورهم حقوقا أيضا يكفلها النظام أكثر من أي وقت مضى.

عندما يصفع معلم في مدرسة خاصة طالبا في المرحلة الابتدائية لا يتجاوز عمره 11 سنة فإن هذا الطفل أهين وكسر أمام أقرانه، ولم يرد أن يبكي أمامهم فطلب أن يذهب لدورة المياه ليبكي بعيدا عن أعينهم فيقوم المعلم بشده من أذنه وإخراجه من الفصل ليستلمه المشرف ويذهب به لدورة مياه بعيدة عن الفصل لأن دورة المياه القريبة بها عطل ويتركه هناك يبكي ولا يعرف طريق العودة إلا بمساعدة عمال الصيانة! ثم يعود للمنزل مكسورا مذهولا كارها للمدرسة والمعلم وربما للمجتمع! فهل هذا المعلم يستحق الحماية؟! وهل تلك المدرسة الخاصة تستحق ما تتقاضاه من رسوم؛ بل من ثقة أولياء أمور الطلاب؟!

إن علينا أن نعترف -شئنا أم أبينا- أن أغلب المدارس الأهلية والخاصة تعج بمتعاقدين أجانب ربما بعضهم يعاني من أحقاد، وعلينا عدم الاعتماد على ملاك المدارس في حماية الطلاب (خاصة الأطفال)، وألا نعتمد كأولياء أمور على الشكوى للمدرسة نفسها فهي تبقى خصما ولا تصلح حكما، بدليل أن المعلم الأجنبي القاسي الذي عاقب الطفل تم نقله لقسم آخر فيه بدلات أكثر فقط لذر الرماد في العيون.

وعندما تدخل مريضة لمستشفى أهلي تشكو ألما في البطن تصادف مع حالة رشح أو التهاب فيروسي فيتم إرباكها بعدة تشخيصات مختلفة تصلها من الممرضات وليس الطبيب الاستشاري، ثم تتوالى عليها الفحوصات الإشعاعية والصبغات المتكررة وتقنع بإجراء جراحة إزالة المرارة وتحدث معها مضاعفات وماء في الرئة يزداد دون أن تحصل على فرصة مع طبيبها الاستشاري لتعرف ما هي حالتها وما تشخيصها وما الذي حدث لها وهل هو مضاعفة أم خطأ؟! وتدخل في دوامة الشك أن كل ما أجري لها من فحوصات وأشعة وعمليات كان بهدف استغلال التأمين، فإن الأمر يستوجب التفكير في حمايتها وحقوقها.

وإن علينا أن نعترف أن بعض المستشفيات الأهلية والخاصة تستخدم أطباء حكوميين غير متفرغين يعملون في عدة مستشفيات (مخالفين) وتغري بهم المرضى في دعايات وإعلانات، ثم لا يجد المريض ذلك الاستشاري بعد الدفع كما وجده قبل الدفع، وهنا لا يصلح أن تترك الشكوى للخصم ليصبح حكما، ومثلما أن للممارس الصحي حماية فإن للمريض حماية ويجب تكثيف التوعية بحقوق وحماية المريض مثلما يحدث مع حقوق وحماية الممارس.

ما لم يتم التركيز والتوعية بحماية الطلاب (خاصة الأطفال) وحماية المرضى ونشر سبل وقنوات التبليغ والتفاعل معها بنفس التركيز على حماية الممارس الصحي والمعلم، فإن المريض أو قريبه أو الطالب أو ولي أمره قد يرتكب مع المعلم أو الممارس ما يجعله عرضة لعقوبة كان يفترض أن تكون له لا عليه.. والله أعلم وأحكم.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 28 جمادى الأولى 1447هـ 19 نوفمبر 2025م

شوارع المدارس الأهلية الضيقة خطرة جدًا

المدارس الأهلية داخل الأحياء إحدى مميزاتها أصبحت عيبا وأهم إيجابياتها تحولت إلى سلبية، فالميزة والإيجابية أن المدارس هي عبارة عن مجمع (ابتدائي ومتوسط وثانوي)، والعيب والسلبية أن هذا المجمع يتواجد على شوارع ضيقة عرضها عشرة أمتار أو 12 مترا أو حتى 15 مترا، ما يخلق ازدحاما مهولا وفوضى عارمة عند الحضور والانصراف، فالشارع بهذا العرض لا يمكن أن يستوعب الكم الهائل من السيارات الداخلة والخارجة والمقبلة والمدبرة، ناهيك عن السيارات التي تحاول الاستدارة، ما يشكل خطرا على الطلاب والطالبات هو الأهم مع ما يحدث من تأخير وتعطل للحركة وفوضى واختناقات وربما شجار وخناقات.

فكرة بناء مجمع مدارس يشتمل على جميع المراحل الدراسية في موقع واحد فكرة رائعة، تسهل على الأسر عملية نقل أبنائهم وبناتهم ممن هم في مراحل دراسية مختلفة إلى موقع واحد في مشوار واحد وتقلل الازدحام في أوقات الذروة وتوفر الكثير من الخدمات التي تقدم للمدارس، لكن السماح ببناء المجمعات الدراسية على شوارع ضيقة (عرض 10 أو 12 أو 15 مترا) داخل الأحياء زلة دامغة يجب تلافيها، فالاختناقات المرورية بسبب ضيق الشارع كفيلة بإلغاء ميزة توفير الوقت على الأسر، وتشابك المركبات القادمة مع المغادرة والاضطرار للرجوع للوراء مع تواجد أعداد من الأطفال بين المركبات يشكل خطرا كبيرا على أرواح الأطفال، كما أن الفوضى المرورية المصاحبة قد تؤدي إلى خلافات وربما مشاجرات وسلوك غير حضاري ولا تربوي.

وبالنسبة لسكان الحي فإن الأمر مزعج جدا؛ سواء كان لهم أبناء في سن الدراسة أو لم يكن لهم أبناء، فإن كان لهم أطفال في المدارس فإنهم لا بد سيقلقون يوميا على سلامة أبنائهم، خصوصا أن أكثر سائقي المركبات من العمالة غير المدربة على القيادة ولا على احتياطات السلامة، ولم يتعودوا على هكذا ظروف وزحام، بل بالكاد يقود المركبة إلى الأمام والخلف في شارع واسع، وإن لم يكن لسكان الحي أبناء في المدارس فإنهم قد تحملوا زحاما وازعاجا وصعوبة خروج لأعمالهم وصعوبة وصول لمنازلهم وعدم توفر مواقف لسياراتهم بسبب تواجد هذا المجمع الدراسي في موقع غير مناسب.

خاتمة القول؛ إن شروط ومواصفات بناء مجمع مدارس أهلية أو حتى مدرسة أهلية واحدة يجب أن يأخذ في الاعتبار عرض الشوارع المحيطة بحيث تناسب تدفق عدد كبير من المركبات القادمة والمغادرة والواقفة.. والله أعلم وأحكم.

نشر بجريدة الرياض يوم  الأربعاء 21 جمادى الأولى 1447هـ 12 نوفمبر 2025م

لصحتنا واقتصادنا قلصوا مركّبات السعال

يوماً بعد يوم تفضح الأبحاث والدراسات العلمية ممارسات كثير من شركات الأدوية وحرصها الشديد على الكسب حتى لو تعارض مع المنفعة والصحة، وفي هذا الصدد نشر باحثون وأكاديميون نزهاء كتبا ومؤلفات ومقالات علمية، وفي المقابل فإن شركات الأدوية تنفق الملايين على التسويق لمنتجاتها وشراء الذمم لوصفها أو التشجيع على شرائها إذا كانت من الأدوية التي تباع دون وصفة، والمستحضرات المركبة للسعال أحد أشهر الأمثلة لخليط غير منطقي صيدلانيا يجمع عقاقير أو مركبات بعضها متعارض التأثير والبعض الآخر لكل مادة منها تأثير مستقل لا يحتاجه المريض خاصة من لديه أعراض التهاب فيروسي سيزول من نفسه خلال أيام أو أسبوع، والأعراض الجانبية لتلك المواد وتأثيراتها على بعض أعضاء الجسم (خاصة الكلى والكبد) تفوق كثيرا الفائدة منها في إيقاف عرض مؤقت.

ويعارض كثير من علماء الصيدلة المحايدين والنزهاء تواجد تلك المواد المتعددة في زجاجة واحدة أو كبسولة واحدة، وسوف آتي على ذكر المبررات المنطقية لهذا الرفض لاحقا، كما أن كثيرا من الأطباء، خاصة أطباء الأطفال حول العالم، نشروا أوراقا علمية في مجلات طبية متخصصة عن مشاهداتهم لأضرار وخيمة لوجود مركّبات دوائية متعارضة أو مذيبات في أدوية السعال أدت إلى تلف في الكلى وسببت الوفاة في عدة دول.

وأذكر أننا (عدد من الصيادلة السعوديين) أثناء عملنا في مستشفى الملك سعود (الشميسي)، حيث كنت محاضرا بكلية الصيدلة ومطلوب مني قضاء عمل مسائي في مستشفى حكومي للحصول على بدل التفرغ، كنا قد كتبنا لوزارة الصحة (قبل إنشاء هيئة الغذاء والدواء) نقترح تقليص شراء أدوية السعال والزكام المركبة لعدم الحاجة لذلك الكم الهائل من المستحضرات المركبة ولأضرارها، أما هيئات الدواء والغذاء في العالم فمجبرة على تسجيلها بإلحاح من الشركات المنتجة، لكن الجهات الصحية سواء وزارة الصحة أو أي جهة صحية أخرى غير مجبرة على شرائها.

ولأن هذا المقال أكتبه للعموم وفي صحيفة سيارة فمن الأفضل ألا أذكر أسماء بعض المواد والعقاقير فذكرها قد يعرف بها أكثر، خصوصا أننا وخلال أربعين سنة مضت من التدريب في صيدلية خاصة أو العمل في المستشفيات رأينا صورا مؤلمة وحوادث لعمالة وافدة أو شباب وشابات مواطنين أدمنوا استخدام زجاجات أو جرعات كبيرة من تلك المستحضرات المركبة لعلمهم بوجود مركب منوم أو مهدئ، وقد أبلغنا عن ذلك في حينه، وتم ولله الحمد تشديد المراقبة على وصف وصرف تلك المستحضرات وإدخالها ضمن الأدوية المقيدة والخاضعة لنظام مكافحة المخدرات التي لا تصرف إلا بوصفة خاصة مشددة الرقابة والحصر.

وكما وعدت آنفا فإنني سوف استشهد ببعض مستحضرات الخليط الدوائي الثلاثي أو الرباعي ذاكرا تأثير عناصر الخليط دون اسم العنصر، لا العلمي ولا التجاري، ومن أكثر الأمثلة الرائجة للأسف خليط رباعي من مثبط السعال ومضاد الهستامين ومزيل الاحتقان وطارد للبلغم وهذه العناصر فيها الكثير من التعارض المعروف، فمثلا (وبدون إسهاب) فإن مضاد الهستامين من تأثيراته الجفاف، بينما أنت تحتاج لما يساعد الترطيب لطرد الإفرازات، كما أن مثبط السعال سيعيق عمل طارد البلغم وستكون النتيجة مزيدا من الانسداد وتراكم الإفرازات، كما أن مزيل الاحتقان من آثاره زيادة سرعة ضربات القلب ورفع ضغط الدم، ومع مثبط السعال فإن السعال المفيد لإخراج الإفرازات سيفقد ويزداد الالتهاب وستحمل القلب حملا أكبر بكثير خاصة لدى الرضع، ناهيك عن الآثار الجانبية لكل عنصر في الخليط وتراكم هذه الأضرار وتعاونها على المريض، هذا مجرد مثال وشرح مختصر لخطورة ذلك الخليط.

أما المثال الأعجب فهو رواج خليط ثلاثي لمسكن ألم يحتوي على الباراسيتامول (وهذا مسكن وخافض حرارة تقليدي معروف) لكن مضاف إليه مهدئ لن أذكر اسمه، ومنبه لن أذكر اسمه، وعجبا كيف يجمعون منبهًا ومنومًا معًا، وإذا عرف السبب بطل العجب، والسبب هو الترويج لمستحضر جديد له نفس مفعول الباراسيتامول مع إرباك شديد للمريض فهو لا يعرف هل هو نائم أم متنبه!

محصلة القول إننا كبلد متقدم يزخر بالعلماء في مجال الصيدلة لسنا في حاجة لشراء وتأمين تلك المستحضرات والمخاليط المتناقضة حتى لو سجلناها، وذلك من أجل صحتنا واقتصادنا معا، وعلينا عدم تأمين وشراء إلا ما نحتاجه ويفيدنا بعيدا عن مغريات وترويج شركات ووكلاء الدواء.

نشر في جريدة الرياض يوم الأربعاء 7 جمادى الأولى 1447هـ 29 أكتوبر 2025م

ملايين الطبيب الحكومي

يقال إن دخل بعض الأطباء الحكوميين وصل إلى خانة المليون شهريًا، ويعلم الله أننا لا نحسد ثريًا على ثرائه، فلم نحسد لاعبي كرة القدم الذي بلغ دخل بعضهم نحو مليون إلى ثلاثة ملايين ريال يومياً، ولم نحسد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي على تحولهم من محدودي الدخل إلى مبذرين ومهايطين يدعون امتلاك مئات الملايين، والسيارات الفارهة، ولا يسيرون إلا بحراس شخصيين، وبعد كيس البقالة المشقوق يحملن حقائب يد مليونية، فالرازق في السماء والحاسد في الأرض ولسنا منهم بفضل الله ولا نزكي أنفسنا.

إلا أن القول الفصل هو في سؤال عريض ومهم هو كيف حصل الثراء؟! ليس فقط (من أين لك هذا؟!) بل هل جاءك هذا بطريقة صحيحة ونظامية وحلال، لم يتأذَّ منها أحد، ولم تكن على حساب أحد؟! وإذا كان لا بد من المقارنة فإن لاعب كرة القدم يحصل على دخله بعقد صريح واضح ومحكم عن طريق اتحاد كرة القدم، والأهم أنه لا يلعب إلا لنادٍ واحد، ولو أخطأ ووقع لناديين لتعرض لغرامات وإيقاف، ووصلت عقودهم لهذه الأرقام بعد دخولهم عالم الاحتراف الذي فيه يتنافس عليهم المتنافسون فيكسبهم واحد بطريقة نظامية.

أما مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي فقد رزقهم الله صدفة شهرة نقلت بعضهم من حالة الفقر لحالة الثراء، ومن العوز والحاجة إلى التبذير والهياط، بفعل متابعة الملايين لهم كمشاهير، وتعاقد التجار والمؤسسات والمتاجر معهم كمسوقين ومندوبين للدعاية والترويج، وبفعل ما نشهد من تطور سريع وحزم وعزم فقد تم تنظيم عملهم بتراخيص وتسجيل نظامي ورخص، ويحق للواحد منهم أن يعمل لصالح أكثر من جهة وفقاً لشروط النظام وقوانين الرسوم الحكومية والضرائب والعمولات المحكومة بالنظام.

بالنسبة لثراء الأطباء، الذي لا نحسدهم عليه ونسأل الله أن يوسع لهم في الرزق الحلال، فإن أمر ملايينهم يخضع لعدة أسئلة جوهرية أهمها من أين يأتي المليون؟! فالمعلوم أن العمل في مستشفى واحد لا يجلب الملايين وحتى لو أضيف له عمل إضافي نظامي في مستشفى خاص أو أهلي آخر ومحدد بساعات لا تنقص من حق مريض المستشفى الأصلي فإن دخل هذين العملين معاً شهرياً يستحيل أن يصل لعُشر هذا الرقم المليوني، والمصيبة الكبرى إذا كان يأتي من العمل في أكثر من مستشفى في اليوم الواحد لأن هذا السلوك معناه مخالفة صريحة للنظام، ليس هذا وحسب بل إن ذلك الثراء جاء على حساب مرضى جميع المستشفيات التي يدور عليها الطبيب الجشع ليربح المليون، فلا مريض المستشفى الأصلي حصل على وقته المستحق للفحص ومراجعة الحالة ومراجعة التاريخ المرضي ومراجعة الملف الطبي والفحوصات السابقة والحالية وطلب اللاحقة، ولا مرضى المستشفى الثاني والثالث والرابع حصلوا على وقت لفهم حالاتهم ومتابعتها، وإذا كان الأمر يتعلق بعمليات جراحية (وهذا هو الغالب) فإن النتائج أخطر، فتركيز الطبيب سيكون مشغولاً عن مريض المستشفى الأول بموعد عملية مريض المستشفى الثاني، وعملية الثاني تتأثر بالتفكير بالوصول للمستشفى الثالث، أما الرابع فسيصله الطبيب فاقداً للياقة واللباقة والتركيز، أي أننا أمام طبيب يحتاج لأربعة قلوب في جوفه لكي يركز في عملياته (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه).

إذن، فإن الدخل المليوني (وحتى ربع المليوني) للطبيب لا نحسده عليه، ولكن نخشى على مرضاه من جشعه، ونخشى على الرعاية الصحية من زيادة الأخطاء الطبية الناجمة عن عدم التركيز، فليس أخطر على هذه المهنة الإنسانية من الأهواء النفسية خاصة تلك التي تحولها إلى مكاسب تجارية.

نشر في جريدة الرياض يوم الأربعاء 30 ربيع الآخر 1447هـ 22 أكتوبر 2025م

قولوا آمين يا هيئة التأمين!

تحدثت في مقالات سابقة عن ضرورة توحيد الشروط والأحكام الأساسية التي تربط العلاقة بين المستهلك والمتجر أو الشركة أو الوكيل، مبررًا توحيد الشروط بأنه يجعل الحقوق والواجبات معلومة للجميع وللطرفين، وشائعة لا تحتاج إلى كثير خلافات، فترتاح الجهات الحكومية والقضائية من سيل الشكاوى، واقترحت أيضًا فرض تأمين المجسات الطبية على شركات التأمين كونها جزء من العملية العلاجية، ولا يجوز أن تقبل بها شركة تأمين صحي وترفضها أخرى، فالأمر ليس خيارًا بل جزء من العلاج بل أهم المراحل العلاجية، ومن المعيب على شركة التأمين الصحي أن تجهل أهمية مجسات السكر والضغط والقلب في العملية التشخيصية والعلاجية وترفضها بجهل، وإن مثل هذه الشركة يفترض ألا توجد في سوق التأمين الصحي في بلد متقدم مثل بلدنا.

ثمة أمر مهم جدًا سوف أذكره في خاتمة المقال، وهذا الأمر يؤكد أهمية أن أطالب أو أقترح أيضًا اقتراحًا آخر وهو توحيد شروط شركات التأمين الصحي بما يكفل شمولية التغطيات التي تراها وزارة الصحة أساسية ومنها المجسات، وألا تترك التغطية خيارًا للشركات خاصة، وأن بعض أطباء تلك الشركات المناط بهم الموافقات محدودو التعليم والخبرة الطبية، ومن مدارس لم تصل بعد للتطور الذي وصلنا له في هذا البلد المتقدم، وهو ما ذكرته تفصيلًا في مقال سابق في هذه الصحيفة الغراء نشر يوم الأربعاء 29 ذو الحجة 1446هـ بعنوان (مجسات يا قلب العناء وتأمين يرفضني أنا)، وفيه ذكرت أننا عندما نقول (بعض شركات التأمين وليس كلها) فإن ذلك أوضح دليل على أن رفض شركة التأمين لصرف تلك الحساسات أو المجسات أو أجهزة القياس الإلكترونية نابع عن جهل الطبيب الذي باشر طلب موافقة الشركة على صرف المجس، فقام برفضه لأنه يجهل أن الجهاز الحساس أو المجس هو من أهم عناصر العملية العلاجية والتشخيصية، بل ربما أن طبيب الشركة جاء من مدرسة لم يصلها بعد التطور الطبي الذي وصلنا إليه في السعودية العظمى.

ولهذا السبب سالف الذكر، فإنني أرى ضرورة توحيد شروط التغطية لجميع شركات التأمين الصحي حسب ما يراه خبراء وزارة الصحة، وبما يحقق الرعاية الصحية الشاملة التي نطمح لها في هذا الوطن الغالي الطموح (همة طويق)، وليس حسب ما يراه طبيب عام متعاقد مع الشركة ومن مدرسة لم تصل لما وصلنا إليه من تقدم وشمولية في الرعاية الصحية.

أما الأمر الأهم، الذي وعدت بذكره في خاتمة المقال، فهو أنني اكتشفت ومن التواصل مع إحدى موظفات أحد المستشفيات الأهلية أن شركة التأمين (حسب السجلات) وافقت على صرف مجسات السكر للمريض، لكن أدوية المريض صرفت من صيدلية المستشفى ووصلت إليه دون المجسات على أساس أن شركة التأمين رفضت الموافقة على المجسات!، وبين سجلات الموظفة وواقع عدم استلام المجسات (باهظة الثمن!) يبرز سؤال (أين المجسات؟!) ومن أخفاها؟! وهل ذهبت لغيره في الداخل أو الخارج؟! والقول الفصل هو أنه لو تم توحيد شروط قبول الشركات لعلم المريض أن المجسات من حقه وأن الموافقة عليها حتمية وطالب بها، لكن تباين الشروط واختلاف الشركات في الموافقات أوهم المريض بأن المجسات لم تتم الموافقة عليها ولم تحضر بينما هي حضرت ولكن في مكان ما قد يكون بعيدًا، نسأل الله الهداية لمن أخذها وحرم المريض منها، ونسأله سبحانه أن يسدد خطانا لإجراء لا يدع فرصة للتفريط ولا الإفراط في شروط التأمين، قولوا آمين يا هيئة التأمين!

نشر في جريدة الرياض يوم الأربعاء 23 ربيع الآخر 1447هـ 15 أكتوبر 2025م