الخطبة الاولى
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله الا وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، عباد اللّٰه قال اللّٰه تعالى: (يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثِيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُم رَقِيبًا)) [النساء:** ١
أما بعد
فإن خير الحديث كتاب اللّٰه وخير الهدي هدي محمد ويد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار ..
عباد الله
إن من أعظم الأمور التي بعث بها خير البرية محمد اليو هي الحث على صلة الأرحام والسعي في الإحسان إليها بشتى الطرق والوسائل وبإختلاف الأزمنة والأماكن وفي مقابل ذلك جاء صلى اللّٰه عليه وسلم بالإنذا والنهي عن قطع الأرحام ورتب على القاطع لرحمه جملة من الأمور التي تودي به إلى هلاك دينه ودنياه إن لم يتب فبين صلى اللّٰه عليه وسلم جملة من العواقب الوخيمة على القاطع لرحمه:
أولاً: أن الساعي في قطع الأرحام معرضٌ للعن وهو الإبعاد والطرد من رحمة اللّٰه نسأل اللّٰه السلامة والعافية وان قاطع الرحم قد اتى بخصلة من خصال الجاهلية كما قال اللّٰه جل جلاله: (قَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَيتُم أَن تُفسِدوا فِي الأَرضِ وَتُقَطِّعوا أَرحامَكُمْ أُولِعِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمى أَبصارَهُم )
قال ابن جرير الطبري رحمه اللّٰه في تفسير الاية أي وتعودوا لما كنتم عليه في جاهليتكم من التشتت والتفرّق بعد ما قد جمعكم اللّٰه بالإسلام، وألَّف به بين قلوبكم
وهؤلاء الذين يفعلون هذا، يعني الذين يفسدون ويقطعون الأرحام الذين لعنهم الله، فأبعدهم من رحمته فأصمهم، يقول، فسلبهم فَهْمَ ما يسمعون بآذانهم من مواعظ اللّٰه في تنزيله ((وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)) يقول: وسلبهم عقولهم، فلا يتيَّنون حُجج الله، ولا يتذكَّرون ما يرون من عبره وأدلته
انتهى كلامه رحمه اللّٰه
وفي الآية دلالة على أن قاطع الرحم قد جمع بين جملة من الأمور القبيحة منها أن القطيعة تعد من صور السعي في الإفساد في الأرض بغير حق وقد أمر الله بالإعتصام بحبله والحذر من التفرق فقال عز من قائل (واعتصموا بحبل اللّٰه جميعا ولا تفرقوا) والقاطع قد قطع حبل اللّٰه الذي أمر عباده آن يصلوه وفرق بينه وبين رحمه عدوانا وظلما
ثانيا: أن قاطع الرحم قد حكم على نفسه بالقطع من كل خير في الدنيا والأخرة فعن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : “خَلَقَ اللّه الخَلْقَ، فَلَمَّا قَرغ مِنْهُمْ تَعَلَّقْتِ الرَّحِمُ بحقوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ مَهْ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ العائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ أَفمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، وَأَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ؟ قالَتْ نَعَمْ، قالَ فَذلكِ لَكِ
كما في الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قد حكم على الرحم أن تقطع من قطعها وتصل من وصلها فمن اختار لنفسه طريق القطيعة فييشر بسوء العاقبة التي تنتظره وسوء المآل الذي يترصده جزاء وفاقا
ثالثا: أن قاطع الرحم قد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب يعذبه اللّٰه بسببها يوم القيامة يقول النبي . لا يدخل الجنةَ قاطعٌ و بلفظ مسلم لا يدخل الجنة قاطع رحم
فهذا الحديث فيه وعيدٌ شديد على قاطع الرحم وذلك أن من آثاراها القبيحة أنها سبب للحرمان من رحمة اللّٰه يوم القيامة حين يخرج اللّٰه العصاة من النار إلى الجنة فقد يعذبه اللّٰه في النار ما شاء بسبب قطيعة الرحم
رابعا: أن قطيعة الرحم سببٌ للبلايا والمصائب وانعدام البركة وسوء الحال وضيق الصدر وكره الخير وظلمة القلب فقد تعجل للقاطع العقوبة في الدنيا قبل عذاب الآخرة قال النبي صلى الله عليه وسلم : مامن ذنب أجدر أن يعجّل اللّٰه لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة، من البغى وقطيعة الرحم، رواه الترمذي وصححه الألباني
خامسا: أن قاطع الرحم قد حاز حب إبليس له وخسر حب اللّٰه له وذلك أن ابليس عليه لعنة اللّٰه يحب الفرقة والتشتت بين المسلمين كما في الحديث
“إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول : ما صنعتَ شيئًا، ثم يجيء أحدهم فيقول: لم أزل به حتى فرّقتُ بينه وبين امرأته، فيُدنيه منه، ويقول : نعم أنت، فيلتزمه (رواه مسلم 2813).
اما حوزه لحب ابليس فلتقديم هواه وشر نفسه على رضوان اللّٰه بالصلة والإحسان
واما خسرانه محبة اللّه فلأن اللّٰه قد حكم على القاطع بقطعه من كل خير في الدنيا والآخر فيا خسارة القاطع فقد جنى على نفسه وحكم عليها بالخسران
فعلى المسلم أن يحذر عقاب اللّٰه ووعيده وأن لا يتساهل في القطيعة وليبادر إلى صلة الارحام والإحسان اليهم امتثالا لأمر الله جل جلاله كما قال : (واتقوا اللّٰه الذي تساءلون به والأرحام إن اللّٰه كان عليكم رقيبا)
فاللهم ألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام واخرجنا من الظلمات إلى النور وصلى اللّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الخطبة الثانية
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله، عباد اللّٰه قال اللّٰه تعالى: (يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقَوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَّقَ مِنها زَوجَها وَبث مِنْهُما رِجَالًا كَثِيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلُونَ بِهِ وَالْأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُم رَقِيبًا) [النساء:[١]
أما بعد :
عباد الله
فإن رحمة اللّٰه سبحانه وتعالى وعدله أنه بين عقوبة القاطع في الدنيا والآخرة وفي مقابل ذلك بين فضل الواصل وما له من بشارات عظيمة في الدنيا والآخرة فمن تلك البشارات
أولا : أن صلة الأرحام سببٌ في طول العمر وسعة الرزق في الدنيا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من أحب ان يبسط له في رزقه وينسأ له في اثره فليصل رحمه) متفق عليه فتأتي للواصل الأرزاق من حيث لا يحتسب ويبارك اللّٰه في عمره وصحته وماله جزاء من ربك عطاءً حسابا.
قال ابن باز رحمه الله: صلة الرحم والإحسان إلى الأقارب من أسباب سعة الرزق، وأن اللّٰه يخلف عليه، وأن ينسأ له في أجله
ثانيا: أن صلة الأرحام من أعظم الأسباب في أن يصلك اللّٰه بكل خير في الدنيا والآخرة فتكن مباركا طيبا في ارزاقك واموالك وفي نفسك وطاعاتك واوقاتك وكل ما فيه خير لك في دينك ودنياك فعن ام المؤمنين عائشة قَالَتْ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم : الرَّحمُ مَعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّه، وَمَن قَطَعَني قَطَعَهُ اللَّه متفقٌ عليه
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم ما صفة الواصل فقال: (( ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)
فحقيقة الصلة هي أن تسعى في وصل من قطعك وعاداك من قرابتك لا ان تصل من وصلك وتقطع من قطعك منهم فلهم حق وقدر زائد عن بقية معارفك وبقية الناس ففي صلتهم مع القطيعة فضلٌ ماليس في احدٍ إلا هم ، وأعظم الصلة صلة الابوين والاخوان والأولاد والاعمام والاخوال والاجداد ثم الأدنى فالادنى وفي هذا الباب مسألة، كثير من الناس يقول إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني أحسن اليهم ويُسيئون إليّ حتى أني تركتهم ليأسي منهم فماذا أفعل؟
والجواب عن هذا هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أن رجلا جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّٰه إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحلم عليهم ويجهلون علي، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، قال له صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت لكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من اللّٰه ظهير عليهم ما دمت على ذلك، . رواه مسلم
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : فالمؤمن يجاهد نفسه ويصبر على صلة الرحم والإحسان إليهم وإن أساؤوا وإن قطعوا، لا يكون مثلهم يكون خيرا منهم، لا يكافئهم ولكن يصلهم ويحسن إليهم فيرفق بهم ويدعو اللّٰه لهم بالهداية، هكذا المؤمن صبور، والله يقول جل وعلا (( وَالْعَصْرِ م إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ • إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّّبْرِ ))[العصر: 3-1].
فالحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، ونصلي ونسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم إنا نسألك قلوبًا سليمة، ونفوسًا نقية، وألسنة ذاكرة، وأرحامًا موصولة، اللهم اجعلنا من الواصلين لأرحامهم، البارين بأهلهم، المحسنين إلى ذويهم، وأعذنا من قطيعة الرحم، ومن أسباب سخطك وعقوبتك،اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، واجعلنا من المتحابين فيك، المتعاونين على البر والتقوى
اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده لما تحب وترضى، وأصلح بهم البلاد والعباد، وأدم علينا الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
