الكاتب: محمد سليمان الأحيدب

خطبة الشيخ سفيان القحطاني عن مصير قاطع الرحم وكيف التعامل معه

الخطبة الاولى

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله الا وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، عباد اللّٰه قال اللّٰه تعالى: (يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثِيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُم رَقِيبًا)) [النساء:** ١

أما بعد

فإن خير الحديث كتاب اللّٰه وخير الهدي هدي محمد ويد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار ..

عباد الله

إن من أعظم الأمور التي بعث بها خير البرية محمد اليو هي الحث على صلة الأرحام والسعي في الإحسان إليها بشتى الطرق والوسائل وبإختلاف الأزمنة والأماكن وفي مقابل ذلك جاء صلى اللّٰه عليه وسلم بالإنذا والنهي عن قطع الأرحام ورتب على القاطع لرحمه جملة من الأمور التي تودي به إلى هلاك دينه ودنياه إن لم يتب فبين صلى اللّٰه عليه وسلم جملة من العواقب الوخيمة على القاطع لرحمه:

أولاً: أن الساعي في قطع الأرحام معرضٌ للعن وهو الإبعاد والطرد من رحمة اللّٰه نسأل اللّٰه السلامة والعافية وان قاطع الرحم قد اتى بخصلة من خصال الجاهلية كما قال اللّٰه جل جلاله: (قَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَيتُم أَن تُفسِدوا فِي الأَرضِ وَتُقَطِّعوا أَرحامَكُمْ أُولِعِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمى أَبصارَهُم )

قال ابن جرير الطبري رحمه اللّٰه في تفسير الاية أي وتعودوا لما كنتم عليه في جاهليتكم من التشتت والتفرّق بعد ما قد جمعكم اللّٰه بالإسلام، وألَّف به بين قلوبكم

وهؤلاء الذين يفعلون هذا، يعني الذين يفسدون ويقطعون الأرحام الذين لعنهم الله، فأبعدهم من رحمته فأصمهم، يقول، فسلبهم فَهْمَ ما يسمعون بآذانهم من مواعظ اللّٰه في تنزيله ((وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)) يقول: وسلبهم عقولهم، فلا يتيَّنون حُجج الله، ولا يتذكَّرون ما يرون من عبره وأدلته

انتهى كلامه رحمه اللّٰه

وفي الآية دلالة على أن قاطع الرحم قد جمع بين جملة من الأمور القبيحة منها أن القطيعة تعد من صور السعي في الإفساد في الأرض بغير حق وقد أمر الله بالإعتصام بحبله والحذر من التفرق فقال عز من قائل (واعتصموا بحبل اللّٰه جميعا ولا تفرقوا) والقاطع قد قطع حبل اللّٰه الذي أمر عباده آن يصلوه وفرق بينه وبين رحمه عدوانا وظلما

ثانيا: أن قاطع الرحم قد حكم على نفسه بالقطع من كل خير في الدنيا والأخرة فعن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : “خَلَقَ اللّه الخَلْقَ، فَلَمَّا قَرغ مِنْهُمْ تَعَلَّقْتِ الرَّحِمُ بحقوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ مَهْ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ العائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ أَفمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، وَأَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ؟ قالَتْ نَعَمْ، قالَ فَذلكِ لَكِ

كما في الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قد حكم على الرحم أن تقطع من قطعها وتصل من وصلها فمن اختار لنفسه طريق القطيعة فييشر بسوء العاقبة التي تنتظره وسوء المآل الذي يترصده جزاء وفاقا

ثالثا: أن قاطع الرحم قد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب يعذبه اللّٰه بسببها يوم القيامة يقول النبي . لا يدخل الجنةَ قاطعٌ و بلفظ مسلم لا يدخل الجنة قاطع رحم

فهذا الحديث فيه وعيدٌ شديد على قاطع الرحم وذلك أن من آثاراها القبيحة أنها سبب للحرمان من رحمة اللّٰه يوم القيامة حين يخرج اللّٰه العصاة من النار إلى الجنة فقد يعذبه اللّٰه في النار ما شاء بسبب قطيعة الرحم

رابعا: أن قطيعة الرحم سببٌ للبلايا والمصائب وانعدام البركة وسوء الحال وضيق الصدر وكره الخير وظلمة القلب فقد تعجل للقاطع العقوبة في الدنيا قبل عذاب الآخرة قال النبي صلى الله عليه وسلم : مامن ذنب أجدر أن يعجّل اللّٰه لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة، من البغى وقطيعة الرحم، رواه الترمذي وصححه الألباني

خامسا: أن قاطع الرحم قد حاز حب إبليس له وخسر حب اللّٰه له وذلك أن ابليس عليه لعنة اللّٰه يحب الفرقة والتشتت بين المسلمين كما في الحديث

إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول : ما صنعتَ شيئًا، ثم يجيء أحدهم فيقول: لم أزل به حتى فرّقتُ بينه وبين امرأته، فيُدنيه منه، ويقول : نعم أنت، فيلتزمه (رواه مسلم 2813).

اما حوزه لحب ابليس فلتقديم هواه وشر نفسه على رضوان اللّٰه بالصلة والإحسان

واما خسرانه محبة اللّه فلأن اللّٰه قد حكم على القاطع بقطعه من كل خير في الدنيا والآخر فيا خسارة القاطع فقد جنى على نفسه وحكم عليها بالخسران

فعلى المسلم أن يحذر عقاب اللّٰه ووعيده وأن لا يتساهل في القطيعة وليبادر إلى صلة الارحام والإحسان اليهم امتثالا لأمر الله جل جلاله كما قال : (واتقوا اللّٰه الذي تساءلون به والأرحام إن اللّٰه كان عليكم رقيبا)

فاللهم ألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام واخرجنا من الظلمات إلى النور وصلى اللّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الخطبة الثانية

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا

من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله، عباد اللّٰه قال اللّٰه تعالى: (يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقَوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَّقَ مِنها زَوجَها وَبث مِنْهُما رِجَالًا كَثِيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلُونَ بِهِ وَالْأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُم رَقِيبًا) [النساء:[١]

أما بعد :

عباد الله

فإن رحمة اللّٰه سبحانه وتعالى وعدله أنه بين عقوبة القاطع في الدنيا والآخرة وفي مقابل ذلك بين فضل الواصل وما له من بشارات عظيمة في الدنيا والآخرة فمن تلك البشارات

أولا : أن صلة الأرحام سببٌ في طول العمر وسعة الرزق في الدنيا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من أحب ان يبسط له في رزقه وينسأ له في اثره فليصل رحمه) متفق عليه فتأتي للواصل الأرزاق من حيث لا يحتسب ويبارك اللّٰه في عمره وصحته وماله جزاء من ربك عطاءً حسابا.

قال ابن باز رحمه الله: صلة الرحم والإحسان إلى الأقارب من أسباب سعة الرزق، وأن اللّٰه يخلف عليه، وأن ينسأ له في أجله

ثانيا: أن صلة الأرحام من أعظم الأسباب في أن يصلك اللّٰه بكل خير في الدنيا والآخرة فتكن مباركا طيبا في ارزاقك واموالك وفي نفسك وطاعاتك واوقاتك وكل ما فيه خير لك في دينك ودنياك فعن ام المؤمنين عائشة قَالَتْ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم : الرَّحمُ مَعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّه، وَمَن قَطَعَني قَطَعَهُ اللَّه متفقٌ عليه

وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم ما صفة الواصل فقال: (( ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)

فحقيقة الصلة هي أن تسعى في وصل من قطعك وعاداك من قرابتك لا ان تصل من وصلك وتقطع من قطعك منهم فلهم حق وقدر زائد عن بقية معارفك وبقية الناس ففي صلتهم مع القطيعة فضلٌ ماليس في احدٍ إلا هم ، وأعظم الصلة صلة الابوين والاخوان والأولاد والاعمام والاخوال والاجداد ثم الأدنى فالادنى وفي هذا الباب مسألة، كثير من الناس يقول إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني أحسن اليهم ويُسيئون إليّ حتى أني تركتهم ليأسي منهم فماذا أفعل؟

والجواب عن هذا هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أن رجلا جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّٰه إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحلم عليهم ويجهلون علي، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، قال له صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت لكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من اللّٰه ظهير عليهم ما دمت على ذلك، . رواه مسلم

قال الشيخ ابن باز رحمه الله : فالمؤمن يجاهد نفسه ويصبر على صلة الرحم والإحسان إليهم وإن أساؤوا وإن قطعوا، لا يكون مثلهم يكون خيرا منهم، لا يكافئهم ولكن يصلهم ويحسن إليهم فيرفق بهم ويدعو اللّٰه لهم بالهداية، هكذا المؤمن صبور، والله يقول جل وعلا (( وَالْعَصْرِ م إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّّبْرِ ))[العصر: 3-1].

فالحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، ونصلي ونسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

اللهم إنا نسألك قلوبًا سليمة، ونفوسًا نقية، وألسنة ذاكرة، وأرحامًا موصولة، اللهم اجعلنا من الواصلين لأرحامهم، البارين بأهلهم، المحسنين إلى ذويهم، وأعذنا من قطيعة الرحم، ومن أسباب سخطك وعقوبتك،اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، واجعلنا من المتحابين فيك، المتعاونين على البر والتقوى

اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده لما تحب وترضى، وأصلح بهم البلاد والعباد، وأدم علينا الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين

النظرة الشرعية أصبحت شارعية

حتى اليوم لم يقم أساتذة علم الاجتماع وأقسام علم الاجتماع في جامعاتنا بدورهم في بحث أسباب عزوف الشبان والشابات عن الزواج، ذلك أن الأبحاث والدراسات في جامعاتنا مازالت أهدافها أنانية تهدف للترقية الأكاديمية فقط، لذا فهي سطحية جداً وغير متعمقة، ولا تتناول مشكلاتنا الاجتماعية ولا الصحية ولا الاقتصادية بشمولية وأمانة وعمق، رغم أن الدولة -أعزها الله- شجعت هذا الجانب وتدعمه بجوائز الأبحاث، وحتى معوقات الزواج ذللتها، كما سوف أورد في هذا المقال، ولكن ثمة أسباب للعزوف لم نعرفها بعد، وتحتاج لدراسة وبحث عميقين.

الوطن بكافة مؤسساته الحكومية والخيرية والخاصة يشجع على الزواج بتذليل صعوبات تملك السكن، وتنظيم مسارات وإجراءات الإيجار، والدعم المالي والعيني لراغبي الزواج، عبر برامج إعانة الزواج من الجمعية الخيرية للمساعدة على الزواج (تيسير الزواج)، وعبر صندوق الزواج التابع للضمان الاجتماعي أو عبر الجمعيات الأهلية تحت إشراف وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وقرض الزواج من بنك التنمية الاجتماعية، وقروض ميسرة من بعض البنوك، إلى جانب الجمعيات الخيرية المتخصصة في الزواج، أي أن التوجه العام وطنياً يشجع على الزواج أكثر من أي وقت مضى، وأكثر بكثير مما مر على جيلنا مثلاً، وأعني جيل الثمانينات الميلادية، فلا عذر لجيل اليوم إلا ما قد تكشفه الدراسات والأبحاث التي أطالب بها.

في جيلنا (أواسط الثمانينات الميلادية) أصدر الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- أمراً بصرف مبلغ خمسين ألف ريال لكل خريج جامعي إعانة على ظروف حياته بعد التخرج، ولا شك أن الزواج هو أهم ظروف حياة الشاب، وتم صرف المبلغ لكل خريج بعد عام 1400هـ، إلا أن اجتهاد أو تعنت مدير شؤون الموظفين في إحدى الجامعات آنذاك، جعله يقرر من نفسه أن من عيّن معيداً في الجامعة وحصل على بدل سكن لا يصرف له ذلك المبلغ أو يخصم منا ما استلمناه كبدل سكن، وفعلاً طبّق هو اجتهاده الذي لا أساس له، وحَرَمنا كمعيدين تخرَّجْنا بتفوق ومعدلات عالية مما حصل عليه زملاؤنا الذين تخرجوا بتقدير مقبول وتعينوا في جهات أخرى، (لم نسامح ذلك المدير أبداً فقد ظلمنا بتعنته)، أما جيل اليوم فإن القرارات والإعانات يصاحبها لوائح تنفيذ واضحة حاسمة لا تقبل أي اجتهادات حاسدة ولا خاطئة، فلا عذر أيضاً لجيل اليوم.

أيضاً في جيلنا (جيل أواسط الثمانينات) ومن قبلنا كانت النظرة الشرعية للمخطوبة شبه مستحيلة، بل كان الواحد منا لو تجرأ وذكر لوالد البنت على استحياء وخوف أمر النظرة الشرعية (كنا نسميها الشوفة الشرعية) -أقول لو ذكرها للأب- فإنه يقولها ويداه على خديه خوفاًَ من صفعة خاطفة، أما جيل اليوم فأمرهم سهل يسير، فقد تحولت النظرة الشرعية إلى نظرة شارعيّة، فبعضهن أو قلة منهن يمكنه أن يراها في السوق أو المقهى أو وهي تسير في الشارع، والغالبية العظمى ترحّب بالنظرة الشرعية في المنزل، بل تؤيدها، وتقيم له وليمة، فلا خوف عند طلبها ولا حاجة لوضع اليد على الخد، فلا عذر لهذا الجيل.

لا عذر أيضاً لجامعاتنا في عدم بحث الأسباب الحقيقية لعزوف الشبان والشابات عن الزواج، وأقترح أن نحدد الأبحاث التي يجب على الأستاذ الجامعي عملها بناء على احتياجات المجتمع، ونشدد الرقابة على مسار البحث لنضمن صدق النتائج، وأن تكون الأبحاث وطنية خالصة لا دور فيها لمساعدة باحث أجنبي، فما حك جلدك مثل ظفرك، وما شخّص مشكلاتك مثل بحثك، فتولّ أنت كل أمرك.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 28 محرم 1447هـ 23 يوليو 2025م

لا تكسر مجاديف المستهلك فأنت مستهلك آخر

النصيحة التي أحرص دوماً على توجيهها لبعض الشباب والشابات من ملاك أو موظفي المتاجر أو الشركات الخدمية أو وكالات السيارات بل وحتى البنوك هي أن لا يبالغ في الدفاع المستميت عن المتجر أو الشركة أو الوكالة أمام المستهلك أو أمام جهات حماية المستهلك، فيحرمه من حقه الواضح الصريح في ضمان أو استرجاع أو صيانة جهاز؛ بهدف أن يثبت ولاءه لمكان عمله أو حتى متجره، لأنك وببساطة أنت في هذا الموقف موظف أو حكم أو صاحب قرار، لكنك في موقف آخر ستكون المستهلك وصاحب القرار غيرك أو خصمك وستطالب بحقك وتستنجد بحماية المستهلك، فالمالك أو الموظف المسؤول في قطاع هو مستهلك في قطاع آخر.

غني عن القول إن أداء الأمانة والتعامل بعدل وإنصاف هو مطلب ديني وأخلاقي قبل كل شيئ، وبعيدًا عن أي اعتبار ومقدم على كل ظرف أو حال، لكن ما أحرص دومًا على التذكير به كناشط في مجال حماية المستهلك وأحد مؤسسي جمعية حماية المستهلك الأهلية هو أن لا يغضب منا صاحب المتجر أو الشركة الخدمية أو الوكالة عندما نقف في صف المستهلك أو العميل، ذلك أنك كموظف شركة أو مالك محل يجب أن تتذكر أنك في مناسبة أخرى عميل أو مستهلك وستحتاج لتلك الحماية أو الموقف من قبل الجمعية أو أقسام وزارة التجارة، لذا يجب عليك أن تقف في صف حقوق المستهلك أو العميل الذي يشتكيك مثلما أنك تريد أن تحصل على حقوقك كعميل أو مستهلك لسلعة ظلمك تاجرها أو خدمة حرمتك الشركة الأخرى منها.

أقول لهم دومًا: يا موظف وكالة السيارات المنحاز للوكالة التي وظفتك ضد مالك السيارة، أنت عميل أمام وكالة الثلاجة أو التلفاز أو الغسالة! ويا موظف وكالة الجهاز الكهربي أنت عميل أمام موظف وكالة السيارات! وهكذا يكون موظف الشركة الخدمية أمام موظف شركة التأمين الذي حرمه من حقه أو خفض تعويضه، وعلى هذا الأساس فإن اتخاذ موقف إيجابي مع الناشط في مجال حماية المستهلك أو موظف حماية المستهلك وتشجيع الحماية مطلب عام يجب أن نسعى جميعًا إلى تشجيعه وترسيخ مبادئه والوقوف إلى جانب كل ما يحقق إنصاف المستحق وبيسر وسرعة وسهولة، ويكون ذلك لسببين: أحدهما لأن الموظف اليوم مستهلك غدًا (وإن كان في ذلك ضرب من ضروب الأنا وحب الذات ولكن على الحق)، والثاني أن تعاليم الدين الحنيف والقيم والأخلاق تأمر بإنصاف صاحب الحق ولو على حساب نفسك، (اللهم إنا نعوذ بك من أن نظلم أو نظلم أو نجهل أو يجهل علينا أو أن نجور أو يجار علينا)، والله أعلم وأحكم.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 21 محرم 1447هـ 16 يوليو 2025م

شهادة رونالدو في مملكة الإنسانية لا تشوهوها بتعصبكم

شهادة أشهر رمز رياضي عالميا والأكثر متابعة على جميع مواقع التواصل الاجتماعي كرستيانو رونالدو في السعودية العظمى، هي شهادة كريم (نسأل الله أن ينطقه الشهادة مسلما)، وهو يشهد لوطن يستاهل (نسأل الله أن يخرس أعداءه)، وشهادته قوة ناعمة علينا جميعا استغلالها إعلاميا كما يجب وبعيدا عن التعصب الكروي وبما يخدم الأهداف الوطنية المرسومة لمشروعنا الترويجي الترويحي الذي من أجله استقطب هذا المحبوب عالميا في مجاله، وهذا بطبيعة الحال إضافة لتميزنا عالميا في خدمة ضيوف الرحمن وخدمة الإسلام والسلام والخدمات الإنسانية سياسيا وصحيا واقتصاديا وإغاثيا وبيئيا والذي بناء عليه أطلقت على وطني وبفخر عبارة (السعودية مملكة الإنسانية).

قال كرستيانو رونالدو إنني وجميع أفراد أسرتي في السعودية نشعر بأمان ليس له مثيل وأنني برتغالي لكنني أنتمي للسعودية، وقال أنتم تملكون بلدا رائعا وولي العهد الأمير محمد بن سلمان أهم شخصية مؤثرة وهو خلف التطوير والتغيير في السعودية، وبلدكم بلد الأمان والسلام، ولذلك أنا وعائلتي سعيدون بالعيش على أرضها، وتنبأ واثقا بأن كأس العالم في السعودية سيكون الأجمل على الإطلاق، وأن السعودية تطورت بشكل سريع، وتحدث عن المشروع السعودي الطموح والرؤية التي يقودها ولي العهد بحكمة وشغف، وردا على من استغربوا قدومه للسعودية وسعادته فيها قال: عليهم أن يأتوا ويروا بأنفسهم ما رأيت ثم يحكموا، فلو لم أجد الراحة والأمان أنا وأسرتي لما قضيت الصيف في البحر الأحمر حيث أنا الآن.

كل ما ذكره عنا هذا الأسطورة الكروية واسع الشهرة والمتابعة صحيح ويمكن القول إننا لا نحتاج لمزيد ثناء وامتنان بعد شهادات متتالية من ضيوف الرحمن أولا ثم قيادات سياسية واقتصادية وصحية وبيئية وحقوقية، وفي مواقف وأزمات عالمية أبرزها موقف هذا الوطن مع مواطنيه والمقيمين فيه وحتى المخالفين خلال كارثة (كورونا) وغيرها من مواقف يصعب حصرها في مقال محدود الكلمات.

قد يقول قائل (لأي سبب في نفسه) إننا لسنا في حاجة لتلك الشهادة، لكنه ينسى أو يتناسى أننا في حاجة لانتشارها، فالرجل أرقام متابعيه ومحبيه في المعمورة مليارية الأرقام ونحن في حاجة للوصول إلى تلك الشريحة من الناس الذين صعب علينا الوصول لهم، خاصة في زمن مضى كان فيه إعلامنا الخارجي يفتقد لآلية الوصول لشرائح متعددة من البشر، ومن الذكاء بل من حق الوطن علينا أن نفخر بإنجازاته، ونشهد له ونستشهد الناس له ونعمل على نشر تلك الشهادات، ليس فقط لأن بعض الحساد والحاقدين يحاولون جاهدين رمي أشجارنا المثمرة بحجارة طينية تتفتت قبل أن تلامس ثمارنا، ولكن لأن على قافلتنا الإعلامية أن تسير بسرعة وفي الاتجاه الصحيح لتصحيح الكثير من مفاهيم خاطئة قد تكون تسربت لبعض الأذهان التي لم تجد من يصوبها، لذلك فإننا عندما نجحنا في فصل التوءم البولندي وتحمل كافة تكاليف العملية المرهقة تقنيا وفنيا وماليا في زمن ليس ببعيد من أحداث 11 سبتمبر التي حاول الإعلام المعادي استغلال (جنسيات) بعض من نفذوها، رأيت وأنا المسؤول عن العملية إعلاميا أن شعار العملية يجب أن يشير إلى إنسانية المملكة العربية السعودية التي شملت المسلم وغير المسلم والعربي وغير العربي فاستبدلت الشعار التقليدي لطبيب يحمل التوائم الثمانية الذين سبقوا التوءم البولندي داريا وأولغا بلوحة تحمل عبارة (السعودية مملكة الإنسانية) (Saudi Arabia Kingdom Of Humanity)، وطلبت من المصمم تكبير العبارة الإنجليزية في اللوحة؛ لأننا نخاطب العالم ورجوت الزملاء مصوري الحرس الوطني (وهم شباب عسكريون أفذاذ ولديهم شغف ووطنية عالية) رجوتهم أثناء تصوير المؤتمرات الصحفية وأي لقطات للعملية أن يركزوا على ذلك الشعار وفعلوا ووصلت الرسالة ولا تزال تصل عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وجميع إسهامات المملكة الإغاثية.

وبنفس الطريقة والحرص فإن مقطع الفيديو القصير الذي تحدث فيه كرستيانو رونالدو عن المملكة وأنتجته شركة نادي النصر السعودي يجب التعامل معه ومع كريستيانو بطريقة وطنية مخلصة خالية من التعصب وضيق النظر بل فقدان البصيرة قبل البصر الذي يتلفه الميول فيتم تفويت الفرصة الوطنية بسبب عقول متحجرة تستهدف قميصه كلاعب وتفوت علينا صيته كمؤثر، وهنا نحن لا نطالب بمعاملة خاصة له كلاعب ولا تدليل فريقه من أجله، ولكن لا تعامله معاملة خاصة ظالمة لأنه خصم لفريق تحبه فتستفز محبيه وتشوه الصورة التي نقلها مخلصا، وبالمناسبة فإن غيره من اللاعبين الذين استقطبناهم لم يتحدثوا بنفس الامتنان والولاء والحب للبلد وأهله كما تحدث هو، بل إن بعضهم تعمد السخرية والجحود والإساءة سواء منهم من ما زال موجودا ينعم بخير هذا الوطن أو من تنكر بعد أن رحل، وهنا فرق كبير لا يتجاهله إلا متعصب غافل أو مغفل.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 14 محرم 1447هـ 9 يوليو 2025م

الضمان أصبح خدعة ترويجية يجب وقفها

ضمان الأجهزة والأدوات وحتى مواد السباكة وعمليات الترميم والبناء أصبح خدعة ترويجية يتم بواسطتها إغراء المستهلك للشراء بسعر عالٍ، يراهن على أن العميل لن يستطيع الاستفادة من عبارة الضمان، ولن يمكنه حتى تذكر تاريخ بداية أو نهاية ضمان طويل لقطعة استهلاكية طويلة الأمد وعرضة للتلف الذي يسهل الالتفاف عليه إما بضياع الفاتورة أو تلفها لأنها حرارية الطباعة أو اختراع مبرر لتلف الجهاز أو الأداة أو العملية المنفذة، وهذا الإغراء للمستهلك يجب التشدد في توثيقه أو وقفه لأنه تجاوز الحدود المعقولة وتنوعت صوره التي سوف أتطرق في هذا المقال لأكثرها عجباً وغرابة وتحايلاً.

بدأت ملاحظتي لهذا السلوك التجاري الغريب عندما وجدت أن بعض محلات الأدوات الكهربية تغريك بأن بعض فوانيس الضوء مضمونة مدى الحياة، بمعنى أن بإمكانك استبدال التالف منها عندما تحترق ويقصدون الفانوس أو ما يسمى بالعامية ذات الأصل الإنجليزي (اللمبة)، وعندما تسأل عن مستند الضمان أو الاستبدال لتلك (اللمبة) المضمونة مدى الحياة، يقول لك أحضر التالف للمحل ونستبدله، ولكن المحل نفسه من الصغر بحيث لا يمكن (ضمان) استمراره لأكثر من ثلاث سنوات ثم ينتقل أو يغلق أو يباع ويتغير اسمه وصاحبه، وعموماً كانت تلك خدعة يمكن أن يتخادع لها من لا يهمه الأمر كثيراً.

وشبيه لهذه الخدعة ما تمارسه محلات أدوات السباكة حينما يقول لك البائع: هذا الخلاط صيني الصنع ضمانه سنتين، أما هذا النوع الثاني فهو ألماني صنع في الصين وضمانه خمس سنوات، وجميعها ضمان المحل وليس شركة معروفة لها وكيل معروف!، وهنا فإن الزبون سيعمد لشراء الثاني بضعف السعر متأثراً بذلك الإغراء، في حين أن الحقيقة هي أنك دفعت ضعف السعر لخلاط صيني الصنع مشابه تماماً للأول وتعرضت للإغراء بخدعة سمعية ليس لها ما يوثقها.

أما الأكثر غرابة فهو ما قاله عامل بلاط يعرض ثمناً لتكلفة عمله يفوق غيره بأكثر من الضعف، قائلاً: إن عمله مضمون من التغير أو الهبوط لعشرين سنة!، حسناً، وأين أجدك يا الحبيب بعد خمس سنوات إذا فسد العمل؟! وكيف أطالب بحقي؟! علماً أن تأشيرة إقامته لا تزيد على سنتين وليس له لا عنوان ثابت وحتى هاتفه المحمول لا يمكن ضمان عدم تغييره، لكنها (موضة) الإغراء بالضمان أصبح كل يطبقها فيما يخصه.

محلات العود ودهن العود والعسل أعجبها نجاح تلك الخدعة التي تعتمد على انشغال الزبون أو قصر نفسه، فأصبحت تعلن عن أن منتجاتها إذا لم تعجبك فيمكنك إرجاعها بعد تجربتها، وهنا لا بد من ذكر أن أحد الأسواق المركزية يقول اشترِ من قسم الخضروات الحبحب (الجح) وإذا لم يعجبك طعمه أو لونه يمكنك إرجاعه! وهنا ثمة تباين في حاسة الذوق أو تحديد درجة اللون قد تسبب خلافاً في طعمه ولونه لا تحمد عقباه.

وإن كانت تلك الصور سالفة الذكر تصدر من محلات أو متاجر صغيرة غير موثوقة ولا موثقة الشروط والأحكام، ويمكن أن يلام فيها العميل أو المستهلك الذي يصدقها، فإن المتاجر والأسواق الشهيرة ذات الأسماء التجارية الأكثر ثباتاً تمارس إغراءً من نوع آخر لا يخلو من التفاف وتحايل، فهي تغري المستهلك بالحصول على ما يسمونه (ضمان المحل) بدفع مبلغ إضافي كبير على الفاتورة مقابل ترقية الضمان إلى ضمان المحل الذي يتميز فقط بتولي المتجر استلام السلعة في المحل بدلاً من الوكيل، وهنا يستغل المتجر معاناة المستهلك مع الوكلاء الذين ليس لهم مكاتب معروفة أو مكاتبهم بعيدة أو في مدن أخرى أو يماطلون في قبول الجهاز أو في مدة الإصلاح والاستلام، أما خلاف ذلك فإنه لا تميز يذكر، أي لا يعني (ضمان المحل) استبدال الجهاز فوراً أو رد القيمة للجهاز المضمون.

كل تلك الصور يمكن وقفها بقرار صارم حازم يعاقب من يستخدم ذلك الإغراء والتحايل تماماً مثل ما يطبق من عقوبات على من يغري بالإعلان عن تخفيضات وهمية أو غير حقيقية.

نشر بجريدة الرياض يوم الجمعة والسبت 10/9 محرم 1447هـ 5/4 يوليو 2025م

(مجسات) يا قلب العناء وتأمين يرفضني أنا

لم أقتنع قط بانتظار المستشفيات الخاصة للحصول على موافقة شركة التأمين الطبي على عمل إجراء طبي لمريض، ففي ذلك تأخير لتدخلات طبية ضرورية قد يجعل حالة المريض تسوء، خصوصا أن الموافقة تأتي من طبيب شركة التأمين المناوب وهو بالتأكيد لا يرقى لمستوى الطبيب الاستشاري في المستشفى الذي ينتظر موافقته، لكن يبدو أن بعض شركات التأمين أعجبها السكوت عن أمر هذه الموافقات وتمادت واستمرأت الأمر فأصبحت ترفض أكثر مما توافق، والأخطر أنهم يرفضون صرف (مجسات) إلكترونية تقنية ضرورية لمرضى القلب والسكر وهي جزء من العلاج!!

ليس ذنب المريض ولا الطبيب ولا المستشفى الخاص أن الطبيب غير الخبير ولا الممارس (الموظف لدى شركة التأمين) يجهل أهمية الجهاز الإلكتروني عالي التقنية (المجس) أو الحساس الذي يلصق بصدر المريض أو ساعده أو أي جزء من جسمه ليقيس مؤشرات حيوية مهمة ويحولها إلى المستشفى عبر جوال المريض أو يسجلها في الجوال ليطلع عليها الطبيب خلال فترة زمنية محددة أو يقيس معدلاتها كل ثلاثة أشهر، وبناء عليه يحدد خطة علاج المريض وأدويته ويطلع على مدى تجاوبه مع العلاج من عدمه، أي أن تلك المجسات والحساسات جزء أساس من العملية العلاجية فبعضها يقيس نبضات القلب وضغط الدم أو مستوى السكر في الدم ومعدل السكر التراكمي وبعضها يذهب إلى أبعد من ذلك فيسجل تخطيطا للقلب (ECG) وينبه لحالات الخفقان، أي أن هذا الجهاز الصغير يستطيع إعطاء الطبيب فكرة كاملة عن العلامات الحيوية للمريض (vital signs)، وأكثر من ذلك والمريض في بيته ويمارس حياته الطبيعية، ثم يأتيك موظف شركة التأمين ليرفض صرف الجهاز لجهل تام بأهميته، والإنسان عدو ما يجهل.

وعندما نقول (بعض شركات التأمين وليس كلها) فإن ذلك أوضح دليل على أن رفض شركة التأمين لصرف تلك الحساسات أو المجسات أو أجهزة القياس الإلكترونية نابع عن جهل الطبيب الذي باشر طلب موافقة الشركة على صرف المجس، فقام برفضه لأنه يجهل أن الجهاز الحساس أو المجس هو من أهم عناصر العملية العلاجية والتشخيصية، بل ربما أن طبيب الشركة جاء من مدرسة لم يصلها بعد التطور الطبي الذي وصلنا إليه في السعودية العظمى، لذا فإنني أؤكد دوما على أن انتظار موافقة شركة التأمين على الإجراء الطبي خطوة غير منطقية، خصوصا أن عقد التأمين يحدد الأمور المستثناة من مسؤولية شركة التأمين الطبي مثل عمليات التجميل لغير تشوهات الحوادث أو عمليات الأسنان غير العلاجية كالتبييض وخلافه، أما ما هو عنصر علاجي أساس في العملية العلاجية بقرار طبيب المستشفى المؤتمن على حياة المريض فلا يحق لأحد تأخيره ناهيك عن رفضه، وللمعلومية فإن بعض تلك المجسات (Sensors) تحتاج إلى استبدالها كل أسبوعين ويعاني مرضى القلب والضغط والسكر من رفض بعض شركات التأمين الطبي شمولها في التأمين، مع أنها غير مستثناة في بوليصة التأمين ولا يجب قبول أي استثناء لها فهي جزء من العلاج وأحيانا كل العلاج.. والله أعلم وأحكم.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 29 ذو الحجة 1446هـ 25 يونيو 2025م

خداع في عملية الركبة ووزن (الآيسكريم)

لمهموم بأمر حماية المستهلك ينظر بشمولية لكل عمليات استغلال المستهلك أو المريض أو العميل أو المشترك ويهتم بمكافحتها جميعا والتوعية بصورها، ولا شك أنه يفرق في درجة الحرص بين ما هو ضرورة حياة مثل العمليات الجراحية (مفاصل الركبة مثال) وما هو ترفيهي مثل شراء مثلج زبادي (آيسكريم) بالوزن، وهنا سوف أتناولهما معا بالتحليل والتفنيد لأسباب وطرق الاستغلال.

من العمليات الطبية الجراحية التي تحولت من إجراء طبي تحكمه أخلاقيات المهنة إلى عمل تجاري بحت تحف به الدعاية والإغراءات والمبالغة بالأسعار، هي عمليات تغيير أو إصلاح مفاصل الركبة لمن يعانون آلاما مبرحة من احتكاك أو وهن في المفاصل خاصة من كبار السن (نساءً ورجالًا)، فهذه العملية انضمت للعمليات الجراحية والتجميلية الأكثر تنافسا تجاريا واستغلالا ماليا وتلاعبا في الأسعار وغشا وخداعا وتدليسا وادعاء كاذبا لتخصص فيها، فبعد أن أصبحت سوقها رائجة جدا أصبح كل طبيب يدعي التخصص فيها والخبرة بها والنجاح في إجرائها أي (كل يدعي وصلا بليلى.. وليلى لا تقرُّ لهم وصالاً)، شأنها في ذلك شأن عمليات التكميم وقص المعدة ونفخ الشفايف وحقن البوتكس والفيلر وشأن عمليات الرباط الصليبي للرياضيين، (عايشت طبيبا كان متميزا في علاج كسور الحوض يرفض الحضور لغرفة الطوارئ لإسعاف ثلاث نساء من ضحايا حادث سير مصابات بكسور في الحوض مع أنه مناوب بأجر كبير! ليجري عملية رباط صليبي في مستشفى خاص ففشل في عملية الرباط وفشلنا في إنقاذ المصابات!).

مثلما أن ادعاء طبيب إجادة عمليات خارج التخصص الدقيق لذلك الطبيب وغير معتمدة له من هيئة التخصصات الطبية أمر يستدعي تدخل هيئة التخصصات، فإن عمليات مفاصل الركبة يجب أن يتم الالتفات لها من حيث ضرورة الترخيص بإجرائها بناء على شهادات معتمدة وضرورة تقنين تكاليف العملية وأسعارها بناء على تفاصيل دقيقة لما تم عمله فعليا وليس من بينها شهرة الطبيب في مواقع التواصل الاجتماعي فهذه عرضة للتدليس، فليس من المعقول أن يشترط طبيب دفع 70 ألفا لإجراء العملية، بينما يطلب آخر خمسين ألفا وهي لا تكلف فعليا نصف المبلغ أو ربعه، والأدهى والأمر أن يقال: تكلفة العملية 80 ألفا إذا كانت على التأمين أو 40 ألفا إذا كان الدفع نقدا، وليس من المقبول أن تخضع تكاليف العملية لشهرة الطبيب في مواقع التواصل الاجتماعي فهذا معيار يخضع لتدليس عظيم وقد حذرت مرارا من خطورة إعلان الطبيب عن نفسه في أي وسيلة إعلامية لأن الهدف منها جذب المريض وإغراؤه، وهذا أمر مرفوض نظاما وعرفا وأخلاقيات مهنة، حتى أولئك الذين ينشرون معلومات ونصائح غير موثقة بأبحاث منشورة ومحكمة، هم يهدفون لشهرة بعدها يروجون لأنفسهم أو بضائعهم تماما كمن ينشر سيلا من النصائح لخفض السكر والدهون في الدم ثم يعلن عن دهن عود، فهل كان هدفه خفض دهون دم المريض أم خفض محتويات محفظته بالترويج لدهن العود؟!

وإن كان الخداع في عمليات جراحية لا تقارن أهميته بالخداع الذي تمارسه بعض محلات بيع (آيسكريم) الزبادي المثلج بالوزن التي انتشرت مؤخرا، إلا أن من الأهمية بمكان أن نقترح مراقبة أسعارها وطريقة بيعها وتسعيرها للجرام من المثلجات ليس فقط لأن التحايل يعتبر استغلالا للمستهلك في سلعة ترفيهية وغير أساسية، ولكن لأن غموض طريقتهم في حساب الفاتورة ينجم عنه مشاكل ومشادات نحن في غنى عنها ويجب أن يكون السعر للجرام الواحد واضحا ومعلنا وأن يشرح للزبون التكلفة المحتملة للكمية التي سيضعها في العلبة مسبقاً.

نشر بجريدة الرياض يوم  الأربعاء 22 ذو الحجة 1446هـ 18 يونيو 2025م

بروفيسور الغفلة.. وأستاذ بلا درجة

نحن نغفل أو نتغافل عن إساءة استخدام لقب بروفيسور، هذا اللقب العلمي البحت الذي يشير إلى درجة علمية بحتة هي درجة أستاذ ويحصل عليها بترقية الأستاذ المشارك في الجامعة إلى درجة أستاذ بناء على نشر أبحاث في مجلات علمية متخصصة يفترض أنها مرت على محكمين في تخصص دقيق، ولا علاقة لهذا اللقب العلمي بالمشاركات الإعلامية، وسابقا قلت إن من يضع لقب بروفيسور في الإعلام كمن يدخل السوق بالمعطف الأبيض والسماعة الطبية، وهذا ممنوع، وهو نتاج شعور بتعويض نقص.

تاريخ لقب بروفيسور يعود لكلمة لاتينية تشير لمدرس خاصة في الجامعة أي أستاذ جامعي وهو لقب أكاديمي رفيع يحصل عليه الشخص بناء على تميزه في الأبحاث والتدريس الجامعي أو هما معا، وغالبا يحكم الوصول لهذا اللقب الأكاديمي في الجامعات أنظمة ترقية تشترط إجراء عدد من الأبحاث ثم نشرها في مجلات علمية متخصصة في ذات التخصص الدقيق بعد مرورها على محكمين معتمدين، وتختلف دقة الشروط والرقابة عليها حسب مكانة الجامعة ومركزها العالمي.

وغني عن القول إن البحث العلمي الذي هدفه الترقية، كغيره من مجالات الحياة والإغراءات الدنيوية قد يكون عرضة لإساءة الاستخدام أو بلغة أكثر شفافية التحايل، فقد يعتمد رئيس قسم أو وكيل كلية أو عميد أو حتى أستاذ مشارك على مساعد باحث مقيم في إجراء بحوثه ومراجعة نتائجها وكتابة البحث باسمه، وهو ليس بالأمر النادر، والأدهى والأمر أن بعض الجامعات المؤسسة ارتجاليا ودون أساس أكاديمي قوي قد تسمي حامل البكالوريوس أستاذا مساعدا وهو لا يرقى بمؤهله إلى درجة محاضر، معتمدة على درجة طبية أو صيدلانية أو أحد التخصصات الصحية المساعدة لحامل البكالوريوس الذي لا يستحق أكثر من درجة معيد فكيف يتدرج ليصل إلى درجة أستاذ مشارك أو أستاذ وهو لم يحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة (PhD)؟! هذا أمر غريب فثمة فرق كبير بين السلم الصحي للممارسين الصحيين والسلم الأكاديمي الذي يبدأ بشهادة الماجستير ودرجة محاضر ولا يمنح درجة أستاذ مساعد إلا لحامل الدكتوراه، لكن ذلك يحدث في بعض جامعات العالم الأقل تقدما وإن كان نادرا.

وفي كل الأحوال فإن الوصول للقب بروفيسور في مجال دقيق لا يخول حامله لاستخدامه في مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام، كما أن الأستاذ (البروفيسور) في فرع دقيق لا يمكن أن يدعي الإلمام بكل علوم التخصص أو التميز فيه ولا القدرة البدنية للإبداع في إجراء جراحي مثلا، فمن الأخطاء التي وقعنا فيها كعرب الخلط بين اللقب الأكاديمي والمهارة الجراحية، كأن نقول: أجرى جراحة الرباط الصليبي لركبة اللاعب الفلاني البروفيسور فلان، أو أجرى جراحة القلب البروفيسور فلان، والحقيقة أن هذا الفلان أو ذاك ليس ماهرا أصلا في الجراحة أو أنه بلغ من العمر مرحلة لا يتحكم فيها برعشة يده ومن أجراها أحد مساعديه الشباب، فلا الأول من أبدع ولا الثاني بروفيسور، لكن الأمر برمته تدليس على اللاعب المصاب أو المريض من أجل المغالاة في التكلفة، وهذا ما أنا بصدد التنبيه له، فلا تخدعكم عبارة بروفيسور لا في معلومات ليست ضمن التخصص البحثي الدقيق ولا في التدخلات الطبية ولا حتى علم النفس فليس ثمة تميز إلا أكاديميا فقط، فإذا أجرى الباحث بحثا في مجاله الدقيق فهو عرضة لرأي المحكمين، وإذا تحدث في غير علمه الدقيق فليقل ما يشاء ولكن ليس تحت لقب بروفيسور لأنه بذلك يخدع المتلقي، وبالمناسبة الواثق من نفسه لا يستخدم هذا اللقب إعلاميا ومن يحرص على ذكره لا يستبعد أن يكون “بروفيسور الغفلة”.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 8 ذو الحجة 1446هـ 4 يونيو 2025م

المضادات الحيوية شأن وطني.. وهذه الأدلة

في مقال الأربعاء الماضي تحدثت عن حادثة الأستاذ الجامعي الذي كتبت له طبيبة مقيمة مضادا حيويا خطيرا من الجيل الرابع له أعراض جانبية خطيرة، ولم يكن في حالة تستدعي ذلك المضاد القوي الذي يفترض أن يكون محفوظا احتياطيا لحالات تستوجب إعطاءه، وقلت في (تغريدات) مصاحبة للمقال إننا نحن الصيادلة نقول في محاضراتنا للأطباء إن من يستخدم مضادا قويا للقضاء على بكتيريا ضعيفة كمن يقتل ذبابة بمدفع، وبالمناسبة ما زال المريض يعاني من تلك الأضرار الجانبية للمضاد.

اليوم نكمل الحديث عن أهمية المضادات الحيوية كعنصر وطني مهم يفترض أن يحاط توفيره ووصفه واستخدامه برقابة شديدة كونه السلاح المضاد للأوبئة وللأمراض التي يسببها غزو بكتيري قد يكتسب مناعة ومقاومة للمضادات الحيوية القوية إذا أسيء استخدامها، ويجب ألا نعتمد فقط على عدم صرفها دون وصفة (وهذا مهم) بل أن نقنن أمر وصفها ونتشدد فيه، ونحاسب عليه ويتم تحديد الطبيب المخول بوصف المضاد بشروط علمية من أهمها: إجراء مزرعة تثبت وجود الآفة المسببة للعرض أو الالتهاب، وأنها حساسة لذلك المضاد، وليس هذا فقط بل تثبت المزرعة أن تلك الآفة (بكتيريا أم فيروسا) وأنها لا تستجيب لمضادات أخرى من جيل أقدم وأقل قوة وأقل أعراضا جانبية وأكثر أمنا وأقل تكلفة على الوطن والمريض، وهنا سوف أسرد باختصار شديد مواقف تؤكد أهمية ما ذكرت.

في مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني وفي أواخر الثمانينات الميلادية لاحظنا وجود مقاومة بعض أنواع البكتيريا لمضادات حيوية مهمة تعطى بالحقن الوريدي أو حتى بالفم، وأجرينا الكثير من الدراسات التي أثبتت ذلك، فقمنا نحن الصيادلة السعوديين بلفت نظر الإدارة لذلك وأعددنا ما يعرف بصحيفة المضادات الحيوية (antibiotic sheet) وعرضناها على لجنة الصيدلة والعلاجات (pharmacy and therapeutics committee)، وبدعم من المشرف العام الدكتور محمد الشريدة -رحمه الله- والمدير الطبي الدكتور سليمان الذكير وبعض أعضاء اللجنة من الأطباء غير المعارضين لها، فرضنا استخدام تلك الصحيفة أو الاستمارة التي تجب تعبئتها كشرط لوصف أي مضاد حيوي، وموافقة الصيدلية بناء على معلومات مهمة عن المضاد والبكتيريا والمزرعة ودرجة حساسية البكتيريا لخيارات متعددة من المضادات، وفعلا خلال أشهر معدودة تحكمنا في البكتيريا المقاومة في المستشفى بشكل كبير جدا وأصبحت خياراتنا من المضادات أوسع بكثير وحققنا وفرا كبيرا من المال في زمن قصير.

الموقف الوطني الآخر الذي لا يمكن أن أنساه كان بطله معالي وزير الصحة الدكتور أسامة عبدالمجيد شبكشي -رحمه الله- وأسكنه فسيح جناته، فقد احتاجت الوزارة لتوفير كميات من مضاد حيوي من مجموعة السفالوسبورين المستخدم لعلاج الإصابة بالالتهاب السحائي البكتيري استعدادا لموسم الحج في أواخر التسعينات الميلادية، حيث كان الوضع الاقتصادي العالمي يعاني ركودا وعجزا عالميا متأثرا بما خلفته حرب تحرير الكويت، وكان ذلك المضاد تنتجه شركة وطنية لكن رئيسها لم يقدم عرضا للوزارة بحجة وجود مستحقات سابقة لم تصرف، فغضب الدكتور أسامة شبكشي ولجأ لتأمين المضاد من شركة ألمانية، وتمت أمور الحج بنجاح تام كعادة هذا الوطن المعطاء.. وبعد مدة دعا الوزير شبكشي -رحمه الله- صناع الدواء السعوديين لاجتماع مع معاليه لمناقشة احتياجاتهم، وكنت حاضرا كرئيس تنفيذي لمصنع إنتاج الأمصال بالحرس الوطني مع جميع رؤساء مصانع الدواء في المملكة وبينهم رئيس تلك الشركة الذي رفض تأمين المضاد، والذي قاطع أكثر من مرة مطالبا بالدعم كمصنع وطني، فما كان من معالي الوزير إلا أن ذكره بموقفه ووبّخه عليه بأدب جم وعبارات عتاب وطني اضطر لإعادتها لأن صاحبنا أعاد الكرة والمطالبة بحجة الوطنية فسمع كلاما ودروسا وطنية أجمع الحضور أنها تستدعي حمرة الخجل.

المضادات الحيوية هي أهم الأدوية وطنيا، على الإطلاق، كونها عرضة للمقاومة وقد تحتاج إليها الأوطان بكميات كبيرة جدا في وقت محدود هو وقت انتشار وباء مفاجئ، لذا فإن أمر وصفها وصرفها وتحديد مدة استخدامها ووفرتها والمحافظة على مخزون وطني فعال منها في كل الأوقات يجب ألا يترك لا للطبيب ولا الصيدلي ولا المصنع الوطني ولا وكيل الشركة المصنعة، بل تتولاه سياسة وطنية ونظم وإجراءات حازمة ومفصلة ودقيقة.

نشر في جريدة الرياض يوم الأربعاء 1 ذو الحجة 1446هـ 28 مايو 2025م

تقنين وصف الأطباء للمضادات مطلب صحي

حسنت وزارة الصحة صنعاً حينما شددت الرقابة على صرف المضادات الحيوية أكثر من أي وقت مضى، فأصبح صيادلة الصيدليات الأهلية لا يجرؤون على صرف أي دواء بدون وصفة طبية وهذا جيد، لكنني أكرر ما قلته منذ أربعين سنة في ندوة تلفزيونية مع سليمان العيسى و د. محمد المعجل -رحمهما الله- و د. إبراهيم المشعل عميد كلية الصيدلة -آنذاك- حين قلت إن الوصفة يجب أن تقوم على تشخيص دقيق مدعم بالتحاليل والمزرعة فهي ليست أمر صرف قطعة من مستودع.

نعم، الوصفة الطبية يجب أن تكون محصلة لسلسلة من الفحوصات السريرية والمخبرية والأشعة (إن لزم الأمر)، ويسبقها إصغاء بتركيز وإمعان لشكوى المريض وتاريخه المرضي وقراءة بتفحص دقيق لملفه الصحي، ينتج عن هذا كله قرار بتدوين وصفة العلاج، وخلاف ذلك فإنه لا فرق بين صرف الدواء من صيدلي أو طبيب، بل الصيدلي المتمكن أكثر إلماماً من الطبيب بالدواء؛ لأن الطبيب تركيزه في تعلمه على علم الأمراض، بينما يركز طالب الصيدلة وعلى مدى ست سنوات على علم الدواء وتفاعلاته وتعارضه مع غيره من الأدوية والأمراض، وعندما يجتمع تشخيص دقيق من طبيب مخلص وإحاطة بأسرار الدواء من صيدلاني متمكن تكون الوصفة قد أصابت مسبب المرض في مقتل وإلا فإنها قد تصيب المريض في مقتل!.

وعندما يتعلق الأمر بالمضادات الحيوية فإنه إضافة لما سبق من تحاليل لا بد من إجراء مزرعة للبكتيريا المسببة واختيار المضاد الحيوي الفعال الأقل أضراراً جانبية والأقل سعراً، والأخذ في الاعتبار دراسات مقاومة البكتيريا وتحصنها ضد المضادات في المجتمع أو المستشفى، والأخذ في الاعتبار أنه ليس أي طبيب مخول بكتابة أي مضاد حيوي فيجب الاحتكام هنا لسياسات وإجراءات وصف أصناف الأدوية وتحديد وتقنين صلاحيات الأطباء في وصف أصناف من الأدوية (حسب التخصص الدقيق لطبيب) إما لتخصص تلك الأدوية وقوتها وضرورة جعلها مخزون احتياطي للحالات القصوى (RESERVE DRUG) أو لخطورتها والحماية من سوء استخدامها أو لمنع حدوث مقاومة البكتيريا لفاعليتها مثل المضادات الحيوية التي قد تكتسب البكتيريا مقاومة لها فلا تجدها حين تحتاجها سواء لحالات محدودة أو عند انتشار الأوبئة.

إن تحديد صلاحيات وامتيازات الأطباء في وصف الأدوية أو إجراء التدخلات الجراحية والطبية المختلفة (physician privileges) أمر معمول به عالمياً في الدول المتقدمة (ونحن الأكثر تقدماً اليوم) فلا يمكن لطبيب أن يجري جراحة في غير تخصصه الدقيق ولا يمكن لكل طبيب أن يجري عملية منظار ما لم يكن هذا تخصصه الدقيق، وكذلك لا يمكن لكل طبيب أن يصف كل دواء أو مضاد قوي أو أدوية نفسية أو مخدرة، فهناك ما يسمى نمط الوصف الدوائي (prescribing pattern) يجب التقيد به، وفيما يخص المضادات الحيوية (محور حديثنا هنا) فإن المصلحة الوطنية صحيًا واقتصاديًا تقتضي أن يتم تقييد وتقنين صلاحيات وصفها وليس مجرد تقييد صرفها، فمن خطورة فتح صلاحيات وصفها حدوث مقاومة البكتيريا لمضادات حيوية قوية من جيل حديث وغالية الثمن نتيجة الإسراف والتفريط في وصفها واستخدامها، وغني عن القول إن شركات تصنيعها ووكلاءها يحثون على صرفها ولو لالتهابات بسيطة لا تستدعي مضاد أصلاً كونها إما فيروسية لا تحتاج لمضاد أو بكتيرية يكفيها مضاد عادي ومأمون ورخيص الثمن، ومن المصلحة الوطنية صحيًا واقتصاديًا أن نطبق كل عناصر الاستخدام الأمثل للدواء (RATIONAL USE OF THERAPY) خصوصًا في هذا الوقت الذي يتعرض فيه الوصف عمومًا ووصف الدواء خصوصًا للإسراف واستغلال نعمة التأمين الصحي.

أمامي شكوى (قمت بالتثبت منها وعايشتها) لأستاذ جامعي شكى من حساسية في الجيوب الأنفية نتيجة للغبار وما تفرزه الأشجار فذهب لمستوصف خاص وأدخل على طبيبة عربية يقال إنها أخصائية أنف وأذن وحنجرة، وعلى الفور وصفت له مضاداً حيوياً خطيراً من الجيل الرابع له قائمة طويلة من الأضرار الجانبية مذكورة حتى في النشرة المرفقة واسمه العلمي (LEVOFLOXACIN) وهو من مجموعة الفلوروكوينولون ومن المضادات التي يفترض أن لا تعطى إلا لحالات التهابات حادة خطيرة يخشى منها على الحياة لا ينفع معها مضاد أقل قوة غير هذا، مع ضرورة إشعار المريض بخطورته وتنبيه بالأعراض الجانبية المستوجبة للتوقف الفوري، لكن ذلك لم يتم وما حدث بعد أربعة أيام من تناول المضاد هو نفس الأضرار الجانبية المذكورة في النشرة (تنميل في جميع الأطراف وألم شديد مع تورم في أسفل الظهر ووهن وعدم قدرة على الوقوف أو المشي ومازال يعاني، وبالرجوع للطبيبة نفت أن تكون هذه الأعراض من المضاد وبعد اطلاعها على النشرة المرفقة بالدواء طلبت إيقافه فورًا وبدى واضحًا من ارتباكها أنها لم تقرأ النشرة!.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 23 ذو القعدة 1446هـ 21 مايو 2025م