رجل يغني، وجارية ترقص، وصفوف من المصفقين يهتزون طرباً، وكأس تُدار، وسيد قوم يرأس الجلسة تعلو رأسه ريشة تحركها اهتزازات الإعجاب بانحناءات جسد الجارية ونبرات صوت المغني.
هذه هي الصورة التي دونتها الكتب عن العرب في العصر الجاهلي، وبعض العصور التي شهدت تراخياً أو فساداً ومجون.
وهذه هي الصورة التي يحاول الإعلام الغربي المعادي ترسيخها لدى شعوب الغرب عن العرب، باستغلال أية سقطة أو حادثة لثري عربي وتعميمها على العرب لترسيخ مفهوم علاقة العرب بالجنس والمجون.
القنوات الفضائية العربية التي يفترض فيها أن تسعى جاهدة لاستغلال نعمة النفوذ الفضائي المباشر إلى عمق أي بقعة في هذا العالم لتصحيح هذه المفاهيم وإبراز الجوانب الإيجابية المتعددة في شخصية الإنسان العربي، هذه القنوات وبكل أسف أصبحت العامل الرئيسي لترسيخ المفهوم الخاطئ عن ارتباط العرب بالرقص والجنس والشهوات، الذي ظلم به كل العرب بسبب قلة منهم.
غالبية القنوات الفضائية العربية لا تحتاج إلى وضع شارة أو علامة لتعرف أنها عربية، فحتى دون رفع مؤشر الصوت فإن الصور المعروضة بما فيها من غناء ورقص واستعراض أجساد يدل على أنها عربية فتلك هي البرامج السائدة في أحلك الظروف وأحلاها.
ثمة سر غريب في حرص القنوات العربية على الاحتفاظ بهذه السمة المخجلة حتى لو تعارضت مع التوجه العام للشعوب العربية، فالعرب اشتهر عنهم البحث عن الأخبار من المصادر غير الخاضعة للرقابة، فكانت إذاعة “لندن” محطتهم الإذاعية المفضلةد رغم أنها لا تعير الغناء اهتماما يذكر مقارنة بالبرامج الإخبارية والثقافية.
كما أن زمن الفضائيات سبقه ولله الحمد صحوة ملحوظة للشباب المسلم وانتشار الصلاح والابتعاد أكثر وأكثر عن الغناء والرقص والاتجاه إلى البحث عن الخبر الصادق والحوار الجاد الهادف والبرامج الثقافية ومع ذلك تحرص القنوات الفضائية العربية على إعادة صور عرب ما قبل الإسلام، عرب الجاهلية الأولى في محاولة لترسيخ مفهوم أن العرب شعوب غير جادة غير عاملة، شعوب تبحث عن المتعة واللهو.
وللأسف فإن ممولي بعض هذه القنوات والقائمين عليها يتظاهرون بخدمة الإسلام والمسلمين مما يؤكد أنهم يخطبون ود الأغلبية كلاماً ويخالفونهم في الأفعال.
لماذا تصر معظم القنوات الفضائية العربية باستثناء قناة الشارقة وقنوات المملكة الفضائية وقلة أخرى على التركيز على جوانب الغناء والرقص واللهو بشكل يوهم أنه السمة العامة لكل ماهو عربي؟!
إن محاولة ترسيخ استمرار صورة الجاهلية الأولى وجعلها تنطبق على عرب الحاضر والمستقبل يخدم بشكل مباشر أعداء الإسلام وأعداء الأمة ممن يسعدهم إيهام العالم أن الدول العربية والإسلامية لا تزال تعيش تطبيقات عملية بعيدة كل البعد عن الدين الذي تدعو إليه أو تدّعي الانتماء له.
الإصرار على ربط العرب باللهو والغناء لا أعتقد أنه محض صدفة بدليل أن المطاعم والمقاهي العربية المنتشرة في عواصم العالم الكبرى تركز بشدة على أن يغلب طابع الرقص والغناء على كل شيء في المطعم رغم فشل هذا النوع من الإغراء في اجتذاب العرب مؤخرا مما أدى إلى عدم الإقبال على هذا النوع من المطاعم مقارنة بالمطاعم الأخرى التي لا تنتهج هذا النهج وتحظى بالإقبال الكبير من العرب.
إن ترسيخ هذه الصورة هدف يسعى له الأعداء بتخطيط ويستجيب معهم الأغبياء بتخبط!