الشهر: يناير 2002

فضائيات العصر الجاهلي العربية

رجل يغني، وجارية ترقص، وصفوف من المصفقين يهتزون طرباً، وكأس تُدار، وسيد قوم يرأس الجلسة تعلو رأسه ريشة تحركها اهتزازات الإعجاب بانحناءات جسد الجارية ونبرات صوت المغني.

هذه هي الصورة التي دونتها الكتب عن العرب في العصر الجاهلي، وبعض العصور التي شهدت تراخياً أو فساداً ومجون.

وهذه هي الصورة التي يحاول الإعلام الغربي المعادي ترسيخها لدى شعوب الغرب عن العرب، باستغلال أية سقطة أو حادثة لثري عربي وتعميمها على العرب لترسيخ مفهوم علاقة العرب بالجنس والمجون.

القنوات الفضائية العربية التي يفترض فيها أن تسعى جاهدة لاستغلال نعمة النفوذ الفضائي المباشر إلى عمق أي بقعة في هذا العالم لتصحيح هذه المفاهيم وإبراز الجوانب الإيجابية المتعددة في شخصية الإنسان العربي، هذه القنوات وبكل أسف أصبحت العامل الرئيسي لترسيخ المفهوم الخاطئ عن ارتباط العرب بالرقص والجنس والشهوات، الذي ظلم به كل العرب بسبب قلة منهم.

غالبية القنوات الفضائية العربية لا تحتاج إلى وضع شارة أو علامة لتعرف أنها عربية، فحتى دون رفع مؤشر الصوت فإن الصور المعروضة بما فيها من غناء ورقص واستعراض أجساد يدل على أنها عربية فتلك هي البرامج السائدة في أحلك الظروف وأحلاها.

ثمة سر غريب في حرص القنوات العربية على الاحتفاظ بهذه السمة المخجلة حتى لو تعارضت مع التوجه العام للشعوب العربية، فالعرب اشتهر عنهم البحث عن الأخبار من المصادر غير الخاضعة للرقابة، فكانت إذاعة “لندن” محطتهم الإذاعية المفضلةد رغم أنها لا تعير الغناء اهتماما يذكر مقارنة بالبرامج الإخبارية والثقافية.

كما أن زمن الفضائيات سبقه ولله الحمد صحوة ملحوظة للشباب المسلم وانتشار الصلاح والابتعاد أكثر وأكثر عن الغناء والرقص والاتجاه إلى البحث عن الخبر الصادق والحوار الجاد الهادف والبرامج الثقافية ومع ذلك تحرص القنوات الفضائية العربية على إعادة صور عرب ما قبل الإسلام، عرب الجاهلية الأولى في محاولة لترسيخ مفهوم أن العرب شعوب غير جادة غير عاملة، شعوب تبحث عن المتعة واللهو.

وللأسف فإن ممولي بعض هذه القنوات والقائمين عليها يتظاهرون بخدمة الإسلام والمسلمين مما يؤكد أنهم يخطبون ود الأغلبية كلاماً ويخالفونهم في الأفعال.

لماذا تصر معظم القنوات الفضائية العربية باستثناء قناة الشارقة وقنوات المملكة الفضائية وقلة أخرى على التركيز على جوانب الغناء والرقص واللهو بشكل يوهم أنه السمة العامة لكل ماهو عربي؟!

إن محاولة ترسيخ استمرار صورة الجاهلية الأولى وجعلها تنطبق على عرب الحاضر والمستقبل يخدم بشكل مباشر أعداء الإسلام وأعداء الأمة ممن يسعدهم إيهام العالم أن الدول العربية والإسلامية لا تزال تعيش تطبيقات عملية بعيدة كل البعد عن الدين الذي تدعو إليه أو تدّعي الانتماء له.

الإصرار على ربط العرب باللهو والغناء لا أعتقد أنه محض صدفة بدليل أن المطاعم والمقاهي العربية المنتشرة في عواصم العالم الكبرى تركز بشدة على أن يغلب طابع الرقص والغناء على كل شيء في المطعم رغم فشل هذا النوع من الإغراء في اجتذاب العرب مؤخرا مما أدى إلى عدم الإقبال على هذا النوع من المطاعم مقارنة بالمطاعم الأخرى التي لا تنتهج هذا النهج وتحظى بالإقبال الكبير من العرب.

إن ترسيخ هذه الصورة هدف يسعى له الأعداء بتخطيط ويستجيب معهم الأغبياء بتخبط!

المستشفيات وبرواز التصريح الوزاري

كنت محقاً عندما وضعت رأسي بين كفَّي يوم 1422/6/15هـ وأنا أقرأ خبراً نسب إلى وزارة الصحة يحمل صورة الوزير توضح من خلاله الوزارة أنها لن تتحمل نفقات علاج أي مريض في المستشفيات الخاصة ما عدا الحالات الاسعافية الفعلية التي تكون فيها التجهيزات الطبية المتوفرة في المستشفى الحكومي ويحتاجها المريض لإنقاذ حياته في تلك “اللحظة” مشغولة وقت وصول المريض وأن يكون ذلك ضمن الحاجة “القصوى” للاسعاف وفي “أضيق الحدود” الممكنة على ألا تتحمل الوزارة تكاليف علاجه في المستشفى الخاص بعد انتهاء الاجراءات الاسعافية اللازمة لإنقاذ حياته أكثر من (24) ساعة يتحتم خلالها إيجاد البدائل لنقل المريض إلى مستشفى حكومي أو يتحمل ذووه نفقات العلاج في المستشفى الخاص وعلى أن يؤخذ إقرار خطي بذلك حتى لا يطالب أي مستشفى خاص الوزارة بأموال نتيجة “تقاعس” البعض عن متابعة نقل المريض من المستشفى الخاص إلى أحد المستشفيات الحكومية.

لقد توقعت أن يستغل “تجار” المستشفيات الخاصة هذا التصريح أسوأ استغلال فهو أهل لأن يساء استغلاله، وقد صدق توقعي فوجدته مبروزاً ومعلقاً في أكثر من غرفة طوارئ في مستشفيات خاصة كبرى!! وقد استخدم لإرغام أقارب مصابين في حوادث على الدفع أو كتابة الاقرار أو عدم مباشرة الحالة كما هو متوقع لأن عبارات “تلك اللحظة” و”القصوى” و”أضيق الحدود” التي وردت في التصريح هي عبارات عائمة غير واضحة والتصريح برمته يعتبر تضييقاً على المواطن وتفريجاً للمستشفى الخاص الذي أصبح يحظى في السنوات القريبة الماضية لتدليل غريب يصعب تفسيره!!

كيف يمكن لمواطن يحمل مصاباً يحتاج إلى اسعاف أن يعلم أن تجهيزات المستشفى الحكومي المنقذة للحياة في تلك “اللحظة” مشغولة أم لا؟! “حتى خيال الأفلام الأمريكية لم يصل إلى مرحلة أن تعرف من كمبيوتر في سيارتك عدد الأسرة الشاغرة في العناية المركزة للمستشفيات الحكومية!!”.

ما هو تعريف الحاجة “القصوى” للاسعاف وما هو نطاق “الحدود الضيقة”؟! وهل تسمح حالة المريض وذويه في تلك “اللحظة” بمناقشة موظف استقبال في الاسعاف يسند ظهره بذلك التصريح الوزاري المبروز؟!.

منذ متى أصبحنا قادرين على التحكم في مرحلة الخطر لنحددها بـ 24ساعة (بعض المصابين يبقى في وضع حرج لا يقبل مجرد النقل لأكثر من شهر)!! فهل من أجل سواد عيون التاجر تغيرت مفاهيم الصحة؟!

كيف لمواطن من منسوبي قطاع حكومي لا يوفر خدمة صحية كوزارة الزراعة أو المعارف أو رئاسة تعليم البنات أو البلديات أو العدل أن يوفر البدائل لنقل المريض إلى مستشفى حكومي كما جاء في التصريح؟! وماذا إذا كان غير قادر على الدفع؟! وأين “التقاعس” في حالة إنعدام القدرة؟!

إن هذا التصريح المعلق في غرف الطوارئ لا يخدم المصاب ولا أقاربه ويساء استخدامه بطريقة جد غير إنسانية ويجب أن يصحح مفهومه كما أن جدران غرف الطوارئ ليست لتعليق التصاريح الصحفية فالعلاقة الإنسانية بين المريض والمستشفى أكبر من أن تحتكم لتصريح صحفي ارتجل ارتجالاً!!، وإذا كان لابد من الاحتكام إلى ورق فليكن الاحتكام لقواعد وأحكام واضحة تأخذ في الحسبان جميع الاحتياطات لسوء التفسير وتضع في الاعتبار مصلحة المصاب الإنسان أما رجل الأعمال فقد أخذ من جَمَّاتها نصيباً كبيراً من الاعفاءات والإعانات والدعم الحكومي

عمل الأطباء.. القواعد والفرج

عدم التجاوب مع ما يطرح في الصحف من نقد وملاحظات، له عيوب متعددة، لكن أخطر هذه العيوب في نظري هو اطمئنان الفئة المنتقدة وبالتالي تماديها وانتشار الظاهرة لأن ما أثير حولها لم يحرك ساكناً في الجهات المعنية ولأن أحدا من المسؤولين لم يتحرك لوقف المخالفة.

موضوع العمل الجزئي للأطباء الحكوميين في مستشفيات القطاع الخاص والذي من المفترض أنه عمل مسائي، خارج وقت الدوام الرسمي للمستشفى الحكومي وخارج وقت المناوبات والمسؤوليات التي يلتزم بها الطبيب للمستشفى الأصل “مرجع عمله الأساسي”.

هذا الموضوع شهد تجاوزات خطيرة تمثلت للأسف في خروج عدد من الأطباء اثناء وقت الدوام الرسمي لتلبية طلب المستشفى الخاص واصبح المرضى في المستشفى الحكومي لا يرون الأطباء المشرفين على حالاتهم الا نادرا وترك امرهم للأطباء المقيمين، وهؤلاء بدورهم يحتاجون للطبيب الاستشاري “قائد الفريق” فلا يجدونه لأنه مشغول في مهمته الجديدة التي من المفترض والمتفق عليها أن تكون بعد وقت الدوام الرسمي.

حتى مرضى المستشفى الخاص لهم معاناتهم لأن الطبيب الذي يجري له الجراحة أو الكشف صباحا طبيب مخالف غير مطمئن وغير متفرغ قد يتركه في اي لحظة ولو اهتز “بيجره” فقد تهتز اعصابه ويخطئ.

التجاوزات التي شهدها العمل الجزئي لأطباء المستشفيات الحكومية في القطاع الخاص كتبت عنها كثيرا وكتب عنها غيري اكثر واثيرت في شكاوى المواطنين وتعقيباتهم وتناولتها “ندوة الثلاثاء” في هذه الجريدة بمشاركة أطباء مخلصين وعلى قدر كبير من المسؤولية، انتقدوا ما يحدث واعتبروه خروجا على أخلاقيات المهنة.

وقبل أن يحدث التحرك الرسمي والحل الجذري فإن الصمت وعدم التفاعل شجع عددا أكبر من الأطباء على ممارسة نفس التجاوزات على اعتبار أن السكوت علامة الرضى وأصبح تواجد الطبيب خاصة الاستشاري في مقر عمله الأساسي نادرا وغيابه هو الغالب والقاعدة بينما تواجده استثناء يشكر عليه(!!)

عندما كتبت عن هذا الموضوع اول وثاني وثالث مرة ركزت على منبع الظاهرة وهي المستشفيات الجامعية وتركيزي على المستشفيات الجامعية سببه أن عمل اطباء المستشفيات الجامعية في القطاع الخاص “مساء”، جاء تحت غطاء قانوني يسمح لأعضاء هيئة التدريس بالعمل في القطاع الخاص بعد وقت الدوام بشروط واضحة وبناء على اعتبارات محددة، لكن هذا الغطاء استغل لممارسة التجاوزات الخطيرة التي أشرنا اليها والتي كانت تجري تحت هذا الغطاء.

وقد عتب البعض شفهيا بسبب انني لم أتطرق لمن يمارسون نفس المخالفة في المستشفيات غير الجامعية وهو عتب في غير محله فأنا كنت اتحدث عن ممارسات تتم تحت غطاء السماح أما في المستشفيات الأخرى فانه ليس ثمة ما يسمح للطبيب بهذه الممارسة، وتأخر الطبيب صباحا أو خروجه اثناء الدوام لا يختلف عن تأخر أو خروج اي موظف اداري او فني آخر ويجب أن تتعامل معه الادارة المختصةعلى هذا الأساس وهذا ما يحدث فعلا فمديرو عدد من المستشفيات كثفوا مراقبة الأطباء بالنداء الآلي والاتصال الهاتفي وأقسام المتابعة، بل إن بعضهم اوجد حلولا جذرية كبدائل للعمل المسائي في القطاع الخاص.

أما نحن فكان يهمنا الباب الذي جاءت منه الريح ولم يسد لنستريح وهو باب الغطاء القانوني في الجامعات، ولهذا كان التركيز على مستشفياتها.

الأهم من هذا وذاك أن الظاهرة استشرت بشكل كبير واصبح المرضى يعانون منها وكذلك الأطباء المقيمون واطباء الامتياز والطلاب ولم يستفد منها الا مستشفيات القطاع الخاص والطبيب الذي يرى أن مصلحته تفوق اي اعتبار وأخلاقيات مهنية، مما اضطر مجلس الوزراء لتشكيل لجنة لاعداد قواعد تنظم عمل الأطباء بعد وقت الدوام الرسمي واثناء العطل وبعد دراسة مستفيضة اعدت القواعد واقرها المجلس ولعل من اهم سماتها هو ان الاطباء يعملون في نفس المؤسسات الطبية التي يتبعون لها وتحت اشرافها الامر الذي تحقق معه عدة مكاسب تحسب للجنة التي اعدتها وهي بقاء الطبيب مرتبطا في عمله الاضافي بنفس المؤسسة وعدم حاجته لمخاطبة ود جهات تجارية الى جانب استفادته ماديا واستفادة المؤسسة التي يتبع لها واستقرار المريض وحصوله على طبيبه عند الحاجة في نفس المؤسسة.

بقي أن يكون التطبيق دقيقا ومنصفا ومبنيا على عامل الكفاءة والشهرة وحاجة المريض ونجزم أن أحدا من المرضى لن يتضرر اثناء الدوام الرسمي لأن الجهة المشرفة والمنفذة هي ذات المؤسسة التي تهدف الى رعاية صحية مخلصة بالدرجة الأولى،ولكن حذار من حدوث التجاوزات لهذا الغطاء النظامي الجديد فالطب مهنة انسانية ذات اخلاقيات ومواثيق لا تحتمل الخدش.

إعلام العبد المأمور

مشكلة بعض التحقيقات الصحفية العربية خاصة المرئية منها أنها عندما تفتح ملفاً أو تناقش قضية فإنها تفتقر للشمولية أحياناً وللعمق أحياناً أخرى وقد تكون منحازة بقصد أو بغير قصد الى رغبة أو وجهة نظر من يجري التحقيق مما يجعلها تنحصر في زاوية ضيقة جداً تمثل اهتمام من يسير التحقيق رغم كثرة الضيوف عدداً وليس توجهاً.

كوثر البشراوي محاورة رائعة، جريئة، واسعة الاطلاع متعددة الاهتمامات لا أخفي إعجابي بطريقتها في الحوار وأسئلتها المباشرة المهذبة، لكنها عندما أجرت تحقيقاً صحفياً مرئياً حول الإعلام العربي بثته قناة الجزيرة قصرت فئة الضيوف على الإعلاميين العاملين في القنوات الفضائية التجارية “إن صح التعبير” رغم تعدد الضيوف في تلك الحلقة حيث فاق الرقم السبعة.

جميع الضيوف رثوا لحال الصحفي الذي يعمل في الإعلام الرسمي وأسماه عدد منهم بالعبد المأمور الذي لا حول له ولا قوة، وأسماه آخرون بكاتب المعاريض الذي يكتب ما يملى عليه، أو يقول ما يقال له.

الجميع، بما فيهم كوثر، فات عليهم عبارة أشمل بكثير من “الإعلام الرسمي” وهي “الإعلام الموجه” بصرف النظر عن انتماء هذا الإعلام وتمويله هل هو من جهة رسمية أو شركة أو فرد.

لا يمكن لصحفي أن يبث له عمل يخرج عن توجهات وأهداف القناة الفضائية التي يعمل بها بصرف النظر عن كونها رسمية أو غير رسمية والأمر نفسه ينطبق على الصحف والمجلات، فلماذا يقتصر الاستعباد على الصحفي العامل في المجال الرسمي كما جاء في التحقيق.

لكل قناة إعلامية توجهاتها وسياساتها التي يحددها ممولوها، وتختلف المحدودية والمرونة حسب كل قناة إلا أن الحقيقة التي لا جدل حولها أن العامل فيها لا يمتلك حرية مطلقة في نشر ما يريد حتى لو كان ما يريد نشره لا يتعارض مع الدين والقيم وأخلاقيات العمل الصحفي لكنه يتعارض مع مصالح أو توجهات الممول فأين الصحفي الحر غير المأمور هنا؟!.

في المفهوم العام لا يوجد فرق في صفة حرية الصحفي بين الإعلام الرسمي وغير الرسمي ويكمن الفرق النسبي في هامش الحرية المتاح بشرط الالتزام بالتوجه المحدد!!

لعل تنقل العاملين في القنوات الفضائية من قناة إلى أخرى أحد الأدلة على ما ذكرت فليست جميع الأسباب مادية. وقد تكون لخلاف حول بث موضوع من عدمه وما تقبله قناة قد لا تقبله الأخرى والعكس صحيح وهنا أعان الله الصحفي فقد يكثر الحل والترحال.

لو أن كوثر وسعت أطراف الحوار من حيث نوعية الضيوف وليس الكم واستضافت مسؤولين في إعلام رسمي وعدد من النقاد المحايدين فربما خرجت بنتائج أكثر صحة ودقة وإيجابية. كما يؤخذ عليها أن أكثر من 80% من الضيوف كانوا من مقدمي البرامج بقناة الجزيرة مما يؤكد أن هذا الموضوع الهام سلق سلقاً وارتجل باستعجال مما جعل نتائجه متحيزة ولا يعتد بكثير منها.

جمعية المكافحة تدعو للتدخين

لا أدري ما هو المردود الإيجابي من وجهة نظر مكافحة التدخين عندما يصرح مسؤول مكافحة للصحف بأن نسبة كبيرة من الأطباء يدخنون.

المردود السلبي لمثل هذا التصريح معروف ولا أخاله يغيب عن ذهن حاضر، حتى ولو كان الحضور الذهني أقل من المتوسط، فمجرد إشعار المدخن أو العابث المبتدئ في مداعبة السيجارة أن من الأطباء نسبة كبيرة تدخن يعني إعطاءه مبرراً نفسياً قوياً للاستمرار في التدخين أو الشروع فيه، فأول ما سيتبادر لذهن مدخن يتوق إلى عذر للاستمرار هو أنه مادام الطبيب الذي من المفترض أن يرى نتائج التدخين عملياً في مرضاه في شكل وفيات أو رئة مهترئة أو ورم خبيث لم يمتنع فمن باب أولى أن لا أمتنع أنا الذي أسمع عن هذه الأخطار ولم أرها، فإما أنها لا تحدث فعلاً أو أن الإدمان من القوة بحيث لا يمكن لطبيب بأن يمتنع فكيف بي أنا؟! “هنا زرع للانهزامية بدل شحذ الهمم”.

وحسب درجة الوعي الاجتماعي فإن خطورة مثل هذا التصريح تزداد أكثر فأكثر ففي شريحة اجتماعية أخرى ممن تحدق في مآكل الطبيب ومشربه فتقلده فإن الفرد من هذه الشريحة ما أن يفرغ من قراءة الخبر سيتجه لشراء علبة السجائر مردداً “لو ما فيه نفع ما دخّن الدكتور”!!.

حتى في الدول المتقدمة التي تتفوق فيها نسبة الشريحة الواعية لا يمكن التصريح بهذه النسب للعامة خشية التغرير بالمزيد من المراهقين وإن كان رقم الأطباء المدخنين قد يستخدم لدحر ادعاء شركات التبغ التي تدعي بأن التدخين عادة وليس إدماناً، على اعتبار إدمانه من القوة بحيث لا يستطيع طبيب يرى ضحاياه أن يتركه، ولكن هذه النسب والأرقام لا تنشر على مستوى الإعلام المقروء للعامة.

من وجهة نظر صحية فإن الطبيب هو رب البيت، فإذا قلت أنه يدخن فماذا تتوقع أن تكون شيمة أهل هذا البيت غير الرقص مع السيجارة؟!.

أقول قولي هذا بعد أن نفذ صبري وأنا أطالع بين الفينة والأخرى تصريح للدكتور عبدالله البداح رئيس جمعية مكافحة التدخين، مرة يقول فيه إن نسبة من الأطباء يدخنون “لا أود هنا ذكر النسبة أولاً لعدم دقة الدراسة وثانياً لتلافي الوقوع في نفس المنزلق” وفي تصريح آخر ذكر أن نسبة من الطبيبات مدخنات وفي ثالث قال إن نسبة من المثقفين والمثقفات يدخنون وكأني بالدكتور البداح بهذه التصاريح ينتقي من قوائم القدوة كل يوم فئة ويصرح أن منهم مدخنون!!

وأتمنى أن أجد هدفاً إيجابياً واحداً لهذا الأسلوب يعادل دوره في الدعوة القوية للشروع في التدخين أو الاستمرار فيه آخذين في الاعتبار أنه ينشر في مجتمع شرق أوسطي.

لا أشك في حماس وإخلاص الدكتور عبدالله البداح لكن الحماس والإخلاص عاملان لا يكفيان وحدهما لحمل سيف الإعلام ذي الحدين خاصة في الرسائل الإعلامية التي توجه لفئة تعاني من مشاكل مرضية أو نفسية أو إدمان لذا فإن على رئيس جمعية مكافحة التدخين أن يستشير أهل الخبرة ويتريث قبل أن يستجيب لنداء الحماس.