اليوم: 23 يناير، 2002

إعلام العبد المأمور

مشكلة بعض التحقيقات الصحفية العربية خاصة المرئية منها أنها عندما تفتح ملفاً أو تناقش قضية فإنها تفتقر للشمولية أحياناً وللعمق أحياناً أخرى وقد تكون منحازة بقصد أو بغير قصد الى رغبة أو وجهة نظر من يجري التحقيق مما يجعلها تنحصر في زاوية ضيقة جداً تمثل اهتمام من يسير التحقيق رغم كثرة الضيوف عدداً وليس توجهاً.

كوثر البشراوي محاورة رائعة، جريئة، واسعة الاطلاع متعددة الاهتمامات لا أخفي إعجابي بطريقتها في الحوار وأسئلتها المباشرة المهذبة، لكنها عندما أجرت تحقيقاً صحفياً مرئياً حول الإعلام العربي بثته قناة الجزيرة قصرت فئة الضيوف على الإعلاميين العاملين في القنوات الفضائية التجارية “إن صح التعبير” رغم تعدد الضيوف في تلك الحلقة حيث فاق الرقم السبعة.

جميع الضيوف رثوا لحال الصحفي الذي يعمل في الإعلام الرسمي وأسماه عدد منهم بالعبد المأمور الذي لا حول له ولا قوة، وأسماه آخرون بكاتب المعاريض الذي يكتب ما يملى عليه، أو يقول ما يقال له.

الجميع، بما فيهم كوثر، فات عليهم عبارة أشمل بكثير من “الإعلام الرسمي” وهي “الإعلام الموجه” بصرف النظر عن انتماء هذا الإعلام وتمويله هل هو من جهة رسمية أو شركة أو فرد.

لا يمكن لصحفي أن يبث له عمل يخرج عن توجهات وأهداف القناة الفضائية التي يعمل بها بصرف النظر عن كونها رسمية أو غير رسمية والأمر نفسه ينطبق على الصحف والمجلات، فلماذا يقتصر الاستعباد على الصحفي العامل في المجال الرسمي كما جاء في التحقيق.

لكل قناة إعلامية توجهاتها وسياساتها التي يحددها ممولوها، وتختلف المحدودية والمرونة حسب كل قناة إلا أن الحقيقة التي لا جدل حولها أن العامل فيها لا يمتلك حرية مطلقة في نشر ما يريد حتى لو كان ما يريد نشره لا يتعارض مع الدين والقيم وأخلاقيات العمل الصحفي لكنه يتعارض مع مصالح أو توجهات الممول فأين الصحفي الحر غير المأمور هنا؟!.

في المفهوم العام لا يوجد فرق في صفة حرية الصحفي بين الإعلام الرسمي وغير الرسمي ويكمن الفرق النسبي في هامش الحرية المتاح بشرط الالتزام بالتوجه المحدد!!

لعل تنقل العاملين في القنوات الفضائية من قناة إلى أخرى أحد الأدلة على ما ذكرت فليست جميع الأسباب مادية. وقد تكون لخلاف حول بث موضوع من عدمه وما تقبله قناة قد لا تقبله الأخرى والعكس صحيح وهنا أعان الله الصحفي فقد يكثر الحل والترحال.

لو أن كوثر وسعت أطراف الحوار من حيث نوعية الضيوف وليس الكم واستضافت مسؤولين في إعلام رسمي وعدد من النقاد المحايدين فربما خرجت بنتائج أكثر صحة ودقة وإيجابية. كما يؤخذ عليها أن أكثر من 80% من الضيوف كانوا من مقدمي البرامج بقناة الجزيرة مما يؤكد أن هذا الموضوع الهام سلق سلقاً وارتجل باستعجال مما جعل نتائجه متحيزة ولا يعتد بكثير منها.