مريض الإيدز والطب الوقائي

لو كتبت سلسلة مقالات عن الكم الهائل من العبر التي قد نستشفها من “حادثة” مريض الإيدز التي اصبحت مادة دسمة للصحف، لربما امتدت سلسلة هذه المقالات سنة كاملة وبطبيعة الحال سوف أُتهم بأني لم أجد ما أكتبه فاشغلت هذه المساحة بموضوع مريض الايدز ذاك، لكن الواقع ان الموقف مخجل للغاية ويستحق لوقفة طويلة،، ليس بسبب اصابة شخص بهذا المرض ولكن بسبب تعاملنا الغريب والمتخلف مع الموقف..

سوف أبدأ وأرى إن كنت سأنتهي او متى أستطيع الانتهاء ولابد من التأكيد على ان مساحة هذه الزاوية لن تكفي لاعطاء الموضوع ما يستحقه.

اولاً: إن هروب مريض الايدز وانعزاله عن الناس يدل بوضوح على اننا لم نتعامل مع موضوع الإصابة بهذا المرض بجلاء ووضوح ولم نتناول مشكلة الايدز في بلادنا بنفس الشفافية التي تناولنا بها مشكلة المخدرات مثلاً بل ليس بربع الشفافية وهذا يدل ايضاً على أننا لم نرسم استراتيجية موحدة لمعالجة قضايانا الاجتماعية وانما نعتمد على اجتهاد الجهة الواحدة او المسئول الواحد وفي هذه المقارنة اجتهدت وزارة الداخلية فنجحت وتقاعست وزارة الصحة فأخفقنا!!..

ثانياً: المطالبة الصحفية بحرق ما تركه مريض الايدز من اغراض كالبطانيات والسرير وخلافه يدل على جهل بكيفية انتقال هذا المرض والذي عرف عن الفيروس المسبب له ضعفه الشديد خارج سوائل الجسم وانه لا ينتقل إلا بالانتقال “المباشر” للدم وبعض سوائل الجسم ولا ينتقل عن طريق ملامسة ادوات المريض وملابسه. ويقابل هذا الجهل بطريقة العدوى والمطالبة بحرق الادوات صمت وعدم تصحيح من ذوي الاختصاص، ما يؤكد ان الجهل سببه التجهيل والتجاهل وكأن ادارة الطب الوقائي في وزارة الصحة لا يعنيها امر تصحيح المفهوم حول هذا المرض ناهيك عن امر التوعية به والشفافية في طرح مشكلته، اما وضع الخطط والاحتياطات للوقاية من المرض والحد من انتشاره فيبدو انها اكبر من مؤهلات هذه الادارة.

ثالثاً: تم التعامل مع هذا المريض وكزنه مريض الايدز الوحيد وهذا خلاف للواقع ومخالف للاحصائيات الخجولة والمتحفظة وقد هبت بعض الجهات على طريقة (مع الخيل يا شقراء) في ملاحقة ذلك المريض ونشر اخبار الملاحقة اولاً بأول حتى غطت اخباره على اخبار شبح الهند (الرجل القرد)، وكأن مريضنا هذا حالة نادرة وهو ليس كذلك،، فكيف نتوقع بعد هذا التصرف وذلك التعامل ان يعترف شخص في هذه البلاد بأنه مصاب بالايدز بل كيف نتوقع ان يقبل انسان بإجراء فحص الايدز، اذا علم انه سوف يطارد هذه المطاردة الإعلامية والرسمية؟

اترك رد