مريض الإيدز فضح المستور!!

بدأت في الأسبوع الماضي بتناول قضية مريض الإيدز الذي هرب وانعزل وتمت ملاحقته رسمياً وإعلامياً وكأنه مريض الإيدز الوحيد في بلادنا، وذكرت أن ثمة العديد من العبر التي يمكن أن نستشفها من هذا الموقف لكن مساحة هذه الزاوية قد لا تكفي لسردها، وبدأت بثلاثة من تلك العبر وهي أن هروب ذلك المريض يدل على سوء تعاملنا مع مرضى الإيدز وعدم الشفافية في معالجة قضية الإيدز وأن المطالبة بحرق سريره وأدواته تدل على الجهل بطرق انتقال المرض وعدم تصحيح تلك المعلومة من الجهات المختصة “وعلى رأسها الطب الوقائي بوزارة الصحة” يؤكد مصدر التجاهل والتجهيل وعرجت على المطاردة الإعلامية والرسمية لذلك المريض وكأنه مريض الإيدز الوحيد وما سيؤدي إليه هذا التصرف من عزوف أي شخص آخر عن إجراء فحص الإيدز.

واستكمالاً لما سبق فإن الوقفة الرابعة تكون مع التعامل الطبي مع ذلك المريض بعد اكتشاف إصابته بالمرض، فالمتوقع هو أن يتم استدعاؤه لإخباره شخصياً بأمر إصابته بهذا الداء الخطير ثم تنويمه في المستشفى لمعرفة مرحلة المرض وإمكانية علاجه من بعض الأعراض والمضاعفات المعتادة. ثم إشعار زوجته وأقرب المقربين له بأنه يحمل فيروساً يعدي بالاتصال الجنسي مع حفظ حق المريض في سرية معلوماته الصحية حسب أخلاقيات المهنة.

لكن المفاجأة أن المريض ترك ليغادر المركز أو المستشفى الذي كشف وضعه، وهرب وانعزل وأفشى سره إلى درجة معرفة الصحافة بالأمر وملاحقته ونشر صوره وفضح أمره!!

ولأن الصحافة دخلت في الموضوع فإن العديد من الجهات أصبحت تدلي بدلوها في أمره وأخذ الموضوع طابعاً من الاهتمام المختلف والمعاكس لأبسط حقوق السرية في المعلومات الشخصية.

الوقفة الخامسة مع مفهوم الطب الوقائي لدينا فلماذا نصر كل هذه المدة الطويلة على الاعتماد في استراتيجية الوقاية على وكالة مساعدة للطب الوقائي أثبت الزمن أنها غير قادرة على القيام بأعبائها الأساسية؟! وطالما أن لدينا الوعي التام من كل وجهات النظر الاقتصادية والطبية أن الوقاية من المرض أهم وأجدى اقتصادياً من علاج مضاعفاته “درهم وقاية خير من قنطار علاج” فلماذا لا نولي أمر الطب الوقائي لهيئة وطنية عليا تتكفل برسم استراتيجية سليمة للوقاية من الأمراض خاصة الوبائية والمعدية.

دعونا نقارن بين نشاط اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات ونشاط مكافحة التدخين في كفة ونشاط الطب الوقائي في الكفة الأخرى وسنجد أن أي طفل وكهل وعجوز يدرك جيداً أخطار المخدرات والتدخين وفي الوقت ذاته يجهل السواد الأعظم من السكان طرق انتقال الأمراض المعدية والأوبئة الفتاكة التي يعاني مجتمعنا من انتشارها ولعل أقرب الأدلة المطالبة بحرق أدوات مريض الإيدز “غير المعدية”.

كما يحفل سجل مكافحة المخدرات والتدخين بإحصائيات دقيقة ومحدثة في حين يحمر وجه الطبيب السعودي خجلاً في المحافل الدولية عندما يسأل عن رقم إحصائي في مجال الأمراض المعدية!! أو معدلات انتشار الأوبئة!!

وفي الوقت الذي تحتضن فيه مستشفيات الأمل وعيادات مكافحة التدخين كل محتاج للعلاج بسرية تامة وخطط مدروسة وإجراءات غاية في الدقة والتطوير ومسايرة المتغيرات فإن مريض الإيدز يهرب من الواقع المر إلى الشارع وتتناقل أخباره الصحف، ولولا أن يد الخير والجود امتدت لعلاجه فربما مات وتعفن قبل أن يشكل رقماً في إحصائيات الطب الوقائي!!

وفي حين تعج وسائل الإعلام برسائل التوعية حول المخدرات والتدخين فإن الإطلالة السنوية الوحيدة للطب الوقائي هي في موسم الحج للتأكيد على أن الأمور “تمام” هذا خلاف إطلالات النفي في مناسبات أخرى كلما انتشرت الأوبئة.

إن مريض الإيدز الشهير لم يفضح نفسه وإنما فضح صوراً عديدة من التخبط وقلة الوعي وغياب المتابعة وإهمال الوقاية وإسقاط حقوق السرية الشخصية للمريض والتعامل مع كل حدث طبي على حدة بارتجالية وعشوائية القرن الماضي.

اترك رد