هذا الرأي لا يلغي حقيقة أنني واحد من كثير من المعجبين بالنهج المعلن لمعالي الدكتور غازي القصيبي وتطبيقاته في الفرص القصيرة التي أتيحت له بين حين وآخر.
لكنني كنت أتمنى لو أن وزير المياه كان أكثر واقعية وهو يرتب أولويات ترشيد استخدام سر الحياة وعصبها في مؤتمره الصحفي الذي عقد الأسبوع الماضي، خاصة وأنه يخاطب جميع فئات المستهلكين للماء في المملكة وهؤلاء عددهم يفوق 24مليون نسمة وإقناع هذا العدد أو السواد الأعظم منهم لا يمكن أن يتحقق دون مقارنة علمية منصفة ومحايدة، غنية بالوضوح والشفافية بعيدة كل البعد عن التحفظ الممقوت.
معالي وزير المياه تحدث عن التوجه لفرض نوعية من أجهزة طرد المياه “صندوق الطرد” ومنع بيع الموجودة منها حالياً في الأسواق لأنه يستهلك كميات كبيرة من المياه. وصندوق الطرد لمن لا يعرفه هو ما نسميه “سيفون” وهو صندوق وضيع يضيع الماء بأسلوب مخادع خفي عندما يخونه أسفله!! وجميل جداً أن نحدد مواصفة قياسية لهذا الجهاز أو الصندوق تحمينا من خدعته الدنيئة، وتحقق ترشيداً لاستهلاك الماء.
لم يساورني أدنى شك في أن صناديق الطرد أكثر من المسابح في مجتمعنا وأي مجتمع!! ولكن شعرت بحالة ارتباك وذهول وتساؤل مقلق، هل يمكن أن يكون الهدر في ذلك الصندوق الحقير أكثر من هدر الماء في المسبح؟! وإذا كان التفوق العددي للصناديق يعادل الفرق الهائل في حجم السعة بين مسبح وصندوق، فهل يصل الفرق إلى حد إهمال المسابح مقارنة بـ السيفونات”؟!
لم يتطرق النص ولا الجداول الإيضاحية للمسابح مطلقاً، وأحسب أن الفرق لا يصل إلى حد إهمال المسبح وذكر غسالة الملابس والدش!!ربما أن للمسبح “هيبة”!!” تحول دون مقارنته بصندوق الطرد على أساس أن السيف ينقص قدره إذا قيل أن السيف أمضى من العصا، وهذا معناه أن المسبح أعظم في الهدر أيضاً وأجدر بأن يذكر في المؤتمر الصحفي.
الاستراحات الخاصة، واستراحات التأجير، والفنادق والفلل والقصور جميعها بها مسابح تحاول تقليد البحر، وأعرض من النهر، وبعضها يُغَيّر ماؤها بصورة استنزافية على أساس أن “جلد مهوب جلدك جره على الشجر”، وهذا يؤكد أهميتها كقنوات هدر ترفيهية، غني عن القول أنه يمكنك أن تعيش بدون مسبح ولكن لا يمكن للصرف أن يكون صحياً بدون صندوق طرد!!
لكي يتعاون الفرد، أي فرد، يجب أن يقتنع، ولكي يقتنع بفرض صندوق طرد وإزالة آخر يجب أن نشعره بأننا نولي اهتماماً لتفعيل الترشيد في القنوات الأخرى المشابهة في حجم الهدر مثل المسابح وطريقة سقي الحدائق الغناء وينابيع الجاكوزي الدافئة والأخرى المبردة والنوافير والشلالات وإلاّ فإنه سيعتقد أننا نغص بالإبرة ونبلع الهيب فيكون قرارانا غير مهيب!!
