اليوم: 16 نوفمبر، 2002

اضحك مع المعارف

لا أدري هل ستبكي أم ستضحك عند قراءة الموقف التالي!!، أنا شخصياً ضحكت لأنني ربطت بين ما حدث من تقصير في الأساسيات وبين ما نقرأه عن نية وزارة المعارف تعميم الحاسب الآلي ومشروع “وطني” ورعاية الموهوبين وكل تلك الأقمشة البراقة التي تستخدم لتكبير جزء من “جسد” الوزارة!!.

دخلت الطالبة(هـ. ن. د) إلى الفصل لأداء الاختبار الشهري لمادة الأدب مع زميلاتها في المرحلة الثانوية، وبدأت المعلمة في توزيع ورق الامتحان، ولأن للاختبار رهبة وهيبة وعدم ثقة فقد صنفت الأسئلة إلى فئتين مختلفتين: (أ) و(ب) حتى لا تغش الطالبة من جارتها. وعندما وصل الدور إلى الطالبة المذكورة كانت صور الأسئلة من فئة (أ) قد نفذت!! (غني عن القول أن تصوير الأسئلة يتم على حساب المعلمة ومن جيبها الخاص، لأن وزارة الكومبيوتر والموهوبين لا تعيراهتماماً لتأمين الورق!!).

عندما نفذت كمية الفئة (أ) قررت المعلمة البحث في الفصول الأخرى واستغرق البحث ربع ساعة وعندما لم تجد قامت بإبعاد الطالبات عن بعضهم بمسافة تكفي لعدم الغش وسلمتهن أسئلة من الفئة (ب).

ما حدث أدى إلى تأخير بدء هؤلاء الطالبات حوالي ربع ساعة، وعندما بدأن في الإجابة وبعد حوالي عشر دقائق جاءت معلمة الفصل المجاور إلى الطالبة (هـ . ن. د) وطلب منها الورقة لتصويرها لأن الأسئلة من فئة (ب) نفذت من الفصل المجاور أيضاً!! والمشكلة أن الأسئلة والإجابة في نفس الورقة!!، وكانت الطالبة قد أجابت جزءاً من الأسئلة رغم البداية المتأخرة والإرباك!!

استغرق التصوير قرابة 20دقيقة، كانت الطالبة خلالها على أحر من الجمر، ثم أعيدت لها الورقة لتفاجأ بأن كل إجاباتها قد طمست!! وان عليها أن تبدأ في الإجابة من جديد!! لأنه يستحيل تصوير الأسئلة دون طمس الإجابات!! وأخبرتها المعلمة أن الوقت الضائع محسوب!! ولكن من سيحسب ضياع الأعصاب؟!.

ولأن تعليم التلقين والحشو لا يفرغ إلا مرة واحدة ولا يستعاد بعد التفريغ فإن الطالبة المسكينة ارتبكت وضاعت حيلها ولم تستطع استرجاع ما لقنت إياه ودخلت في دامة وبدأت عليها أعراض الرعشة والتعرق ولم تجب كما يجب وعادت إلى أهلها في حالة ذهول مما حدث.

يقول علماء النفس ان حالة الذهول والإحباط تبلغ ذروتها عندما يتعرض الإنسان للمتناقضات في وقت واحد، وهذا ما تفعله بنا وزارة المعارف عندما تتحدث عن إزالة رهبة الامتحان وهي في الواقع تشعر الطلاب والطالبات أن الاختبار من الرهبة والأهمية بحيث يستلزم إجراءات مراقبة مشددة!! ليس بتكثيف المراقبين وحسب بل وبتفريق الممتحنين، وليس هذا فقط بل وبتغيير فئة الأسئلة!!، أي أن الامتحان بلغت رهبته حد الشك والريبة وافتراض سوء النية واتخذ أقصى التدابير الاحترازية!!

وتتحدث الوزارة عن تعميم أجهزة الحاسب الآلي واستخداماته والواقع يؤكد أن المعلمات يتبرعن للوزارة بالورق والتصوير وشراء آلة التصوير وإصلاحها وصيانته!!

هل لأن تأمين الورق لا يصلح خبراً صحفياً ولا يجتذب (الفلاشات) نتجاوزه إلى الحديث عن الحاسب والإبداع؟! هل نجهل أم نتجاهل بأن الحاسب والإبداع كلاهما لا يملان بلا ورق؟!.

قد يتبادر للذهن أن القصة التي أوردناها لا تعدو كونها موقفاً عابراً فريداً لكن الواقع يؤكد أن تأمين المستلزمات للمدرسة بات يشكل عبئاً ثقيلاً على المعلمات والطالبات، ولذا فإننا في الموقف آنف الذكر لا نلوم المعلمات أو مديرة المدرسة لأنهن حاولن جاهدات ترقيع ما يمكن ترقيعه لكن الشق أكبر من أي رقعة!!، فلا أحد يستطيع أن يساءل المعلمة “لماذا لم تتبرعي للمدرسة بمزيد من نسخ الأسئلة؟!” فالشحاذ لا يحق له أن يشترط.

نحن بكل بساطة نتساءل لماذا يفتقد التعليم لترتيب الأولويات؟! ولماذا أصبح التعليم لدينا ظاهرة صوتية إعلامية.