الشهر: مارس 2003

لا احترام لعارية

لا أؤيد مطلقاً من يستخدم مصطلح “سقوط ورقة التوت” عند التحدث عن انكشاف عورة أمريكا، فورقة التوت براء من هذا النوع من العورات!! ورقة التوت قد تسقط بطريق الخطأ لتكشف عورة إنسان ضعيف لا يملك ما يستر عورته ولا يتعمد كشفها، لكن الولايات المتحدة بشنها هذا العدوان على العراق رغم توسلات العالم شعوباً وحكومات وبمواقفها المفضوحة على مدى عمر مجلس الأمن من استخدام “الفيتو” ضد قرارات إنسانية ثم الهروب منه عندما أرادت شن الحرب على الإرادة الدولية، لا يمكن وصفها بمن سقطت عنها “ورقة التوت”.

إن أقرب وصف لوضع أمريكا الآن هو أنها تمارس عنوة “التعري” وكشف العورة تلو الأخرى دون حياء أمام مجموعة من المتفرجين منهم كثرة تقززت من هذا الجسد العاري ومنهم قلة ممن تسيطر عليهم غرائز الشهوة الحيوانية يستمتعون ويعبرون عن استمتاعهم بالتصفيق مع كل حركة تعرّ تسقط فيها أمريكا عن جسدها قطعة ملابس وليست ورقة توت!!

ولقد بلغ عدم الحياء والخروج عن الأعراف أوجه بشن أمريكا تلك الحرب التي لم تشهد حرب مزمعة متوقعة التوقيت ما شهدته من معارضة رسمية وشعبية عالمية على كافة المستويات ون أغلبية ساحقة من دول ذات تأثير قوي في القرار الدولي.

لم يختلف مجلس الأمن على مستوى الأعضاء الدائمين بنفس الحدة التي اختلف عليها الأعضاء في موضوع قرار الحرب على العراق ولم تشهد الأمم المتحدة وضعاً مماثلاً لما شهدته من خلاف حول هذه القضية.

قبل مجرد دقائق من بدء العدوان كانت أصوات العقل في مجلس الأمن، وبكلمات مؤثرة وأكثر إخلاصاً وصراحة من أي وقت مضى ومن دول عظمى ذات دور فاعل في المجتمع الدولي، تحاول جاهدة منع أمريكا من ارتكاب خرق واضح لميثاق الأمم المتحدة واستخفاف بمجلس الأمن وتحد صارخ للرأي العام العالمي الذي عبر بالاجماع عن رفضه للحرب بما في ذلك غالبية الشعب الأمريكي والبريطاني.

رغم قوة الحجة والشفافية البالغة والتعبير الواضح المباشر في كلمات وزراء خارجية فرنسا وروسيا وألمانيا المعارضة للحرب لانتفاء أسبابها بناء على تقارير المفتشين الدوليين، ورغم أن هانزبليكس نفسه في الجلسة التي سبقت العدوان بدقائق أوضح أن كل ما يحتاجه أمر نزع السلاح هو مجرد وقت، بناء على حجم تجاوب العراق، ورغم ما جاء في كلمات وزراء خارجية الدول الأخرى من توسلات للولايات المتحدة الأمريكية بأن تجنب العالم ويلات حرب يمكن تلافيها بحلول سلمية، ورغم ما جاء في كلمة وزير خارجية سوريا من تذكير لأمريكا بأنها من شهد تأسيس الأمم المتحدة ومن احتضنت مدنها المتباعدة فعالياتها ومكاتبها ومن العار أن تخذلها الآن واختتم كلمته بتذكير رائع لامس إحساس العالم عندما استشهد بما تعرضت له المواطنة الأمريكية رتشل كوري داعية السلام المناهضة للعنف من دهس تحت جرافة إسرائيلية دون أن يتحرك ساكن في سياسيي أمريكا.

رغم كل ما شهدته الكرة الأرضية من حركة معارضة للحرب إلاّ أن أمريكا تبدأها بكل “عدم حياء” رامية آخر سترة وموجهة ظهرها للعالم فهل يمكن تسمية استعراض “هذا بسقوط ورقة توت؟! إنه الاستعراض الذي ابتدعه الصهاينة في أمريكا لإفساد أخلاقيات الشعوب وها هم الصهاينة أنفسهم يجعلون أمريكا تتعرى لإفساد أخلاقيات الدول.

الشيء الذي تناسته الولايات المتحدة الأمريكية هو أن العارية وإن حظيت بالتشجيع فإنها لا تحظى بالاحترام وستنتهي مع أول ترهل.

جنون الشكليات

خطير جدا أن نصل في اهتمامنا بالقشور والمظاهر المرحلة التي وصلنا اليها اليوم، واعني ان يصل المزاد على “لوحات السيارات” الى مبالغ كبيرة جداً قياساً بأن المعروض في المزاد مجرد لوحة سيارة ذات أحرف متشابهة أو أرقام متشابهة ومع ذلك يصل المزاد إلى أكثر من اربعين ألف ريال للوحة سيارة وليست لوحة فنية أو قطعة أثرية أو مخطوطة!!.

الغريب أن المغالاة تحدث في لوحة سيارة مميزة مع أن تميز رقم أو أحرف لوحة السيارة لا يخدم صاحبها بأي صورة من الصور سوى إشباع غريزة التميز وهي في نظري غريزة سطحية جداً من تلك الغرائز التي تختص بتعويض شعور شديد بالنقص(!!).

أستطيع أن افهم وأتقبل الحرص على اقتناء رقم هاتف مميز بالنسبة للشركات والمؤسسات ذات العلاقة المباشرة بعملاء تجذبهم سهولة الاتصال ويشجعهم على اختيار مؤسسة دون غيرها، المهم أنه حرص له ما يبرره، كما أستطيع أن أتقبل على مضض أن يحرض شخص على اقتناء رقم جوال مميز إذا كان تميز الرقم وسهولته يسهل له مهاما خاصة (!!) ونظرتنا بطبيعة الحال تعتمد على نوع تلك المهام وأهدافها (!!).

أما التنافس والمزايدة على اقتناء لوحة سيارة مميزة فهو أمر يوحي بسطحية بعض أفراد المجتمع وتفشي ظاهرة التباهي بالقشور ومحاولة التميز بأية وسيلة حتى لو كانت قطعة “ألمنيوم” تعلق في خلفية السيارة قرب فتحة مؤخرتها “الشكمان” !!.

يا أولي الألباب دعونا نفيق لأنفسنا ولو لبرهة من الزمن.. أن تمييز مركبة عن أخرى ولو بمجرد اللوحة ليس في مصلحة المجتمع ولا المرور ولا الوطن ولا المواطن!!.

يكفينا أن يتميز شخص عن آخر بنوع السيارة وقيمتها “سيارة فارهة” وهو أمر كان له انعكاسات سلبية قديماً وخاصة من فئة الشباب أو ذوي المراهقة المتأخرة وقد تغلبنا عليها ولله الحمد عندما قلت الفوارق بحكم الطفرة.

ما الذي يجعلنا الآن نختلق فوارق جديدة نحن في غنى عنها، وأعني أن المرور كمؤسسة وطنية غني عن استحداث وسيلة جديدة للتباهي قد تنعكس سلباً على المرور نفسه إذا ما حضيت الأرقام المميزة بهيبة من نوع ما في الميدان.. ورجال المرور بشر مثلهم مثل بقية المجتمع تلفت انتباههم علامات التميز!!.

أنا أعتبر أن ما حدث من مغالاة في أرقام اللوحات المميزة هو مدعاة للضحك بسبب سخفه وسطحيته لكن المضحك أكثر أن تميز رقم اللوحة هو في الواقع مصيدة على صاحبه إذا ارتكب مخالفة فهو أسهل للحفظ وملاحقة صاحب السيارة فقد ينطبق عليه المثل “يا من شرى له من حلاله علة” ومع ذلك فإن حمى التنافس وحب التميز دون امتياز ورغبة تعويض مركب النقص أنست الكثيرين هذه السلبية، واتمنى أن لا ننسى نحن ما شرت اليه من سلبيات جربنا لها متشابهات.

نافذة لفلسطين

لابد من نافذة دائمة في الشاشات الإخبارية العربية مخصصة لنقل ممارسات الاحتلال الصهيوني في فلسطين هذه الأيام حيث يستغل شارون وعصابته انشغال القنوات الفضائية العالمية في تغطية كل ما يحدث في حرب العدوان على العراق.

إنها فرصة إعلامية ثمينة لابد من أن تستغلها القنوات العربية لإبراز القضية الفلسطينية وفضح ممارسات الصهاينة وفرضها على المشاهد في أنحاء العالم، بدلا من حدوث العكس وهو الانشغال التام في تغطية أخبار الحرب على العراق دون توقف وبتكرار واضح.

لماذا اعتبر هذا الوقت بالذات فرصة ذهبية للقنوات العربية الاخبارية وكيف يمكن استغلالها؟!

هي فرصة ثمينة يجدر أن لا نفوتها لأن القنوات الفضائية العالمية التي طرد مراسلوها من العراق تنقل الأخبار عن القنوات العربية بشغف وهذا معناه أن وضع نافذة في الشاشة العربية تفضح الممارسات الاسرائيلية السابقة والحالية والتقارير المؤثرة في المشاعر والتنقل بين النافذتين سيجبر القنوات المستفيدة من عرض الممارسات التي كانت تغض الطرف عنها من أجل عيون اسرائيل.

هذا فيما يخص إجبار الاعلام الغربي غير المحايد على تذكير العالم بأن الفلسطينيين عانوا ولازالوا يعانون خاصة في ظل انشعال العالم عنهم رغم أن القضية الفلسطينية هي لب كل المواضيع.

ومن ناحية أخرى فإن على القنوات الفضائية العربية أن لا تقع في نفس الفخ الاعلامي المنصوب للإعلام الغربي والرأي العام العالمي وتنشغل بنسبة 100% في تغطية مكررة لأحداث العدوان على العراق وإعطاء صفر في المئة من الاهتمام لعدوان مستمر على الشعب الفلسطيني لا يقل ضراوة ولا شناعة.

إن من الذكاء أن نربط بين قضية فلسطين وقضية العراق ليس في التحليلات السياسية ولكن في التغطية الإعلامية وكشف حقيقة العدوان والوجه الحقيقي للارهاب وأين تكمن أسلحة الدمار الشامل.

وبدون أن نعيد عيون العالم لإخواننا في فلسطين المحتلة فاننا أولا نعزلهم في الظلام ونعرضهم لمزيد من الظلم والضرب خلف الكواليس، وثانيا نفوت فرصة فضح الممارسات الاسرائيلية التي تشكل أمثلة صارخة للإرهاب والعدوان وقتل الأبرياء، وثالثا نوهم العالم ان قضية فلسطين ليست قضيتنا الأساسية بدليل تناسيها مع أول إثارة لحدث جديد.

لعل من المناسب الاستشهاد بمثل “طازج” فقد قام الإعلام الامريكي ولم يقعد بعد بسبب نشر صور الأسرى والقتلى الأمريكان في حين كانت ولازالت صور أسرى الانتفاضة من الأطفال والنساء والشيوخ تنشر في الإعلام نفسه دون أدنى إحساس، بل إن صور القتلى الممثل بهم من أبطال الحجارة كانت تعرض ترافقها الموسيقى، ومن منا يمكن أن ينسى مشهد تكسير ذراعي شابين فلسطينيين الذي نقل حيا وعلى مدى عشر دقائق.

يجب أن لا نجعلهم يعتقدون أن قضايانا من قلة الأهمية بحيث ننشغل عنها بغيرها ولا نسمح لهم حتى بمجرد الإحساس بأن لهم أفضلية وتمييزاً في التعامل.

استغلال شايب!!

ساورني شعور لا أعتبره غريباً بل منطقي، ساورني وأنا أطالع في إحدى الصحف خبراً بجانبه صورة لطبيب مع المريض الذي يدّعي الطبيب انه أجرى له عملية عظام عجز عنها زملاؤه في المستشفيات الأخرى وجعلوا المريض يصيبه اليأس من القدرة على المشي مستقبلاً.

مشاعر استغراب كثيرة تساورك وأنت تطالع مثل هذا الخبر منها ما هو قديم ومكرر بلغنا معه مرحلة يأس من امكانية التصحيح، ومن تلك المشاعر ما هو جديد سوف أحدثكم عنه.

القديم أن كل من يعنيه الأمر من أطباء ومسؤولين ومثقفين ومختصين قانونيين كرروا القول والتذكير بأنه ليس من حق الطبيب الاعلان عن نفسه ومؤهلاته أو عن انجازاته إلا عبر المجلات العلمية “المحكمة” المتخصصة ومع ذلك فإن الاعلانات عن الاطباء بتفاصيل مؤهلاتهم بل والمبالغة فيها لا يزال يملأ صفحات الصحف مع انه أمر ينافي أسس أخلاقيات الطب إلى جانب عدم قانونيته أو نظاميته.

القديم أيضاً أن أخلاقيات مهنة الطب (وهي مهنة حساسة جداً) ترفض تماماً أن يسيئ الطبيب إلى بقية زملائه أو يقلل من قدراتهم أو يخطئهم أمام المريض فما بالك حينما يتم ذلك أمام القراء في صحيفة واسعة الانتشار؟!

لم أصل بعد إلى الشعور الجديد الذي ساورني وأنا أطالع صورة الطبيب مع مريضه في وضع الوقوف على طريقة التصوير قديماً في “استديوهات” البطحاء والاختلاف الوحيد هو عدم المصافحة التي كانت معتادة في صور البطحاء أيام زمان (!!).

وبالمناسبة فإن التصوير مع المريض هو أسلوب جديد أو صرعة جديدة يبدو أن الأطباء الذين يستعجلون البروز الإعلامي لأهداف تجارية وأعمال خاصة سينهجونها إذا رأوا أن خطوة صاحبنا “الواقف” لم تلق معارضة وللتذكير فقط فإن نشر صورة المريض لا يحق للمستشفى إلا بعد أخذ موافقة خطية ويكون ذلك للأغراض العلمية وليس الدعائية ولا أعتقد أن ذلك المسن ( 75سنة) حتى وإن وافق على التصوير، لا أعتقد أنه يعلم الهدف من التصوير أو نص الخبر أو انه للصحف (!!).

ذلك المريض لابد انه دفع مبلغاً كبيراً لاجراء العملية ولابد من إطلاعه أن من حقه المطالبة ببدل استخدام صورته لهدف دعائي وبمبلغ لا يقل عن ما يتقاضاه مشهور مثل ماجد عبدالله لو صور في دعاية للطبيب أو المستشفى!!.

الشعور الجديد الذي ساورني وأنا أشاهد صورة الطبيب مع المريض مدعياً انه عمل له اجراء خارقاً عجز عنه زملاؤه في عدة مستشفيات فجعله قادراً على المشي وهو ماذا لو كان الخبر هو عن خطأ طبي أدى إلى حرمان المريض من القدرة على المشي هل سيقبل الطبيب أن تنشر صورته مع المريض، بل هل سيجد ذلك المريض فرصة نظامية للتشهير بالطبيب؟!.

ما رأيكم أن ندرس تطبيق مفهوم التشهير بالأخطاء الطبية خاصة لأولئك الذين يمارسون الدعاية للانجازات في الصحف.

بمعنى أنك إذا أردت الدعاية لانجازاتك الطبية فلا مانع مع ضرورة التوقيع على موافقة بنشر أخطائك ونتائجها وهو ينطبق على المستشفى والطبيب.

حكمة الرئيس المباشر

كثير من الشواهد تثبت أن كثير جداً من السلوكيات الإدارية الخاطئة، حتى على مستوى عال، هي في الواقع اجتهادات شخصية للمسؤول ولا تمثل اتباعاً لنظم أو إجراءات أو سياسات رسمية متفق عليها.

خذ على سبيل المثال لا الحصر التعامل مع محاولة رشوة موظف.

كتبت منذ حوالي شهر تحت عنوان “عقدة الرئيس المباشر” عن تعامل مؤسسة حكومية ذات طابع اجتماعي مع موظف تعرض لمحاولة رشوة وتعاون مع الأجهزة المختصة حتى تم القبض على الراشي متلبساً ومع ذلك فإن الموظف عانى بسبب نبله لمجرد انه تخطى المدير العام الذي أسميته الرئيس المباشر وكنت قد أخفيت اسم المؤسسة ليس عن قناعة ولكن احتراماً لرغبة غريبة من المؤسسة في التكتم على الموضوع ورفض لإطلاع الصحافة عليه رغم أن الحادثة المتمثلة في محاولة الرشوة صدر فيها تعميم لكافة الموظفين مع إخفاء اسم الموظف الذي يعرفه زملاؤه جيداً، وإخفاء اسم موظف نبيل في حد ذاته يعتبر إجحافاً في حقه لا يقل عن الإجحاف بعدم مكافئته.

في الماقبل نشرت صحف “الرياض” و”الجزيرة” و”الوطن” و”عكاظ” يوم أول أمس الاثنين ما مفاده انه “تعرَّض اثنان من موظفي الشؤون الصحية بالحرس الوطني لمحاولة رشوة فقاما بإبلاغ معالي الدكتور فهد العبدالجبار وتم التنسيق مع الجهات المعنية والقبض على الراشي متلبساً وبمجرد انتهاء العملية بنجاح قام معالي المدير العام التنفيذي للشؤون الصحية بالحرس الوطني بتوزيع تعميم على جميع الموظفين يحمل إشادة بما قام به زميلاهم ومنح مكافأة مالية خاصة من الشؤون الصحية لكل منهما نظير أمانتهما وفي الوقت نفسه رفع لنظر صاحب السمو الملكي الأمير ولي العهد بما حدث فأمر – يحفظه الله – بتقديرهما وصرف مكافأة مالية سخية لهما” انتهى الخبر.

وهنا لا بد من وقفة مقارنة بين التصرف في حالتين متشابهتين ففي الأولى وزع تعميم دون اسم الموظف (!!) ولم ينشر الخبر في الصحف “رغم انتفاء حالة السرية بتوزيع التعميم” ولم يمنح الموظف مكافأة تشجيعية ولا معنوية سوى تسريع ترقية مستحقة ولم يحصل على مجرد خطاب شكر(!!). وفي الثانية وزع تعميم يحمل إشادة بالموظفين باسميهما وإعلان مكافأة مالية لكل منهما ونشر الخبر في الصحف ليس هذا فحسب بل تم الرفع لمقام صاحب السمو الملكي ولي العهد عن هذا الموقف النبيل فجاء التقدير من أعلى المستويات وجاءت المكافأة من يد سخية لا تنفق ريالاً واحداً في غير محله.

وإذا اتفقنا أن موقف المؤسسة الاجتماعية برمته كان محبطاً للموظف النبيل، رغم أن أمثال هؤلاء النبلاء يقصدون مكاسب اليوم الآخر ولا تؤثر فيهم إحباطات الدنيا، فإن من واجبنا أن نبين النتائج الإيجابية المتوقعة من الموقف المغاير الذي اتبعته الشؤون الصحية بالحرس الوطني ومنها على سبيل المثال ما يلي:

– التعميم على جميع الموظفين والمشتمل على اسمي الموظفين ومكافأة مالية لكل منهما أشاع جواً من التهاني والتبريكات والتشجيع في أرجاء الشؤون الصحية بالحرس الوطني سواء في الرياض أو المدن الأخرى وجعلهما يعاملان معاملة الأبطال وفي مثل هذا الجو تصحو النفوس المريضة التي لا يمكن لأحد أن يستبعد تماماً تواجدها وبالتالي فإن تيار الصلاح يكون هو الأقوى.

– النشر في الصحف عن ذلك الموقف النبيل بشفافية ووضوح له مردودان عظيمان على الوطن ككل الأول إشاعة نفس جو الصحوة وتيار الصلاح وإيقاظ الأنفس المريضة والثاني ردع من ينوي الإغراء بالرشوة “أجزم أن عدداً ممن كانوا في طريقهم لتقديم رشوة امتنعوا لتوقعهم أنهم متجهون إلى مصيدة وهذا جيد خاصة أننا لا نضمن فعلاً انهم كانوا متجهين إلى مصائد”!!.

– صدور التقدير السامي والمكافأة السخية من لدن ولي الأمر تؤكد أن محاربة الفساد تبدأ بالاعتراف بوجود محاولي الإفساد ومحاربتهم ومن يستجيب لهم ومكافأة من يرد نفسه عن هوى إغراءاتهم حتى لو كان هذا واجبه نحو دينه ووطنه.

بطاطس الحرية

يوماً بعد يوم تثبت الولايات المتحدة الأمريكية أنها من صنع هوليود والإعلام بصفة عامة وأن الإعلام الصهيوني هو الذي يمثل رأي الشعب الأمريكي رغماً عنه إلى درجة أن ذلك الإعلام يعطي انطباعاً يعاكس تماماً وجهة نظر الغالبية وينسبه إلى الشعب الذي يحيط بتمثال الحرية!!

لكن هذه الأيام وهذه الأجواء رغم توترها هي أجمل الأيام التي كشفت القناع عن كثير من ادعاءات الدولة العظمى أو الدولة التي تدعي أنها رائدة الحرية في العالم.

انظروا ما حدث عندما خالفت فرنسا توجهات الولايات المتحدة الأمريكية في أمر هو موضوع خلاف بين أفراد الشعب الأمريكي أنفسهم فأقل الإحصاءات تفاؤلاً تؤكد أن 50% من الشعب الأمريكي لا يؤيدون الحرب على العراق بدون قرار من الأمم المتحدة بينما ترى إحصاءات أخرى أن المعارضين للحرب أكثر بكثير من هذه النسبة بدليل المظاهرات المليونية.

انظروا ما حدث: المطاعم الأمريكية تزيل اسم فرنسا من قائمة الطعام، ليس هذا فحسب بل أن مطاعم الوجبات السريعة غيرت اسم شرائح البطاطس لتصبح “بطاطس الحرية” بدلاً من شرائح البطاطس الفرنسية “فرنش فرايس”.

خبر آخر يؤكد أن أحد الجنود الأمريكان الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية أعاد إلى السفارة الفرنسية في أمريكا شهادة شكر كان قد حصل عليها من فرنسا بعد الحرب!!

انظر كيف يدعي الإعلام الأمريكي أن ثمة موجة معارضة شعبية أمريكية لفرنسا بل موجة كره شديد إلى درجة مسح اسم فرنسا من كل شيء!!

كيف للشعب أن يكره بلداً ديموقراطياً حراً لأنه يعبر عن رأيه؟! وما هو هذا الرأي؟ هو رأي تطالب به الغالبية في أمريكا وتظاهرت للمطالبة به ملايين البشر في أوروبا وأمريكا!!

هل يعقل أن يقف الشعب ضد دولة لأنها تخالف سياسة بوش والشعب نفسه يخالف هذه السياسة؟! والشعب نفسه يؤيد حرية الرأي والقرار؟؟

الواضح جداً أن الإعلام الأمريكي يصنع الأحداث ويحدد التوجهات وكأنه ينتج أحد أفلام هوليود.

وهذا الإعام تديره نفس الأقلية التي توجه القرار في كل حكومة أمريكية خاصة في فترة الرئاسة الأولى ولذلك فإن عدوى “إن لم تكن معي فأنت ضدي” انتقلت من الرئاسة إلى الإعلام لأن الناقل واحد وهو الذبابة الصهيونية التي وقعت هذه المرة على البطاطس الفرنسية!!

النصر العالمي

انتصار جديد حققه العرب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر يعتبر هاماً جداً بلغة الإعلام وإن لم يكن بنفس الأهمية في لغة السياسة.

كان النصر الأول عندما انكشف زيف الادعاءات الأمريكية بمراعاة الحريات الفردية وحقوق الإنسان مع أول امتحان حقيقي تمثل في أحداث 11سبتمبر عندما انتهكت الولايات المتحدة الأمريكية الحريات الفردية في الداخل بمداهمة المنازل دون مبرر واضح أو إذن بالتفتيش والتصنت على المكالمات الهاتفية في داخل أمريكا والاعتقال دون تهمة والزج بعدد كبير من الأبرياء في السجون لمدد طويلة دون محاكمة أو حتى تحقيق.

أي أن الولايات المتحدة الأمريكية مارست نفس ماكانت تنتقد ممارسته من قبل أنظمة دول العالم الثالث وتدعي أنها تحرك الأساطيل لتصحيحه وإنقاذ الشعوب منه. ليس هذا فحسب بل إن أمريكا ذهبت إلى ماهو أشد قسوة واحتقاراً للإنسان مما قد يكون حدث في أي نظام دكتاتوري وحشي عندما فعلت ماتفعله الأن في غوانتانامو وهو ما هز مشاعر أقسى القلوب في العالم، دون أن يحرك ساكناً في أمريكا.

النصر الجديد يتمثل في مناظرة أجرتها محطة بي بي سي الفضائية العالمية (BBC World) بين جمع كبير من الناس في نيويورك يمثلون رأي الشعب الأمريكي منهم الصحفيون والسياسيون ونخبة القوم وعامتهم وجمع آخر مشابه في عمان الأردن يمثل الرأي العربي وخاصة عدد من العراقيين والمثقفين العرب ممن يتحدثون الإنجليزية بطلاقة أو عاشوا في أمريكا فترة من الزمن.

بطبيعة الحال المناظرة كانت منقولة عبر الاتصال الفضائي المباشر، ولعل محطة (BBC) استوحت هذه المناظرة من طلب رئيس العراق إجراء مناظرة تلفزيونية مباشرة بينه وبين الرئيس الأمريكي بوش فبادرت إلى إجرائها بين الشعوب.

الانتصار تمثل في هدوء ومنطقية وواقعية الجانب العربي والتزام المتحدثين بأدوارهم في الحديث واحترامهم للاختلاف في وجهات النظر بينهم وإستشهادهم بالحقائق والوقائع دون اللجوء للافتراضات. بينما كان الجانب الآخر في نيويورك يتحدث بتشنج غريب ولغة حادة وحجج تعتمد على فرضيات ودب الخلاف بينهم أكثر من مرة ولم يكن ثمة احترام لوجهة نظر بعضهم البعض حيث تكرر أن يتحدث أكثر من شخص في نفس الوقت لينتهي “التناقر” بهمز أو لمز.

ركز الجانب العربي على الكشف عن سوء النوايا الحقيقية من وراء حرص أمريكا على الحرب وعن معاناة الشعب العراقي وعن الكيل بمكيالين بين ممارسات صدام وشارون وعن التحيز في تعريف الإرهاب والأسباب الحقيقية لكارثة سبتمبر ولأن الحوار أو المناظرة لاتقبل الأجوبة الدبلوماسية أو التهرب من الرد نظراً لمهنية من يتولى إدارة الحوار في المدينتين فإن الجانب الأمريكي كان موقفه دفاعياً متشنجاً مختلفاً فيما بين أعضائه إلى درجة التصادم.

شخصياً أعتبر ماحدث نصراً إعلامياً عالمياً نحن في حاجة إليه خاصة وأنه أكد على أن الفوضى والخلافات والصراخ أثناء التحاور والمشادات الكلامية ليست صفات عربية على مستوى الشعوب وأن أحداث 11سبتمبر أوضحت بجلاء أن أمريكا قيادة وإعلاماً وشعباً عندما تعرضت لمحنة واحدة من مئات المحن التي تعرض لها العرب انكشفت على حقيقتها وبدت لاتختلف عن أقل من دول العالم الثالث رزانة وعقلاً.

فسيولوجية اللسان العربي

في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش يوم الخميس الماضي تعرض الرئيس وكالعادة “من صحفيين غربيين” إلى عدة أسئلة محرجة تشكل في حقيقتها ومضمونها رسائل مباشرة وآراء السواد الأعظم الرافض للحرب أكثر منها مجرد أسئلة تبحث عن إجابة من الرئيس!!

وفي الوقت الذي تعرض فيه الرئيس لذلك السيل المحرج من الآراء في شكل أسئلة من ممثلي وسائل الإعلام الغربية، لم يكن ثمة حضور يستحق الذكر للصحافة العربية بل كان الحضور معدوماً حتى من حيث طرح الأسئلة.

حتى ترجمة الفضائيات العربية للأسئلة والأجوبة كانت تفتقد للعمق في ترجمة المعنى وممعنة في الترجمة الحرفية الصرفة لعبارات لها مدلول أعمق وأقوى في المعنى المقصود.

أحرج الرئيس الأمريكي كثيراً حينما أشعره أحد الصحفيين الغربيين “طبعا” أن الموقف الأمريكي ضعيف جداً هذه المرة وغير مقنع طالما أن عدداً من الدول الأوروبية المؤثرة لا تؤيد قرار الحرب وأن موقف الولايات المتحدة الأمريكية وحليفها الإنجليزي أصبح في معزل عن دول لها حظ وافر من الحرية والديمقراطية والتأثير في مجلس الأمن.

الرئيس اكتفى بالقول إن ثمة من خالفنا الرأي في عام 91م ثم اقتنع في النهاية بضرورة الحرب، وهو جواب غير مقنع لاختلاف الحيثيات وحجم التأييد.

صحفي غربي آخر كان محرجاً بدرجة أكبر عندما ذكَّر الرئيس الأمريكي بأن أمريكا قالت كلاماً مشابهاً في تبرير حربها في فيتنام ووقعت الحرب بكل أهوالها ومدتها الطويلة ولم يتغير النظام في فيتنام بل لم يتحقق شيء من مبررات الحرب التي ذكرت آنذاك فماذا ستقول يا سيادة الرئيس لعائلات وأحفاد الجنود الأمريكيين الذين قضوا في فيتنام لتؤكد لهم أن حربهم هذه المرة ستحقق شيئاً يستحق المجازفة؟!

الغدد العرقية للرئيس الأمريكي رغم برودة الجو كانت تتولى الإجابة على تلك الأسئلة قبل لسانه وأعتقد أن الصحافة التي لا تخاطب غدد العرق في المؤتمرات الصحفية يفترض أن لا تحضر!!.

ليس المهم ماذا تم في المؤتمر الصحفي من إحراج لرئيس الدولة العظمى ولكن المهم هو التساؤل عن سبب غياب الإحراج من الصحفيين العرب وممثلي الفضائيات العربية التي تتفنن في دس السم في الأسئلة وعلامات الاستفهام العربية العربية؟!

تلك القنوات التي تبدع في تأجيج الخلافات العربية عن طريق ترويج الشائعات بالأسئلة لم تستغل تلك الموهبة الفريدة في مؤتمر رئيس الدولة العظمى وتتحفنا بواحدة من علامات الاستفهام الكثيرة التي كان من الممكن أن تحرج الرئيس وتثير انتباه الرأي العام الأمريكي.

فيما يخص مبررات رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في تجريد العراق من السلاح أخطأ الرئيس الأمريكي عندما اكتفى بالقول إن أسلحة العراق تهدد أصدقاءنا في إسرائيل، وكان بالإمكان استغلال تلك الهفوة بطرح سؤال ينبه الشارع الأمريكي النائم، سؤال بريء يقول “هل تعني سيادة الرئيس أن تعريض مئات الآلاف من أرواح الأمريكيين للخطر عسكرياً وتعريض مصالح الولايات المتحدة الأمريكية لخطر تفريخ مزيد من الكارهين لأمريكا في العالم والتضحية بعلاقة أمريكا مع اصدقائها في أوروبا وفقدان الأمم المتحدة لتماسكها، كل هذا يتم من أجل احتمال و جود ما يهدد أمن إسرائيل؟!

ثم أين الأسئلة التي تذكر الرئيس والشارع الأمريكي بما يتعرض له الفلسطينيون من ذبح في نفس وقت عقد المؤتمر؟! والكيل بمكيالين فيما يخص التسلح والإرهاب؟!

إن الإجابة تحتاج إلى تشريح اللسان العربي ودراسة فسيولوجيته وستجد أن أهدافه محددة فقط بما يسيء للعرب أنفسهم وأن هذه المضغة شأنها شأن القلب العربي يصعب أن تصلح ولو صلحت لصلح الجسد كله.

يا هلال عزّك عزّنا

عندما يكون أداء الفريق، أي فريق مرتبطاً بمصير غيره سواءً كان هذا الغير فرداً أو جماعة فإن أمر تدريب هذا الفريق وتطويره والرفع من مستوى أدائه موضوع لا يخص ذلك الفريق والقائمين عليه فقط بل يخصنا جميعاً ومن حقنا ان ندس أنوفنا في عمق هذا التدريب وذاك التطوير ونتساءل عن جدواه.

وموضوع توقيع عقد لتدريب المسعفين لتجهيزهم ليصبحوا أعضاء في فريق الهلال الأحمر السعودي أمر يتعلق مباشرة بحياتنا جميعاً وسلامتنا جميعاً وفرصة إنقاذ حياة أي واحد منا أو التسبب مباشرة في فقداننا لنعمة الحياة أو جزء من صحتنا.

لهذا السبب أرى أن على جمعية الهلال الأحمر السعودي أن لا تكتفي بمجرد إطلاعنا على خبر مقتضب غامض عن توقيع اتفاقية تدريب مسعفين مع قطاع خاص، دون اطلاع الناس، كل الناس على تفاصيل تلك الصفقة التي تمت على مستوى تمثيل رفيع للطرفين حسب ما ظهر في الصور حيث مثّل الجمعية رئيسها ومثّل القطاع الخاص رئيسه لكن مستوى الوضوح في الخبر المكتوب كان ضعيفاً جداً.

لم تذكر الأخبار بنود العقد أو الاتفاقية التي وقعت باحتفالية كبيرة وفلاشات و”بشوت!!”.

ولم يصرح عن التزامات كل طرف بل لم يتم التطرق ولو على أقل تقدير لما يبعث على الاطمئنان بأن الجانب الأكاديمي للتدريب ومنح الشهادة يتم تحت مظلة جهة أكاديمية محايدة مثل احدى الكليات المتخصصة في واحدة من جامعاتنا!!.

حتى مقر تلقي التدريب العملي والنظري لم يحدده الخبر، بمعنى هل يتم في الجمعية بصفتها الميدان الفعلي للممارسة في مراكزها وسياراتها وإذا كانت الجمعية تتحمل العبء الأكبر في هذا الصدد فما هو الداعي لأن يكون مانح الشهادة قطاعاً صحياً خاصاً؟!

وهل هو مجرد جهة جباية لرسوم منح الشهادة؟! وإذا كان كذلك فكم نسبة الجمعية طالما أنها تتحمل عبئاً من التدريب؟! ولعل السؤال الأهم هو لماذا لا تتولى جمعية الهلال الأحمر السعودي تدريب هؤلاء الطلاب إلى جانب تدريب منسوبيها خصوصاً وأنها جهة الممارسة الفعلية ويفترض أن تتولى مثل هذه الجمعية توفير البنية التحتية ومن أهم عناصرها إنشاء مركز للتدريب الذي لا يمكن الاعتماد فيه على التعاقد مع جهة لا تمارسه فعلياً!!.

إن الإسعاف أداة أساسية لحياة المجتمعات مثله مثل الشرطة والدفاع المدني بل لا يقل عن أهمية الماء والهواء لأن الحياة قد تفقد إذا غاب أو نقص!! لذا فإن من حقنا أن نطمئن على كفاءة أفراده وأجهزته لأن عز الهلال الأحمر عز لنا وعكس ذلك وبال علينا!!، والواقع وباعتراف القائمين على الجمعية أنفسهم فإن المسعفين يفتقرون للتدريب والمهنية وأن التجهيزات وخاصة السيارات قاصرة ومتهالكة.

وإذا كانت الجمعية تعرضت لعملية غش في دفعة كبيرة من السيارات فإن الغش في المسعفين سيكون أخطر بكثير خاصة إذا كانت مخرجات المسعفين تتخذ الطابع المادي البحت بمعنى “ادفع 25ألف ريال تتخرج مسعفاً خلال سبعة أشهر ووظيفتك مضمونة”!!

هل نتفق إذاً أنه من الضروري أن نطلع على بنود تبعث على الاطمئنان على أن مخرجات المسعفين مؤهلة ومعتمدة وأن التدريب يتم تحت مظلة أكاديمية حكومية دقيقة وأن جهة التدريب ليست مجرد مكاتب منح شهادات!! وأن الأمر برمته ليس لمجرد التنفيع.

مختل ووزراء وسلاح!!

ترى كم ذمة تتحمل وزر ما حدث للعائلة في حي السويدي جراء إطلاق مريض نفسي النار على زوجته وأخويه وقتل الزوجة وأحد الأخوين وإصابة الآخر.

كم ذمة تتحمل الصدمة النفسية التي تعرض لها أطفال تلك الأسرة.

الجيران أكدوا أن الرجل يعاني من مشاكل نفسية ويراجع العيادات النفسية لهذا الغرض!! .

لقد كتبنا كثيرا عن الوضع المزري للمرضى النفسيين في هذا البلد الذي وصل إلى أعلى درجات الرعاية الصحية لمرضى القلب والكبد والعيون والأسنان والنقرس وتوسلنا أكثر ورجونا أن ينظر إلى الإهمال العجيب للطب النفسي في مجتمعنا.

شخصياً توسلت تحت عنوان “المجانين ياأولي الألباب” و”نصف الصحة المهمل” و”مريض نفسي يخاطب مجلس الشورى” مشيرًا إلى أن المريض النفسي الذي خلع ملابسه وارتمى على إحدى السيارات الفخمة في حي المؤتمرات قرب مبنى مجلس الشورى ربما كان يريد أن يرسل رسالة ما ليستنجد بأعضاء المجلس بعد أن أصابه اليأس من القائمين على الصحة.

استشهدت عدة مرات بحادثة إطفاء هيجان مرضى مستشفى الصحة النفسية بالرياض باستخدام خراطيم الماء على مرأى من وزير الصحة آنذاك الحجيلان ووكيله السويلم.

عندما نتساءل ترى كم ذمة تتحمل وزر ما حدث لزوجة وأخوة وأبناء المريض النفسي وغيرهم من أقارب مرضى نفسيين تعرضوا لأذى غير مقصود فإنما نقصد أن ذمة وزير الصحة الحالي ووكلائه ومستشاريه ليست المسؤولة الوحيدة.

وزراء الصحة منذ بداية الطفرة وحتى الآن تتحمل ذممهم مسؤولة كبيرة.. ووكيل وزارة الصحة السابق الطبيب عبدالرحمن السويلم الوكيل المخضرم الذي عاصر ثلاثة وزراء وشهد حالة الإطفاء تلك يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية.

عشرات السنين مرت بما فيها سنوات الطفرة ولم يشهد المرض النفسي أدنى اهتمام أو تطوير بل على العكس، كلما زاد عدد المرضى النفسيين، كلما زادت الإجراءات البيروقراطية في موضوع رعايتهم وزادت تعقيدات الموافقة على قبولهم في المصحات وتفننت التعليمات المتسمة بالتعقيد في أمر صرف أدويتهم “مريض نفسي أعيد إلى الخرج دون صرف أدويته لأنه لم يحضر صورة الحفيظة!”

منذ سنوات الطفرة وحتى اليوم كم استحدث من مراكز زراعة الأعضاء رغم ندرة المتبرعين؟! وكم افتتح من مراكز جراحة القلب المفتوح في المدينة الواحدة؟ وكم في المقابل أضيف من سرير لمستشفيات الصحة النفسية رغم سوئها وشح أدويتها وسوء نظام توفيرها وصرفها وضحالة تأهيل الكوادر الطبية غيرالوطنية العاملة بها؟!

لو كان لدينا مفهوم صحيح للتعامل مع المريض النفسي فهل يترك في منزله دون التأكد من عدم وجود أي احتمال ولو ضئيل لانتكاسته؟! لو كان لدينا تقدير لخطورة الانتكاس، هل كان المريض النفسي لا يحصل على مدد كاف من الدواء إلا بواسطة! وبعد أن يطرق ذووه كل أبواب المستشفيات المتقدمة؟.. ولو كان لدينا أسلوب صحيح في التعامل مع المريض النفسي هل يترك دون دراسة وضعه الأسري عن طريق الاخصائي النفسي والاجتماعي بل لو كنا نقدِّر خطورة الانتكاسة النفسية هل نسمح لمريض نفسي بحيازة السلاح؟! لو أجري بحث ميداني على ذلك المريض أو غيره عن طريق الاخصائي الاجتماعي وعرف من أهله ما يحدث عند انتكاسته وعرف حوزته للسلاح لكان قد طلب سحب سلاحه أو إخفاءه وتأكد من توفر أدويته أو نبّه طبيبه إلى ضرورة احتوائه لكن كل هذه الإجراءات الأساسية لا تتم إلا بوجود اهتمام وإحساس بحاجة هذه الفئة من المرضى يبدأ من المسؤول عن الصحة ووكلائه ولعلي أكرر ما قلته سابقا من أن مشكلة المريض النفسي أنه لا يمدح وإذا مدح فمدحه كالقدح لذا فإنه لا يجد اهتمام الباحثين عن الإعلام.