اليوم: 18 يونيو، 2003

هرم وهوامير!!

نحتاج كثيراً إلى إعادة النظر في تعاملنا مع جيل الشباب، ليس الشباب العاطل عن العمل وحسب بل الشباب الموظف الذي يعمل بجد وإخلاص ويذهب التكريم والامتنان إلى رؤسائه فقط.
تحتاج إلى أن تكون أصغر من سنك كثيراً وأصغر من مركزك الوظيفي أكثر لكي تشعر عن قرب بأن كثيراً من صغار الموظفين هم بالفعل من يقفون خلف كل إنجاز حقيقي لكن التقدير الحقيقي الملموس يذهب لغيرهم.

لا أقول أن تنزل إلى مستوى صغار الموظفين، لأنني لا أعتبره نزولاً بل هو صعود إلى واقع العمل الدؤوب المخلص وعندما تنزل إلى مستوى كبار الموظفين تجد أن الراتب والبدلات والمكافآت والانتدابات تصرف مقابل المجهود الأقل، ليس المجهود البدني وحسب بل حتى المجهود الفكري في مجالات التخطيط والتطوير وصنع القرارات واقتراح الحلول ستجد أن الشباب يعمل والتقدير إلى رؤسائهم يذهب!!.

وإذا كان الشباب العاطل في حاجة إلى عمل يشغله عن أي انحراف فإن الشباب العامل في حاجة إلى تقدير يحميه من أي إحباط.

عندما أرى صغار الموظفين يعملون بمنتهى الجدية والتضحية سواء في الأعمال اليومية أو في المهمات الخاصة وأعني الحفلات والمؤتمرات والمناسبات المستعجلة التي تستدعي العمل ليل نهار وفي كل المواقع وعلى كل الأصعدة أشعر أنهم أهل للتقدير المعنوي والمادي وأتمنى تطبيق الهرم المقلوب في مجال المكافآت والبدلات والانتدابات وعندما أتذكر أنهم خلف كل إنجاز حقيقي ونجاح ملموس في جميع وزاراتنا ومؤسساتنا الحكومية والخاصة أشعر أن الهرم المقلوب يفترض أن يطلق حتى في سلم الرواتب.

الهرم المقلوب فيما يخص المكافآت هو أن تكون المكافأة الأكبر للموظف ذي المرتب الأصغر لأنه في واقع الأمر هو من عمل أكثر في المناسبة التي صرفت المكافأة من أجلها ونفس الشيء يفترض أن يسري على البدلات والانتدابات، لكن الواقع عكس ذلك تماما فكبار الموظفين الذين ربما حضروا المناسبة للتشريف وأسكنوا الفنادق الراقية “يذهبون بالأجور” فيكون لهم جزيل العطاء دون جهد وأعلى انتداب دون حاجة بينما صغار الموظفين الذين لم تكن المناسبة لتتم دون جهودهم وربما ناموا في سياراتهم أو في المواقع (إذا كتب لهم أن يناموا) لا يحصلون على ما يعوض ما صرفوه هذا إذا لم يمن عليهم بخطاب شكر.

والهرم المقلوب فيما يخص سلم الرواتب يفترض أن يعتمد على شراء المجهود والفكر معاً وهو ما يعتبر شبه مستحيل في القطاع الحكومي الذي يعتمد كلياً على الأقدمية “وربما القدم” وأرجو أن لا تعتبر المطالبة ضرباً من ضروب المبالغة في المثالية، فإن أخذنا في الاعتبار أن الرئيس أو المدير في دوائرنا الحكومية ليس بالضرورة الأكثر تأهيلا أو قدرات فإن من الطبيعي أن نطالبه بدفع ضريبة الراحة والسيادة وأن يكون الراتب لحجم الإنتاجية ودرجة التأهيل.

القطاع الخاص أدرك أهمية شراء الجهد فأصبح يستقطب الكفاءات الشابة بمرتبات عالية لأنه يعرف تأثيرها في الإنتايجة والربح، هذا مع استثناء الشركات المساهمة بطبيعة الحال، حيث تبقى السيطرة واتخاذ القرارات في أيدي قدامى الهوامير ممن لا يشكل لهم الاهتمام بالربح رقماً يذكر مقابل الاهتمام بتحقيق أرباح شخصية لمجلس الإدارة والقيادات العليا.

أضعف الإيمان أن نخرج باتفاق على أن تقدير جهود الشباب العامل وتشجيعهم يحثهم على الانشغال بالعمل ويشغلهم عن حتى مجرد التفكير في غيره وهو أمر لا يقل أهمية عن إيجاد فرص عمل للشباب العاطل.