الشهر: مايو 2003

أسرار حريق مكة

قلوب أخرى يعتصرها الحزن في زاوية أخرى من مجتمعنا يبدو أن الإعلام انشغل عنها فانشغل عنها المسؤول عن حزنها وتركت تطعنها علامات الاستفهام من كل جانب.
إنهم أسر ضحايا حريق أحد الفنادق في مكة المكرمة والذي ذهب ضحيته عدد غير قليل من الأرواح منهم عدد من طلاب معهد العاصمة بالرياض كانوا في رحلة مدرسية لأداء العمرة.

انشغلنا عنهم بضحايا الغدر والارهاب ومن حقهم الآن أن نلتفت اليهم ونفتح ملف حزنهم، فأبناؤهم هم أيضاً من ضحايا غدر الضمير، صحيح أن غدرهم جاء عن طريق تخزين مجموعة مراتب اسفنجية لينة في مكان غير مناسب واحتراقها لكن النتيجة كانت قاسية جداً.

هم لا يريدون غير الحقيقة، لا يريدون غير معرفة المتسبب في ذلك القصور الذي أدى الى فقدهم ثمرة قلوبهم رغم ما بذله الضحايا من جهد لمحاولة الخروج. يريدون معرفة كل مواطن القصور واعلانها وكشفها بشفافية مطلقة ثم اجتثاث أسبابها ومعاقبة كل مقصر. هذا لأنهم يريدون معالجة مشاكل الاهمال المتعمد من أجل أهداف مالية بمقابل مادي وتعريض الأرواح للخطر مقابل خفض مصاريف المستثمر وتحقيقه لأعلى الأرباح متناسياً أن الخسارة الحقيقية هي خسارة الأرواح، وأن أعنف طرق الموت أن تموت ببطء لأن غيرك لم يتحرك بسرعة!! ان تشرف على الموت وأنت تعلم أن قاتلك هو اهمال من أمنته على حياتك ومن دفعت له النقود مقابل كل خدمة يقدمها لك ثم نما نقودك مقابل خداعك بتقليص الخدمات واهمال الاحتياطات وعدم توفير سبل رخيصة للنجاة، ثم ان الرقيب عليه الذي يتقاضى أجراً على عمله تغاضى عن الرقابة او أغمض عينه عن الخطأ.

نعم، يكفي لتأكيد تضحية صاحب الفندق بالأرواح مقابل التقتير وتوفير الصرف أن أجهزة الانذار لم تعمل رغم الدخان الكثيف، دخان أخمد الأنفاس ولم ينعش جهاز انذار الحريق، مما جعل أولئك الشهداء يجوبون أروقة الفندق لانذار السكان (!!) (انه الفرق بين من يضحي بأنفس بريئة لتوفير قيمة جهاز ومن يضحي بنفسه لتعويض غياب الجهاز).

ويكفي لتأكيد الاهمال أن طفاية الحريق لم تكن تعمل حسب ما أكده الأحياء من ضحايا الحادث وأن مخارج الطوارئ كانت عبارة عن أبواب ألمنيوم مقفلة وبدون مقبض لفتح الباب وبدون أي وسيلة عادية لفتحها عند الطوارئ، ناهيك عن الطرق الآلية التي يفترض أن تفتحها مباشرة عند حدوث الطارئ.

إننا أمام حادثة في فندق لم يذهب ضحاياها لأن النار كانت أكبر من أن يسيطر عليها فالفندق لم يحترق بالكامل، ولم تلعب الظواهر الطبيعية دورا في الحريق ونقصد الرياح الشديدة او الصواعق، لقد راح الأبرياء نتيجة دخان اسفنج، تعطل أجهزة الانذار، مخارج طوارئ صورية مغلقة غير قابلة للفتح وطرقات ضيقة جداً وطفايات حريق فارغة.

بعد جشع المالك يأتي السؤال لاهمال الدفاع المدني فإن كان لا يعلم عن جوانب القصور في الاحتياطات فتلك مصيبة وان كان يعلم فالمصيبة أعظم وأخطر وأجدر بتدخل جهاز آخر للمساءلة.

يقول الدفاع المدني انه يجري جولات تفتيشية ويطالب بتجارب وهمية او هكذا نقرأ!! فهل هذه الجهود تقتصر على فنادق الخمسة نجوم؟! أين سكن الضعوف من التأكد والاحتياط والمتابعة. أين فنادق الدرجة الثانية والثالثة من الحرص إن وجد.

إن الأرواح هي الأرواح والخسارة هي الخسارة ودرجة الحرص يجب أن تكون واحدة. وما حدث من تقصير في ذلك الفندق لا ينم عن انه كان مراقباً او سبق تفتيشه إلا إذا كان الرقيب أعمى او بالغ في اغماض عينيه.

مستوصف الاستفزاز الطبي

سبق أن كتبت عن إمهال الوزراء الجدد فترة ثلاثة أشهر دون توجيه النقد لهم لأنها فترة الاطلاع على أحوال الوزارة، وأرى أن من الضروري ان نسهم في إطلاعهم على بعض الأحوال.
أسوق إلى معالي الدكتور حمد المانع شكوى للمواطن صالح بن محمد الحواس، مما نعانيه جميعاً من استبداد المستوصفات والمستشفيات الأهلية خاصة في مباشرة الحالات الإسعافية معتمدين في ذلك على تصريحات سابقة لمعالي وزير الصحة السابق تقضي بتحديد استقبال الحالات الإسعافية بالحالات الحرجة جداً “وليس ثمة تحديد للحرجة” وكنت اعترضت على ذلك التصريح الصحفي المعلق في غرف الإسعاف عدة مرات دون استجابة ولا زال الوضع الخطير قائماً وإليكم قصة أخطر بكثير يرويها ذلك الذي ذهب ضحية هو ووالدته والناس والدورية لممارسة حرق أعصاب وإهانة من قبل طبيب “المستوصف الطبي الحديث” في حي الربوة، يقول المواطن:

في صباح يوم السبت الموافق 1424/3/23هـ كنت أقود سيارتي وبمعيتي والدتي في داخل احدى الحارات بالقرب من شارع الأمير متعب بن عبدالعزيز في الربوة وحدث التصادم المروري في أحد التقاطعات في الساعة الحادية عشرة إلا ربعاً مع سيارة جيب وقد تم اسعاف والدتي من قبل اثنين من المواطنين وكانت حالتها حرجة للغاية والذي تبين بعد ذلك انها مصابة في رأسها وانتفاخ في شق وجهها الأيمن وفك حنكها السفلي وثمانية كسور في أضلاعها اليمنى وكسر في حوضها كما هو مبين في التقرير ولأن الحادث وقع بالقرب من المستوصف تم نقلها إلى ذلك المستوصف، وكان استقبالهم سيئاً وبمنتهى البرود وحاول أحد منسوبي المستوصف وضعها في كرسي متحرك لكن أحد المسعفين رفض هذه الطريقة البدائية خوفاً من تفاقم اصابة والدتي وامتداد أثر الاصابة إلى العمود الفقري وأصر جزاه الله خيراً بضرورة أن تحمل على نقالة كما هو متبع في مثل الحالات الحرجة. وكنا ننتظر من الطبيب المناوب ان يتفاعل مع حالة والدتي لكنه حينما كشف عليها سأله أحد المسعفين عن حالتها فأجاب ببرود شديد “حالتها غير مستقرة” ثم تركها مع ممرضتين، وبدل أن ينهي معاناة والدتي ويؤدي رسالته الطبية المؤتمن عليها تجاه المرضى ذوي الحاجات الحرجة غير المستقرة رأيناه يشرع في استقبال حالة أخرى عادية جداً، على الرغم أنني كنت أعاني من ألم شديد في رأسي حتى أنه لم يكلّف نفسه أو يأمر غيره بالكشف عليّ، ألا يخشى هذا الطبيب أنني أعاني من نزيف داخلي من جرّاء الحادث وربما تطور الأمر إلى أبعد من ذلك. لماذا لم يكشف عليّ؟ بل تركنا أنا ووالدتي كل في غرفة نعاني الأوجاع والآلام وسط اندهاش واضح من الجميع لهذا التصرف غير المسئول فضلاً عن نفسيتي وأنا أشاهد والدتي أغلى وأعز إنسان عليّ في هذا الوجود وهي في حالة لا يعلمها إلا الله وكل المؤشرات تؤكد أنها إن تركت بهذا الشكل ستقضي نحبها ثم بدا على والدتي خفوت صوتها مع أنها في الأصل كانت لا تشعر بمن حولها في إغماءة متواصلة، فما كان من الحاضرين إلا أن دخلوا على الطبيب وأخبروه بأن حالتها تسوء تدريجياً وأن سيارة الاسعاف الخاصة بالمستوصف قد وصلت، وعلى الرغم من وصول السيارة متأخراً بعد مرور 25دقيقة تقريباً إلا أنها مع الأسف لم تكن مجهزة بالمعدات الطبية اللازمة، وظننا أن مجيء سيارة الإسعاف كفيل بنقل والدتي لكن الجميع فوجىء بتعنت المذكور وغطرسته واحتقاره للحاضرين وصار يزمجر ويرعد دون احترام لأحد ويعلنها صراحة بعدم نقل والدتي عبر سيارة الاسعاف وأن نظام وزارة الصحة يقضي بمراسلة أي مستشفى ولابد من أخذ الموافقة بالنقل عن طريق الفاكس وأن الوزارة هي المسئولة بهذا الشأن وبدون ذلك فانه لا يتحمل المسئولية، وحاولنا ثنيه عن قراره التعسفي لكنه أصر على موقفه، وحينما طلب منه رجل الدورية ضرورة نقلها خوفاً على حياة والدتي تشدد المذكور في موقفه طالباً من رجل الدورية إثبات هويته وكأن المسألة تحدّ بينه وبين الحاضرين بمن فيهم رجال الأمن وقد حمّله الحاضرون جميعاً مسئولية ما يجري وانه بهذا التصرف يكون سبباً مباشراً في وفاة والدتي لكن ذلك لم يزده إلا غطرسة وتكبراً، وفي نهاية المطاف وبعد توسلات وإلحاح من الجميع وافق على نقلها، ولا أدري هل وافق من تلقاء نفسه نتيجة الضغط المتزايد من الحاضرين؟ أم أنه تلقى رداً عن طريق الفاكس بقبول نقل والدتي.

ومع الأسف لم يكن طاقم المستوصف مهيئين لحملها فشاركهم الحاضرون في نقلها، ومما زاد الطين بلة أن السيارة لم تكن مهيئة وظهر الارتباك على الطبيب والممرضات حتى أن أحد المواطنين شارك في فك أنبوبة الاوكسجين الموجودة في المستوصف للاستفادة منها أثناء نقل والدتي إلى مستشفى الشميسي، وظلت والدتي فترة وهي في سيارة الاسعاف في هذا الحر الشديد، دون وجود أي طاقم اسعافي يذكر، وكانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهراً وعشر دقائق، ووصلت بحمد الله إلى المستشفى وهناك تم تشخيص حالتها ولازالت ترقد في الشميسي.

وللمعلومية فعناوين المواطنين المسعفين ورجل الدورية وصاحب الجيب رجل المرور “الطرف الثاني في الحادث” جميعهم مستعدون للشهادة بما ذكر.

انتهى ما ورد في رسالة المواطن. بالنسبة لي سيكون شرح أبعاد هذه السلوكيات لاحقاً لإنارة معالي الوزير ولو “بسراجي” المتواضع وأكتفي اليوم بالإيضاح للمواطنين والمالك الذين قد ينخدعون بما ذكره ذلك الطبيب الأهوج عن ضرورة ارسال فاكس كمتطلب من وزارة الصحة بأنه وبسبب جهله المدقع “وهذه مشكلة أخرى أخطر من ضعف المؤهلات وضعف النفس” أقول أنه بجهله خلط بين مخاطبة المستشفيات لنقل حالة مرضية مستقرة تبحث عن سرير شاغر في مستشفى وبين نقل حالة اسعافية عاجلة لا يستطيع المستوصف مباشرتها وفي وضع والدة المواطن فإن الحالة اسعافية صرفة، حرجة شديدة الخطورة تستدعي استخدام سيارة الإسعاف التابعة للمستوصف لنقلها فوراً.

جمعية “الإحتجاج” الأحمر

أشرت ومراراً الى حمى حرص بعض المسؤولين على نشر ما تنجزه إدارته من عمل روتيني عادي في الصحف وكأنه إنجاز خارق للعادة حتى تحولت الصفحات الخاصة بالأخبار المحلية إلى مقتطفات من التقارير السنوية.
وهذه الظاهرة أشتهر بها عدد من المسؤولين، إما لانسحاب الأضواء أو للنهم الشديد للأضواء الذي لا يصل حد الشبع منها مطلقاً.

وأنا أحذر من هذا السلوك توقعت أن يصل إلى حد مقزز يستفز مشاعر العقلاء ويستغفل القارىء بطريقة فجة لأن أي شخص لديه ذهنية أقل من العادية يدرك أن ما كتب على شكل خبر هو صميم عمل المؤسسة أو الإدارة ليس فيه جديد يعطيه صبغة الخبر وأن نشره مجرد أحد أعراض مرض التشبث بالكرسي أو إفلاس الإنجازات الحقيقية.

لكنني لم أتوقع مطلقاً أن يصل الأمر إلى حد المهزلة والتبجح الذي يجسد احتجاج مدير عام التدريب والتطوير والإسعاف والمشرف على الخدمات الإسعافية بجمعية الهلال الأحمر السعودي الأخ موفق عطا البيوك المنشور يوم الجمعة 1424/3/22هـ عندما نشر “توضيحا” يحتج من خلاله على مدير الدفاع المدني بمنطقة الرياض اللواء مسفر الجعيد لأن الأخير في تصريحه حول حريق فندق رمادا الشرق بالبطحاء لم يذكر أن جمعية الهلال الأحمر السعودي ساهمت بنقل أربعة مصابين إلى المستشفى وعلاج ستة في مكان الحادث. ويستغرب البيوك عدم الإشارة في تصريح الدفاع المدني لتلك المعلومات!!.

لست هنا للدفاع عن الدفاع المدني، بل سيكون لي وقفة طويلة معه خاصة في موضوع حريق أجياد بمكة، لكن إحتجاج وإستغراب البيوك يدعو للشفقة على حال جمعية الإنقاذ التي تحتاج إلى منقذ، فمدير الدفاع المدني ذكر في الخبر المنشور يوم الخميس 1424/3/21هـ في هذه الجريدة بالحرف الواحد “وتم نقل عدد أربعة أشخاص منهم إلى مستشفى الإيمان” فهل لابد أن يذكر أن من نقلهم هي سيارة الإسعاف؟! وأن يذكر لنا لونها ورقمها وأنها تحمل رسمة هلال أحمر على إجنابها وتسير على كفرات؟!!.

أجزم أن الأخ منسوب جمعية الهلال الأحمر لا يخشى على القراء أن يعتقدوا أن المصابين نقلوا للمستشفى بواسطة “ليموزين” لكنه يرى أن نقلهم بواسطة سيارة الهلال الأحمر هي “جهود جبارة” تستحق الذكر والإشادة بعملية تشغيل أضواء السيارة وإدارة محركها ووصولها للمستشفى دون عطل (ربما لأن الأعطال هي سمة سيارات الجمعية، خاصة الجديد منها!!).

أنظروا كيف أثرت سياسة الجمعية في موظفيها!!. فلأن هذه الجمعية جبلت على حب الإعلام والظهور بمناسبة وبدون مناسبة وتعودت على نشر كل حركة لسياراتها على أنها إنجاز فقد شابه الإبن أباه، بل فاقه في المبالغة في حب الذات حتى وصل درجة الاحتجاج على الغير حين لا يشيد بعمله الروتيني الطبيعي!!.

فهذا هو مدير عام التدريب والتطوير والإسعاف والمشرف على الخدمات الإسعافية بالجمعية يحتج ويستغرب عدم ذكر “جهود” الجمعية بنقل أربعة مصابين في حريق.

وبالمناسبة، ألا يلفت المسمى الطويل جداً للوظيفة أو الوظائف النظر إلى أمر هام وهو أن جمعية الهلال الأحمر لبلد بحجم قارة يتولى فيها شخص واحد مناصب التدريب والتطوير والإسعاف والإشراف على الخدمات الإسعافية، شخص واحد فقط لكل هذه المناصب الهامة لماذا؟!!. هل عدمنا الكفاءات لتصبح جمعية الرجل الواحد. ثم إن التدريب والإسعاف والخدمات الإسعافية يفترض أنها أضداد. ومن المصلحة أن يشرف على كل منها شخص مختلف، فالإسعاف يكشف عيوب التدريب والخدمات الإسعافية تكشف قصور الإسعاف والعكس صحيح. أما بهذا المسمى الطويل الشامل الذي يلغي أدوار الأخرين فلم يتبق إلا إضافة و”مشغل الونانات”!!.

مفاطيح الفيلة

في هذه الزاوية من الأسبوع الماضي تطرقت إلى ضرورة أن يفوض الوزير إلى بعض موظفيه تولي أمور الشكليات التي يشغل بعض الوزراء وقتهم الهام بحضورها أو (تشريفها) مع أنها أقل أهمية بكثير من مهام كثيرة يفترض أن يتفرغ لها الوزير ويترك تشريف الحفلات والجوائز والافتتاحات للموظف الأقل أهمية في عامل الوقت.
ثمة أمران هامان لم تتسع المساحة للتطرق لهما مع أنهما امتداد لهذا الموضوع ضمن قائمة سلبياته:

الأول أن عدم إنابة الوزير لأحد نوابه أو وكلائه أو المدراء العامين أو غيرهم ربما يعني حرصه على أن يكون النجم الوحيد في الوزارة أو في الصورة، مع أنه حصل على قمة التتويج نجماً بحصوله على الحقيبة الوزارية وتجديدها ولا ضير أن يتعرف المجتمع على نجم آخر يوفر وقت الوزير لقضايا أكثر أهمية وأحوج للوقت، خاصة أن الوزارة بمقياس الإنجازات تمثل مجموعة رجال كل منهم له دوره الهام الذي يستحق النجومية.

الثاني في قائمة السلبيات لحفلات الشكليات التشريفية هي تلك العادة التي لا تتناسب مع ما حققناه من تطور في الوعي على أصعدة كثيرة انعكس في شكل تلاش تدريجي لسلوكيات غير حضارية، إلا أن هذه الجزئية السلوكية تزداد سوءاً مع مرور الزمن، وأقصد هنا المبالغة في ولائم تلك المناسبات التي وصل فيها التسابق حداً يستوجب إعادة النظر والردع والتوقف.

أقول إننا حققنا وعياً ملموساً في سلوكيات كثيرة، ولعلي أستشهد على صعيد مشابه بولائم الزواجات والدعوات الخاصة فقد نجحنا بحكم الوعي في تحويل الكثير منها من ذبح عدد كبير من الأغنام إلى مائدة (بوفيه) مفتوح معقول التكلفة، قليل الهدر.

أما في مناسبات الافتتاح والزيارات الرسمية فإن العكس تماماً يحدث خاصة في حفلات القرى وبعض المدن فقد ازداد التنافس حدة وتحول من جعل خمسة من مفاطيح الغنم لعلية القوم وبقية الصحون لعامتهم إلى استعراض أكبر عدد ممكن من الذبائح على مسافة كبيرة من الأمتار الطولية من الموائد (هنا استخدم مقياس الطول المتري للمائدة كرقم قياسي للتنافس).

واستمر التباهي على أشده إلى أن أصبحت مفاطيح الأغنام مجرد (كبة مقلية) تستخدم لتزيين المائدة التي تتكون من قطيع من الإبل (الحواشي) يربض كل واحد منها على كيس من أرز طبخ لكي يرمى مطبوخاً!!.

وصل الرقم إلى عشرين (حاشي) وخمسين خروف في إحدى المناسبات، ولعل هذا الرقم حطم دون أن أعلم فلماذا؟!!.

لمصلحة من هذا الهدر في النعم والأنعام؟!!.

قد يقول قائل إنها تذهب للجمعيات الخيرية لأنها بطبيعة الحال لا تلمس فالمسؤول واع في أمر صحته، ويتبع حمية صحية، والواقع أن ما يذبح من الإبل والأغنام لو وزع على خمس محافظات لأشبع سكانها فأي جمعية خيرية تستوعب هذا الكم؟!!!.

هذا التنافس الجاهل شبيه بتطاول الحفاة والعراة للبنيان يوحي باقتراب الساعة وحمداً لله أن الفيل لا يؤكل وإلا لأصبحت الموائد القادمة من مفاطيح الفيلة!! لأن مقياس التنافس هنا أصبح وزن الذبيحة (كيلوجرام وزن مع الابقاء على المتر الطولي).

اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال وارزقنا شكر النعمة والشكر يكون بتقديرها!!.

تفويض شكليات الوزير

إذا كان تفويض الصلاحيات في الأمور التي لا تستدعي موافقة المسئول الأعلى في الهرم الإداري أمرا بالغ الأهمية في تسيير الاجراءات وسرعتها وتوفير وقت المسئول لما هو أهم، فإن من باب أولى ان يبادر المسئول الجاد الراغب في استغلال وقته وفكره لخدمة الهدف الذي أختير من أجله إلى تفويض الشكليات وحضور التشريفات إلى من وقته أقل أهمية من وقت الوزير ومهامه أقل ثمناً من مهام الوزير وقدرته الخاصة والشخصية ومؤهلاته أقل من الوزير!!
واقع الحال ان بعض الوزراء لدينا يجند جل وقته لحضور مناسبات تشريفية لا تضيف أي جديد على موضوع اطلاعه عن كثب على سير أمور وزارته ولا علاقة لها البتة فيما يمكن ان يتخذه من قرارات أو يكتشفه من قصور أو يتنبه اليه من خطوات تطويرية، ومع ذلك فإنه يتشبث بهذه المناسبات ويعض عليها بالنواجذ ولا يفكر أو يقبل بتنويب أحد موظفيه ويفترض انه من الموظفين الأقل حساسية في عامل الوقت ليحضر هذه المناسبة ويطلعه على ما تم فيها وإن كان ما يتم في تلك الحفلات والمناسبات لا يعدو كلمات مجاملة وشيئا من الشعر وكثيرا من الكوليسترول!!

حتى المجتمع والمؤسسات والأشخاص المقربين يفترض ان يكفوا عن احراج كبار المسئولين بطلب حضورهم حفل تكريم أو جائزة أو افتتاح لأن الوقت قد حان لنصل إلى درجة من الوعي بأهمية الوقت، وقت المسئول، ووقت المسئولية فنكف عن تجاهله لمجرد تحقيق نشوة ذاتية مفادها “حفلنا حضره الوزير”!!

فللوزير وقت، وفكر، وطاقة، وجهد، ونبوغ وتميز ذهني، ورؤية واسعة “أو هكذا يفترض ان يكون” وكل هذه الخصائص يجب ان لا تهدر بتحويل الوزير إلى أداة طقوس احتفالية!!

لكننا يجب أن نعود ونؤكد ان أمر عدم الاستجابة لرغبات واحتفالية ونشوة ذاتية لشخص أو عدة أشخاص هو أمر بيد الوزير نفسه، بما في ذلك تحكمه في هوى نفسه بأن يكون موضع احتفاء فقط، تتجه نحوه الأنظار، ويطلب منه الجلوس على الكرسي الأرفع “الأوثر”!! ألا يكفي كرسي الوزارة؟!

الإنشغال بشد الرحال لكل احتفال أو افتتاح أو جائزة أسرية خارج المدينة مقر الوزارة أو حتى داخل المدينة يتنافى مع واحد من أهم أسس الإدارة وهو ادارة الوقت، فالوزير لو أستغل عشر ذلك الوقت الضائع في الاجتماع بصغار موظفيه لبانت له أمور كثيرة، كبيرة، ثمينة وسيكتشف أن تخصيص جل وقته لحضور حفل جائزة آل فلان أو آل علان لم يكن قراراً رشيداً.

إن المهم في تقدير معنى الاحتفال هو تمثيل الوزارة وليس تمثيل الوزير والوزارة حافلة بالممثلين غير النجم الوزير!!

لوحات التربية والتعليم

لا تلومونا إذا توقعنا، لأننا وبناء على التجارب والخبرات السابقة ومعرفة الأشخاص وميولهم وتوجهاتهم وأولوياتهم في اهتماماتهم نتوقع!!
وإذا كان توقعنا لأمر غير مستحب فإننا نتمنى أن نكون مخطئين وأن لا يحدث ما نتوقع.

أتوقع “والله أعلم” أن وزارة التربية والتعليم بمسماها الجديد تضع ضمن أولوياتها ومشاريعها العاجلة، مشروع تغيير جميع لوحات مدارس البنين والبنات في كافة مدن وقرى وهجر المملكة لتحمل اللوحة الجديدة مسمى “وزارة التربية والتعليم” بدلاً من “وزارة المعارف”.

هذا التوقع يأتي كما ذكرت بناءً على رصد سابق للاهتمامات والتوجهات وترتيب الأولويات، وأتمنى من كل قلبي أن أكون مخطئاً لأننا نعلم جميعاً أن ثمة احتياجات أساسية للمبنى المدرسي الحكومي لكي يكون مقراً للتربية والتعليم أهم من تعريفه بلوحة!!

المبنى المدرسي عادة له أكثر من باب وأكثر من واجهة وهذا معناه أن كل مبنى سيحتاج إلى تغيير لوحتين أو أكثر وعندما تجري عملية حسابية بسيطة فإن مشروع التغيير هذا يمكن تحويل تكلفته إلى استبدال وصيانة أجهزة التكييف التي ينتظرها صيف بوادره توحي بالغليان!!

غني عن التذكير أيضاً أن الوسائل الإيضاحية للطلاب وبعضها لوحات أهم من وسائل الإيضاح للجمهور.

أيا كان مسمى الوزارة المسئولة عن التعليم لدينا فإنه يجب عليها أن تدرك أن المسمى هو التغير الملحوظ الذي طرأ على التعليم لدينا منذ أكثر من عقد من الزمان وسبقه بطبيعة الحال الدمج وكلا التغييرين كانا محاولة جادة من الدولة لإنعاش العملية التعليمية والتربوية إلا أن مقر الدراسة والبيئة المدرسية ومناخ الفصل الدراسي ووسائل الإيضاح في المدارس الحكومية لم تتغير على الإطلاق بل ربما تقادم بها العمر وساءت الأحوال أكثر وأكثر. وإن لنا أن نتساءل “إذا لم يلمس المعلم والطالب تحسناً في البيئة التي تعين على الإلقاء والتلقي فمن غير المعلم والطالب نأمل أن يستشعر التحسن”.

مقياس التغير إلى الأفضل إذا ما حدث ستشاهده الأم في عين طفلها وهي تودعه متجهاً للمدرسة سنلمسه في حب الطالب للمدرسة وارتياحه لقضاء الوقت فيها وفرحته بحلول يوم السبت أول الأسبوع وفي تطور تحصيله العلمي وحسن سلوكه.

لقد كنا طلاباً ولانزال، لا أذكر شكل أو حجم أو نوع الخط في لوحة أي من المدارس التي تعلمت فيها لكنني أتذكر جيداً أننا نتحايل على فسيولوجية أجسامنا ونجدول أنفسنا بحيث لا نحتاج لدورة المياه وأن أي “لخبطة” طارئة لهذه الجدولة مدعاة للغياب، نتذكر أن إحدى المدارس بدون ملعب والأخرى نقصدها يومي الخميس والجمعة لنمارس لعب الكرة. نتذكر جيداً أن الكسور في جدار زاوية الفصل كان مصدر إزعاج لطلاب الصفوف الأمامية من زملائهم في الصف الخلفي نظراً لإرسالهم صواريخ جو أرض من الحصى وكسر الاسمنت في وضع يجسد عدم توازن في ميزان التسلح ويفسر كثرة غياب طلاب الصفوف الأمامية، ليس لأن لوحة المدرسة قديمة وباهتة ولكن لأن (الضربتين في الرأس توجع) فما بالك بالثلاث، لا مكيف، لا دورات مياه صحية وقصف مستمر لا يعرف الهدنة.

أنجبنا وكبر أولادنا ولم يجدوا في “سواليفنا” لهم أي جديد، نفس التكييف، نفس الحمامات ربما الاسمنت أصبح أقل صلابة لأن المقاول كان أكثر أمانة.

سعر صرف النفس المسلمة

لن نتحدث عن جانب استنكار ذلك العمل الاجرامي الذي استهدف رياض الأمن وأرض الطاعة والعبادة التي ترعرع فيها العاقون وصلّوا في مساجدها “إن كانوا من المصلين” وسمعوا صوت الحق يعلو في مآذنها والدعاء يرتفع في سمائها قبل وبعد كل فرض وفي ليالي رمضان ورأوا أن مساجدها عامرة بالذكر والدرس النافع وتحفيظ القرآن وتخريج الدعاة المتزنين.. بلد أمين آمن لا يشبهه بلد في تطبيق شرع الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأداء الشعائر بتسهيل وحرية واطمئنان، بل ان الأولوية فيه للدين وشرع الله واليد العليا لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر متبعاً كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم.
لن أتحدث عن جانب الاستنكار لأنه أمر مفروغ منه لا يختلف عليه عاقلان ولا عالم وجاهل وقد عبّر عن استنكاره الجميع وجسدت المنكر فيه صور ومواقف ويكفي لعدم محاولة إضافة جديد في استنكار ما حدث فتوى هيئة كبار العلماء في تحريم ذلك الفعل وهي الهيئة التي دأبنا نحن وآباءنا وأجدادنا على الرجوع إليها في ايضاح كل ما يشوبه الشك في أمور ديننا ودنيانا ومجتمعنا وعلاقاتنا الأسرية قبل أن يعرف أولئك المغرر بهم بل ومن غرر بهم القراءة والكتابة.

إن ما أود لفت النظر إليه في أمر استهداف الكفار أو الرعايا المدنيين لدول الكفر والذي يعتبره أولئك المغرر بهم ضرب من الجهاد إلى درجة بذل النفس من أجل تحقيقه هو في واقع الأمر وبفعل ما صاحبه من تدرج غريب وسريع يفترض بكل أسف أن النفس المسلمة رخيصة جداً عندما تقارن بالنفس الكافرة وأن دم المسلم زهيد الثمن مقارنة بدم الكافر وهاكم ما يثبت ذلك التنازل السريع في مقايضة روح المسلم بروح غيره، ففي البدايات لتلك العمليات لم تكن عمليات انتحارية وكانت تفجيرات تستهدف أكبر عدد ممكن من الأمريكان مثلاً مثلما حدث في الخبر أو الرياض منذ عدة سنوات دون أن يقابل ذلك إزهاق نفس مسلمة لا بالانتحار ولا بالعشوائية، ثم وبدون أساس شرعي أو اجماع، صور لهؤلاء ان الانتحار في سبيل قتل عدد من الكفار هو ضرب من ضروب الجهاد فكان بذل النفس يتم مقابل حصد عشرات الأرواح من الكفار مثلما حدث في تفجير “كول” في اليمن ولأن الأمر برمته ليس على أساس سليم فقد توالت التنازلات وخفض ثمن النفس المسلمة مقابل النفس غير المسلمة إلى درجة انتحار تسعة أشخاص وقتلهم لعشرات المسلمين غيرهم وجرح المئات من المسلمين وترويع آلاف من سكان بلد مسلم من أجل ماذا؟! من أجل قتل سبعة أمريكان!!

وإذا ما استمر هذا الضلال وعمى البصيرة فسوف يأتي يوم ينخفض فيه ثمن الروح البشرية المسلمة إلى درجة أن يفجر أحدهم نفسه في جمع من مئة مسلم بريء لأن بينهم قبعة لأمريكي!!

هؤلاء أناس تمت برمجتهم على القتل دون التفكير في الهدف وقيمته وما سيلحقه بالإسلام من ضرر وصور لهم سوء عملها ولذا فإنهم وصلوا حداً لا يقدرون فيه النفس البشرية القدر الذي قدرها به الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حين أكد على أن من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً وأن من قتلها فكأنما قتل الناس جميعاً.

وإذا كان ما تعرضوا له من تحويل تفكيرهم إلى اتجاه واحد لا يبصرون غيره قد أنساهم آيات من القرآن الكريم وأحاديث صحيحة من السنّة المطهرة فليس من المستغرب أن ينسيهم حرمة دم المسلم وعلو شأنه فيجعلهم يضحون بأنفسهم ومئات من المسلمين من أجل إغضاب أمريكا بقتل واحد أو حتى سبعة!!

نستطيع أن نتفهم استشهاد فلسطيني قتلت أسرته وهدم منزله واحتلت أرضه فقرر زعزعة أمن المحتل بتفجير نفسه في جمع من الصهاينة.

أما هؤلاء فمن الصعب أن تفهم ما يريدون وما يهدفون إليه وكيف سمحوا لأنفسهم باستباحة دماء اخوانهم المسلمين من أجل ترويع نفر من جنسية محددة لأنهم مجموعة فتية لم تبلغ من العلم شيئاً وغرر بهم واستخدموا كصواريخ غبية تعرف رائحة المستهدف ولا تقدر حجم الهدف وحجم الضرر.

أما كيف انخفض في حساباتهم سعر صرف النفس المسلمة إلى درجة مئة مسلمة مقابل سبعة فلأن من غرر بهم استرخص كل شيء حتى أنفسهم هم إلا نفسه وبمثل ما ضرب عرض الحائط بتعاليم واضحة وجلية في أمر قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق فإنه يسمح لنفسه بأن يبيع أرواح مسلمين وأمن قبلتهم لقاء ثمن بخس هو نشوة إصابة أو موت سبعة من الأمريكيين.

شاحنات الدمار الشامل!!

تطرقت في زاوية يوم الأربعاء إلى تغاضينا عن السلوكيات السيئة التي تمارس بوضوح وتعلن عن نفسها ولا تجد أدنى استجابة أو أي تفاعل من أية جهة مسؤولة بل إنه حتى الآن لا يعرف من هي الجهة المعنية بها، وكان من ضمن الأمثلة رمي القاذورات من السيارة على مرأى من الجميع أو البص في الشارع وخلافه.
ولأن شيوع الممارسات دون أي رادع أو حتى مساءلة هو أحد أهم أسباب التمادي إلى أن تصبح الممارسة أمراً طبيعياً وسلوكاً عاماً يعكس صورة سيئة ودلالة تخلف، ولأننا ولعدة اعتبارات نصنف، دون مكابرة، كمجتمع منظم يسهل عليه إذا أراد ردع كثير من دلالات التخلف مثل تلك السلوكيات فإن من المستغرب أن تنعدم لدينا الرقابة الميدانية على السلوكيات اليومية باستثناء إيقاف دورية المرور لعابر إشارة حمراء أو متجاوز للسرعة إذا صادف وجود دورية.

نحن مجتمع منظم يسهل عليه تطبيق العقوبات إذا أراد لأننا نطبق الحاسب الآلي في جميع التعاملات فيسهل علينا تسجيل المخالفات وضمان تسديدها، ونحن قوم نقدر تسجيل المخالفات وتطبيق الحسومات واحتساب الرسوم على غير المخالفين فمن باب أولى أن نبدأ بالمخالف ليكون مصدر الجباية قبل غير المخالف وكل ما نحتاج إليه هو تدعيم طرق هذه الجباية ميدانياً ومن حسن الحظ أن لدينا الدوريات المتعددة ولدينا شوارع فسيحة تضمن إيقاف المخالف دون عرقلة السير.

كل ما ينقصنا هي نواحٍ إدارية تتمثل في تعريف المخالفة وتحديد الجهة المسؤولة عن المراقبة وتطبيق العقوبة ثم تحديد عقوبة رادعة وإعلانها.

لقد بلغ اهمال هذا الموضوع حداً جعل حتى مجرد الكتابة عنه غير ضرورية ولا تعد أولوية مع أنني أعتقد أنه من الأولويات في هذا الوقت خاصة وأننا خطونا خطوات كبيرة نحو الوصول إلى مدن نموذجية نظيفة تعنى بجانب الذوق والذوق العام فأصبحت الممارسات السيئة تبدو فيها أوضح وأكثر قبحاً.

دعونا ندلل على قصور منع الأخطاء بمثال أوضح من ممارسة فردية ونضعه في شكل سؤال له جائزة وأجزم أن الإجابة ستكون صعبة أو غير معروفة أصلاً.

عندما تقف عند إشارة المرور وبجانب سيارتك شاحنة بأنبوب عادم جانبي (شكمان جانبي) ينفث كمية كبيرة من عادم الديزل داخل السيارات المجاورة “ربما من بينها سيارات مرور” فمن هي الجهة المسؤولة عن منع هذا الخطأ هل هي إدارة المرور أم حماية البيئة أم أمانة المدينة أم الفحص الدوري أم مكافحة التدخين أم وزارة الصحة أو لجنة حماية الطفولة أم هيئة دولية لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل؟؟!!

كل تلك الجهات تعتبر معنية بالأمر كونه على الترتيب يعتبر ضرراً من سيارة، تلويث للبيئة، تلويث وتشويه للمدينة وأضرار بسكانها، وهو مخالفة لمتطلبات الفحص الدوري، تدخين سلبي لغازات خطرة إجبارياً ولجميع الأعمار، إضرار بالصحة العامة، خطورة بالغة على الأطفال الأبرياء خاصة مرضى الربو وأخيراً وبشيء من المبالغة على أساس عدد الشرائح المتضررة فهو دمار شامل.

كل ما نحتاج لمنع هذا الضرر اعتبار الأنبوب الجانبي مخالفة وتحديد جهة المسؤولية ومتابعة التنفيذ وسنجد أنها مجرد أيام وأصبحت أنابيب العادم تعانق السماء.

هل وقف بجانبك وايت صرف صحي مليان إلى حد رشق كل من حوله بأوسخ الأشياء وأنجسها وأخطرها وأكثرها إهانة و”قرفاً”؟! عندما يستعد للاقلاع يقذف المزيد من الحمم (!!) فهل رأيت من يوقفه ويحرر مخالفة؟! فكر من المسؤول بل من يجرؤ على الاقتراب؟!

العقوبة أساس التوعية

أكثر ما يوحي بالإهمال والتقاعس هي المخالفات المرئية التي تعلن عن نفسها ولا تجد من يمنعها او يقضي عليها ويطمس صورة غير حضارية تعكس تخاذلاً او سلبية او ضعف رقابة تسيء لجهود اكبر تبذل في مجالات اخرى.
إحقاقاً للحق فاننا بلد يفتقر للنظم الدقيقة في مجالات عدة بعضها تفصيلي ويحظى بإجراءات محددة وضوابط مشددة، لكننا لا نسن النظم والتشريعات ونحدد الاجراءات الا فيما يتعلق بأعمال ثابتة يسهل التفتيش عليها ومراقبتها واجبار المخالف على الحضور الى الجهة الرقابية ودفع الغرامة، وهذه الاعمال الثابتة هي في الغالب غير ظاهرة او تقبع في مكانها فلا تسيء للمظهر العام اوتخدش المشاعر او تثير الاشمئزاز واعني انها لا تعكس تخلف المجتمع او سوء سلوكه وبالتالي تخلق انطباعاً سيئاً عنه لدى كل من يراه وبذلك فان تلك المخالفات تعتبر نسبياً اقل اهمية من مخالفات اخرى ظاهرة للعيان تسيء للمجتمع وتستفز المشاعر بل قد تضر بالناس ولاتحضى بادنى اهتمام او مراقبة، بل لايعرف حتى الآن من هي الجهة المعنية بمحاربتها.

اعمال البناء او افتتاح المحلات التجارية او الخدمية هي اعمال ثابتة تسهل مراقبتها وإحضار اصحابها لذلك فان نظمها واجراءاتها وقوانينها متوفرة وتحظى بالتحديث واحياناً التعقيد وتتنافس الوزارات في تحمل المسئولية عنها وتتجاذب صاحب العمل وتتفنن في فرض تعليماتها عليه.

في الوقت ذاته فان المخالفات المتحركة مثل رمي المخلفات من نافذة السيارة المسرعة او التدخين في مكان يمنع فيه التدخين او البصق في الشارع سلوكيات لاتجد من يردعها ولانستطيع تسميتها “مخالفة” لانه لايوجد نظام تنسب اليه ولا يعرف حتى الآن اي الجهات الرقابية او التنفيذية مسئولة عن هذه السلوكيات التي تعتبر هي الاساءة الحقيقية لسمعة البلد ومشاعر الناس والمظهر العام وصحة المجتمع.

الى متى سنبقى بلداً يبذل الغالي والنفيس في سبيل الشكل الجمالي للبناء ثم نسمح بالبصق فيه؟! ونصرف المبالغ الطائلة على نظافة المدن ولانبدي اي معارضة لرمي المخلفات من نافذة السيارة!! بل لانعرف جهة يمكن تبليغها بهذا السلوك للمعاقبة عليه.

إن من الخطأ الفادح ان نعتقد ان التوعية وحدها كفيلة بتسيد الاسلوب الحضاري للتعامل فالعقوبة عنصر من عناصر التوعية “يعتقد كثيرون ان اشارة المرور الحمراء لاتستدعي الوقوف اذا خلا الطريق لكن مقدار الغرامة جعلهم يقتنعون بأن الأمر خطير ويستدعي احترام اشارة المرور” ونفس الشيء حدث مع حزام الامان ليس بسبب التوعية فقط ولكن تكثيف التفتيش.

لو شك من يرمي القاذورات من نافذة السيارة بأن رقم اللوحة قد يسجل وان الحاسب الآلي قد يحتسب مخالفة سوء سلوك على بطاقة الاحوال فان ذلك اولاً سينبه شعوره النائم “يوعيه” بأن مايفعله سلوك مشين بدليل وصوله الى حد المخالفات التي يعاقب عليها النظام وثانياً سوف يرتدع مع اول عقوبة عن تلك الممارسة غير المبررة والتي لايبررها الا امن العقوبة.

اعتقد ان ما وصلنا اليه من ذوق وتذوق وعناية بالشكل العام يجعل من حقنا ان نطالب بحماية الشعور العام مما يخدشه ويشوه جمال اخلاقياتنا ويشكك في مقدار وعينا واستغرب ان نستصعب الامر ونستكثره ولدينا تجارب دول سبقتنا في هذا الصدد.

في سنغافورة مثلاً قد يجرؤ شخص على تهريب المخدرات لكنه يخاف الف مرة قبل ان يرمي علبتها الفارغة في الارض.

امهلوا الوزراء الجدد

بعد التشكيل الوزاري السابق رجوت الزملاء في الإعلام، خاصة النقاد في الصحافة المكتوبة إمهال الوزراء الجدد مدة لا تقل عن مائة وعشرين يوماً “120” قبل توجيه النقد للوزارات التي تولوها ولأدائهم كوزراء جدد.
ولأنني على قناعة تامة بأن كل وزير جديد يحتاج بين ثلاثة إلى أربعة أشهر ليستطيع تكوين فكرة عن التركة التي ورثها عن سابقه بخيرها وعلاتها ويرسم خططه لإحداث التغيير الإيجابي وفي الوقت ذاته يفعل خطوات عاجلة ضرورية تعكس توجه فكرة الإداري وتعتبر محطة انطلاقة، فإنني أعيد الرجاء بمنح الوزراء الجدد الوقت المطلوب قبل توجيه المطالبات والنقد الذي قد يربك خطط وأولويات الوزير.

من المعتاد ان أول من يخرج إلى السطح من موظفي الوزارة ويحاول كسب ود الوزير بين مئات الموظفين هم القشور التي يسهل عليها الطفو على سطح الماء لأنها لا تحتمل الانتظار وليس لديها الوزن الذي يساعد على الركود إلى ان تكتشف ومن أهم مقومات هذا الوزن المؤهل والسيرة الذاتية والقدرات ذات الوزن الثقيل ويستغرق المسؤول الجديد وقتا لوزن الأشخاص لأن أفضل وأسرع الطرق لذلك هو مراجعة السيرة الذاتية وجس القدرات الفردية في وقت واحد فيكون أثناء ذلك المسؤول الجديد كمن يهز المنخل وينفخ سطحه لتطير القشور وتبقى الحبوب وهذا الاجراء يستغرق وقتاً للموظفين ناهيك عن الإدارات!! ويجب أن يمنح الوزير الجديد هذا الوقت.

غني عن القول ان الوزراء الذين منحوا الثقة بالاستمرار أو الاستثناء بالتمديد ليسوا في حاجة إلى هذه المهلة ونحن إذ نهنئهم بجولة ثانية أو ثالثة من المواجهة بينهم وبين الإعلام الذي يمثل نبض المواطن والوطن وهي مواجهة إيجابية لا تفسد للود قضية، لابد ان نذكرهم بأن المرجو والطموح هو أكبر مما تحقق لأن الطموح هو بحجم الوطن وليس بحجم رضى الذات!!، ونحن على ثقة ان الوزراء المجدد لهم يدركون ان التجديد هو مدعاة للإثبات أكثر منه للثبات!! فثقة الدولة دافع وليست مدافعاً!!. وكلنا ثقة انهم سيعملون برئة جديدة لنفس الاسم وليس مسمى جديداً لنفس الرئة.

كما لا يفوتنا أن نشكر الاسماء التي بذلت جهوداً كبيرة في الفترة الماضية ثم ودعت مؤكدين لهم اننا ندرك كمواطنين اننا في حب الوطن نعيش سباق تتابع، كل وزير فيه خطى خطوات حثيثة سلم بعدها القصبة لمن سيتابع الجري السريع نحو خير الوطن.