قلوب أخرى يعتصرها الحزن في زاوية أخرى من مجتمعنا يبدو أن الإعلام انشغل عنها فانشغل عنها المسؤول عن حزنها وتركت تطعنها علامات الاستفهام من كل جانب.
إنهم أسر ضحايا حريق أحد الفنادق في مكة المكرمة والذي ذهب ضحيته عدد غير قليل من الأرواح منهم عدد من طلاب معهد العاصمة بالرياض كانوا في رحلة مدرسية لأداء العمرة.
انشغلنا عنهم بضحايا الغدر والارهاب ومن حقهم الآن أن نلتفت اليهم ونفتح ملف حزنهم، فأبناؤهم هم أيضاً من ضحايا غدر الضمير، صحيح أن غدرهم جاء عن طريق تخزين مجموعة مراتب اسفنجية لينة في مكان غير مناسب واحتراقها لكن النتيجة كانت قاسية جداً.
هم لا يريدون غير الحقيقة، لا يريدون غير معرفة المتسبب في ذلك القصور الذي أدى الى فقدهم ثمرة قلوبهم رغم ما بذله الضحايا من جهد لمحاولة الخروج. يريدون معرفة كل مواطن القصور واعلانها وكشفها بشفافية مطلقة ثم اجتثاث أسبابها ومعاقبة كل مقصر. هذا لأنهم يريدون معالجة مشاكل الاهمال المتعمد من أجل أهداف مالية بمقابل مادي وتعريض الأرواح للخطر مقابل خفض مصاريف المستثمر وتحقيقه لأعلى الأرباح متناسياً أن الخسارة الحقيقية هي خسارة الأرواح، وأن أعنف طرق الموت أن تموت ببطء لأن غيرك لم يتحرك بسرعة!! ان تشرف على الموت وأنت تعلم أن قاتلك هو اهمال من أمنته على حياتك ومن دفعت له النقود مقابل كل خدمة يقدمها لك ثم نما نقودك مقابل خداعك بتقليص الخدمات واهمال الاحتياطات وعدم توفير سبل رخيصة للنجاة، ثم ان الرقيب عليه الذي يتقاضى أجراً على عمله تغاضى عن الرقابة او أغمض عينه عن الخطأ.
نعم، يكفي لتأكيد تضحية صاحب الفندق بالأرواح مقابل التقتير وتوفير الصرف أن أجهزة الانذار لم تعمل رغم الدخان الكثيف، دخان أخمد الأنفاس ولم ينعش جهاز انذار الحريق، مما جعل أولئك الشهداء يجوبون أروقة الفندق لانذار السكان (!!) (انه الفرق بين من يضحي بأنفس بريئة لتوفير قيمة جهاز ومن يضحي بنفسه لتعويض غياب الجهاز).
ويكفي لتأكيد الاهمال أن طفاية الحريق لم تكن تعمل حسب ما أكده الأحياء من ضحايا الحادث وأن مخارج الطوارئ كانت عبارة عن أبواب ألمنيوم مقفلة وبدون مقبض لفتح الباب وبدون أي وسيلة عادية لفتحها عند الطوارئ، ناهيك عن الطرق الآلية التي يفترض أن تفتحها مباشرة عند حدوث الطارئ.
إننا أمام حادثة في فندق لم يذهب ضحاياها لأن النار كانت أكبر من أن يسيطر عليها فالفندق لم يحترق بالكامل، ولم تلعب الظواهر الطبيعية دورا في الحريق ونقصد الرياح الشديدة او الصواعق، لقد راح الأبرياء نتيجة دخان اسفنج، تعطل أجهزة الانذار، مخارج طوارئ صورية مغلقة غير قابلة للفتح وطرقات ضيقة جداً وطفايات حريق فارغة.
بعد جشع المالك يأتي السؤال لاهمال الدفاع المدني فإن كان لا يعلم عن جوانب القصور في الاحتياطات فتلك مصيبة وان كان يعلم فالمصيبة أعظم وأخطر وأجدر بتدخل جهاز آخر للمساءلة.
يقول الدفاع المدني انه يجري جولات تفتيشية ويطالب بتجارب وهمية او هكذا نقرأ!! فهل هذه الجهود تقتصر على فنادق الخمسة نجوم؟! أين سكن الضعوف من التأكد والاحتياط والمتابعة. أين فنادق الدرجة الثانية والثالثة من الحرص إن وجد.
إن الأرواح هي الأرواح والخسارة هي الخسارة ودرجة الحرص يجب أن تكون واحدة. وما حدث من تقصير في ذلك الفندق لا ينم عن انه كان مراقباً او سبق تفتيشه إلا إذا كان الرقيب أعمى او بالغ في اغماض عينيه.