الصرصار المبتسم

من نتائج غياب عنصر الرقابة على الأداء سواء الأداء الحكومي أو أداء القطاع الخاص أن حمى المخالفات والإهمال والاستهتار استفحلت إلى درجة أنها أصبحت مادة إخبارية صحفية مفاجئة ومذهلة للجميع بمن فيهم المسؤول نفسه.
أي أن الصحافة أو بصورة أكثر دقة المراسل الصحفي وزميله المصور أصبحا هما الرقيب الذي إذا دخل منشأة حكومية أو مشروعاً تجارياً يقدم خدمات للناس تتعلق بالمأكل أو المشرب أو الصحة، خرج وهو محمل بكم هائل من الصور المأساوية المخيفة كتلك التي حملتها الدراسة التي نشرتها جريدة “الرياض” عن أماكن إعداد طعام المرضى في المستشفيات الحكومية والخاصة والذي كانت الصراصير تتواجد في كل ركن من أركانه بل كل صحن من صحونه دون أن يراها الرقيب لأنها لم تر الرقيب أصلاً وكان الزميل الأستاذ ياسر النخلي الذي أعد الدراسة هو الغريب الوحيد الذي رآه الصرصار منذ أن كان في شرنقته حتى كبر وترعرع بين صحون وأغذية المرضى.

لم يتعود ذلك الصرصار المقرف أن يرى أحداً غير مجموعة موظفين متعاقدين ربما لديهم من الإحباطات والعداء لأهل هذا البلد أو غياب الذمة والأمانة ما يجعلهم لا يمانعون أن يعيش الصرصار بين أطعمة المرضى آمناً مطمئناً حتى أصبح الصرصار يألفهم الأمر الذي جعله يظهر في الصورة شبه مبتسم للكاميرا وهو يعتلي صحن الطعام المعد لمريض!!.

ألا يكفي المريض ما هو فيه من هم وألم وعجز عن الحركة وارتباط بالسرير واضطراره للبقاء في ذلك المستشفى الحكومي أو الخاص (مدفوع الثمن) حتى بعد أن يرى الصراصير تختلط بطعامه ألا يكفيه كل هذا الهم والحزن والمرض لنضيف إليه تلوثاً آخر؟! وإضراباً عن طعام أصبح لا يثق بأنه يصلح للاستخدام الآدمي.

من تتحمل ذمته هم أسير فراش أبيض لا خيار له إلا أن يأكل من طعام يعد بلا رقيب ولا حسيب تعتليه الصراصير؟!.

السؤال الآخر الهام ولا أقول الأهم هو كم من الممارسات الخاطئة الأخرى الخطيرة في كافة المجالات والأنشطة تمارس في ظل غياب الرقيب بسبب ضعف الأجهزة الرقابية وإهمالها تماماً لا من الدعم بالقوى العاملة الأمينة ولا من المتابعة والمساءلة لهذه الأجهزة إن وجدت!!.

إن جلّ مشاكلنا وفضائح أجهزتنا المشابهة لفضيحة الصراصير تلك تحدث بسبب تركيز الوزراء على الجانب الإعلامي لما ينتج من أعمال تنفيذية يفترض أنها طبيعية بينما ثمة غياب تام لعنصر المراقبة بدليل أن بعض الوزراء يقومون بالرقابة بأنفسهم بزيارات مفاجئة لا نشك في أن هدفها حسن وليس دعاية وإعلاماً كله!! ولكنها لا تكفي دون دعم أجهزة الرقابة التي يفترض أنها دورية، مستمرة، مفاجئة، متوقعة تجعل كلاً من الصرصار الحقيقي والصرصار الذي سمح له بالبقاء تحت شعور دائم بالخوف من زيارة الرقيب “رقيب لا يقبل دهن السير”.

لست في حاجة إلى إيراد دليل فهذا دارس واحد استطاع أن يكشف عدة فضائح في عملية إعداد الأطعمة في المستشفيات الحكومية والخاصة كاستخدام ماسحات ملوثة ودخول المجاري والغبار والتلوث بشعر الطباخ وانعدام النظافة بما فيها فضيحة الصرصار المبتسم تلك فكيف لو كان ثمة جهاز متكامل يعمل به مواطنون أمناء.

إنني لا أقصد فقط فضيحة أغذية المرضى وحشراتها فثمة حشرات كثيرة تسرح وتمرح دون رقيب ولا عقوبات ثلاثية الإبادة.

اترك رد