اليوم: 23 يونيو، 2004

وزارة القرية

منذ أكثر من عشر سنوات حاولت جاهداً أن أنسق لندوة صحفية في هذه الجريدة “ندوة الثلاثاء” حول موضوع الإقليمية في التوظيف أو قل القرابية أو توظيف أبناء القرية الواحدة وتركزهم في دائرة حكومية معينة يكون وزيرها من تلك القرية وهي ممارسة اصبحت واضحة للعيان ووصلت إلى حد كونها ظاهرة، حيث أصبح من النادر أن تخلو مؤسسة حكومية من وجود تكتلات ذات قرابة بالمسئول إما من نفس قريته أو أقربائه أو منطقته، بل ان الأمر وصل حد قناعة من يبحث عن وظيفة انه يجب أن لا يتقدم لهذه الجهة أو تلك لأنه ليس مؤهلاً اجتماعياً أو إقليمياً ليصبح أحد موظفيها رغم تأهيله العلمي وتميزه وقدراته وكفاءته.
أقول منذ أكثر من عشر سنوات حاولت طرح هذا الموضوع في ندوة الثلاثاء إلا أنني لم أنجح في إقناع مسئول واحد بالتحدث عن هذا الموضوع بل ان أحد كبار مسئولي ديوان الخدمة المدنية (كما يسمى آنذاك) نصحني بعدم إثارة هذا الموضوع لحساسيته كما يعتقد وعند إلحاحي عليه ليكون جزءاً هاماً من هذه الندوة الصحفية قال لي: أنصحك بعدم طرحها وتريدني أن أشارك؟!!

اليوم لاشك اننا شهدنا تحولاً كبيراً في شكل مرونة كبيرة، بل انفتاح ايجابي في امكانية مناقشة قضايا عديدة لم تكن متاحة في السابق والتحاور حولها.. أي اننا نشهد اتساعاً كبيراً في هامش حرية الطرح الإعلامي، لذا فقد اتيحت لي فرصة الحديث عن هذا الموضوع تحديداً في القناة الأولى للتلفزيون “القناة الرسمية” بمنتهى الحرية والصراحة والمباشرة في الطرح وكنت قد تطرقت لموضوع توظيف أهل القرية أو المنطقة أو الأقارب كأحد أسباب التأثير على شعور المواطنة في برنامج مع الأحداث وأعتبر نفسي مديناً للزميل عبدالعزيز العيد تحديداً كمحاور لعدم مقاطعتي وللتلفزيون كوسيلة إعلامية ارتقت إلى مستوى الحدث لقبوله لما قلت وإن كان بتره في إعادة الحلقة لتكرار تغطية حدث هام اتبعته أغان وطنية.

في مثل هذا الموضوع لا يكفي ارتقاء مستوى الحوار واتساع هامش حرية الطرح والحديث عن المشكلة بمنتهى الصراحة وإنما نحن في حاجة إلى علاج هذه الظاهرة ومسحها تماماً عن طريق المتابعة الدقيقة المخلصة والمساءلة الدقيقة وسحب الثقة ممن يمارس التمييز الإقليمي أو المناطقي أو القروي أو القرابي أو الشللي، فالاعتراف بوجود المشكلة لا يعتبر علاجاً وإنما هوتشخيص أو تأكيد للتشخيص المتضح من الأعراض الواضحة لكن مرحلة العلاج تبدأ بمحاربة هذا السلوك الذي يؤدي إلى خسارتنا لكوادر وقدرات وكفاءات وطنية بسبب أهواء شخصية، هذه خسارة.

أما الخسارة الأخطر فهي توالد شعور بالعزلة والإحباط لدى شريحة واسعة ممن ليس له صاحب أو ابن قرية في مركز مرموق!!