اليوم: 28 يونيو، 2004

قدور التعليم

صدقوني، ما من شيء يدعونا لتصيد أخطاء وزارة التربية والتعليم لسببين:
الأول أن هدفنا، ولا نزكي أنفسنا، ليس تصيد الأخطاء فما من سبب شخصي يدعونا لذلك، بل لو تركنا للنفس هواها لربما امتنعت عن نقد هذه الوزارة لاعتبارات كثيرة لكن القلم يفترض أن يحرّك بفعل هوى المصلحة العامة لا هوى النفس!!

السبب الثاني الذي لا يدعونا لتصيد أخطاء هذه الوزارة هو أن أخطاءها تتكاثر علينا كتكاثر الضباء على خراش، فلا ندري ما نصيد من كثرتها، ويعلم الله أننا نتمنى أنها قليلة إلى حد تصيدها ليسعد هذا الوطن بإمكانات تعليمية حقيقية لأن هذا الجانب الحيوي “التعليم” هو مفتاح كل شيء إن خيراً فخير وإن شراً لا سمح الله فشر.

ولم أكن لأتطرق لبكاء الطفل الموهوب المتفوق في الصف الأول الابتدائي محمد المالكي ( 6سنوات) الذي فوجئ بأن جائزة تكريمه من ادارة التعليم بمنطقة مكة المكرمة المغلفة تغليفاً فاخراً لم تكن سوى أربعة صحون صيني وجائزة تكريمه في حفل مدرسته الخاصة الذي كان منفصلاً عن حفل الوزارة كانت هي الأخرى مغلفة بتغليف فاخر، لكنها كانت طقم فناجين قهوة مما جعل الطفل المحبط يبكي بكاءً شديداً يوم تكريمه كموهوب.

أقول لم أكن لأتطرق لهذا الموقف لأنني أرى أن مصيبة هذا الطفل وإن كانت كبيرة في نظره فإنها في نظري لا تقارن بمصيبة الطالب سعد بدر الدكان الذي دهس داخل فناء المدرسة أو الصغيرات اللاتي أجبرن على إعادة السنة الأولى الابتدائي أو الكبيرات المحبوسات تحت الشمس في فناء الثانوية 68بالرياض لمدة ساعتين بحثاً عن جوال أو الطلبة والطالبات في المدارس الحكومية ممن لا يجدون دورات مياه ولا مكيفات ولا فصولاً دراسية مناسبة ولا تقارن بمصيبة المعلمات اللاتي يمتن في طرق صحراوية ولا المعلمين الذين يحترقون في ميدان التعليم وزملاؤهم ينعمون بنفس البدلات في وظائف ادارية. فمن عرف مصيبة غيره مع هذه الوزارة هانت مصيبته وعلى الطفل محمد المالكي أن يدرك ذلك!!

لكن ما استهواني في هذا الموقف هو توافق سلوكياته مع التوجهات المعروفة لوزارة التربية فالهدية “النكتة” من ادارة التعليم كانت مغلفة تغليفاً فاخراً رغم ان محتواها أربعة صحون صيني وهكذا هي الوزارة في كل ما تقدمه لنا ولهذا الوطن، أغلفة مبهرجة براقة تمني الوطن والمواطن بمحتوى يرقى لمستوى التغليف ثم تتمخض عن لا شيء!!

وهذه العدوى السلوكية، والتي تكاد تصل حد انتقال جين وراثي من الوزارة لاداراتها، اعتبرها عدوى شديدة الخطورة لأن الوعود البراقة والمبالغ فيها والمخصصة للاستهلاك الإعلامي أو تخدير المسئول تعتبر سلوكاً خطيراً يؤدي إلى الإحباط واليأس بل والاشمئزاز فإذا تحول إلى تقليد عام في هذه الوزارة أو تلك فإن الخطورة أكبر.

في مثال جائزة الطالب محمد المالكي بدا واضحاً ان ادارة التعليم كانت تهدف للمردود الإعلامي لحفل التكريم وليس تشجيع وتقدير طالب موهوب فكان تغليف الهدية فاخراً ومحتواها “صحوناً” مما يدل على عدم بذل أدنى جهد حتى في التفكير فيما يناسب الطالب الطفل وما يفرحه فكانت الجائزة كديكورات أفلام هوليود شكلاً للتصوير فقط!! فليس مهماً ان يحصل الطالب على “صحون” أو قدور!!

المدرسة الخاصة هي الأخرى كانت هديتها تعكس نواياها وأهدافها فهي بهدية “الفناجين” لا تهدف للطالب أو الطفل بل تخاطب “نقاد الدراهم” الأب ولو كانت أمه هي المتكفلة بالدفع فربما كانت الهدية أصبع “روج” صيني الصنع.

هذه مشكلة المشاعر المصطنعة حتى لو بدت حسنة النوايا فإنها تتأثر بحقيقة النوايا، والضحية هم الشريحة المستهدفة!!