الشهر: ديسمبر 2004

ما لم أقله في «الإخبارية»

بمناسبة التوجيه الدائم لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الذي جدده وأكد عليه في الأسبوع المنصرم ويقضي بضرورة إنجاز معاملات المواطنين وتيسير شؤونهم خصصت قناة الإخبارية حلقة برنامج الوجه الآخر يوم السبت الماضي لمناقشة أداء الدوائر الحكومية، وسبل المتابعة والرقابة على هذا الأداء، وكيف يمكن تفعيل توجيهات سموه، وكنت طرفاً في ذلك الحوار إلى جانب مدير عام إدارة الاستشارات بمعهد الإدارة العامة.
لا عذر لمن تستضيفه «الإخبارية» إذا لم يقل ما يتمنى قوله لأن هذه النافذة تتمتع بالقدر المطلوب من الشفافية الرزينة وعندما يكون المحاور أستاذاً أكاديمياً كالدكتور عبدالله الطاير فإنك تعيش تجربة المسؤولية المزدوجة، مسؤولية قول ما تؤمن به دون تحفظ تقديراً لسؤال جريء وشفاف، ومسؤولية انفرادك بالرقابة على ذاتك لأن أحداً لن يشعرك ولو برسالة عين أنك تجاوزت الحدود لأن الحدود في الإخبارية أنت من يضعها. ومن واقع متابعتي لهذه القناة الوطنية المشرفة خاصة برامجها المباشرة فإن بقية المحاورين والمراسلين يتمتعون بنفس الدرجة العالية من المهنية مما يؤكد أنها سياسة قناة وليس أفراد.

لا تهدف هذه المقدمة لإطراء أحد أو امتداح قناة، لكنها مدخل ضروري للتأكيد على أن ما لم أستطع قوله في ذلك الحوار جاء بسبب ضيق الوقت أو أن إسهابي في إحدى النقاط جاء على حساب أخرى وليس بسبب ضيق هامش الحرية.

قلت إن تكرار التوجيه يدل على أن من يحمل هم المواطن لمس وجود التقصير. وحريص على إنجاز معاملات المواطنين وتيسير أمورهم أي أنه لا مجال لأن يتولى موظف حكومي تبسيط المعاناة وممارسة التحفظ في هذا الصدد فالمشكلة موجودة وملموسة والمطلوب هو تحرك القيادات الإدارية في الجهات الخدمية بجدية في تنفيذ التوجيهات وتحمل المسؤولية بالمتابعة الجادة والحزم وإنشاء إدارات إستقبال شكاوي المواطنين ومتابعة الاستجابة لها حتى يتم فعلاً تيسير أمور المواطنين وإنجاز معاملاتهم أسوة بالإدارات الكبرى التي تنشأ للعلاقات العامة ومهمتها تلميع المسؤول إعلامياً، وحيث أن هذه الجدية والمتابعة لم تتم بعد فإنه لابد من إنشاء إدارة مستقلة لاستقبال شكاوي المواطنين على الدوائر الحكومية، غير ديوان المظالم المعني بالتظلم من قرارات وإجراءات دوائر حكومية على مستوى أكبر من الإعاقة اليومية لمصالح المواطن وسير معاملته وتيسير شؤونه، لأن ديوان المظالم ينظر في قضايا كبرى تستغرق وقتاً طويلاً وتستلزم مستندات نظامة أو شرعية وما نحن بصدده إدارة مستقلة لمتابعة سير وتيسير شؤون المراجع، واقترحت أن يكون لهذه الإدارة فرع في كل وزارة تماماً مثلما أن لوزارة المالية ممثلاً مالياً في كل قطاع حكومي أو حتى مؤسسة صغيرة.

ما لم يسعفني الوقت للتأكيد عليه هو ضرورة التغيير الدوري لمواقع القائمين على هذه الفروع لأن إحدى مشاكلنا تأتي من العلاقة الحميمة التي تنشأ بفعل الزمن بين الرقيب ومن يراقبه ومشكلتنا الأكبر تنبع من إمضاء الموظف زمناً طويلاً في نفس المركز يلغي ميزة تجديد الدماء ويحرم الوظيفة من طاقة جديدة متحمسة، فنحن نلمس أن مؤشر الإنتاج ينخفض كلما ارتفع زمن بقاء المسؤول وشعر بالاستقرار.

ما لم يتم إنشاء قنوات للشكوى داخل أسوار المؤسسات الحكومية لكنها مستقلة ستبقى الصحف تتحمل عبء نشر قضايا وشكاوى فردية هي مستحقة وواقعية ومبررة كان يمكن التعامل معها عبر تلك القنوات دون نشرها لتتفرغ الصحف لدورها في النقد ونقل الخبر.

لم يسعفني الوقت وليس الهامش للقول أن بعض الدوائر تسن أنظمة بعضها أساسي وتغير أخرى رغم أن الآلية الصحيحة لإصدار الأنظمة – حتى التفصيلية منها – يتم عبر مجلس الوزراء مروراً بمجلس الشورى لتخرج كأنظمة مدروسة من جميع الجوانب وبمنتهى الحياد وبما يخدم المصلحة العامة التي خير من يقرر فيها هو مجلس الوزراء وغني عن القول أن بعض القرارات المرتجلة لبعض المؤسسات الحكومية تسبب إرباكاً يؤدي إلى مزيد من التذمر والشكوى وتنتهي بالتغيير أو الإلغاء بعد أن تشكل صداعاً اجتماعياً ما كان ليحدث لو مرت عبر القنوات الصحيحة.

الأمن الحياتي

يفترض في القطاع الخاص أن يستثمر في المجالات التي يحتاجها الوطن والمواطن والتي تشكل أولوية ضمن الاحتياجات الوطنية الأساسية خاصة وأن الخيار يبقى مفتوحاً دائماً لانتقاء مجالات الاستثمار لوجود حاجة ماسة لكثير من العناصر الأساسية التي إذا ما اختارها المستثمر فإنه يحقق نجاحاً مضموناً تصاحبه تلبية احتياج وطني وتخفيف العبء على المؤسسات الحكومية وتحقيق اكتفاء ذاتي في احتياجات أساسية ودعم للاقتصاد الوطني.
الواقع يشير إلى أن هذا التوجه الوطني موجود لدى عدد من الشركات خاصة تلك التي يتكون مجلس إدارتها من غالبية ممن مارسوا العمل الحكومي أو يدير دفتها مدير عام يحمل همّ الوطن ولديه قدر كاف من الحس ورجاحة العقل المسخرين لخدمة الوطن وليس خدمة الذات واستغلال الفرص لمكاسب شخصية.

ويشير الواقع أيضاً إلى أن هناك شركات ومؤسسات أخرى تركز على مجالات غير أساسية ولايمكن أن يقال عنها «ثانوية» لأنها تأتي في آخر درجة من سلم الأولويات إذا ما قورنت بعناصر هامة لا تقل عنها في الجدوى الاقتصادية مع تميزها بتلبيتها لاحتياج وطني أو إنساني.

في المجال الصناعي مثلاً تجد أن الاستثمار في صناعة المواد الغذائية يتجه لصناعة مواد لا يمكن أن يطلق عليها أغذية مثل «الشبس» و«الفشفاش» و«العلكة» وغيرها من المنتجات الضارة في وقت نستورد فيه معظم الأغذية الأساسية المصنعة في دول أخرى والتي لا يوجد لها منافس محلي وتعتبر صناعة رابحة ومربحة للوطن.

في صناعة الدواء، هذا العنصر الأساسي الذي يأتي «أمنه» في المركز «الأول مكرر» مع الأمن الغذائي نجد أن البعض يلهث بسذاجة وبأسلوب يفتقد للحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية خلف تصنيع مقو جنسي في الوقت الذي نعتمد فيه على الاستيراد من الخارج للأدوية المنقذة للحياة رغم سهولة تصنيعها وأهميتها!! نصنع المقويات الجنسية ونحن نستورد أدوية اعتلال القلب، والسكر، وفشل الكبد ورفض الجسم للاعضاء المزروعة «خافضات الرفض المناعي» ومذيبات الجلطات ومنتجات الدم المعالجة للنزف وغيرها من الأدوية التي تعنى بأعضاء حيوية أساسية للحياة تركوها جميعاً ليركزوا على اختراع دواء لعضو واحد!!

في مجال إسهام القطاع الخاص في الرعاية الصحية تجد أن التنافس على أشده في مجال «نفخ الشفايف» وجراحات «الإغراء» في حين ترك علاج السرطان لجهود القطاع الحكومي والأعمال الخيرية!!.

أنا لاأعترض على حرية الاستثمار – مع التحفظ على صناعة المواد الضارة تحت مسمى غذائية – إلا أنني أرى أن يقتصر الدعم الحكومي والتسهيلات والتشجيع على الاستثمار الذي يقيم وزناً للمردود على الوطن وتلبية احتياجاته وليس ذلك الذي يلبي رغبات شخصية أو يقوم على ما قل شأنه ونجح إعلانه!!

لتكن الأولوية في التشجيع لمن يسهم في تحقيق الأمن الغذائي أو الأمن الدوائي أو الأمن المائي، أما الأمن الجنسي فليس من الأساسيات الوطنية ومن العبث أن نقدمه على غيره.

التساؤل الخامس

في إذاعة «بانوراما» صرح الدكتور حسين الفريحي أمين عام الهيئة السعودية للتخصصات الصحية أن الهيئة كشفت أعداداً كبيرة من المتخصصين في المجال الصحي وهم يعملون بشهادات مزيفة، وذكر أنهم يكتشفون شهادة مزيفة كل اسبوع على أقل تقدير وأن بين الشهادات المزورة التي اكتشفت هذا العام واحداً وثلاثين طبيباً مزوراً!! ورداً على استنتاج مقدم الحلقة الدكتور عبدالله الفوزان بأن هذا العدد من الأطباء المزورين كفيل بقتل واحد وثلاثين ألف مريض، أجاب رئيس الهيئة السعودية للتخصصات الطبية بالايجاب!!.
هذا الرقم المخيف من غزاة مهنة الطب بشهادات مزورة وغيرهم من المئات الذين اكتشفوا يعملون في الصيدلة والمختبرات والتمريض والأشعة وغيرها من التخصصات الصحية أقول هذه الأرقام المخيفة تثير لدينا تساؤلات يقشعر لها البدن.

التساؤل الأول هو كم بلغ عدد ضحايا الأطباء المزيفين منذ بداية الطفرة التي شهدت توسعاً كبيراً في الاستقدام للقطاع العام والخاص وحتى بداية الهيئة السعودية للتخصصات الطبية تطبيق اختباراتها وفحصها للشهادات ومصادرها؟!.

كم من مريض عبث بأحشائه من يحمل شهادة جراح اشتراها «بتحويشة» أعمال غير الطب في وطنه؟! وكم طفل قطف زهرة عمره طبيب أطفال مزور؟! وكم من امرأة وفتاة تعورهما وعبث بهما طبيب نساء لم يدرس الطب ناهيك عن أخلاقيات هذه المهنة بل بلغ من انحطاط الأخلاق الممزوجة بالجرأة أن يزور هذه الشهادة العليا بعد أن جمع قيمتها من ممارسة مهنة بعيدة عن الطب.

التساؤل الثاني هو كم نسبة من تم اكتشافهم مقارنة بمن لم تصل لهم يد الهيئة بعد أو تحايل القطاع الخاص لإخفائهم مثلما تهاون في أمر التعاقد معهم، أو كان التزوير أدق من أن يكتشف؟!.

التساؤل الثالث يكمن في آلية الردع وسياج الحماية الذي تم اتباعه من منطلق معاقبة من تم اكتشافه فهل العقوبة رادعة فعلاً للطبيب المزور والمهني الصحي المزور؟! وهل يعاقب المستشفى أو المستوصف الذي آواه بالغلق؟! أم أن العقوبة مغرية لمن يرغب دخول التجربة كمزور جديد وأعني عقوبة التسفير أو الغرامة التي نحرص على التأكيد على أنها لا تتجاوز حداً معيناً لا يعادل أجرة توليد ولادة طبيعية لأم تعودت على الولادة؟!!.

التساؤل المخيف رابعاً هو ما هي حال المهن التي لا تختص بها هيئة التخصصات الصحية مثل مهنة الهندسة والمحاسبة وغيرهما من المهن التي لابد أنها ترضخ تحت وطأة تزوير ليس له هيئة تكتشفه؟! وهل بين من يشيدون لنا البناء مهنيون مزيفون؟! بل كم من المعلمين الذين تعج بهم مدارسنا الحكومية والأهلية والخاصة من يحملون شهادات مزورة خاصة وأن هذه الفئة تقبل بأجور متدنية تسببت في حرمان كوادر وطنية تعليمية مؤهلة من الفرص الوظيفية؟!.

إن ترك الأمور بهذا الشكل هو مدعاة انتشار المخالفات، وغياب الفحص والمراجعة أكبر إغراء للمزورين ويليه ضعف العقوبة فإذا كان حامل الشهادة الصحية المزورة سيرتدع من دخول بلادنا لعلمه بوجود الهيئة فإن مزور الشهادة التعليمية سيجدنا وسطاً مناسباً ومغرياً. فمتى يكون لكل تخصص هيئة سعودية نشطة؟! هذا هو التساؤل الخامس والأهم.

رقابة الجباية

الرقابة يفترض أن تكون ذات جوانب متعددة أهمها جانب حماية الإنسان والتأكد من سلامته ثم يأتي ما يتعلق باستمرار الخدمات وجودتها وأمانها ثم منع الهدر وبعد ذلك رصد المخالفات والتوعية بطرق تلافيها وطبيعي أن يأتي عندئذ جانب العقوبات والغرامات.
لن يجرؤ أحد على اتهامي بالتشاؤم إذا قلت إن معظم دوائرنا تركز حالياً على العنصر الأخير وهو ما يتعلق باستحصال الغرامات وجباية الرسوم دون أدنى اهتمام بالجوانب الأخرى الأهم والأكثر أولوية خاصة ما يتعلق بالسلامة والحماية، ولعلي أستمد ثقتي في عدم اعتباري متشائماً من حقيقة ان ما أصوره هو الواقع الذي يدركه الجميع ويعيشه الغالبية في تعاملاتهم اليومية.

ليس لدينا أدنى مشكلة في رصد المخالفة التي تستدعي دفع غرامة أو ايقاف خدمة، لكن مشكلتنا الكبرى في التفاعل مع إهمال الجهة ذات العلاقة نفسها أو أخطاءها في الصيانة أو المحافظة على الحد الأدنى من دواعي السلامة وهذا يشير بوضوح إلى أن المراقب أو الرقيب موجود لكن عينه متأثرة كثيراً بثقافة الجباية أكثر منها ثقافة الحماية وهذا التأثر خطير جداً إذ انه يلغي تماماً الجانب الأهم والدور الأساس إلى الأدوار الثانوية، في حين يفترض أن يحدث العكس أو تتكامل الأدوار على أقل تقدير.

في حي التعاون رصدت انكسار غطاء غرفة تفتيش عميقة جداً داخل الأرض يبدو أنها تؤدي إلى حجرة تجمع خدمات كابلات كهرباء وهاتف وخلافه، وبالرغم من كبر الفتحة وخطورتها ووضع السكان لعلامات تنبه السيارات لخطورتها لكنها لا تمنع سقوط الطفل أو الكفيف إلا أن الحفرة لا تزال مكشوفة وتشكل خطورة وقد يبدو للوهلة الأولى أن مراقب البلدية لم يمر في هذا الشارع منذ انكسار الغطاء في بداية شهر شعبان إلا أن الواقع هو أن عدداً من المنازل أوقف عنه الماء بسبب تسرب بسيط أو عدم التسديد وعدداً ممن يقيمون مباني جديدة تم تغريمهم على مخالفات بناء مما يدل أن المراقب يجوب المنطقة لكن تلك الحفرة لم تحرك فيه ساكناً كالذي حركته المخالفات.

نفس الشيء يقال عند مقارنة حضور دوريات المرور للحوادث والذي يتسم بالبطء الشديد مقارنة بحضورها لتطبيق غرامات السرعة على الطرق، وينطبق على وزارة المياه والكهرباء في عدم التجاوب مع بلاغات تسرب الشبكة أو انكسار خط أنابيب ينزف كميات هائلة من الماء المهدر بينما يكون رقيبها حاضراً في الصباح الباكر لتسجيل غرامة سكب «سطل» ماء من منزل. أو سرعة فصل شركة الكهرباء للتيار بسبب عدم التسديد مقارنة بسرعة اصلاح عطل أو صيانة أسلاك عارية تهدد الأطفال.

لا اعتراض مطلقاً على أداء المراقب لعمله لكن الاعتراض على درجة التناقض بين الهمة في أداء نفس الدور حسب نوع الملاحظة .. وأملنا أن تحظى الحماية بنفس حماس الجباية!!.

السعودة بفصل السعودي

رغم أنني كنت ومازلت ممن يعتقدون ان أهم معوقات توظيف الشباب السعودي والشابات في القطاع الخاص هو عدم جدية كثير من شركات ومؤسسات القطاع الخاص في التجاوب مع دعوات السعودة وأنهم يأخذون في الحسبان (فقط) تكلفة اليد العاملة السعودية من حيث المرتب الشهري دون عمل أدنى حساب للمساهمة مع الدولة في حل مشكلة البطالة التي تنعكس عليهم بطرق غير مباشرة في شكل مشاكل أمنية واجتماعية ومعوقات لتقدم المجتمع ككل.
أقول رغم ان هذا هو اعتقادي إلا انني لابد أن أسوق لمعالي وزير العمل مقترحاً أعتقد انه بمثابة حجر نلقمه لآخر فجوة متبقية في طريق السعودة لأن التعامل الحضاري يفرض علينا أن نلقم المتهرب مادة نظام تسد أمامه كل منافذ المراوغة وأعتقد ان معالي الدكتور غازي القصيبي يعمل جاهداً ومجاهداً في هذا الصدد، وهو ممن تمرس في مجال سد الأبواب أمام كل محتال ولعّاب ولا يحتاج لأكثر من الصلاحيات القوية للحد من المتاجرة في العمالة الأجنبية!!

اقتراحي يكمن في سن آلية مرنة لاستبدال الموظف السعودي في القطاع الخاص بآخر إذا أبدى رب العمل تذمراً من أدائه، فما يحدث حالياً هو استحالة فصل الموظف السعودي المقصر في أداء عمله حتى رغم استيفاء مسببات الفصل من تواصل الغياب أو رفض العمل.. الخ مما جعل مجرد تعيين موظف سعودي في إحدى الشركات بمثابة (منحة أبدية) فربُّ العمل لا يستطيع التخلص من موظف سعودي متقاعس بينما الموظف يمكنه ترك العمل في اليوم التالي إذا وجد أفضل منه.

هذا الأمر جعل القطاع الخاص يحسب ألف حساب لتعيين موظف سعودي وقد يكون أحد أسباب التخوف من السعودة لدى مؤسسات القطاع الخاص خاصة الصغيرة منها، فما أن تنتهي من مشكلة إلغاء عقد موظف سعودي بعد جهد جهيد مع مطالباته وشكاويه حتى «تحلف» أن لا تعيد نفس التجربة مرة أخرى، وأعتقد «غير جازم» أن تطبيق آلية مرنة تقوم على أساس استبدال سعودي بآخر عند فشل الأول سيحقق أمرين إيجابيين: الأول اطمئنان رب العمل أن الخلاص من موظف سعودي متقاعس بات ممكناً وبالتالي لا مانع من خوض التجربة مع آخر، عسى ولعل أن يكون جاداً ومناسباً وبذلك نتخلص من فوبيا السعودة ولا ندعها حجة للباحث عن الحجج.

أما الأمر الإيجابي الثاني فهو أن بديل السعودي هو سعودي آخر بناءً على هذه الآلية وبالتالي فإننا نوظف رقماً جاداً أو عسى أن يكون جاداً بدل رقم متخاذل ومثلما أن القانون لا يحمي المغفلين فإنه يجب أن لا يحمي المتخاذلين وأن يكون البقاء للأصلح وتبقى فقط قضايا التظلم من الوقوع ضحية للمؤامرة أو الاستهداف وهذه من السهل التعامل معها كحالات فردية إذا توفرت المرونة.

احذر مستشارك

عندما يتظلم شخص واحد فقط ويورد حججاً قوية وأسئلة منطقية فإنه جدير بأن يقارع بالحجة وتجاب استفساراته بأجوبة مقنعة أو يقبل تظلمه ويرد له حقه.
وعندما تكون الشكوى من مائة شخص أو أكثر ويتفقون على نفس الحجج والتساؤلات فإنهم أقرب الى الحق من الإدارة التي ادعواعليها ولابد للمسؤول أن يضع في حسبانه أن ادارته تعاني من خلل ما أدى إلى تضرر كل هؤلاء وتظلمهم ويحاول جاهداً أن ينصفهم ويصحح أخطاء إدارته.

وعندما يتظلم أكثر من ألف شخص من وضع واحد فأعتقد أن من المستحيل أن يتفق هذا العدد على ادعاء ما ويكون الحق مع خصمهم فهذا التظلم لابد أن يكون محقاً ولابد من ترك كل صور البيروقراطية وحجج النظام وإعطاء هؤلاء حقهم دون تردد أو مجاملة لموظف أو حتى مسؤول لأن العدد وحده كاف للإقناع، بل إن كل دراسات وأبحاث العالم وما ينتج عنها من استنتاجات تقوم على دراسة أعداد من الناس تقل عن هذا الرقم ومع ذلك تعتبر النتيجة حتمية ومقنعة وموثوقة.

من جانب آخر ذو علاقة فإنني أتمنى على كل من يقف على رأس الهرم في أي مؤسسة حكومية. سواء كان وزيراً أو محافظاً أو رئيس مجلس ادارة أو من هو في حكمهم أن لا ينسى أمراً مهماً وهو أن الفارق كبير في الحكم على القضايا ذات المساس بشريحة كبيرة من المجتمع بين المسؤول الذي هو في الواجهة كالوزير وبين أحد موظفيه أو مستشاريه ممن هم ليسوا في الصورة أمام الناس، وربما لو وضع هؤلاء في فوهة المدفع لكان حكمهم على القضية نفسها مختلفاً وحاولوا حماية أنفسهم وتحسين صورهم في أذهان الناس.

يعطي المستشار رأيه وهو خلف الكواليس فيضع نصب عينيه فقط مواد النظام وفقراته ولا يعنيه مطلقاً حجم الشريحة التي سيؤثر فيها هذا الرأي أو عدد المتظلمين ونظرتهم للوزارة ممثلة في شخص الوزير، هذا إذا أخذنا احتمال حسن النية، رغم أن ثمة احتمالاً ليس ضئيلاً بأن رأيه كان ينطوي على رغبة في خلق انطباع سلبي عن المسؤول لدى شريحة كبيرة من الناس.

المسؤول الذكي – في رأيي المتواضع – لا يأخذ عبارة «النظام لا يسمح» على علاتها خاصة عندما يتعلق الأمر بشكوى عامة لشريحة كبيرة لا يمكن إلا أن تكون على حق وأنها ضحية تقاعس غير مكترث أو خلل في الأنظمة ويفترض أن يضع نصب عينيه حقيقة أن مد جسور من الحب بينه كمسؤول وبين عدد كبير من الناس عنصر هام يفترض ان يضعه في ميزان حكمه وأن أحداً من مستشاريه أو موظفيه البيروقراطيين لا يعنيه هذا الجسر أو قد يهمه إضعافه لذا فإن رأيه لا يؤخذ على إطلاقه وأن من أهم أسباب تميز الوزير بصلاحيات مفتوحة لمنع الاستثناءات هو كون حكمه على كل قضية منفردة تحكمه نظرة واسعة شاملة تحسب حساباً لكل أبعاد الحكم وليس مجرد ما تسمح أو لا تسمح به الأنظمة حسب رأي موظف لا يعدو كونه وعاء لحفظ مواد النظام لا يفكر أو يفكر بأهداف سلبية.

ثم إن تفاعل الوزير أو المحافظ أو رئيس مجلس الإدارة مع أصحاب المطالبات بالاقتناع أو الإقناع أمر بالغ الأهمية للوطن وليس لذلك المسؤول وحسب فمن أسباب شيوع الحب في الوطن وللوطن أن لا نترك في قلب أحدهم غصة لاعتقاده أنه مظلوم فإذا كانت الأعداد كبيرة أصبح أمر إزالة «الغصص» أكثر أهمية.

ضحايا المجاملات

بالرغم من أننا قطعنا شوطاً جيداً في الشفافية والحوار وقبول الرأي الآخر، ونحن في هذا الطريق سائرون، إلا أن دوائرنا الحكومية فيما بينها لاتزال تتبع أسلوب التحفظ الشديد والمجاملة والصمت وعدم التعبير الذي ينعكس سلباً على كثير من المستفيدين أو المواطنين كما يحلو لنا تسمية الطرف الثاني في العلاقة بين الدوائر الحكومية والمستفيد.
لو كان هذا الصمت على المستوى الاعلامي فقط لقلنا إن الجهات الحكومية لدينا تتحاور فيما بينها وليس من الضروري أن يخرج الصوت للاعلام.

لكن بعض الأمور الهامة ذات العلاقة بالمواطن والتي تختلف فيها وجهات النظر بين دائرة واخرى بوضوح تبقى معلقة بين وجهة نظر وزارة وأخرى دون أن تحل، بدليل أن المواطن يعاني من هذا الاختلاف دون حتى مجرد أخذ ورد بين دائرة وأخرى مما يدل دليلاً قاطعاً على وجود اختلاف في وجهات النظر مع عدم ابداء هذا الاختلاف أو مناقشته!!

خذ على سبيل المثال المشكلة المستعصية لأكثر من ألف وأربعمائة خريج دبلوم لغة انجليزية لمدة سنتين من أكاديمية الفيصل العالمية تحت اشراف جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية الذين دفع كل منهم 25000 ريال هي تحويشة العمر على وعد من اعلانات الجامعة في الصحف بأن الدبلوم معتمد من وزارة الخدمة المدنية على المرتبة السادسة وتصريحات عدد من المسؤولين من وزارة التربية والتعليم أذكر منهم رئيس وحدة اللغة الانجليزية بالوزارة لجريدة عكاظ ذكر بالحرف الواحد أن الفرصة ستتاح للحاصلين على دبلوم الإنجليزية وكليات المعلمين بتدريس هذه المادة في الصف السادس. لكنهم فوجئوا بعد التخرج برفض وزارة التربية والتعليم القاطع لقبولهم بحجة أن الوزارة لا تقبل إلا حاملي البكالوريوس!!

دعونا الآن من مساءلة وزارة التربية والتعليم في شرط البكالوريوس لتدريس أبجديات مادة جديدة لطلاب مرحلة ابتدائية لنسأل السؤال الأهم وهو أن اعلانات عمادة المركز الجامعي لخدمة المجتمع والتعليم المستمر كانت تنشر تحت سمع وبصر وزارة التربية والتعليم وكانت تحدد بوضوح انه دبلوم تأهيل معلمي اللغة الانجليزية للمرحلة الابتدائية وانه مصنف على المرتبة السادسة وكان وقت الاعلان يتزامن مع حادثة اخرى حصلت لمئات من خريجي أحد المعاهد الصحية الذين رفضتهم وزارة الصحة وجمعية الهلال الأحمر وانتشر صيت القضية حتى أصبحت اجتماعية، فلماذا لم تبين وزارة التربية والتعليم موقفها في حينه عن طريق نفس وسائل النشر أو في اجتماع طارئ عاجل مع جامعة الامام ووزارة الخدمة المدنية التي صنفت الدبلوم، بل لماذا لم تصحح تصريح رئيس وحدة اللغة الانجليزية المشار اليه في حينه؟!

نعود لنفس المربع الأول في بداية الموضوع وهو أن الدوائر الحكومية تجامل بعضها وتتحفظ على حساب المواطن!!.

هؤلاء الشباب طرقوا كل الأبواب وحجتهم قوية واحدى حججهم أظهروها لوزارة التربية والتعليم في لقائهم مع الوزير وهي لائحة الوظائف التعليمية المنشورة في جريدة الجزيرة في 23/9/1424هـ والتي تحدد (للمستوى الثالث أحد المؤهلات التالية وذكر في الفقرة ب دبلوم تخصص في حقل التعليم لمدة لا تقل عن سنتين بعد الثانوية العامة). ولكن رغم قوة حججهم فاإهم وقعوا ضحية صمت دائرة تجاه اخرى وربما انهم ضحايا أكثر من مجرد صمت ولكن مواقف متعنتة.

أستشهد بهذا المثل لأن وزارة التربية والتعليم أكثر الوزارات دعوة للحوار وقبول الرأي الآخر وانشاء المجالس التي ترسخ هذا المفهوم بين الطلاب وأملي أن تقبل رأيي هذا حول النتائج المأساوية في المجاملات الوزارية!.

فراغ هيئة الغذاء!!

الهيئة العامة للرقابة الغذائية والدوائية صدر قرار مجلس الوزراء بإنشائها في السابع من المحرم عام 1424هـ لتكون هيئة ذات شخصية اعتبارية لها ميزانية مستقلة ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء وتناط بها جميع المهمات الاجرائية والتنفيذية والرقابية التي تقوم بها الجهات القائمة حالياً ومنها بطبيعة الحال وزارة الصحة فيما يخص الدواء ووزارة التجارة والصناعة فيما يخص الغذاء والهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس فيما يتعلق بالمقاييس والمواصفات ذات العلاقة بالغذاء والدواء.
وهذه الهيئة العامة للرقابة الغذائية والدوائية كانت بمثابة بشرى سعيدة طال انتظارها لتحقق أهدافاً طالما ضاعت بين الوزارات المعنية لتداخلها وحساسيتها وحاجتها لجهة مستقلة ولعل أهم هذه الأهداف التي ركز عليها القرار الصادر بإنشاء الهيئة هو ما يتعلق بسلامة الغذاء والدواء للإنسان والحيوان ووضع سياسة واضحة للغذاء والدواء والتخطيط لتحقيق أهداف هذه السياسة.

القرار حدد أن تباشر الهيئة مهماتها على مرحلتين، مرحلة أولى ومدتها خمس سنوات تبدأ من تاريخ القرار وتباشر فيها الهيئة المهمات الاجرائية والتقييسية والرقابة الاشرافية أما المرحلة الثانية فتبدأ بانتهاء السنة الخامسة من المرحلة الأولى وتباشر فيها الهيئة المهمات التنفيذية اضافة إلى مهمات المرحلة الأولى.

لفت نظري ما نشر من تقرير مفصل في جريدة الاقتصادية يوم الأربعاء الماضي حول ما يسمى بمشروبات الطاقة وهي مشروبات ثبت ضررها وخطورتها على الصحة وأن لا علاقة لها بإمداد الجسم بطاقة حرارية أو قوة كما يقال بل ان لها تأثيرات منبهة وتزيد دقات القلب وتسبب التعود لاحتوائها على مركبات تطرقت لها في مقال سابق بعنوان “القرار الهش” ووعدت ان أعود للتحدث عن دور هيئة الغذاء والدواء.

الملفت للنظر ان هذه المشروبات الضارة نوقش خطرها عن طريق لجنة خاصة لا علاقة لها بالهيئة العامة للرقابة الغذائية والدوائية وخرجت اللجنة بقرارات أو توصيات هشة لا تعدو اجراءات تنظيمية لتسجيل هذه المشروبات “أي تناولها مسجلة وإحداث أضرارها تحت غطاء قانوني”. ولا أرى مساحة كافية لإعادة ما كتبته حول ذلك القرار، لكن السؤال هو لماذا لم تمارس الهيئة مهمة المرحلة الأولى في هذا الصدد من وجهة نظر اجرائية وتقييسية ورقابة إشرافية؟ فعلى أقل تقدير ان تمارس الهيئة دورها بتشكيل اللجنة والاشراف على التوصيات وطلب تفعيل قرار قوي مفيد يضمن حماية إنسان هذا الوطن من مستحضرات أو منتجات هي في الواقع ليست دواء فنتحمل أضراره لتحقيق نفع وليس غذاء له قيمة غذائية.

لا أدري ماذا تنتظر الهيئة العامة للغذاء والدواء لتبدأ المرحلة الأولى رغم مرور حوالي سنتين على القرار، ورغم أن ثمة مواضيع كثيرة يمكن للهيئة رسم سياساتها ووضع الاستراتيجيات لها حتى قبل مرحلة الصلاحيات التنفيذية؟!

لعلي ألفت نظر مجلس ادارة الهيئة الموقر وفي عضويته معالي وزير الصحة ومعالي وزير الصناعة والتجارة ومعالي وزير الزراعة إلى ان الخطر الحقيقي يكمن في فترة الثلاث سنوات المتبقية لبدء ممارسة الهيئة لصلاحياتها التنفيذية لأن هذه الفترة تشكل مرحلة فراغ سلطة تنفيذية ولو بشكل نفسي لأن الادارات المعنية في الجهات القائمة حالياً كوزارة الصحة والصناعة والتجارة والزراعة وهيئة المواصفات والمقاييس تمارس بالكاد مهامها الروتينية بأقل حماس ممكن لأنها تعلم ان الصلاحيات ستنتقل منها لا محالة وغياب المسؤولية المستقبلية يدعو (شئنا أم أبينا) إلى توقف جهد الابداع ورسم السياسات، والهيئة الجديدة تعيش نشوة التعيين وتنعم بمهلة طويلة بقي منها ثلاث سنوات عدداً وبالتالي فإن فراغ السلطة التنفيذية تزداد خطورته وقد يؤدي إلى دخول منتجات يصعب سحبها بل يستحيل إذا أخذت طابع القانونية طالما أوصت اللجنة ان يتم تسجيل هذه المنتجات الضارة!!

حذار

نجح الإعلام السعودي بكافة وسائله المرئية والمسموعة والمقروءة في التعامل مع ماشهده الوطن من محنة الإرهاب وكان أساس النجاح في نظري عدة عوامل منها:
التعامل بمهنية عالية مع النتائج المأساوية لما حدث من إفساد في الأرض وتخويف للآمنين وتغطية أخبار الأعمال الإرهابية والتعامل معها حيّاً على الهواء ونقل ما حدث ويحدث نقلاً مباشراً بكل ما فيه من مآسٍ ومفاخر، مآسٍ للضحايا ومفاخر لرجال الأمن ولعل قناة “الإخبارية” الاوفر حظاً في التغطية الحية حيث أبدت مهنية رفيعة لشباب جدد في تواجدهم امام “الكاميرا” وخلف الميكرفون لكنهم كبار في طموحهم وقدراتهم ومخزونهم اللغوي وثقتهم في انفسهم ورزانتهم في الانتقال المباشر الى المشاهد دون حواجز او “مونتاج” او “رقابة” تخفف عنهم حمل المسؤولية “وكم هي كبيرة مسؤولية الكلمة المباشرة والصورة المباشرة فقد اسقطت امبراطوريات وليس خريج إعلام جديد في بداية طموحه وتجربته”.

الشباب السعودي في “الاخبارية” دخلوا الامتحان من أصعب أبوابه وأخطرها وفي أكثر مواده حساسية حيث لا”دور ثاني” ولا إعادة امتحان، إما نجاح في أول الطريق أو عودة من أوله أيضاً.

العامل الثاني لنجاح الإعلام السعودي في التعامل مع هذه المحنة – ولا أقول تلك المحنة لأنها لم تنته بعد – كانت الريادة فيه للقناة الاولى عندما فتحت أبواب الحوار والتوعية على مصراعيه وجندت طاقتها لمناقشة قضية الإرهاب على بساط كبير واستقطبت نخب المجتمع في العلم الشرعي والفكر والإعلام والثقافة والمؤسسات الاكاديمية.

القناة الثانية والقناة الرياضية لعبتا ايضاً دوراً كبيراً استغلت فيه كل واحدة منهما طابعها الخاص والشريحة التي تتوجه لها في الغالب.

إذاعة القرآن الكريم وإذاعة الرياض والبرنامج الثاني بل الإعلام المسموع بصفته العامة رغم محدودية “فيزيائيته” وهي مخاطبة القناة السمعية كان في قمة لياقته وتركيزه علماً انه السابق بين كل أشكال الإعلام في طرحه الشفاف والجريء منذ زمن وفي كل مناسبة.

الاعلام المقروء لايستغرب عليه ما قدم فهو ليس بالجديد في معايشته للأحداث بصراحة وشفافية ونقد للواقع بكل صوره بكل ما اوتي من امكانيات وقدرات خبيرة وتعاملها قديم مع مناسبات كثيرة كان دائماً خلالها (الإعلام الحر بعقل) وهي خاصية فريدة في هذا الوطن فكثيراً ما تقترن زيادة هامش الحرية بشيء من التهور في دول كثيرة تدفع أحياناً ثمن تهور إعلامها المكتوب!!.

بقي أن نقول خلاصة القول وهي أن ذك النجاح الإعلامي الكبير يجب أن لايقع ضحية للشعور الخاطئ بانتهاء المهمة أو قصر النفس أو مايسمى باستراحة المحارب لأن المهمة لم تنته بعد فنحن أمام معالجة فكر وليس حادث انتهى. إن علينا أن نستمر بنفس القوة ونفس المهنية ونفس الرزانة لأن طريق التوعية طويل جداً بل ولانهاية له.

يجب أن لانكون إعلامَ حدثٍ وحسب لأن دورنا لم يكن مجرد تغطية الحدث ولكن منع تكراره.

حذار من إعلام الجرعة الواحدة فنحن أمام مرض عضال يحتاج إلى الاستمرار على مضاداته الفكرية.

حصانة العلم الشرعي

لابد لنا أن نسجل ملاحظاتنا الشخصية بتجرد تام علنا نسهم في لفت النظر لسلوك قد يغيب عن ذهن غيرنا عطفاً على أن ما تلاحظه قد يفوت على غيرك والعكس صحيح.
شخصياً لاحظت أن البعض – وليس الكل بطبيعة الحال – مهما بلغ من الثقافة أو المركز المالي أو المركز الوظيفي أو الدرجة العلمية إذا أراد أن يداخل في موضوع طبي مثلاً في مجلس يجمعه بالأطباء فإنه يبدأ وينتهي بعبارة جد مؤدبة يكرر فيها اعتذاره للأطباء بتدخله في مجال تخصصهم الذي يجهله، ويعيد ويكرر إنني لا أفهم في مجال الطب ولكنني سمعت أو قرأت أن المرض الفلاني يمكن معالجته بالطريقة الفلانية أو أن الدواء العلاني ينفع لعلاج حالة معينة.

نفس الشخص عندما يكون الحديث عن شأن يختص بالعلم الشرعي فإنه يناقش فيه بإلحاح ودون تلك العبارة الاعتذارية رغم أن خلفيته في العلم الشرعي ضئيلة جداً قياساً بعمق هذا العلم وقد لا تعدو ما تعلمه من مبادئ في مراحل التعليم العام أو ما مر عليه سماعاً أو بقراءة عابرة، وهذا التعدي على العلم الشرعي غريب وغير مبرر.

ورغم أنني أنتمي إلى فرع متين من فروع العلوم الصحية هو الصيدلة وهو الأقرب للفرع الآخر علم الطب فإنني أرى أن العلم الشرعي هو الأجدر بالحصانة بأضعاف مضاعفة آلاف المرات إذا قورن بالعلوم الصحية ومنها الطب فالعلوم الصحية متغيرة عرضة للتطوير والتحديث وربما التغيير المعاكس لما كانت عليه لأن بعضها وإن قام على حقائق علمية فإن جلها قائم على نظريات.. أما العلم الشرعي فثابت منبعه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومن يريد أن يجادل علماءه لابد أن يمر بما مروا به من تعمق في القرآن الكريم وحفظ بعضهم له عن ظهر قلب وإلمام بتفسيره الصحيح الراسخ ودراسة عميقة للسنة النبوية المطهرة وإبحار طويل في علم الحديث ورواته يميز الصحيح والحسن والضعيف والموضوع ومعرفة المسائل التي أجمع عليها أهل العلم وتلك التي كانت موضع خلاف.

لابد لكل من يريد أن يخوض في أحد الأمور ذات العلاقة بالعلم الشرعي أو يفتي فيها بما يراه أن يدرس كل ما ذكر دراسة متأنية، وإذا فعل، فأجزم أنه سيتحول من التشكيك في حكم ما إلى الدفاع عنه ومن التهور إلى العقلانية.

محصلة القول أنني لم أجد لملاحظتي تلك والمتمثلة في التأدب عند الخوض في حديث عن أمر طبي والتجرؤ غير المحدود عندما يكون الحديث عن شأن شرعي أقول لم أجد لها سبباً يبررها ولا تفسيراً لهذا المسلك المتناقض في التأدب مع تخصص والجرأة على آخر ولعله أحد أسرار النفس البشرية الأمارة بالسوء وواجبنا يقتضي أن لا نتيح لها ذلك وأن نرسخ مفهوم حصانة العلم الشرعي في كل المناسبات إذا أردنا أن نحصن مجتمعنا شباباً وشيباً، نساءً ورجالاً، أطفالاً وبالغين.