احذر مستشارك

عندما يتظلم شخص واحد فقط ويورد حججاً قوية وأسئلة منطقية فإنه جدير بأن يقارع بالحجة وتجاب استفساراته بأجوبة مقنعة أو يقبل تظلمه ويرد له حقه.
وعندما تكون الشكوى من مائة شخص أو أكثر ويتفقون على نفس الحجج والتساؤلات فإنهم أقرب الى الحق من الإدارة التي ادعواعليها ولابد للمسؤول أن يضع في حسبانه أن ادارته تعاني من خلل ما أدى إلى تضرر كل هؤلاء وتظلمهم ويحاول جاهداً أن ينصفهم ويصحح أخطاء إدارته.

وعندما يتظلم أكثر من ألف شخص من وضع واحد فأعتقد أن من المستحيل أن يتفق هذا العدد على ادعاء ما ويكون الحق مع خصمهم فهذا التظلم لابد أن يكون محقاً ولابد من ترك كل صور البيروقراطية وحجج النظام وإعطاء هؤلاء حقهم دون تردد أو مجاملة لموظف أو حتى مسؤول لأن العدد وحده كاف للإقناع، بل إن كل دراسات وأبحاث العالم وما ينتج عنها من استنتاجات تقوم على دراسة أعداد من الناس تقل عن هذا الرقم ومع ذلك تعتبر النتيجة حتمية ومقنعة وموثوقة.

من جانب آخر ذو علاقة فإنني أتمنى على كل من يقف على رأس الهرم في أي مؤسسة حكومية. سواء كان وزيراً أو محافظاً أو رئيس مجلس ادارة أو من هو في حكمهم أن لا ينسى أمراً مهماً وهو أن الفارق كبير في الحكم على القضايا ذات المساس بشريحة كبيرة من المجتمع بين المسؤول الذي هو في الواجهة كالوزير وبين أحد موظفيه أو مستشاريه ممن هم ليسوا في الصورة أمام الناس، وربما لو وضع هؤلاء في فوهة المدفع لكان حكمهم على القضية نفسها مختلفاً وحاولوا حماية أنفسهم وتحسين صورهم في أذهان الناس.

يعطي المستشار رأيه وهو خلف الكواليس فيضع نصب عينيه فقط مواد النظام وفقراته ولا يعنيه مطلقاً حجم الشريحة التي سيؤثر فيها هذا الرأي أو عدد المتظلمين ونظرتهم للوزارة ممثلة في شخص الوزير، هذا إذا أخذنا احتمال حسن النية، رغم أن ثمة احتمالاً ليس ضئيلاً بأن رأيه كان ينطوي على رغبة في خلق انطباع سلبي عن المسؤول لدى شريحة كبيرة من الناس.

المسؤول الذكي – في رأيي المتواضع – لا يأخذ عبارة «النظام لا يسمح» على علاتها خاصة عندما يتعلق الأمر بشكوى عامة لشريحة كبيرة لا يمكن إلا أن تكون على حق وأنها ضحية تقاعس غير مكترث أو خلل في الأنظمة ويفترض أن يضع نصب عينيه حقيقة أن مد جسور من الحب بينه كمسؤول وبين عدد كبير من الناس عنصر هام يفترض ان يضعه في ميزان حكمه وأن أحداً من مستشاريه أو موظفيه البيروقراطيين لا يعنيه هذا الجسر أو قد يهمه إضعافه لذا فإن رأيه لا يؤخذ على إطلاقه وأن من أهم أسباب تميز الوزير بصلاحيات مفتوحة لمنع الاستثناءات هو كون حكمه على كل قضية منفردة تحكمه نظرة واسعة شاملة تحسب حساباً لكل أبعاد الحكم وليس مجرد ما تسمح أو لا تسمح به الأنظمة حسب رأي موظف لا يعدو كونه وعاء لحفظ مواد النظام لا يفكر أو يفكر بأهداف سلبية.

ثم إن تفاعل الوزير أو المحافظ أو رئيس مجلس الإدارة مع أصحاب المطالبات بالاقتناع أو الإقناع أمر بالغ الأهمية للوطن وليس لذلك المسؤول وحسب فمن أسباب شيوع الحب في الوطن وللوطن أن لا نترك في قلب أحدهم غصة لاعتقاده أنه مظلوم فإذا كانت الأعداد كبيرة أصبح أمر إزالة «الغصص» أكثر أهمية.

اترك رد