الشهر: جانفي 2007

الرجل المناسب

تابعت ودققت كثيراً فلم أجد أخطر على المنشأة والموظفين والمراجعين من مدير ضعيف، ولا على الوطن أجمع من غياب النظم والإجراءات المفصلة لكل صغيرة وكبيرة تعنى بشؤون الناس وحياتهم ومواقع عملهم ومراجعاتهم .
الإدارة سفينة ضخمة، والسفينة لا يمكن أن تسير بأمان دون ربان ماهر، وللقبطان الماهر خصائص ومميزات إدارية لا يعوض عنها شيء آخر أو تميز آخر والإدارة تخصص وملكة لا يغني عنها تخصص آخر أو ملكات مختلفة .

النظم والإجراءات الدقيقة والمفصلة والمفعلة والمطبقة بدقة ودون تمييز أو استثناء، هي الآلية أو “الميكانيكية” التي تجعل ركاب السفينة وبحارتها وحتى قبطانها يعملون ويتعاملون وفق منهجية واضحة ودقيقة تحقق إنسياب الحركة وتناغم التعامل دون فوضى ومشاحنات واحتقان .

حسناً، إذا تخيلنا أن الإدارات الحكومية لدينا تشكل عدداً من السفن التي تبحر نحو أهدافها يقود كلاً منها قبطان، فإن من السهل عليك أن تلحظ تلك التي تعاني من سوء القيادة والتخبط، والأخرى التي تمخر عباب البحر بجرأة وتمكن، ولذا فإن من غير المنصف أن نحمل البحر أو الرياح مسؤولية الإخفاق، فالإخفاق لم يحدث لأن الرياح جرت بما لا يشتهي “السَفن” بل لأن السَفن “الربان” نفسه له شهوته الخاصة في مسار الرياح والتي لا تتناسب مع مصلحة السفينة، أو إنه حمل مسؤولية اكبر من قدراته الإدارية ففقد السيطرة تماماً .

الوطن يدفع ثمن منح الثقة في قبطان غير مؤهل، في شكل احتقان للموظفين والمراجعين وتذمر على صفحات الصحف ومواقع الإنترنت وشكاوي للمسؤولين وديوان المظالم وتراجع في أداء وخدمات الجهة الحكومية وقلق اجتماعي وكان بالإمكان تلافي كل ذلك لو أن الرجل المناسب جلس في المكان المناسب .

لوحة حماية الأسرة

موقف وزارة الشئون الاجتماعية من مفهوم الحماية الأسرية لا يبشر بالحماس المطلوب ولا حتى القناعة بضرورة تطبيق هذا المفهوم، أما موقف الوزارة من التطبيق نفسه فإن أبلغ وصف له يتجسد في المثل الشعبي “مغصوب ولا قليل عرقه” وهو يصف من يؤدي العمل بالحد الأدنى من الجهد والإخلاص لأنه وببساطة إما مدفوع لهذا العمل مرغماً أو أن الأجر زهيد .
أمثلة العنف الأسري تجاه الأطفال والزوجات والمراهقات والمراهقين، بدأت تتحدث عن نفسها، ليس في المستشفيات والشوارع ودور الإيواء وحسب بل حتى في وسائل الإعلام من صحافة مقروءة وتلفاز وإذاعة، ووزارة الشئون الاجتماعية لا تزال تتعامل مع الموضوع دون منهجية ولا نظم وسياسات ولا حتى تفعيل لإدارة الحماية التي أُنشئت منذ عامين ولا تزال مجرد لوحة في شارع الشأن الاجتماعي وكأن الأسرة ليست هي لبنة المجتمع وكأن الشئون الاجتماعية لا تعدو كونها مرتب الضمان الاجتماعي الذي لا يمثل الوزارة إلا هو !!.

ماذا تريد وزارة الشئون الاجتماعية أكثر من أن عبء العمل تم فصله عنها في وزارة مستقلة عملت وأنتجت وحركت المجتمع، ووزارة الشئون الاجتماعية لا تزال تعتبر نفسها وزارة الضمان الاجتماعي وبشهادة حق وإنصاف فإنها طورت آليات صرف الضمان، لكنها لم تطور بعد آليات تحديد الاحتياج إليه وتصنيف المستفيدين بطريقة علمية، لماذا لأنها تعاني من قصور العمل الميداني المتمثل في إعطاء المتخصص “الأخصائي الاجتماعي” فرصته في الإبداع وتطبيق مجال عمله والتقرير فيه .

إدارة حماية الأسرة أُنشئت منذ سنتين ولا تزال مجرد لوحة، دون نظم ولا إجراءات ولا تحديد أدوار، ولا تدريب موظفين وأخصائيين اجتماعيين، بل دون تحديد تصنيف لما يدخل ضمن مجال عمل الإدارة من عدمه، وما هي الحالات التي تحتاج إيواء وتلك التي يكتفي فيها بالمتابعة .

الطامة الكبرى في هذا الخصوص أيضاً أن بوابات استقبال حالات العنف وهي المستشفيات متروكة وكل فيها يغني على ليلاه فمنهم من يوكل شأنا اجتماعيا بحتا إلى طبيبة أو طبيب لأنه لا يثق إلا في ستر الطبيب، ومنهم من يعطي القوس لباريها (قسم الخدمة الاجتماعية) ولكن دون دعم أو صلاحيات .

ويبقى أمر العنف الأسري مجرد اجتهادات فردية ولعل هذا يفسر ما نشرته الصحف في خبر ارتفاع عدد المنتحرين إلى أكثر من مائة شخص خلال سنة ويبرىء ساحة الأسهم التي جعلناها شماعة كل تدهور نفسي ومالي.

الوزارة بالجوال

جميل أن تصنع التقنية لنا صديقا، ووسيلة إلى جانب الهدف الأساسي من الجهاز وهو الاتصال.
جهاز الهاتف النقال أو الجوال أو المتحرك أحدث نقلة في حياة المجتمعات، كل المجتمعات، وكل مجتمع أشبع فيه الجوال ما ينقصه، إلى جانب دوره الأساسي كوسيلة اتصال.

في مجتمعنا أشبع الجوال رغبات كثيرة، وسد نقصا كبيرا، بل فرض حدوث أشياء لم تكن لتحدث بسرعة بدونه، ولعل أبرزها النواحي الإعلامية، فانتشار لقطات النقد عبر البلوتوث لبعض الأخطاء والممارسات فرض أولا تصحيحها خوفا من صحافة البلوتوث المصورة، وثانيا أفسح مجالا واسعا أمام الصحف للإفصاح والحديث حول حقيقة أمر ما، لأنه أشيع بواسطة تقنية البلوتوث، ولو لم ينشر في الصحافة ويوضح فإن الجوال سيتولى أمره، وهذا ساعد الصحف على القيام بدورها بدرجة أعلى من الشفافية.

وكأي وسيلة إعلامية فإن للجوال في شقه الإعلامي أو لقطات البلوتوث، ورسائل الوسائط، والرسائل النصية جوانب سلبية يصعب تفاديها، لكنها لا تحسب ضد التقنية بقدر ما تحسب ضد مستخدم التقنية، ومن ذلك اللقطات المخلة بالأدب والشائعات وتسخير الشق الإعلامي من الجوال لخدمة مآرب شخصية، مثلما يحدث حاليا من بث رسائل شائعات حول التشكيل الوزاري، لم تقف عند حد تسمية شخص أو اثنين أو رصد توقعات، بل ذهبت، إمعانا في الإيهام، إلى تحديد قائمة كاملة.

هذه الشائعات (الجوالية) لا تخرج مصادرها عن واحد من ثلاثة: إما راغب في منصب فيعلن عن نفسه، عسى أن يصدق نفسه أو يصدقه أحد، أو مدمن شائعات يعاني من فراغ ويسعد بأن تنتشر شائعاته بين الناس أو هاو للتوقعات والمراهنات لا يعرف اليأس رغم فشله عدة مرات.

المؤكد أننا في بلد أكثر رزانة وحكمة من أن تلعب الشائعات والرغبات دورا في قراره، وهنا لا بد من الاستشهاد بما ذكره الدكتور غازي القصيبي في كتابه (حياة في الإدارة) حول هذا الموضوع، فهو يثبت زيف الشائعات وبراءة الوطن من مصادرها.

يقول الدكتور غازي القصيبي بعد أن وصف لحظة تكليفه بوزارة الصحة يقول: (في هذه الأثناء، عطلة نهاية الأسبوع، كان أكثر من مواطن يتلقى التهنئة بعد أن سمع من (مصادر مطلعة) أنه سوف يكون وزير الصحة الجديد!. انتهى ص 230(حياة في الإدارة) الطبعة الرابعة.

لا ثقة بكذاب

لو كان لي من الأمر شيء، لجعلت شرط اجتياز اختبار الكذب أساسا لكل اختيار وكل توظيف وكل تحميل لمسؤولية، لأن الكذب مفتاح الفساد، ودلالة الخداع، ومؤشر الفشل!!، ألا يكفي أن حبل الكذب قصير، فكيف نتوقع لكذاب أن ينجح ؟!بل كيف لنا أن نأمن من كذب؟! كيف نأمنه على وظيفته؟ وعلى مسؤولياته؟ وعلى من هم تحت سلطته؟!
الكذب من فصيلة السرقة بل هو أخطر، فقديما قالوا (من يسرق البيضة قد يسرق الجمل)، ومن يكذب في الأشياء الصغيرة لا بد وأن يلجأ للكذب في الأمور الكبيرة لأن الكذب أصبح مخرجه السهل في كل مواجهة أو موقف صغر أو كبر .

وأقول أن الكذب أخطر من السرقة لأن السارق الخبير، إذا وصل حد السرقات الكبيرة لا يعود إلى سرقة ما صغر، بينما الكذاب يكذب فيما صغر أو كبر، وفي كل وقت ومناسبة.

ليس أدل على ما أدعيه من موقف المحدث الجليل عندما شد الرحال إلى البصرة ليتلقى حديثا عن رجل في البصرة وعندما رآه يوهم الفرس بطرف ردائه وكأن فيه شعير وهو خال، رفض أن يأخذ عنه الحديث جازما أن من كذب على فرسه لا يؤمن في روايته، وكذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) .

صحيح أن ثمة كذب مباح في الإصلاح بين الناس كما روى البخاري وغيره مما ورد في حديث مسلم، لكن ما أقصده كذب الرذيلة، أي كذب، صغر أو كبر فإن مدمنه يجب الحذر منه ومراقبته وعدم تكليفه بالمسؤوليات، لأن من كذب لك كذب عليك!!، ومن ضعف إلى حد الخروج من مأزقه بالكذب فإنه خطر على الوظيفة والمسؤولية والمستفيدين والمجتمع أجمع.

وان كنا استشهدنا بشيء من تراثنا وأمثلتنا وحكمنا وتعاليم ديننا وفي ذلك كفاية، إلا أنه لا يمنع من الاستشهاد بتجارب الآخرين، حيث يعتبر اثبات الكذب على متهم مفتاح خسرانه بكل قضاياه، وهذا ما عانى منه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون نفسه، عندما كذب أمام المحكمة في دعوى بولا جونس وأنكر أمام المحكمة أية علاقة بينه وبين مونيكا لوينسكي، فغرم تسعين ألف دولار لكن كذبته كانت وبالا عليه في كل مواقفه وقضاياه، ليس لأنه ارتكب فعلا ما ولكن لأنه سجل كاذبا.

أكرر الأمنية بأن يكون اجتياز شرط الخلو من سوابق الكذب أهم من الخلو من أي سوابق أخرى وألا تمنح الثقة لكذاب في أي وظيفة صغرت أو كبرت.

الأسعار والحفر

موضوعان، كل منهما يستحق إفراد صفحات بل ربما كتب قياساً بالأهمية، لكن إيصال المعلومة عن أي منهما لا تحتاج إلى أكثر من نصف مساحة هذا العمود .
يحتاج المسئول، أي مسئول، أو موظف إلى توفر درجة عالية من الإيمان بمسئوليته عن كل صغيرة وكبيرة في إطار مسئولياته لكي لا يتغاضى عنها أو يعتقد بعدم أهميتها، أو يقلل من شأنها .

الموضوع الأول : الملاحظ أن كل الأسعار لدينا تتجه إلى الأعلى في اتجاه واحد لا يقبل الرجوع (باستثناء سوق الأسهم بطبيعة الحال )، وذلك الارتفاع يحدث وبمباركة من الجهات المعنية عند حدوث أي مبرر للارتفاع يطرأ على التكاليف، لكن نفس الجهة لا تعير اهتماماً لزوال المبرر فتفرض خفض الأسعار، والأمثلة على ذلك كثيرة، لكنني أتوق إلى الأحدث والأكثر وضوحاً وسهولة للفهم .

خذ مثلاً لا حصراً تعرفة سيارات الأجرة ( الليموزين ) ارتفعت بشكل ملحوظ، وبمباركة من وزارة النقل، عندما ارتفع سعر البنزين (بحجة ارتفاع أسعار الوقود).

أما الآن وبعد أن انخفض سعر البنزين مرتين متتاليتين إلى حوالي النصف، لم تحرك وزارة النقل ساكناً لخفض تعرفة “الليموزين” أو حتى بدل فتح الباب !! بل إن اللجنة الوطنية للنقل تقود تحركاً شبه رسمي (حسب خبر جريدة الرياض في 30رجب 1427ه) لخفض تعرفة عدّاد سيارات الأجرة “الليموزين” بنسبة 20% بعد أن تم خفض أسعار البنزين 30% !!.

لاحظ الاستحياء والتردد في “محاولة” الخفض بينما الجرأة والسرعة في “اتخاذ قرار” الرفع.

الموضوع الثاني : يتعلق باحتياطات السلامة وأمن مرتاد الطريق فالواضح أنه أمر ضائع بين أمانات المدن وبلدياتها والدفاع المدني، ولو توفر الإيمان بالمسئولية لقام كل بدوره .

مشاريع ببلايين الريالات يتم حفر أساسها بانخفاض ثلاثة أمتار دون سياج مانع لا للكفيف ولا للسيارة ولا للطفل (إن سقوط سيارة بمن فيها إذا كان السائق فقط يعني إزهاق روح، فإذا كان صالوناً يحمل 12شخصاً فالكارثة واحدة مضاعفة اثني عشر ضعفاً، وبحساب الأيتام والمحزونين والثكلى والأرامل فإنك تتحدث عن مجتمع كامل أصيب بالإحباط لأن رقيباً لم يقم بدوره أو أراد إسعاد نفسه وأسرته وصمت !!.

أما الحفر العميقة على جوانب الطرق فقد فضحتها السيول، عندما سدت الطرق وملأت الحفر وحولت مسار الطريق إلى الحفرة فغرقت سيارة بمن فيها في حفرة كانت البلدية تعتقد أنها بعيدة (ليت بعد النظر كان أبعد من مسافة الحفر).