إضافة ثاني أكسيد التيتانيوم مسموح في أمريكا وأوروبا واليابان والمواصفات الخليجية تمنعه

لم أتناول موضوع الحلاوة الطحينية في زاويتي “بصوت القلم” التي أتشرف بكتابتها في هذه الجريدة إطلاقاً لسبب واحد هو أن الموضوع ليس موضوع “عامود صحفي”، فهو ليس رأياً خاصاً ولا يحتمل الاجتهاد ولا يقبل التفاعل العاطفي، فموضوع الطحينية وتواجد مادة ثاني أكسيد التيتانيوم فيها وهل المادة مسرطنة أو آمنة هو شأن ليس علمياً فقط بل شأن يستوجب الإجماع العلمي لأن الدراسات حول ضرر مادة من عدمه قد تتفاوت نتائجها ولو بشكل طفيف، لكن القرار حول النتائج لا بد أن يسبقه نقاش واختلاف وتحاور ووجهات نظر كل حسب زاوية رؤيته وحساسيته في الموازنة بين درجة الخطورة ودرجة المنفعة إذا كان ثمة منفعة.
وبحكم التقارب الكبير بين تخصص الغذاء والدواء واشتراكهما في بعض المواد الحافظة والملونة والإضافات الأخرى كوني صيدلانياً فقد سعدت باتصال كريم من سعادة الدكتور محمد الكنهل الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للغذاء والدواء الذي لم يخف ألمه أن يبلغ القلق في المجتمع ما بلغه من حلاوة الطحينية دون سند علمي وأشار إلى إيضاحاته وأحد مساعديه لملابسات الموضوع عبر برنامج برسم الصحافة عندما استضافتهما الزميلة الرائعة ريما الشامخ شفاها الله وعافاها.

قلت للدكتور الكنهل وبكل شفافية إن الجزئية الوحيدة التي كان من الممكن أن أتناولها حول هذا الموضوع في عامودي “بصوت القلم” لأنها جانب نقدي هو طريقتكما في تناول الموضوع في ذلك البرنامج عندما كررت أنت ومساعدك القول أنكما أكلتما الطحينية قبل مجيئكما للبرنامج واعتبرتما هذا مصدر اطمئنان للمستهلك فنحن لا نريد من بطن المسؤول أن يكون مختبراً لتحليل الغذاء والدواء وليس شأننا إن أكلتما أم لا فذلك أسلوب عفى عليه الزمن بل لم يكن منطقياً في أي زمان أو مكان فالناس تريد فتوى تستند إلى حقائق علمية ودراسات وأبحاث ميدانية تتم في مختبرات متخصصة وهنا أوضح الدكتور الكنهل أن عبارة “أكلناها” لم تكن سوى مداعبة لتلطيف الحلقة، وأحسب أنها كذلك فمن عيوب الحوارات التلفازية أو المتلفزة أنها وبسبب محدودية المشاركين وطبعها الرسمي تخفي طبيعة “النكتة” أو الدعابة ويبدو الهزل فيها جدياً.

القول الفصل في موضوع الحلاوة الطحينية وصلني مفصلاً من الدكتور محمد الكنهل والذي يوضح بمهنية وبحث موسع وشامل حقيقة مهمة جداً مفادها أن مادة ثاني أكسيد التيتانيوم التي تضاف للحلاوة الطحينية وكثير من أنواع الحلوى الأخرى بغرض إعطائها اللون الأبيض هي مادة تسمح بإضافتها هيئات غذائية عالمية وفي دول سبقتنا في مجال الحيطة مما هو ضار مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا واليابان كل بنسب متفاوتة حسب ما سيرد في التقرير المرفق، إلا أن مربط الفرس وسبب الزوبعة هو أن المواصفة الخليجية منعت إضافة هذه المادة تماماً في الحلاوة الطحينية فقط!! مما جعل أحد المصنعين الملتزمين بالمواصفة والذي لا يضيف هذه المادة إلى طحينيته يعترض على تواجدها في منتجات مصانع أخرى لم تكترث بالمواصفة “مفترضاً” أن سبب المنع كونها مسرطنة ويثير الزوبعة!!.

وقد أيد هذا التوجه موقف أحسبه إيجابياً لهيئة المواصفات والمقاييس التي أشارت إلى أنها نبهت لهذه المخالفة “مخالفة للمقاييس” منذ عدة أشهر لكن الجهات المعنية لم تتجاوب وهيئة المواصفات هنا سجلت موقفا ضد مخالفة وهذا من حقها.

الأسئلة التي تستحق الطرح ولم تجد إجابة بعد هي:-

1- هل منع ثاني أكسيد التيتانيوم في المواصفة الخليجية دلالة أننا في الخليج أحرص على صحة مواطنينا من الدول المتقدمة المذكورة آنفاً وهذا إن حدث فهو مفخرة، أم ان اجتماعات المواصفات الخليجية تبصم بالمنع دون مراجع ومستندات علمية والاعتماد على دراسات محلية وتجارب الآخرين؟!.

2- لو كان منع المادة في المواصفة الخليجية يستند على أساس علمي لضررها فلماذا لم تمنع في المنتجات الأخرى ولماذا الطحينية فقط؟! وهل السبب لأن المعترض أو مثير الموضوع تاجر طحينية؟! وهل تقر المواصفات بناءً على ما يرفع وهذا يؤيد احتمال (البصم فقط) وهذا خطير جداً.

3- التقرير الوارد من هيئة الغذاء والدواء السعودية لم يجد أي علاقة لتلك المادة بالسرطان أو أي منع دولي لها فكيف سيكون موقفنا مع منظمة التجارة العالمية عندما نمنعها دون سبب علمي أو أخلاقي أو ديني أو توافق مع دول أخرى وهل سوف يصنف ضمن التحايل وإليكم الآن ما ورد في التقرير الذي بعثه لي مشكوراً الدكتور محمد الكنهل الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للغذاء والدواء وينشر مفصلاً لأول مرة.

يشير التقرير إلى أنه تبين بعد الرجوع للدراسات العلمية والمواصفات المعتمدة لدى الجهات المعنية بسلامة الغذاء عالمياً ما يلي:

أولاً: الخصائص الطبيعية والكيميائية:

أولاً: مادة ثاني أكسيد التيتانيوم رمزها الكيميائي (TiO2) مادة ملونة غير عضوية شاهقة البياض، مقاومة للتغير اللوني، ولا تذوب في الماء أو الدهن كما أنها صعبة الذوبان جداً في الأحماض المركزة.

ثانياً: وصف المادة:

تعد مادة ثاني أكسيد التيتانيوم من مضافات الأغذية كمادة ملونة بيضاء (والتي تحمل الرقم الدولي 171) المعتمدة من قبل اللجنة المشتركة لمضافات الأغذية Joint FAO/WHO Expert Committee on (JECFA) Food additives وكذلك من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) Food and Drug Administration والإتحاد الأوروبي (EU)، وهي لا توجد في الطبيعة بشكلها النقي، ويجرى لخام المادة عدة عمليات تنقية بواسطة غاز الكلور فينتج مادة الروتايل (rutile) أو بعملية الكبرتة فينتج عنها مادة الاناتيز (anatase) وكلتاهما تستخدمان كمواد ملونة في عدة صناعات ومنها صناعة الأغذية.

ثالثاً: دراسات تقييم السمّية:

بينت دراسات تقييم السمية لمادة ثاني أكسيد التيتانيوم ما يلي:

1- مادة ثاني أكسيد التيتانيوم صعبة الذوبان جداً وعند تناولها مع الغذاء فإنها لا تمتص ولا تخزن بالجسم (JECFA. 1969).

2- عند تناول مادة ثاني أكسيد التيتانيوم مع الغذاء بمعدل 200ملجم/كجم من وزن الجسم فإن مسارها بالجسم يكون عبر القناة الهضمية دون امتصاص ولم توجد لها آثار بالعضلات أو بأنسجة الكلى أو بالكبد كما لم تظهر آثار منها بالبول أو بالدم (EFSA. 2004).

3- وفي دراسة (NCI.1979) عند تناول حيوانات التجارب لمادة ثاني أكسيد التيتانيوم مع الغذاء بمعدل 25000و 50000ملجم لكل كيلوجرام من وزن الجسم فلم يؤد ذلك إلى ظهور أورام سرطانية في تلك الحيوانات (EFSA. 2004).

ومن الجدير بالذكر أن أحجام حبيبات مسحوق المادة ضئيلة مما يساعد على انتشارها في جو المصانع التي تقوم بتنقيتها وتجهيزها في عبوات ولذلك فالخطر من وجودها (أو من وجود أي عوالق أخرى من المواد صلبة) في بيئة العمل، هو عند ارتفاع كمية العوالق الصلبة في الهواء مما يؤدي إلى استنشاقها بكميات كبيرة وبصفة متواصلة يومياً طوال ساعات العمل فإنها تتجمع في حويصلات الشعب الهوائية – ومع استمرار ذلك لفترات طويلة وفي هذا السياق فقد بينت الدراسات التي أجرتها الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (International Agency for Research on Cancer (IARC)) أنها قد تكون سبباً في الإصابة بسرطان الرئة نتيجة تجمعها (كمادة صلبة) في الرئة وهذا ما بينته الدراسات التي بنيت عليها إرشادات إدارة الصحة والسلامة المهنية بالولايات المتحدة الأمريكية (OSHA.1996) – وحددت الحد الأعلى لوجودها في بيئة العمل. وقد بينت نفس الدراسات أن تناولها عن طريق الفم (كمادة مضافة للغذاء) ليس له تأثيرات صحية سلبية بالنسب المصرح بها.

رابعاً: وضع مادة ثاني أكسيد التيتانيوم في المواصفات القياسية:

1- أصدرت هيئة دستور الأغذية The Codex Alimentarius of the FAO/WHO المواصفة العامة لمضافات الأغذية (مواصفة 192لعام – 1995والمحدثة عام CODEX GENERAL STANDARD FOR FOOD ADDITIVES CODEX STAN 192-1995 Rev. 7-2006 2006.بناءً على توصيات لجنة الخبراء المشتركة (منظمة الصحة العالمية ومنظمة الزراعة والأغذية) Joint FAO/WHO Expert Committee on (JECFA) Food additives وتنص المواصفة على السماح بإضافة مادة ثاني أكسيد التيتانيوم بشكل عام للعديد من أنواع الأغذية ومنها الحلويات باختلاف أصنافها.

2- أكدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) Food and Drug Administration بالمواصفة رقم ( 21سي إف آر (21 CFR & 73.575) 57573والخاصة بالمواد الملونة المصرح بإضافتها للأغذية – على سلامة إضافة مادة ثاني أكسيد التيتانيوم للأغذية حتى نسبة تصل إلى 1% بالوزن من الغذاء.

3- نصت مواصفة الاتحاد الأوروبي European Union رقم (إي سي 33لعام 2006) Commission Directive 2006/33/EC على أن استخدام مادة ثاني أكسيد التيتانيوم كمادة مضافة للأغذية لا يدعو للقلق على الصحة.

4- نصت المواصفات القياسية اليابانية للأغذية ومضافاتها لعام 2004م على السماح بإضافة مادة ثاني أكسيد التيتانيوم كمادة ملونة للعديد من أصناف الأغذية ومنها الحلويات Specifications and Standars for foods. Food Additives.

5- نصت مواصفات الأغذية الاسترالية – النيوزلندية لعام 2006م على السماح بإضافتها للأغذية المصنعة دون تحديد النسبة وتركت لممارسات التصنيع الجيدة (Australia – New Zealand Food Standard Code. 2006).

6- حسب المواصفة الخليجية م ق خ 1998/23فإن مادة ثاني أكسيد التيتانيوم برقم دولي 171بالاسم المرادف صبغة بيضاء “6” ونصت المواصفة على اعتبارها إحدى المواد الملونة الطبيعية المسموح باستخدامها في المواد الغذائية بصفة عامة.

7- نصت المواصفة القياسية الخليجية رقم (2002/1071) “الحلاوة الطحينية” المعدلة والتي تم اعتماد تعديلها من قبل وزراء التجارة والصناعة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي في تاريخ 24ربيع الآخر 1426ه الموافق 2يونيو 2005م على منع استخدام مادة ثاني أكسيد التيتانيوم وكانت قبل التعديل تسمح بإضافتها بما لا يزيد على 100جزء في المليون. مما سبق يتضح مأمونية مادة ثاني أكسيد التيتانيوم وليس هناك ما يشير إلى علاقتها بالسرطان عند تناولها عن طريق الفم بالنسب المستخدمة في الدراسات السمّية وبالتالي فإن ما أثير في وسائل الإعلام المحلية لا يتعدى كونه إثارة إعلامية ليس لها مستند علمي. أما ما أشير إليه من أن هنالك بعض المصانع التي تضيف هذه المادة بالرغم من أن المواصفات الخليجية تمنع استخدامها كمادة ملونة للحلاوة الطحينية، فإن ذلك يدخل ضمن الإخلال بالامتثال لنصوص المواصفات الإلزامية.

اترك رد