اليوم: 15 سبتمبر، 2008

الجهات الخيرية

المتابع يجد أننا في هذا الوطن نبذل جهوداً كبيرة ومستمرة ومضنية على أعلى المستويات، وكل القنوات وعلى مدى سنوات طويلة نحاول من خلالها حل مشاكل المواطنين مع جهات خدمية أنشئت من أجل خدمتهم لكنها لم تفعل أو قصرت في خدماتها أو لم تنصف موظفيها أو لم تتعامل معهم بعدل.
مشكلة تلك الجهود أنها تمثل ردة فعل وقتية، إما لخبر صحفي أو برنامج تلفزيوني أو مقال لكاتب أو شكوى حزينة مؤثرة لمسؤول كبير، وجميع تلك المنبهات أو أحدها تؤدي إلى حالة استنفار في الجهة المعنية أو لدى المسؤول الأعلى عن الجهة أو حتى الجهات الرقابية، لكن الاستنفار يعنى فقط بذات الشكوى أو فحوى التقرير وغالبا ما تنتهي حالة الاستنفار إلى وضع دفاعي لا يخلو من إرضاء المشتكي وإبقاء المشكلة قائمة على من لم يرفع صوته بالشكوى.

الخلاص من صداع هذه المشاكل المستمر لا يمكن أن يتحقق طالما أن مسببات ودواعي القصور موجودة ولم نتطرق لإزالتها رغم معالجتنا الوقتية لبعض نتائجها لكن الأرضية لممارسة التقصير موجودة والمناخ المناسب لحدوث القصور، بدءاً بسوء تقديم الخدمة، ومروراً بالمجاملات وانتهاء بالخلل الإداري، لا يزال متوفراً في بعض من الدوائر.

في ظني المبني على معايشة للدوائر الحكومية على مدى 30سنة، فإن الجهات المهتمة بإنهاء المعاناة مع أداء القطاعات الحكومية إذا ما أرادت قطع دابر هذا الصداع المزمن فإن عليها ان تفرض على كل جهة حكومية كتابة نظمها وإجراءاتها وسياساتها في كل صغيرة وكبيرة خلال مدة لا تتعدى عاماً واحداً، على أن تشمل النظم والإجراءات كل معاملة وكل تعيين وكل ترقية لموظف وبشفافية عالية تمكن الرقيب من اكتشاف الإجراء المخالف، وتمكن كل صاحب حق من التساؤل عن سبب حرمانه منه أو عرقلة إجرائه مقارنة بشخص آخر يشابهه في المعطيات المعلنة.

لقد قصدت بالأرضية المناسبة لممارسة التقصير ضبابية بعض النظم والإجراءات الواضحة الشفافة في بعض دوائرنا الحكومية وإذا غابت النظم سهلت مخالفتها لأنها غير موجودة أصلا (كيف لك أن تعاقب سائقاً على تجاوز إشارة مرور حمراء إذا كانت إشارة المرور معطلة أصلا لا يتضح فيها الضوء الأخضر من الأحمر أو الأصفر؟!!).

لقد قطعنا شوطاً لا بأس به في مجال الشفافية على مستويات أكثر حساسية من مجرد دائرة حكومية خدمية فلماذا نتنازل عن فرض الشفافية على دائرة صحية أو تعليمية أو بلدية، فقط دعونا نجرب توفير الجهود الوقتية (الهينة) والتركيز على فرض نشر النظم والإجراءات في المعاملات والمؤهلات والتعيين والترقيات وسنجد أننا سنأسف على تأخرنا .