اليوم: 18 مايو، 2009

التحذير لا يكفي

لا يمكن لشخص منصف أن ينكر أن الدفاع المدني حذر كثيراً من أخطار السيول، وحذر تحديداً من البقاء في بطون الأودية والشعاب، أو السباحة في الحفر المملوءة بمياه السيول أو الاقتراب من السدود الممتلئة بالمياه، ومع ذلك تتكرر حوادث الغرق في نفس الأماكن التي حددها الدفاع المدني في تحذيراته!!.

ومن الطبيعي جداً القول إنه لا أحد يريد لنفسه أو لأسرته أن تغرق أو حتى تتعرض للغرق!!.

إذاً أين الخلل ولماذا تستمر ظاهرة تعريض الناس أنفسهم وفلذات أكبادهم وأسر كاملة للغرق في تلك الأماكن؟!.

هناك عدة أسباب متوقعة حسب تصوري، ولابد أن ثمة أسبابا أخرى لم تخطر على مخيلتي وقد تخطر على بال غيري، ولكن تصوراتنا وتخيلاتنا وحدها لا تكفي لتحديد الأسباب الحقيقية لعدم التجاوب مع النداءات المتكررة.

لابد أن نقتنع بضرورة إجراء الدراسات البحثية الدقيقة والشاملة لعدد كبير من الناس لمعرفة أسباب سلوكياتنا، بل معرفة أسباب عدم فاعلية تحذيراتنا، وهذه الدراسات والأبحاث أول من يسأل عنها الجامعات التي أرهقتنا بالحديث عن كراسي الأبحاث ويفترض أن ترهقنا بالحديث عن نتائج الدراسات الاجتماعية إن وجدت!!.

والدراسات ليست مسؤولية الجامعات وحدها بل إنه يجب أن تقوم بها الجهات المعنية عن الظاهرة طالما أن الجامعات مشغولة بالمظاهر عن الظواهر.

أي أن الدفاع المدني نفسه لابد أن يجري الدراسات بالتعاون مع الجهات المختصة بتحليل الأرقام وترجمتها إلى نتائج، وهذا أمر متوقع خاصة إذا عرفنا أن وزارة الداخلية هي الرائدة في المجالات ذات الطابع التقني الحديث، بدليل أنها أول الجهات وأكثرها تطبيقا لتقنية الحاسوب والحكومة الإلكترونية في تعاملاتها وهي الجهة التي يتبع لها الدفاع المدني والأمل كبير في أن تتبنى مثل هذه الدراسات، وأن لا تنتظر الجامعات في هذا الصدد لأن وزارة الداخلية تعمل وغيرها يأمل.

في تصوري ( غير الكافي ولا الشامل ) أن سبب استمرار حوادث الغرق في الأودية والشعاب والسدود وحفر السيول يعود لأحد أو كل الأسباب التالية:

إما أن التحذير لا يصل كونه يتم عن طريق الصحف فقط ولم يقم التلفزيون والإذاعة ووسائل التوعية العامة الأخرى بأدوارهم في هذا الصدد كما يجب.

أو أن طريقة التحذير التقليدية بضرورة الابتعاد عن الأودية والشعاب ليست مؤثرة بالدرجة المطلوبة وهنا لابد من تدعيمها بوسائل التوضيح والمؤثرات بالصورة والفيديو والصوت، وعن طريق عرض الطريقة السريعة والمفاجئة التي يداهم بها السيل المتنزهين دون سابق إنذار وهو ما يسمى بالعامية (سيل فلات) أو السيل الذي ليس بالضرورة أن يبدأ بمطر غزير على الرأس، ونفس الشيء يتم لإيضاح طريقة الالتصاق بطين حفر السيل وطين السدود، وكل هذه الظواهر تحتاج إلى عرض بتقنية توضيحية عاليه ولقطات حية.

أو أن ثقافة الحذر عندنا تعاني من قصور ناتج عن استبعاد حدوث الخطر للشخص نفسه أو عائلته وهو شعور يتولد بسبب الاعتقاد أن من تعرض للخطر ارتكب خطأً فادحاً وتعرض لظروف تختلف عن الظروف التي يتعرض لها الشخص الجديد، وهذا يؤكد أن التحذير التقليدي لا يكفي وحده ويحتاج إلى إيضاح بالفيديو ووسائل الإيضاح لكيفية حدوث الخطر.