اليوم: 25 سبتمبر، 2010

كان لي فتاة معجبة

يبدو أن المسلسلات التلفزيونية والمسرحيات والأفلام تؤثر تأثيرا كبيرا في عقول الكبار قبل الصغار، وأن أثرها أكبر مما نتصور وأطول تأثيرا وأعمق في سلوكيات المجتمع بأسره، أذكر ويذكر من هو في مثل سني أننا وفي عصر الشاشة الواحدة (أبيض وأسود) كانت السيادة للمسلسلات اللبنانية، كما هي الآن للتركية، ومن ضمن المسلسلات التي عقدنا معها موعدا وتسمرنا عندها مسلسل (ابن الحرامي وبنت الشاويش) تقوم أحداثه على قصة حب عذري (حب منتهي بالزواج) بين شاب وفتاة يكتشفان في النهاية أن الشاب هو ابن سارق شهير والفتاة بنت ضابط الشرطة الذي يبحث عنه، فتتحول كل المشاعر والأحاسيس والقيم إلى العكس لمجرد اكتشاف عداوة الوالدين، مع أن الابن لم يكن (حراميا) بل نزيها جدا ومثالا للشهامة، والبنت لم تكن شرطية.
رسخ المسلسل عنصر الحكم على الأبناء بسلوكيات الآباء وتوارث العداوة بين أجيال الإخوة الأعداء، ثم جاءت مسرحية (على هامان يا فرعون) لتصور السيد أبا الحصاني كرجل لديه أخطاء وفساد مالي تلاحقه كاتبة صحفية هي (عارضية) وتصبح عليه كل يوم بمقال يفضح فساده وقصوره، فيعمد إلى محاولة شراء ذمتها بتزويجها لابنه، وعندما لم ينجح يحاول إهداء ابنته نيران على العجوز مشرف الرقعي عله يرقع ما يمكن ترقيعه ويتجاوز بها فضائحه المالية، وهذه المسرحية الرائعة بكل تفاصيلها رسخت حقيقة أن الفساد لا ينوي الصلاح ولكن إفساد الصالحين ليغضوا الطرف عنه بأي ثمن فلا نقول للصحافي (صدقت وتبنا) ولكن (تبا لك صدقنا).
عايشت المسلسل والمسرحية صغيرا وواجهت مزيجا منهما كبيرا، فقد كانت لي قارئة شابة يبلغني والدها كل صباح إعجابها بما أكتب، ليس هذا فحسب بل كان يحمل لي سلامها وتعليقا مؤيدا لما كتبت بالأمس وأفكارا إضافية مع عبارة إعجاب ودعاء صادق على تبني قضايا المساكين من مرضى وفقراء ومحتاجين ومظلومين، وكنت أميز أسلوبها حتى وهي تعلق إلكترونيا في موقع جريدة الرياض، حيث كنت أكتب آنذاك أو بالبريد الإلكتروني، وبعد بضع سنين وعندما تولى والدها زمام مسؤولية، ومع أول محاولة إنصاف للمساكين من تقصير والدها شأنه شأن غيره من المسؤولين الذين ننتقدهم فنعجبها، أصبحت تخفي إعجابها أو لم نعد نعجبها أو لم تعد ذات القارئة (الحرة) في إبداء مشاعرها.
محاولتي الفصل البائن بين علاقة الصداقة والروابط الاجتماعية من جهة ومهمة النقد من جهة أخرى أدت إلى حالة من الاستغراب (ماذا يريد هذا؟!) يشاركنا المناسبات ويهنئ بالأعياد ثم ينتقد!! وهو ما أكد لي أن مجتمعنا يحتاج إلى وقت طويل للاقتناع بأن العمل عمل والعلاقة صداقة والمبادئ ذات سيادة وأن ابن الحرامي ليس بالضرورة عدوا لبنت الشاويش، وأن عارضية يفترض أن تنتقد أبي الحصاني حتى ولو تزوجت ابنه، وخلاف ذلك فإننا معشر الكتاب سنصنف خصوما لكل أسرة يمثلها مسؤول ومعظم الأسر ممثلة بوزير أو محافظ أو مدير نحبهم وننتقدهم ونريد أبناءهم وبناتهم أن يحبونا ويحبوا المساكين كما كانوا.