البديل المفقود

من أهم أسباب احترام المنع والانتهاء عن الممنوع إيجاد البديل للسلوك الممنوع، بطبيعة الحال نحن نتحدث هنا عن السلوك الممنوع في مكان ما، ولكنه مسموح في غيره، لكن مشكلتنا أننا نمنع دون أن نوجد البديل وهذا منع تنفيذه يستحيل.
خذ من الأمثلة ما شئت وستجد أننا نجيد المنع ولا نجيد إيجاد البدائل، ولذا فإننا لا نتجرأ على تنفيذ المنع ولا نكون جادين في معاقبة من يخالفه لكوننا ندرك أنه لا يملك خيارا آخر، ولأننا جميعا منطقيون وسوف نتقبل عذر من لا يلتزم بالمنع لانعدام الحلول، وهنا مربط الفرس في معاناتنا مع الفوضى العارمة، فكل منا يستطيع المنع كل في ما يخصه وكل منا لا يوجد البديل كل في ما يخصه، وكل منا يعذر الآخر والمعادلة صعبة جدا لا يمكن أن تتم هكذا وخذ بعض الأمثلة:
أمانة مدينة الرياض أوجدت منتزهات وادي حنيفة وغيره من المنتزهات الداخلية والبرية وسبق أن أشدت بذلك، لكنني أؤكد أنني بحثت في منتزهات وادي حنيفة عن سلة مهملات واحدة لأرمي فيها نفايات جلستي أنا وأحد أصدقائي فلم نجد، وكنا محظوظين عندما مرت علينا قطة (مرت ولا حتى تلتفت) لنقنعها بأكل ما يمكنها أكله فنتخلص من الطعام، أما لماذا مرت ولا حتى تلتفت فلأنها شبعانة من النفايات المتروكة في الأرض، والأمانة تمنع بشدة ترك النفايات لكنها لم توجد البديل، وهي ليست الوحيدة في ذلك فمعظم المدن تفتقد منتزهاتها لأماكن وضع النفايات وبعضها تفتقد للمنتزهات أصلا.
نحن أيضا تطورنا وأصبحنا نعتبر من يقضي حاجته على قارعة الطريق أو حتى على جانب الطرق السريعة سلوكا سيئا وممنوعا ومخالفا، لكننا لم نوجد دورات المياه وأتحدى من يعاتب من يفعل ذلك أن يجد ردا إذا قال له أين البديل؟!، ( وين تبغاني أسويها؟!)، سيغادر فورا مؤيدا منطقية السؤال.
مواقف السيارات مثال آخر، فلا يمكنك منعي من الوقوف أو معاقبتي عليه وأنت لم توجد مواقف ولو بعيدة، ونفس الشيء يقال عن كراسي الجلوس، فإذا لم توجد لي كراسي للجلوس فلا يمكنك منعي من الجلوس على العشب أو أي شيء مناسب آخر.
حتى المدخنون رغم أننا نمقت هذه العادة السيئة ونتمنى أن يقلع عنها من يمارسها، لكنك لا تستطيع تنفيذ المنع دون إيجاد أماكن خاصة بالمدخنين تتوافر فيها التهوية اللازمة لتحمي غيرهم منهم وتحميهم هم أنفسهم من التهوية السيئة.
هذه أمثلة للتوضيح فقط وإلا فالحالات كثيرة ومتعددة الجوانب والأبعاد، وعندما أقول (نحن) فإنما أقصد المسؤولين منا عن أي شأن يستوجب المنع، فالملاحظ هو شيوع ثقافة المنع وتصريحات (منعنا) دون أن يصاحبها (وفرنا البديل)، وفي هذا إجحاف في حق المواطن، أما الإجحاف الأكبر فهو اتهام المواطن بعدم التقيد بالأنظمة أو السلوكيات الراقية وعدم الوعي، ومقارنته بمواطني دول وفرت البدائل والحلول قبل المنع.

اترك رد