اليوم: 16 أكتوبر، 2011

شياطين في زوايا معزولة

إن كنت قد كتبت بالأمس عن الطالب في دار التوجيه الاجتماعي الذي توفي بسبب أزمة ربوية متوقعة ترك يعاني منها دون استدعاء الإسعاف ودون إعطائه (بخاخ) الربو ودون أدنى مساعده، فإنني قد كتبت منذ 9 سنوات وفي جريدة الرياض وتحديدا في 22/7/2002م مقالا تحت عنوان أسرى الحواجز لمن يشتكون؟ محذرا من هذه الحادثة قلت فيه مما قلت (أرجو أن تخصص دائرة أو هيئة مستقلة تعنى بتقصي أحوال وظروف فئات من المواطنين لا يستطيعون إيصال شكواهم لأنهم يقبعون خلف أسوار لا تسمح لهم بالخروج لأسباب وظروف متعددة ومختلفة ولكنهم غير قادرين على المطالبة لا حضوريا ولا في الصحف ولا في «الإنترنت» وهؤلاء أعانهم الله لا أدري كيف سيتحملون المعاناة اليومية، سواء ممن يتعاملون معهم أو من قصور الخدمات أو من سوء الأحوال الصحية أو كل هذه الظروف مجتمعة. إذا كان القادر على الشكوى والوصول عبر عدة قنوات، سواء المقابلة المباشرة أو الاتصال الهاتفي أو عبر الصحافة والشبكة العنكبوتية يشتكي بحرقة وألم رغم قدرته على التنفيس عن نفسه بالشكوى، فكيف ستكون حال من يتولد لديه الضغط يوما بعد يوم دون توفر وسيلة ولو للتنفيس. الفئات التي أتحدث عنها كثيرة ومعاناتها أكثر من عددها، وفرص الشكوى لديها معدومة لا تتعدى الشكوى لحكم هو الخصم) انتهى.
لست منجما ولا أضرب الودع عندما توقعت ما حدث لكن واقع القصور يجعلك تعرف ما سوف يحدث وهذا هو الفرق بين من يحتاط قبل حدوث الكارثة وبين من يفجع بعد فوات الأوان.
بعد وفاة ذلك الشاب في مقتبل عمره سيتم توفير بخاخ الربو بالدرزن، لكن شابا آخر قد يموت بسبب نوبة صرع حادة أو انخفاض السكر أو ارتفاعه أو أي عارض آخر فالغفلة عن أداء الواجب وعدم اتخاذ الاحتياطات وعدم سماع الشكوى والملاحظات جميعها شياطين تقبع في زوايا المكان المعزول عن الناس وعن الشكوى وعن الضمير الحي، هذا إن وجد الضمير حيا، وتلك الشياطين لا يطردها زيارة إفطار رمضاني تلميعي إعلامي تجديدي بحت إنما يطردها الإخلاص في العمل لوجه الله والخوف من الله أولا ومن جهة رقابية لا ترحم وخلاف ذلك فإن علينا أن نتوقع مآسي لهؤلاء البشر داخل الأسوار المعزولة (دار توجيه، دار ملاحظة، دار رعاية، سجن، مستشفى، مصحة نفسية، دار مسنين، مستشفى عزل) كل هؤلاء ينتظرون جهة محايدة منفصلة عن الجهة المسؤولة عنهم لتسأل عن أحوالهم.