في المجتمعات التي تعتمد معايير دقيقة وصعبة لمنح التميز، ثم رقابة قوية دورية دائمة ومستقلة على صحة الحفاظ على تطبيق تلك المعايير الدقيقة الصعبة، يتميز الأفراد في كافة المجالات سواء القيادي أو المسؤول أو العالم أو المهني أو الرياضي بجدارتهم وعن طريق تطبيق تلك المعايير عليهم، ويحافظون على ذلك التميز المستحق بالمحافظة على تلك المعايير الحقيقية، وبنفس الطريقة وبنفس دقة تطبيق المعايير تتميز الشركات والمؤسسات والمصانع بل وحتى المطاعم فتصنع أسماء متميزة حقا تسقط بمجرد إخفاقها في الحفاظ على تلك المعايير!!.
أما في المجتمعات التي تمنح التميز بـ(كان أبي) أو بالسمعة (يقولون) أو بالتلميع الإعلامي (فلاشات) فإن ذات الصفة التي أطلقت ذات يوم على سلوك عامة المتعاملين في الأسهم (سلوك القطيع) هي من يؤهل أفرادا وشركات ومؤسسات ومصانع ومطاعم للتميز دون معايير دقيقة وصعبة مستحقة ودون رقابة على استحقاق الفرد والشركة والمؤسسة والمطعم على التميز!!.
نحن وبكل صراحة وواقعية ندخل ضمن النوع الثاني فنحن نتأثر كثيرا بالتناقل الوراثي للتميز وبالاستماع لرواة الأخبار وبما يفرضه علينا الترويج الإعلامي فننقاد للإعجاب بالأفراد والمؤسسات بنفس الصفة التي أطلقت على المتعاملين في الأسهم (وهي بالمناسبة صفة فيها استعارة تصويرية دقيقة ومعبرة لكنني لا أؤيدها ولا أحبها).
ولأننا كذلك فإننا نصدم بشدة باكتشافنا لحقيقة الأشخاص أو المؤسسات عند الإخفاق تماما مثلما صدمنا وبشدة عندما تهاوى سوق الأسهم فجأة فحاولنا جاهدين الخروج منه ولم يخرج هو منا.
ولأن المعايير هي من يحكم ويتحكم فإن المجتمعات التي ذكرتها أولا (لا أسميها متقدمة لأنها ليست كذلك في أخلاقياتها) إذا سقط فيها الفرد نتيجة غفلة عن تطبيق تلك المعايير استقال (خرج) وكذا الشركة، أما نحن فإذا سقط الفرد أو الشركة خرجنا نحن منه كما خرجنا من سوق الأسهم!!.