الشهر: فيفري 2014

مبنى آيل للسقوط

إحدى مشكلاتنا متكررة الحدوث والتي تعطل خططنا لأسباب شخصية وتغليب للأهواء والقناعات الفردية هي تأثر الخطط والإنجازات بتخصص المسؤول الأول وليس بمدى الحاجة الوطنية بمعنى أن مدير الجامعة لو كان مهندسا زراعيا فإن الدعم سيتحول لكلية الزراعة وعميد كلية الصيدلة (مثلا) إذا كان تخصصه عقاقير فإن قسم العقاقير والنباتات الطبية يزدهر على حساب غيره وهكذا عميد كلية العلوم لو كان تخصصه علم الحيوان فإن مشاريع أبحاث الفيزياء والذرة تهمل.

نفس الشيء يحدث في الوزارات فالوزير المهندس يتعاطف مع تخصصه وأهله بالرغم من أن وزارته وأعمالها وتطويرها يقوم على فريق عمل متنوع التخصصات ولا تقل أهمية الإداري فيهم عن المهندس والفني، والوزير الطبيب لا يرى في الصحة إلا الطب وحماية الأطباء مع أن الصحة فيها الممرض والصيدلي وأخصائي الأشعة والمختبر والمهندس والمحاسب والمحامي.

المشاريع هي الأخرى تتأثر كثيرا بحمى التحيز للتخصص فالمهندس يقتنع أسرع وأسهل بالحاجة لكل مشروع هندسي ويتعاطف معه ويتقبل تكلفته والطبيب لا يرى الحاجة للتطوير الإداري مثلما يراها لكل تطوير طبي وينحاز أكثر مع الاقرب لتخصصه الضيق وكذا الصيدلي لو تولى منصبا قياديا فإنه ينحاز لما درس.

مجمل القول إن خططنا ومشاريعنا التطويرية تعاني كثيرا من عداوة القيادي في أعلى الهرم الإداري لأي تخصص غير ما أفنى حياته في دراسته، وهي حقيقة متفرعة من قاعدة أن الإنسان عدو ما يجهل.

وحده الإداري الذي تخصص في علم الإدارة وأفنى عمره في دراسة إدارة المنشآت الكبرى يدرك أهمية كل تخصص على حد سواء ويشعر بدور كل لبنة في بناء المؤسسة وأن كل مجموعة منها تشكل عامودا لا غنى عنه في ثبات المبنى.

المحزن أن هذا الإداري المتخصص مهمل ولا يتولى مناصب قيادية بل إنه في الغالب يقاد من حامل شهادة فنية في تخصص ضيق محدود يجعل المبنى محمولا على ركن واحد واهن ومهدد بالسقوط عند أدنى حركة.

عزيزي الطفل مت وسرك في بئر!!

لازلنا نعتمد سياسة (بعد وقوع الفأس في الرأس) في تعاطينا مع الخطر!!، وكأننا لا نعلم ماهي الأخطار المميتة فنتلافى أسبابها!!، بل إن الأدهى والآمر أن تعلمنا من أخطائنا بعد فوات الأوان تعلم مؤقت!! وهذا وربي عجيب جدا.

أقصد أننا لا نتفاعل ونزيل مسببات الخطر إلا بعد وقوع ضحايا تهز أخبارهم مشاعر المجتمع بأسره ويتفاعل معها الناس والإعلام وتصاحبها مناحة وأصوات حزينة وأخرى تمثل الحماس تمثيلا، ثم نعلن الإجراء تلو الآخر لتلافي تكرار ماحدث، لكننا ما نلبث أن ننسى ونهمل نفس المسبب من جديد!!، وهذا (ياجماعة الخير) خلل كبير وغريب وخطير.

دعوني أذكركم بإثبات غير بعيد: أتذكرون قضية الشاب علي جمعة السالم الذي توفي في شهر رمضان قبل الماضي أثناء مزاولته كرة القدم مع مجموعة من زملائه في الواجهة البحرية في الدمام؛ وذلك بسبب تعرضه لصعق كهربائي ناتج عن إهمال المقاول الذي تسلم المشروع من أمانة المنطقة الشرقية لصيانة الإنارة ؟!، هذا الشاب لا تزال قضيته تدور في المحاكم ووالده يريد أخذ حقه من إهمال أمانة الشرقية، وكانت قضيته هزت المجتمع والإعلام لدرجة تتوقع معها أن لا تتكرر مطلقا أو في الجيل الحالي على الأقل!!.

بعد هذه الحادثة بأشهر تكررت نفس المأساة في خميس مشيط وبالجرشي والرياض (القتل بكيبل عار) في حديقة بلدية وهاهي اليوم تحدث في مكة بصعق طالبين واحتراقهما بسبب (كيبل عار) ولكن هذه المرة في مدرسة ابتدائية في مكة المكرمة!!.

ووفقا لطبيعتنا المعتادة والتي كان أقربها (وليس آخرها) دفن كل الارتوازات المكشوفة بعد حادثة لمى الروقي فإنني أتوقع أن يصدر تعميم بإزالة كل الكابلات وجمعها مع الأفياش المقلدة و تحميلها في سيارة غاز مسرعة سائقها (عليمي) غير مدرب ودفن كل ذلك في بئر ارتوازي مكشوف ليتم إخفاء كل مسببات القتل هذا العام في بئر واحدة كإجراء وقائي بالجملة!!.

زيادة مكافأة الجامعي أوفر من ابتعاثه

في وسم (ضرورة زيادة مكافأة الجامعة) كان طلاب الجامعات أبلغ من يعبر عن الحاجة الماسة لزيادة المكافأة فقد اشتمل الوسم على معاناة شديدة لفئات كثيرة من الشباب والفتيات العصاميين الذين هم في أمس الحاجة لكل هللة من هللات المكافأة الجامعية للصرف على أنفسهم أو الصرف على أسرهم لتعويض تلك الأسر عن الراتب الذي يفترض أن يتقاضاه الطالب لو توظف بشهادته الثانوية أو يستلمه الشاب أو الفتاة من حافز لو كانا عاطلين!!، تخيل فقط (لو كانا عاطلين!!) فإن دخلهما السنوي سيكون 24000 ريال بينما أثناء الدراسة وبذل الجهد والمثابرة والانشغال بتلبية الطموح العلمي الخالي من مضار الفراغ ومخاطره وجرائمه فإن الدخل السنوي للشاب المجتهد العصامي يتراوح بين 10200 ريال إلى 11000 ريال أي لا يصل لنصف دخل العاطل من حافز!!، أي أن الطالب الذي يدرس أربع سنوات لا يصل دخله من المكافأة طيلة سنوات الدراسة إلى دخل العاطل في سنتين!!، وأرجو أن لا يتحجج معترض بمقارنة الدخل بعد التخرج وبعد توقف حافز لأننا نتحدث عن فترة معينة يختار خلالها الشاب بين الدراسة أو الكسل والبقاء عبئا على المجتمع!! كما أرجو أن لا تستخدم المقارنة عذرا لإيقاف حافز فالبعض وبعد أن عض على راتب يفوق 100000 ريال أصبح يستكثر على غيره الريال.

مشكلة الطالب والطالبة الجامعيين أن من يقرر مكافأتهم يقارنهم جميعا بشاب يستخدم مبلغ المكافأة في شراء جوال جديد أو آيباد تماما مثل طفل فرنسي يتساءل عن الطفل الأفريقي الجائع عندما لم يجد خبزا فلماذا لا يأكل الكيك؟!.

على أية حال فإن تكاليف زيادة مكافأة طلاب الجامعات مهما بلغت فإنها أقل بكثير من تكلفة ابتعاث الطالب للولايات المتحدة الأمريكية لدراسة نفس التخصص، هذا مع استثناء تكاليف المحاماة فيما لو عنّ للسلطات الأمريكية تلبيس الطالب السعودي تهمة وهذا ما أصبح كثير الحدوث مؤخرا وتكاليفه المالية والنفسية والاجتماعية تفوق ميزانية الجامعات في الداخل والتي بها مقاعد شاغرة ولله الحمد.

أرجو أن ينظر وطني في أمر زيادة مكافأة الطلاب الجامعيين على اعتبار أنهم شباب جادون مثابرون طموحون ومحتاجون للدعم ويحملون حب هذا الوطن إلى الأبد.

من مواطن محب للواء المحرج

لاحظت على بعض المقيمين غير النظاميين أو بصفة أدق غير المصرح لهم بالعمل وخاصة الفتيات منهم أو النساء بصفة خاصة وكثير من الرجال ملاحظة أرى أن المواطن غير المخلص أو السلبي بسذاجة أو (المصلحجي) بأنانية يتحمل كامل المسؤولية عنها بتعاونه مع هؤلاء المخالفين من موقع عمله خاصة في المستشفيات والمواقع المختلطة، ثم يصرخ مشتكيا من بطالة أبنائه أو قلة رواتبهم.
وعندما أكد مدير الأمن العام اللواء عثمان بن ناصر المحرج لـ«عكاظ» أن الحملة الأمنية لضبط مخالفي أنظمة الإقامة والعمل مستمرة في مختلف مناطق المملكة بشكل أكثر احترافية مستفيدة من دروس الماضي، مشددا على أهمية أن ترتفع وتيرة المتابعة والضبط خاصة أن المملكة منحت جميع المخالفين الوقت الكافي لتصحيح أوضاعهم وأن المواطن سيجني ثمار هذه الحملة في المستقبل القريب على جميع الصعد الأمنية والاجتماعية والاقتصادية للحفاظ على مقدرات الوطن ومكتسباته، تبادر لذهني مباشرة دور المواطن غير المخلص أو السلبي المذكور أعلاه في إعاقة عمل الحملة في وقت يفترض أن يكون هو أول من يقوم بأدوارها في موقع عمله وفي منزله وقبل جهاز الأمن.
تتلخص الملاحظة في أن كثيرا من الفتيات والنساء المقيمات وغير المصرح لهن بالعمل أو من معاملاتهن في طور التصحيح وكذلك بعض الرجال يحضرون إلى بوابات المستشفيات طالبين الدخول بصفة مندوبة دعاية أو مندوبة شركة لمقابلة إحدى الإدارات وبالرغم من أن بطاقة إقامتها ذكر فيها عبارة (غير مصرح له بالعمل) إلا أنها تطلب الاتصال بموظف في الداخل فيفيد حراس المستشفى أو الجهة المعنية بالسماح لها بالدخول مما يضع حارس الأمن في حرج، خصوصا (وهذه ملاحظة هامة للواء المحرج) أن كثيرا من حراس الأمن سواء الرسمي أو شركات الحراسة يلتبس عليهم أمر التعاطي مع المقيمين ممن معاملاتهم في طور التصحيح وينسون أنه لا يحق لهم العمل وأن المهلة التي أعطيت لهم انقضت بحيث تطبق عليهم وعلى من يشغلهم الغرامة والعقوبات المغلظة ويجب توضيح ذلك للحراس وجهاتهم في حملة توعية مكثفة للجميع.

أعرج و«الحوش» يحرج

أعلن المرور البدء التجريبي لإطلاق برنامج (باشر) للتسريع بتسجيل واحتساب المخالفات المرورية إلكترونيا عن طريق استبدال الكتابة الورقية للمخالفة بتسجيلها بجهاز إلكتروني يربط رجل المرور بحاسوب (تسجيل) و(احتساب) قيمة المخالفة.

هذا النوع من الميكنة أو تطوير نظام (تسجيل) المخالفات أمر جيد جدا لو سبقه تطوير لعملية (رصد) جميع، وأكرر جميع المخالفات الميدانية بآلية بشرية أو بأجهزة ترصد كل التجاوزات المرورية ومخالفات نظام المرور (لو وجد نظام دقيق معلن غير نظام تجاوز السرعة الوحيد «ساهر»)، وأصبح لدينا فعلا رقابة مرورية ميدانية بكل من الآلية البشرية والآلية الإلكترونية مجتمعة وقادرة على فرض نظام مروري يمنع الحوادث، ويقلل من النسب العالية للوفيات السنوية المرتفعة، والتي تتزايد رغم تفنن المرور في رصد مخالفة السرعة (فقط) بنظام (ساهر) واستحصال غراماتها بنظام (باشر)!!.

سبق أن ذكرت أنني ضد الشباب الذين خرجوا في تقرير الثامنة يشتكي الواحد منهم من أن (ساهر) خسره 17000 ريال، والأخر بأنه دفع حتى الآن عشرة آلاف كغرامات ساهر، ويقول ثالث إنه باع سيارته لتسديد غرامات (ساهر)، فهذا يدل على استهتارهم وتكرارهم للمخالفات وتجاهلهم لخطورتهم على الناس، ويحسب لساهر وليس عليه، لكن استمرار الوفيات في التزايد يدل على أن ساهرا يشير إلى نوم الرقابة بالآلية البشرية للمخالفات الحقيقية التي تسبب الموت، ومنها ما يحدث على الطرق السريعة من انحرافات وتجاوزات وعكس اتجاه وقيادة بدون لوحات مع جملة مخالفات لا ترصدها الرقابة الإلكترونية، لكن (حوش) حجز السيارات المعدومة في الحوادث والملطخة بدماء الأبرياء، والتي تنتظر الورثة لدفع أجرة أرضية حجز السيارة والمقدرة برسم يومي أو بالساعة يرصدها بدقة، فيحرج المرور ويؤيد شباب (تويتر) عندما يقولون إن المرور ليس لديه إلا (ساهر) و(باشر)، وربما مستقبلا (حاشر) و(تاجر).

على يمين الطريق المؤدي للثمامة والدمام في الرياض، وعلى يميني وأنا عائد يوميا من عملي في خشم العان ومتجه للدائري الشمالي، (حوش) تجمع فيه السيارات التالفة من حوادث الموت وأراه يتزايد بالسيارات الملطخة بالدم رغم (ساهر)!! وبالمناسبة، من بنى ذلك الحوش في الصحراء ومن يقوم عليه ويدير شؤونه ويحفظ حقوق ملاك السيارات وورثتهم؟!.

قالوا وقلنا

** قالوا: وزارة الصحة ترفض إخضاع (الشباب) لفحص المخدرات ضمن فحص ما قبل الزواج.

* قلنا: (طيب تخضع «الشياب» قبل الزواج لفحص المنشطات!!).

**

** قال وزير التجارة: مشروع (غزال) من اختصاص جامعة الملك سعود وملاكه لم يطلبوا تصريحا حتى الآن.

* قلنا: (اكتشفوا أنه كان في عين أمه غزال!!).

**

** قال عنوان (عكاظ): العروس تستعرض تاريخها وتقترب من قائمة اليونسكو.

* قلنا: (شيلوا صفحة الانتقاد من تاريخ العروس وتقترب!!).

**

** قالوا: أغرب ما في البحث عن الطفلة لمى في البئر غياب وزارتي المياه والزراعة عن المشهد!!.

* قلنا: (يا جماعة دوروهم لا يكونون طايحين في البئر إلي جنبه!!).

**

** قالت (عكاظ): صندوق الموارد البشرية يستثني المباسط والأكشاك والأجرة العامة والنقل من مكافأة الثلاثة آلاف للمنشآت الصغيرة.

* قلنا: (كالعادة.. قلبوها مكافأة للمنشآت الكبيرة!!).

**

** وقالت أيضا: العثيمين يعد نزلاء مركز التأهيل بتحقيق مطالبهم.

* قلنا: مطالب هذه السنة أم الست سنوات الماضية؟!!.

**

** قالوا: وزارة الصحة (توقع) مشاريع بتكلفة أربعة مليارات ريال!!.

* قلنا: الوزارة (توقع) على المشاريع أحسن ما تطير!!.

**

** قالت عضو الشورى لـ(نزاهة): فقدتم ثقة المواطن فأصبح يردد (ما حولك أحد)!!.

* قلنا: (يقصد ما حولك لا نزاهة ولا غيرها!!).

**

** قالت وزارة النقل: (الصدأ) سبب انهيار جسر طريق الرياض الدمام.

* قلنا: (صدأ الجسر أم صدأ الصيانة؟!!).

**

** قال وزير التجارة: من حق العميل صيانة السيارة خارج الوكالة واستمرار التأمين.

* قلنا: وزير يطبق فعليا (العميل أولا ) وبلا شعارات مستهلكة!!.

«الكعكة» التي قسمت مجتمعنا لغني وفقير

لا تزور المريض إلا حاملا لزهور أو علبة شوكولاته باهظة الثمن!! ولا تحضر مناسبة أسرية أو تزور قريبا إلا ومعك (كعكة) من محل حلويات ماركة، حتى لو كان قد أغلق بسبب سوء النظافة، أو تدور حوله شبهات دعم أنظمة مستبدة.

هذا التقليد الأعمى انتشر في المجتمع بشكل كبير بات يحرج كثيرا الأسر (مستورة الحال) التي لا تسأل الناس إلحافا، وأحوالها المادية ضعيفة، وكتب الله عليها أن تكون ضمن أسر ذات وضع اجتماعي جيد وتريد أن تتواصل مع من حولها، تزور مريضا وتستجيب لدعوة لكنها لا تستطيع تحمل قيمة «صرة» زهور أو صينية شوكولاته أو أن تجلب أثناء كل زيارة كعكة مكلفة.

رغم عملي في المجال الصحي لأكثر من 30 سنة لم أقتنع قط بمسؤول يعايد المرضى بحزم من الزهور التي جلبت بمبالغ خرافية وغالبا بدون مناقصة!!، خصوصا أنه يقدمها للمريض وهو ينظر للفلاشات، ويغادر وهو لم يقدم خدمة صحية تزن ورقة من زهرة جافة قدمها للمريض.

هذا التقليد الدخيل نشر محلات الزهور في المستشفيات، وبدلا من رائحة الزهور جلبت رائحة فساد، لكن هذا لا يعنينا في مقال اليوم، فالأهم هو ما تتعرض له سيدة أو بناتها من حرج وانعزال يمنعها من حضور مناسبة سعيدة أو اجتماع أسري؛ لأن كل سيدة وبناتها من القادرين (الذين ربما حصل والدهم على أمواله من عقد توفير زهور لوزارة أو قطاع صحي) سوف تحضر كعكة فاخرة، بينما هي وبناتها لا تقدر على ذلك فتضطر أن تغيب وتنعزل، ونفس الشيء ينطبق على عيادة المريض.

مجتمعنا يعاني من فروقات واضحة، فأتوسل إليكم أنقذوا مجتمعنا من تقليد أعمى دخيل بدأ بسيطا ثم تضخم، دعونا نعود إلى فطرتنا السليمة، حيث نقدم للمريض حزمة من جمل الأدعية بالشفاء نختمها برقية مخلصة مجانية، ونقدم في المناسبات ابتسامة صفاء ونقاء بها يتنافس المتنافسون.

أكاديمي يتحرش «تويتريا» بالعجمة وبتال

قلت، بالأمس، إن تعاطينا الإعلامي مع حادثة لمى وطفلة المصعد وكأنها حالات جديدة ونادرة يريح المسؤول كثيرا، ووعدت بالتوسع في أمر غياب الإحصاءات حول التحرش الجنسي بالأطفال الذي تحدثت عنه الأخصائيات الاجتماعيات في أكثر من برنامج تلفزيوني وإذاعي تفاعلا مع حادثة طفلة المصعد!!.

منذ أكثر من ثلاثين سنة، وعندما كانت مجلة اليمامة برئاسة تحرير الدكتور فهد العرابي الحارثي تثير قضايا جريئة ــ في حينها ــ تحت عنوان قضية الأسبوع، اتفقنا (الأخصائية الاجتماعية سميحة الحيدر وأنا) على أن نطرح قضية العنف ضد الأطفال، ومن بينها التحرش الجنسي، كان مجرد ذكر كلمة (جنسي) في الصحافة أمرا غير مقبول أو ممنوعا، لكن مجلة اليمامة كانت غير!!، تعرض قضايا ولا تعرض أزياء، فعرضنا القضية باستضافة متخصصين كثر.

منذ ذلك الحين وموضوع التحرش الجنسي بالأطفال يتم التعرض له إعلاميا على استحياء، لكن اللوم يقع على النشر العلمي الأكاديمي الذي ليس له حدود، فلا حياء في البحث العلمي والنشر في المجلات العلمية المتخصصة، ومع ذلك فإن الإحصاءات والدراسات لا تزال حتى الآن شحيحة، بل معدومة في هذا الصدد.

أعضاء هيئة التدريس في الجامعات كانوا أكثر جدية وإخلاصا وتفرغا وعمقا منهم الآن، لكن المستشفيات ودور الرعاية والأخصائيات الاجتماعيات والأطباء النفسيين لم يسجلوا الحالات ولا الأرقام وهم من يستقبلها، فقد كان الستر هو المطلب، مع أنه لا مانع من تسجيل الحالة كرقم مع الستر، لكننا لم نكن نعترف بالأرقام، ويبدو أننا لا نزال نتجاهل أهمية الأرقام والإحصاءات، مع أننا بدأنا في تسجيلها؛ بدليل أننا نتفاعل مع حالات فردية إعلاميا ومثل فورة مشروب غازي، ولا نعتمد على البحث العلمي عن طريق المتخصص الأكاديمي!!.

يا لحظنا السيئ عندما بدأنا في تسجيل الأرقام أصبح عضو هيئة التدريس والأكاديمي غير متفرغ ومشغولا عن أبحاثه بالعمل غير المشروع في الجامعات الأهلية، بل أصبح أكثر سطحية وأقل عمقا إلى درجة أن عميدا لشؤون الطلاب مشغول بالتحرش (تويتريا) بمقدمي البرامج الرياضية، وأن نتائج (أبحاثه) تتهمهم بأنهم أذرع سرطانية!! هزلت.

طفلة ماتت وطفلة تحرش بها

أجزم ومن واقع تجربة طويلة أن المسؤول المقصر يكون في قمة الراحة والطمأنينة عندما يركز الإعلام بصحفه ومقالاته وبرامجه التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي على حادثة واحدة وكأنها حالة وحيدة نادرة حدثت صدفة وبدون مقدمات والواقع أنها تمثل إهمالا عاما لآلاف الحالات المشابهة.

سقطت لمى (جعلها الله شفيعة لوالديها) في بئر ارتوازية مكشوفة فهبت غالبية الأقلام والبرامج تحمل عنوان لمى!!، مع أن الآبار المكشوفة حالة عامة موجودة منذ بداية الطفرة ودعم الاستثمار الزراعي ولم يقم أستاذ جامعة واحد بإجراء دراسة حول هذه الظاهرة الخطيرة!! ولم يقم الدفاع المدني، بإجراء دراسة مسحية وقائية لتلك الآبار وتطبيق الإجراءات التي يتباهى بها اليوم وكأنه اكتشف للتو خطورة الآبار وعدم قدرته على انتشال جثة من يسقط فيها.

لم أكتب عن لمى لأن لمى حالة واحدة علمنا عنها فهب الإعلام معها وكأنها حالة غير متوقعة أو نادرة!!، والحالات النادرة فعلا أعتبر الكتابة عنها فرض كفاية إذا كتب عنه البعض سقط عن الآخر، وكنت أتمنى ولازلت أن نركز على تاريخ الإهمال العام لسلامة الإنسان ونحاسب الدفاع المدني بأثر رجعي عن تقاعسه كل تلك السنوات ونحاسب وزارة الزراعة ثم وزارة المياه على هذا الملف طوال فترة المسؤولية عنه حتى لا يرتاح المسؤول السابق والحالي بكوننا نركز في الكتابة والنقد على تفاصيل حالة واحدة لا تلبث أن تنسى كغيرها!!.

نفس الشيء تماما يقال عن حالة تحرش رجل بطفلة المصعد الشهيرة، فقد هبت الأقلام والصحف والبرامج تركز على تلك الحالة وكشفن الأخصائيات الاجتماعيات أن التحرش بالأطفال حالة مزمنة ومتكررة وكشفن مستورا مخيفا أهم ما فيه أننا لا نملك لا إحصائيات ولا تسجيل حالات إلا تلك الحالة، وهذا الموضوع يحتاج للاستكمال غدا، لكن لسان حال المسؤول، وهو يرانا نركز على حالة وكأنها الوحيدة، يقول باستغراب (طفلة ماتت وطفلة واحدة ضحية تحرش خير يا طير وش صار؟! أمريكا فيها ملايين الحالات مثلها!!).

إذاعة القرآن أيدتني بـ«وبشر المخبتين»

تحاورنا ذات جلسة حبية وتبادل للآراء، فتساءل أحد الأحبة قائلا: ما الحكمة في أن تصدح مكبرات الصوت بتلاوة الإمام، أو أن يرفع أحدهم صوت المذياع يتلو القرآن عند الإشارة، علما أن الأمر جاء بالإنصات لقراءة القرآن، قلت أما في أمر الإنصات وتعميمه من عدمه على كل الأحوال ففتواه عند أهل الذكر. أما إن أردت أملا أو حكمة من عندي فإنني أتوقع، بل أجزم أن آية أو جزء من آية من القرآن لو وقعت على قلب أحدهم (ليس أذنه وحسب) فقد تغير مجرى حياته وتنبهه إلى ما انشغل عنه وقد توقظ في ضميره شعورا كان نائما.

قلت: خذ على سبيل المثال لا الحصر، لو أن عاقا بوالديه تاركا للصلاة سمع (ميكرفون) مسجد قريب يصدح بـ (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) فقد يتحول عقوقه في لحظة إلى بر، ثم عدم صلاته إلى صلاة، ومثله من يسمع آية عند الإشارة، ثم خاطبته بما هو أقرب إلى نفسه، فقلت: إن أحد المسلسلات الرمضانية، رغم سلبياته، قد أورد موقفا (قال إنه قصة واقعية) لمدمن خمر عاص هائم في الملذات تغير مجرى حياته بالكامل بعد أن حول (ريموت التلفاز) بالخطأ على قناة تتلو القرآن بصوت مؤثر لامس مشاعره فصلح أمره وترك الخمر وعادت له زوجته وأولاده.

كان ذلك اجتهادا مني ووجهة نظر، لا فتوى، وحديث نقاش حبي عابر فلم يك هو ضد أصوات المساجد، ولا أنا أهل للفتوى، لكن المصادفة العجيبة أنني في الغد مباشرة استمعت إلى برنامج (وبشر المخبتين) الذي يقدمه الدكتور عبدالله بن محمد العسكر في إذاعة القرآن الكريم وإذا به يتحدث عن الفضيل بن عياض الذي كان من قطاع الطرق المخيفين، وكان قد عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تاليا يتلو « ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم …» [ الحديد: 16] فلما سمعها، قال : بلى يارب، قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا. قال الفضيل ففكرت، وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين هاهنا، يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام.

بالمناسبة هذا البرنامج وغيره كثير من برامج إذاعة القرآن الكريم رغم فوائدها الجمة على مستوى المجتمع والوطن أجمع فهي غير مخدومة في الإنترنت. فموقع الإذاعة غير محدث ولا يخدم إعادة البرامج وموقع الشيخ العسكر على اليوتيوب (حول هذا البرنامج) هو أيضا متوقف عند بداية 2013م ويفترض أن يلتفت إلى برامج إذاعة القرآن الكريم في الشبكة العنكبوتية.