بنوكنا .. وتعقيد التسديد

تحدث المجتمع، على المستوى الإعلامي والعلمي والأكاديمي عن دور إغراءات البنوك للمواطنين في الدخول في شرك قروض معقدة والدعاية للاقتراض بمغريات تذكر المحاسن وتحجب العيوب!، وتحدث كثر عن كوارث اجتماعية حدثت بسبب صدمة القرض والوقوع في شراك شروط معقدة وملتوية قد لا يستوعبها المقترض عند توقيع كم من الأوراق.

البنوك تدّعي أنها تعاني من عدم السداد وأنها تخسر كثيراً في سبيل تحصيل القروض، لكن الواقع يعكس غير ذلك، وعندما أتحدث فإنني لا ألقي التهم جزافاً بل أحرص على الدخول في تفاصيل القضية وأعيشها عن قرب.

هذا ما حدث وأنا أعايش محاولة فاعلي خير يرغبون في تسديد جزء من قرض على سيدة فقيرة وقعت ضحية الاقتراض وهي تهم بالاستثمار في مجال واجهتها فيه مصاعب شروط ومواصفات جديدة ومتجددة فلم تنجح وصرفت جزء من القرض على معيشتها وأصبح الاقتطاع من راتبها يرهقها مما يضطرها لطلب المساعدة من أهل الخير.

أهل الخير لاحظوا أن دفع المساعدة لها شخصياً لن يجدي لسببين: الأول أنها قد تصرف ما يودع في حسابها في مصاريف طارئة، والثاني والأخطر أن ثمة رجل من أقاربها ما أن يعلم أن مبلغاً دخل لحسابها يلح عليها بسحبه من الصراف، لأنه هو الآخر في حاجة ماسة وهي في حاجة إليه ولا ترغب إغضابه.

قرر أهل الخير الذهاب بالمبلغ للبنك والتسديد عنها ليستمر نزول راتبها الضئيل دون خصم ولو لبضعة أشهر حسب قدرتهم، لكن البنك رفض طالباً أن يسلّم المبلغ لها أو يودع في حسابها دون تحديد أنه لتسديد القرض، وبذلك فإن المشكلة ستستمر بأن تصرف منه أو يقنعها الرجل بسحبه ببطاقة الصراف! وبقاء القرض و انتفاء الغرض من المساعدة.

وصلتني الشكوى وأخذت المبلغ بنفسي للبنك ورفض مدير خدمات العملاء توسلاتي بقبول السداد عنها بأعذار غير منطقية ولا تهتم للظرف الخاص للعميلة، فتوجهت لمدير الفرع فكنت كالمستجير من الرمضاء بالنار، الرفض هذه المرة جاء (من طرف خشم المدير) وكأني أطلب منه أن يسدد هو عنها!، فهو لم يقبل حتى محاولة الإقناع.

قلت له: أنتم تدعون أنكم تدفعون لمحصلي القروض، وأنا أقدم لك تحصيلاً مجانياً!، وأنتم تدّعون أن المواطن المقترض يتهرب من السداد وأنت الآن تتهرب مني وأنا أريد أن أسدد عن عاجزة مغلوبة على أمرها!، وبعد إلحاح اقترح أن تحضر معها امرأة وتسلم النقود للعميلة وتتأكد أنها أودعتها كسداد، وفعلنا وكلفنا امرأة أن تذهب معها كما طلب، لكننا فوجئنا بالرفض بحجة رغبة البنك بأن يسدد كامل القرض لا جزء منه!، أو يصبح المبلغ مجرد إيداع عادي (يمكنها سحبه) وسيستمر الاقتطاع من راتبها!، أما الحجة فهي أنهم ينوون في نهاية نوفمبر تطبيق جدولة جديدة على قرضها مع حساب فوائد.

بنوكنا تعامل المقترض بروح الخصم والحكم في آن واحد وحكمها جائر أو جاهل أو مذل للمحتاج.

اترك رد