الشهر: مايو 2019

توج النصر فهل نلتفت لإيران؟!

باستثناء برنامج (كورة) على قناة روتانا خليجية، فإن إعلامنا الرياضي المتلفز، شأنه شأن بعض الصفحات الرياضية لم يوفق في اختيار ضيوف يناقشون الشأن الرياضي بمهنية وحياد ووطنية ورزانة في الطرح.

تخيل أن عدد كبير من ضيوف برنامج (الديوانية) مر عليهم شهر وهم يتحدثون و يتشاجرون على قضايا سطحية تافهة مثل: لماذا يفرح العويشير بطريقة حركة الدودة ؟!، وأن  حمدالله ارتقى على أكتاف المدافع في هدفه بمرمى الاتفاق، حتى أن بعض ضيوف البرنامج وقف مقلداً طريقة الهدف في شكل قوبل بالسخرية والضحك، ويرددون جملة مكررة من الصياح والعويل، ويتركز حديثهم لساعات طوال عن متعب المفرج لماذا ينقذ كرة هدف محقق لفريقه السابق، ولماذا عجز ظهير فريق سابق منسق لانخفاض مستواه عن إيقاف مهاجم عالمي فذ هو هداف الدوري بأرقام غير مسبوقة اسمه حمدالله، بالله عليكم انتظروني حتى أصل إلى ما تجاهلته هذه المجموعة السطحية من شأن رياضي كان بالإمكان استغلاله وطنياً وسياسياً لو وجد من يستحق الإستضافة.

في برنامج (الوقت الأصلي)، لا يوجد إلا (طيف) رياضي وجمل متعصبة استفزازية، لا تستحق حتى الذكر أو المجادلة والغريب أن يقبل التواجد فيه أسطورة عالمية مثل ماجد عبدالله.

حتى برنامج (كورة) فوت الفرصة التي سوف أشير إليها، لكنه والحق يقال يناقش أموراً ذات قيمة وبهدوء وضيوف عقلاء، استطاع أن يعري رئيس الحكام الإنجليزي سيء السمعة كلاتينبرج الذي استغفل رياضتنا كلها وقلب موازين العدالة بفار كبير في الدور الأول، وانتقدوا ملاعبا سيئة كادت أن تعصف بسمعتنا، وأنصفوا خليل جلال الذي لا أحد يعرف مبرراً لإبعاده.

سطحية وتعصب ضيوف تلك الديوانية وبرنامج (الوقت الضائع) هي التي وترت الشارع الرياضي حتى شهد وفيات وإغماءات ما كانت لتحدث لولا ذلك التوتير الذي حذرت منه في (تويتر).

في المقابل، حدثت فرصة ذهبية، لا يضيعها إعلام ذكي عاقل، فريق ذوبهان الإيراني يختار ملعب كربلاء العراق لمواجهة النصر السعودي أسيوياً، ظناً منه أن العراق أصبحت أرضه، ثم يحظى الفريق السعودي، في نزاله مع الزوراء، باستقبال الشعب العراقي المحب بحفاوة، ليس هذا فقط، بل الفرصة الذهبية أن الفريق الإيراني في مباراته مع الزوراء تعرض لاستهجان الجماهير العراقية العربية الأصيلة، ونزول بعضهم لضرب لاعبيه وحصول مشاجرات كبيرة بين لاعبي الفريقين، وفرصة ألماسية آخرى تتمثل في تغيير الإيرانيون، المصدومون بواقع أنهم مكروهون لرغبتهم وطلب ذات الفريق الإيراني عدم لعب مباراة النصر في العراق!.

ذلك كان استفتاء شعبي عراقي لكرههم لإيران، لكن برامجنا الرياضية لم تستغله إعلامياً ولم تتحدث عنه مطلقا، أشغلتهم  دودة العويشير، للأسف، والدودة تزعج كثيراً.

تكميم أفواه مرضى الأورام

علمه الوطن وابتعثه وصرف عليه الكثير ليعود متخصصاً في علاج أورام الجهاز الهضمي، (أورام القولون والمعدة…آلخ) ولكي يعمل في المستشفى الحكومي المتخصص المفخرة، وحدث هذا فعلاً، لكنه، وبسبب حب المال وعدم الاكتفاء بالراتب الجزل والبدلات، أصبح يهمل مرضى الأورام في المستشفى الحكومي ويؤجل مواعيدهم لعدة أشهر ينتشر خلالها الورم وقد يموت المريض، وفي البداية كان يحث مرضاه المؤجلين عدة أشهر على مراجعته و إجراء عملياتهم خلال أيام قليلة في الخاص، لكنه بعد أن ذاق طعم الدخل الإضافي الحرام، وجد أن ثمة عمليات (أقرب إلى التجميل والترفيه منه لإنقاذ الحياة) أسهل وأكثر دخلاً، فتحول إلى عمليات تكميم المعدة!، فيجري في شهر أكثر من ١٥عملية تكميم ولا يتابع منها واحدة، وهذا مخالف للوائح لأنه يجريها في مستشفى خاص لا يمثله رسمياً، وأهمل تماماً علاج مرضى أورام الجهاز الهضمي وهذه خيانة للأمانة واللوائح والأنظمة وحنث بالقسم، ولعل تكميم المعدة عوده على تكميم أفواه مرضاه عن الشكوى بحزنهم فمرضهم يشغلهم عن الشكوى.

تلك كانت صورة واقعية لنتيجة طبيعية لمخالفة تركت واستفحلت وفساداً طبياً تبنيت محاربته بما أوتيت بالحرف والصورة والصوت وسوف أستمر إلى أن أرى أن المرضى اللذين أهتم بهم الوطن وأهملهم طبيب جشع قد أنصفوا، وكاتب الرأي الذي يؤمن برسالته السامية لا يكل ولا يمل ولا يخاف ولا يجامل، ودائماً أقول أن الكاتب، الذي سيجامل و يساير، عليه أن يترك هذه المساحة لغيره أو للإعلان.

ولا يزال مجتمعنا السعودي بألف خير فأغلب صور الفساد الطبي التي يمارسها أطباء مخالفين تصلني من أطباء شرفاء مخلصين غيورين على دينهم ووطنهم  ومهنتهم الإنسانية النبيلة، وعندما نستشهد بهذا المثال الصارخ لتطور النتائج والمضاعفات الناجمة عن التساهل في معاقبة الأطباء الحكوميين المخالفين بعملهم في مستشفيات خاصة، إلى درجة مست مرضى السرطان وقد تفشل مشروعاً وطنياً إنسانياً يتمثل في مستشفي متخصص لو تفرغ له أطباؤه فقد يغني عن إرسال المرضى للخارج، فإننا إنما نضرب مثلاً فقط، و إلا فإن الواقع خطير والصور للمتاجرة بصحة الناس متعددة للأسف.

أما المؤسف أكثر أن يورد البعض أمثلة لأطباء لبوا النداء لإجراء عملية ٣ ساعات ويوردها دفاعاً عن المخالفين، بدلاً من الثناء على الطبيب الصالح وكأن الأصل عنده عدم إنسانية الطبيب، فيسيء لمهنة الطب ويبين سطحية فكره وتفكيره هو ومن يعيد تغريدته، فمهنة الطب أعظم منهما وأجل قدراً.

كابوس محيط الرعب

الأشياء التي تحيط بنا و تدور حولنا وندور في محيطها هي من تحدد سلوكياتنا، بل تجبرنا على عمل ما لا نقتنع به إطلاقاً لكننا نمارسه مجبرين لأن محيطنا المرعب يفعل ذلك، وهنا يبرز دور الأشخاص الواثقون بأنفسهم ويبرز دور القدوة الصالحة، ليسبح ضد تيار المحيط ويشجع الناس على السباحة ضد التيار والتغريد خارج السرب الخطأ.

مجتمعنا يعاني من عادات، بل ممارسات دخيلة لم تكن معتادة، تنتشر بين الغالبية بسرعة ويتضرر منها كثيرين ولا ينتفع منها إلا من روج لها وغالباً هم مستثمرون من خارج بيئتنا.

خذ على سبيل المثال إحضار هدية عند كل زيارة وغالباً تكون حلوى غالية الثمن (ماركة) باهظة التكلفة على الزائر والضرر الصحي على الجميع، هذا تقليد أعمى جديد جاءنا من الغرب ودول استعمرها الغرب، ففي كثير من دول أوروبا لابد أن يصطحب الزائر زجاجة نبيذ (أكرمك الله) على أساس أنها هدية بينما واقع الحال أنها (اسكر من جيبك) ونحن ولله الحمد والمنة على نعمة الإسلام من هذا براء، لكننا قلدنا السلوك المكتسب بالعدوى عن طريق إحضار حلوى وما شابه.

صحيح أننا أول من بدأ هذا الذوق الرفيع بأسلوبنا الجميل غير الملزم، عندما كانت الأحوال مستورة والظروف صعبة، فكانت المرأة ميسورة الحال تزور جارتها مستورة الحال وتذيقها ما تيسر مما طبخت وقد تكون وجبة يحتاجها الجيران ويتلهفون عليها، أما اليوم فهي مجرد بطر ومباهاة وتسابق على المظاهر، يحرج غير القادر، فكم أسرة تتحاشى الزيارات لأنها لا تستطيع أن تجاري غيرها في ميدان المباهاة، وكم من بنت أحرجت أمها بعدم الذهاب لأنها بالكاد تستطيع توفير مصروفها من حافز أو حساب المواطن على فواتير المنزل، ولقد أدى ذلك إلى التباعد وقلة التواصل بين الناس بسبب ذلك الرعب الذي يحيط بنا من عادات دخيلة.

شراء ورد لزيارة مريض مثال آخر، لا أساس له إلا التقليد فقد كان خير ما نحمله للمريض وللمرأة الوالدة هو الدعاء و التطمين أما اليوم فإن شركات استيراد الورد الهولندي تستغل مباهاتنا بأعلى باقة ورد قد تصل لسقف غرفة المريض!، ثم (ورد من هذا ؟!)، ورد أم زيد، وماذا عن أم عبيد؟!، لقد كانت تحمل باقة من دعاء وتطمين ومواساة، لكنها خجلت من الحضور لعدم قدرتها على شراء الورد!

كعكة كل مناسبة هذه تقليعة أخرى جديدة لا أصل لها عندنا، ولقد أصبح لكل مناسبة كعكة وسيف يقطعها به نجم الحفل، ومصاريف لا داعي لها ومصير الكعكة حاوية النفايات والمستفيد انطوان وبطرس.

حفلات التخرج والزواج المبالغ فيها هي الأخرى تنافس وهياط شاهدنا صوره المقززة وحديثاً للطلاق حفلة!

السؤال هو أين دور المصلحين والعقلاء الناصحين لتوجيه المجتمع شريطة أن يكونوا قدوة حسنة ويسبحوا ضد تيار المحيط، لا أن ينهوا عن الخلق ويأتوا بمثله.