الشهر: فبراير 2021

موقف عظيم يقشعر له البدن

في مقالي قبل أسبوعين وجهت رجاءً لمستشفياتنا والعاملين فيها أن نعيد النظر في أمرين مهمين، الأول: أمر إبلاغ أهل المصاب في حادث بأن يتم بهدوء وتدرج عبر أخصائي أو أخصائية اجتماعية لتلافي ما يحدث حاليا من ترويع للأهل عبر غير مختص قد يبلغهم بجلافة تكون أشد عليهم خطرا من إصابة قريبهم، والأمر الثاني: هو إصرار بعض الأطباء من خريجي المدارس الغربية على إخبار المريض، بمرض عضال، عن مصير محتمل غير مؤكد، كالإصرار على إخبار المريض بأنه قد يتوفى خلال أشهر أو أيام، وهو نهج انتهجته مدارس غربية قد يورث فيها الشخص غير ورثته، وقد يوصي بثروته لصديق أو جار أو حتى كلب!. ثم أنه لا شيء مؤكد في أمر الأعمار، فهي بيد الله ولا داعي إطلاقا لإزعاج مريض وأهله بتوقع وفاته ووعدتكم بأنني في مقال قادم سوف أستشهد بموقف عظيم شهدته في مستشفى الملك سعود (الشميسي).

كنت معيدا بكلية الصيدلة بجامعة الملك سعود، وقد فرضت الجامعة علينا للحصول على بدل التفرغ، أسوة بزملائنا الصيادلة في المستشفيات، أن نعمل عصرا في أحد المستشفيات واخترت العمل في مستشفى الشميسي (مدينة الملك سعود الطبية حاليا) وكنا: معالي الدكتور محمد المشعل (رئيس هيئة الغذاء والدواء السابق والذي أسس لهيئة عصرية تحاكي هيئات الغذاء والدواء في العالم المتقدم) والصيدلي الاكلينيكي محمد الحيدري (أول صيدلي إكلينيكي سعودي بوزارة الصحة والمؤسس لسياسة الاستخدام الأمثل للدواء والشراء الموحد في دول مجلس التعاون) والصيدلي بتال بن سيف البتال (مدير الصيدلية وباني الخدمات الصيدلية المتقدمة بالشميسي) وأنا، كنا نعمل في الصيدلية الداخلية بالمستشفى حيث نجتمع في أوقات الراحة مع فطاحلة الأطباء الاستشاريين المخلصين (سعوديين وغير سعوديين) ممن نذروا أنفسهم لمرضاهم، لا يغادرون الأجنحة والعيادات إلا للاستزادة بمعلومات دوائية من زملائهم الصيادلة.

ومن إخلاص الأطباء (آنذاك) أن أحدهم إذا غادر لانتداب أو إجازة، يمضي وقتا طويلا مع البديل يشرح له عن حالة كل مريض بالتفاصيل كنوع من تسليم الحالة، وأذكر أن أحد الأطباء المتعاقدين، ممن هم على خلق عظيم وإخلاص كبير، تقرر ندبه للمنطقة الشمالية وكان يشرح لبديله عن مريضين بمرض عضال، فقال له إن فلانا قد لا يعيش أكثر من شهرين والثاني كذلك فنتائجهم غير مبشرة وحالتهم متقدمة (لم نكن قد تعرضنا بعد لتأثير خريجي المدرسة الغربية التي تنتهج إخبار المريض بقرب وفاته).

في اليوم السابق لمغادرة الطبيب للمنطقة الشمالية تأخر في الحضور (على غير عادته) ثم اكتشف زملاؤه أنه باق في سيارته في المواقف لم يغادرها، وأنه وجد متوفيا بنوبة قلبية – تغمده الله بواسع رحمته – وعلمنا من الزملاء بعد مدة أن أحد المريضين عاش أربع سنوات وأن الثاني غادر المستشفى بعد ثلاث سنوات ولم نعلم كم عاش.

لا شيء مؤكد في أمر الحالة الصحية والأعمار بيد الله، وإخبار المريض بمصيره في مجتمع مسلم متماسك ومصير إرثه مقنن تقليد أعمى.

نشر في جريدة الرياض يوم الأحد 02 رجب 1442هـ 14 فبراير 2021م

في «كورونا» أرجوك قل: لا أعلم

كثر في هذه الأيام، وبحكم حب الشهرة وحب المتابعة وحب الظهور في القنوات الفضائية، من يفتي فيما لا يعلم، في كثير من شؤون الناس والحياة، وفي شتى أنواع العلوم، سواء العلوم الطبيعية أو الشرعية أو العلوم الإنسانية وغيرها.

والخطورة على المجتمع تبلغ ذروتها عندما يتصدر المشهد من يبيح لنفسه أن يفتي في كل شيء وباختصار، من لا يقول (لا أعلم)، ويكون الخطر بالغا جدا عندما يتعلق الأمر بكارثة عالمية جديدة ومستجدة بمسبب غامض شبه مجهول مثل (كورونا).

في أمر فيروس كورونا وسلالاته وسلوكياته وتطوره وتحولاته قل في الكرة الأرضية كلها من يعلم، بل ندر من يلم ولو باليسير، فهذه الجائحة غامضة جدا وتزداد غموضا، وتحتاج الفتوى حولها إلى تريث وتأكد، خاصة فيما يتعلق بطبيعة الفيروس وسلوكياته وتحولاته فعلينا أن نتقي الله ونلتزم بالنصح بما ثبتت فاعليته ونجحنا فيه وهو الوقاية بتحاشي الفيروس بالتباعد وارتداء الكمامة وغسل اليدين وتعقيمهما والبعد عن التجمعات وقبل هذا وذاك البعد عن الفتوى فيما لا نعلم!.

لا يمكن لطبيب استشاري في الأمراض المعدية أن يدعي علما بسلوكيات هذا الفيروس المستجد ولا بتحولاته ولا بعلاقة المتحول الجديد بتطعيمات القديم، فطبيب الأمراض المعدية نحترم ونقدر علمه وخبرته في تشخيص مرض معد بكتيري أو حتى فيروسي وكيف تنتقل عدواهما وكيف نقلل منها وما المضاد الحيوي (أو مجموعة المضادات) الأنسب لعدوى بكتيرية، بناء على تقارير صيدلانية لمستشفى بعينه، وكل ما يتعلق بمرض معد سببه معروف وعلاجاته مجربة، لكن حذار من أن يدعي علما بفيروس جديد مستجد وهو ليس عالما وباحثا معمرا في مجال علم الفيروسات ودرس ولا يزال يدرس سلوكيات هذا الفيروس، فلا أحد حتى الساعة يستطيع الجزم بمعرفة هذا الفيروس بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، التي نقدر لها الاعتراف بجهلها بكثير من خصائص كورونا وسلوكياته وما يتوقع منه.

وفيما يتعلق باكتساب المناعة للفيروس المتحول بعد إصابة بالفيروس الأصل أو بعد التطعيم عنه، فإنه يحتاج لبحث مستفيض لم يتم بعد، ويجب عدم الإفتاء حوله، فعملية إنتاج الأجسام المضادة لجسم غريب عملية متخصصة جدا يشبهها علماء المناعة بالمفتاح والقفل فلكل جسم غريب (فيروس أو غيره) جسم مضاد متخصص جدا قد لا يتحد مع جسم غريب مختلف، وحتى لا أقع فيما نهيت عنه دعوني أذكر لكم مثالا حيرنا، فقد أنتجت في مختبر أبحاثي للماجستير وعلى مدى سنوات أجسام مضادة لسموم الثعابين المحلية وهي سبعة، وطبيعي أن لكل نوع من سموم الثعابين جسما مضادا متخصصا، بل عالي التخصص حسب النوع، وعندما بدأنا الإنتاج في المركز الوطني لإنتاج الأمصال بالحرس الوطني وجدنا أن الحية الرقطاء في المنطقة الجنوبية لا يعادل سمها مصل محضر لنفس الحية الرقطاء في المنطقة الوسطى (نفس النوع والفصيلة) وهذا معناه أن البيئة أثرت في طبيعة الجسم الغريب (السم)، هذا وهو سم عبارة عن بروتين ذو تركيب ثابت فكيف بفيروس متحول؟!.. أرجوكم تريثوا وقولوا لا نعلم.

نشر في جريدة الرياض يوم الأحد 25 جمادى الثاني 1442هـ 07 فبراير 2021م