في مقالي قبل أسبوعين وجهت رجاءً لمستشفياتنا والعاملين فيها أن نعيد النظر في أمرين مهمين، الأول: أمر إبلاغ أهل المصاب في حادث بأن يتم بهدوء وتدرج عبر أخصائي أو أخصائية اجتماعية لتلافي ما يحدث حاليا من ترويع للأهل عبر غير مختص قد يبلغهم بجلافة تكون أشد عليهم خطرا من إصابة قريبهم، والأمر الثاني: هو إصرار بعض الأطباء من خريجي المدارس الغربية على إخبار المريض، بمرض عضال، عن مصير محتمل غير مؤكد، كالإصرار على إخبار المريض بأنه قد يتوفى خلال أشهر أو أيام، وهو نهج انتهجته مدارس غربية قد يورث فيها الشخص غير ورثته، وقد يوصي بثروته لصديق أو جار أو حتى كلب!. ثم أنه لا شيء مؤكد في أمر الأعمار، فهي بيد الله ولا داعي إطلاقا لإزعاج مريض وأهله بتوقع وفاته ووعدتكم بأنني في مقال قادم سوف أستشهد بموقف عظيم شهدته في مستشفى الملك سعود (الشميسي).
كنت معيدا بكلية الصيدلة بجامعة الملك سعود، وقد فرضت الجامعة علينا للحصول على بدل التفرغ، أسوة بزملائنا الصيادلة في المستشفيات، أن نعمل عصرا في أحد المستشفيات واخترت العمل في مستشفى الشميسي (مدينة الملك سعود الطبية حاليا) وكنا: معالي الدكتور محمد المشعل (رئيس هيئة الغذاء والدواء السابق والذي أسس لهيئة عصرية تحاكي هيئات الغذاء والدواء في العالم المتقدم) والصيدلي الاكلينيكي محمد الحيدري (أول صيدلي إكلينيكي سعودي بوزارة الصحة والمؤسس لسياسة الاستخدام الأمثل للدواء والشراء الموحد في دول مجلس التعاون) والصيدلي بتال بن سيف البتال (مدير الصيدلية وباني الخدمات الصيدلية المتقدمة بالشميسي) وأنا، كنا نعمل في الصيدلية الداخلية بالمستشفى حيث نجتمع في أوقات الراحة مع فطاحلة الأطباء الاستشاريين المخلصين (سعوديين وغير سعوديين) ممن نذروا أنفسهم لمرضاهم، لا يغادرون الأجنحة والعيادات إلا للاستزادة بمعلومات دوائية من زملائهم الصيادلة.
ومن إخلاص الأطباء (آنذاك) أن أحدهم إذا غادر لانتداب أو إجازة، يمضي وقتا طويلا مع البديل يشرح له عن حالة كل مريض بالتفاصيل كنوع من تسليم الحالة، وأذكر أن أحد الأطباء المتعاقدين، ممن هم على خلق عظيم وإخلاص كبير، تقرر ندبه للمنطقة الشمالية وكان يشرح لبديله عن مريضين بمرض عضال، فقال له إن فلانا قد لا يعيش أكثر من شهرين والثاني كذلك فنتائجهم غير مبشرة وحالتهم متقدمة (لم نكن قد تعرضنا بعد لتأثير خريجي المدرسة الغربية التي تنتهج إخبار المريض بقرب وفاته).
في اليوم السابق لمغادرة الطبيب للمنطقة الشمالية تأخر في الحضور (على غير عادته) ثم اكتشف زملاؤه أنه باق في سيارته في المواقف لم يغادرها، وأنه وجد متوفيا بنوبة قلبية – تغمده الله بواسع رحمته – وعلمنا من الزملاء بعد مدة أن أحد المريضين عاش أربع سنوات وأن الثاني غادر المستشفى بعد ثلاث سنوات ولم نعلم كم عاش.
لا شيء مؤكد في أمر الحالة الصحية والأعمار بيد الله، وإخبار المريض بمصيره في مجتمع مسلم متماسك ومصير إرثه مقنن تقليد أعمى.
نشر في جريدة الرياض يوم الأحد 02 رجب 1442هـ 14 فبراير 2021م