اليوم: 15 نوفمبر، 2023

علمتني الوظائف.. رئيسك قد يسرقك

اليوم أختتم سلسلة مقالات علمتني الوظائف والتي بدأتها منذ شهر ووعدت أن أطرح بعض ما استفدت منه وتعلمته في الحياة الوظيفية على مدى نحو 40 سنة، علها تفيد النشء كعبر وليست دروسا، فقد قلت إنني أستشهد بعبرة ولا ألقي دروسا، وهي عبر تعلمتها من عملي في عدة جهات، فلا مجال للاعتقاد أنني أقصد جهة بعينها أو شخصا بعينه، فقد عملت مع عدة أشخاص فخرجت بعدة عجائب وعبر، وهنا أطرح العبرة الرابعة والأخيرة في تلك السلسلة:

إن من أسوأ سلبيات المبالغة في التقيد بالتسلسل الوظيفي في المؤسسة أو الشركة هو أن يعمد الرئيس المباشر لفرض قيد على موظفيه بألا يكتبوا مقترحا أو يسهموا بطرح فكرة إبداعية إلا من خلاله، وبالتالي فإن الموظف المبدع لا يستطيع إيصال مقترحه أو فكرته للإدارة العليا إلا عبر رئيسه المباشر، ولو توقف الأمر عند هذا الحد لكان أخف تأثيرا وأسهل وطأة على الإبداع والطموح والفكر الخلاق.

لكن الطامة الكبرى تقع عندما يقوم الرئيس المباشر باستلام خطاب المقترح أو الفكرة الإبداعية وبدلا من أن يضع عليه خطاب تغطية ويرسله كما هو باسم صاحب الفكرة أو المقترح، يقوم بوضعه في الدرج أو تمزيقه وكتابة خطاب جديد تحت توقيعه هو وإرسال المقترح وكأنه منه هو، أي باختصار يقوم بسرقة الفكرة أو المقترح وتجييره لنفسه.

هذا السلوك الذي يحدث كثيرا من بعض المديرين يتسبب في قتل الطموح لدى الموظف المبدع وإحباط بقية الموظفين وعدم تشجيعهم على التفكير الخلاق، ناهيك عن أنه سرقة فكرية دنيئة يعلمها كثير من الموظفين فينظرون لرئيسهم المباشر باحتقار لا يستطيعون التعبير عنه، وبدلا من أن يكون قدوة حسنة لهم يصبح وقد سن سنة إدارية سيئة قد تؤثر في قلة منهم مستقبلا فيقلدونه وتؤثر في البقية فيفقدون الثقة في المؤسسة أو الشركة بأكملها.

إن ترك المجال واسعا ومفتوحا لتواصل الموظف، مهما صغر مركزه الوظيفي، مع الإدارة العليا فيما يخص المقترحات التطويرية والأفكار الإبداعية هو السبيل لاكتشاف المواهب الإبداعية وإعطاء كل صاحب حق فكري حقه وعدم إتاحة المناخ لصعود طرف سلبي على أكتاف طرف إيجابي وبالتالي تطوير سريع للمؤسسة.

ولعشاق التقيد بالتسلسل الوظيفي فإن ثمة طرق حديثة للتخاطب تضمن الالتزام بالتسلسل مع حفظ الحقوق، مثل أن يكون الخطاب بصيغة (من الموظف فلان إلى الإدارة العليا عبر رئيسه فلان).

كم من الأفكار الإبداعية بل والإنجازات الإدارية والهندسية والطبية والنجاحات في مجالات عدة سرقت من أصحابها الحقيقيين وجيرت لغيرهم بسبب عقدة التسلسل الوظيفي، والعزاء الوحيد أن الله وحده يعلم من صاحب الفضل الحقيقي ويجازيه عنه وأن الوطن استفاد من فكرة أو إنجاز بطلها الحقيقي يقبع خلف الكواليس.

نشر بجريدة الرياض بوم الأربعاء 24 ربيع الآخر 1445هـ 8 نوفمبر 2023م

علمتني الوظائف.. نائب المدير وشلته

في الأسبوعين الماضيين بدأت سلسلة مقالات وعدت أن أستمر فيها لطرح بعض ما استفدت منه وتعلمته في الحياة الوظيفية على مدى نحو 40 سنة، علها تفيد النشء كعبر وليست دروسا، فقد قلت إنني أستشهد بعبرة ولا ألقي دروسا، وهي عبر تعلمتها من عملي في عدة جهات، فلا مجال للاعتقاد أنني أقصد جهة بعينها أو شخصا بعينه، فقد عملت مع عدة أشخاص فخرجت بعدة عجائب وعبر، وهنا أطرح العبرة الثالثة:

في زماننا كان المدير يختار شخصا ضعيفا ويوكل إليه المهام ويجهزه لتولي المهة في غيابه وإجازته ثم يرشحه نائبا له، ونحمد الله سبحانه أن هذا السلوك الوظيفي شارف على الاختفاء.

ومن أعجب ما رأيت أنه ما من مدير أناب شخصا لعلمه بضعفه (فلا يخشى منه) أو لقرابته أو لمصاهرته ليأمن جانبه ويستأمنه على أسراره ويضمن ولاءه، وقدمه على غيره من الموظفين الأكفاء المستحقين المؤهلين، إلا صار نائبه وبالاً عليه ومحاربا له رغبة في منصبه، لأن الضعيف في نفسه ضعيف في قيمه وأمانته وحتى ولائه وامتنانه (عكسه القوي الأمين) لذا فمن السهل أن ينقلب ضدك، وقد رأيتها، وربي، رأي العين، فكم من مدير قدم ضعيف قدرات وضعيف نفس وضعيف شخصية وضعيف تأهيل على غيره من المؤهلين فكان وبالاً عليه أثناء عملهما معا، أما الأكثر غرابة وعجبا فهو أنهما حين يفترقان ويتولى النائب الإدارة خلفا للمدير فإنه ينقلب إلى ضده وتنشأ بينهما عداوة وعناد و(استقعاد) يعجب منه صغار الموظفين قبل كبارهم، (لعلها عقوبة إلهية لظلم المستحقين من الأقوياء الأمينين، فإن خير من استأجرت القوي الأمين).

أما (الشللية) في الحياة الوظيفية فقد رأينا منها العجب، فقد كان المدير يحيط نفسه بشلة من الأقارب والأصهار وأهل القرية ومن ينتفع منهم في تجارة أسهم أو عقار، ويجعل هذه الشلة ذات سيطرة ونفوذ وهيبة ومن المقربين، يمشون معه إذا مشى ويقفون إذا وقف ولهم حظوة في المميزات والترقيات والانتدابات.

ومن عجائب وبال سوء العمل وخبث النيات، أنه ما من مدير فعل ما ذكرت إلا سقط وفشل بفعل شلته وأخطائهم وإهمالهم فيغلقون أبوابهم عن المراجعين وينشغلون بأسهمهم وتجارتهم ومصالحهم ويركنون لعلاقتهم بالمدير، ويقصرون في علاقتهم بربهم بإهمال مصالح الناس ومصلحة الوطن فتفشل المؤسسة ويفشل المدير ويكونون أول من يتخلى عنه.

العبرة هي: أخلص في عملك بما يرضي ربك وينفع وطنك وأهله ولا تُنِبْ ضعيفا لضعفه ولا تقربْ شلة لمصالح شخصية واستأجر القوي الأمين وكن قبل ذلك أمينا.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 10 ربيع الآخر 1445هـ 25 أكتوبر 2023م

علمتني الوظائف.. وباء الغيرة المهنية

في الأسبوع الماضي بدأت سلسلة مقالات وعدت أن أستمر فيها لطرح بعض ما استفدته وتعلمته في الحياة الوظيفية على مدى حوالي 40 سنة، علها تفيد النشء كعبر وليست دروسا، فقد قلت إنني أستشهد بعبرة ولا ألقي دروسا، ونوهت أنه قد يكون من حسن حظي أنني عملت في عدة جهات، أو من سوئه، الله أعلم، ولكن المؤكد أنه (أي عملي في عدة جهات) يبعد هواة التأويلات ويحيرهم فلا يمكنهم من توظيف ما أسرده من عبر للاعتبار فيجعلونه إيماء لشخص بعينه، فقد عملت مع عدة أشخاص فخرجت بعدة عجائب وعبر.. وهنا أطرح العبرة الثانية:

في حياتك العملية ستواجه أمرا لم تكن لتتوقعه وهو الغيرة المهنية، ويتمثل في حسد شخص أو عدة أشخاص يعملون في نفس المجال أو التخصص لزميل أو عدة زملاء نجحوا في مهنتهم وقد يصل الحسد حد المحاربة ومحاولة إعاقة النجاح أو تشويهه أو التقليل منه ما أمكن ذلك.

والغيرة المهنية لا تعرف حدودا ولا تعترف بمستويات أو درجة علمية أو مستوى ثقافي، بل حتى أنها (أحيانا) لا تخضع لمستوى الوعي بل تخضعه وتسيطر عليه، وهذه ليست نظرة تشاؤمية، بل تجربة وخبرة، فعليك أن تحسب لها ألف حساب وتتوقعها وتستعد لها وأنت تكافح من أجل النجاح.

لقد رأيتها في أساتذة جامعات وفي أطباء وصيادلة وإداريين كبار ومهندسين وعلماء وباحثين، وقد تصل حدا يضر بالصالح العام ويضحي به، ولذا فإن نصيحتي دوما ألا يجعل الإنجاز الوطني عرضة لأخطار الغيرة المهنية وذلك بأن نبعد النجاح المهني عن تأثير الزميل الإداري، ولذا اقترحت كثيرا أن يتولى الإدارة للمنشأة الصحية إداري متخصص في الإدارة لعدة أسباب أهمها التخصص ووضع المتخصص المناسب في مجال علمه وما تعلم وعدم إيكال الإدارة لطبيب أو صيدلاني فهو لم يتعلمها مطلقا (وهذا سبب رئيس) لكنه ليس الوحيد فقد يخضع الإدارة لمصلحته المهنية ويسلب إنجاز زملائه وقد يسخرها لأهواء الغيرة المهنية فيعيق إنجاز غيره، وليس أقل الأسباب هو تحاشي تأثير الغيرة المهنية على النجاح المهني بسبب النفوذ الإداري، وأحمد الله أن ما اقترحته يطبق حاليا في وطني وبنجاح تام في عهد زاهر.

كتبت ذات مقال (بل عدة مقالات) في هذه الجريدة الغراء منذ عدة سنوات أقول إن الوطن يتسع لأكثر من إنجاز طبي في وقت واحد ومؤسسة واحدة وذلك لما رأيت فيما مضى في ذلك الوقت من تأثر إنجاز جدا بمنافسة إنجاز آخر، لا لشيء إلا لغيرة مهنية، والله أعلم وأحكم.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 3 ربيع الآخر 1445هـ 18 أكتوبر 2023م