‘التسفير’ تشجيع للجريمة

لم نكن نتوقع في يوم ما أن تصل عدوى اعتبار “التسفير” عقوبة إلى القضايا التي تصل إلى الجهات القضائية ويصدر فيها أحكام.

كان “التسفير” إجراء كسول ساذج يمارسه كفيل نحو خادمة منزلية أو سائق ارتكب جريمة أو شرع في ارتكابها حتى لو كانت من الكبائر أو محاولة قتل طفل أو الاعتداء عليه.

وأقول أن الإجراء كسول وساذج لأن الكفيل يعتبره حلاً سريعاً لا يستدعي أكثر من استخراج تأشيرة خروج نهائي، دون الحاجة لرفع قضايا ومراجعة أقسام الشرطة. وما أن استشرى هذا التصرف المفتقر للذكاء والإخلاص للوطن حتى تباشرت به أسراب الخادمات وقوافل السائقين فأصبح المجرم منهم يعلم أن “التسفير” هو أعلى خيل يستطيع الكفيل ركوبه والعودة مضمونة عبر عملية تزييف سهلة ورخيصة.

وفي الوقت الذي طالبنا فيه كثيراً بالإقلاع عن هذا السلوك الكسول والتبليغ عن كل جريمة وتسليم مرتكبها للسلطات لينال جزاء رادعاً لغيره أولاً، وله ثانياً بعد انتهاء محكوميته ومن ثم تسفيره، تلك العقوبة رادعة إلى حد عدم التفكير في العودة لا للبلد ولا للجريمة، وهذا هو الهدف الوطني الهام.

أقول في الوقت الذي رفعنا فيه هذه المطالبة للمواطنين فوجئنا بأن كثيراً من الأحكام في قضايا خطيرة كالمخدرات تختصر وتقلص إلى عدة أشهر منتهية بالتسفير (وبطبيعة الحال العودة بطرق معوجة)!! لماذا نعتبر التسفير عقوبة للمجرم من غير المواطنين؟! ولماذا نعتقد أنها عقوبة رادعة في حين أن الواقع يقول أن التسفير ما هو إلا مكافأة جزلة!!.

تسفير الغريب ليس تغريباً ولا إبعاداً واختصار مدد الأحكام من سنوات إلى أشهر يعقبها تسفير ليس إلا دعوة إلى (أمن العقوبة) ومن أمن العقوبة أساء الأدب.

وأعتقد أننا ما لم نعد النظر وبسرعة في هذه الإجراءات فإن جرائم السرقة وترويج المخدرات والاعتداء وترويع الآمنين قد تزداد بسرعة كبيرة وقد لا يشعر بهذه المعاناة أحد مثلما يشعر بها رجال الأمن الذين تنفطر قلوبهم كلما خاطروا بأرواحهم في القبض على مروج أو مفسد ثم رأوه يخرج بعد بضعة أشهر إلى المطار وهو ينظر إليهم بنظرة ازدراء تقول (عائدون، وأعلى ما في خيلك تسفير).

إن ازدحام السجون وارتفاع تكاليف الإعاشة والإيواء لا يبرر اللجوء إلى التسفير لأنه وإن قلل من عدد النزلاء سيزيد من أعداد الدخول إلى السجن ممن استشعروا عدم خطورة النتائج وأمنوا العقوبة، ولا شك أن أفضل أسباب تقليل الإقبال على السجون هو تشديد تنفيذ العقوبات ومضاعفة المدة لأرباب السوابق. وجعل العفو في أضيق الحدود الممكنة وغير مرتبط بوقت أو مناسبة سنوية لأن الإنسان بطبيعته سريع التأقلم وجدولة سلوكياته واستغلال الفرص حتى لو كانت فرص إنسانية فإنه يوظفها لغرض غير إنساني.

كما هو جميل أن تضع الجهات القضائية والتنفيذية والأمنية ومراكز الدراسات الأمنية موضوع التسفير وتقليص أحكام السجن ومناسبات العفو على بساط نقاش صريح لا مجاملة فيه لمعرفة انعكاسات هذه الخطوات ودرجة خطورتها على أمن المجتمع.}

اترك رد