الشهر: مارس 2002

هل أوكلتم امرأة لركلهن؟!

حقيقة لا أدري لماذا تركز البلديات الفرعية بكل ما أوتيت من مراقبين وعمال وسيارات على أضعف خلق الله وأقلهم فرصاً وقدرات وأعجزهم حيلة، ألا وهن النساء اللاتي يفترشن الأرض في أي مساحة متاحة قرب الأسواق العامة ويمارسن البيع أملا في ربح يسير يكفي بالكاد لتأمين لقمة يعدن بها الى منازل يملأها الأيتام الجياع؟!

لقد أثبتت الدراسات انه ما من شيء أشرس وأقوى من اندفاع الأنثى في كل أنواع الحيوانات لتأمين لقمة صغارها فما بالكم بأنثى الانسان، حينما تجد نفسها وقد باتت وحيدة بسبب موت زوجها أو سجنه أو تخليه عنها وعليها تأمين ما يسد رمق صغارها في وجبة واحدة يتناولونها ليلاً بعد عودتها.

كيف تريدون لهذه الأنثى المندفعة بحثاً عن العيش أن تؤمّن قوت عيالها؟! لا تتوفر لها فرص عمل وإن تسولت سجنت!! وإن باعت ركلت وصودرت بضاعتها وعلينا أن نعترف أنها لا تحظى حتى الآن بفرص رعاية اجتماعية منظمة وسريعة تؤمن لها ما يسد الرمق.

أي طريق تريدون من هؤلاء النسوة الاندفاع اليه بقوة أنثى تريد تأمين لقمة لزغب الحواصل، إذا أوصدتم أمامها أبواب الرزق الحلال؟!

إذا رجعنا الى الصور التراثية القديمة لبلادنا ومنها العاصمة الرياض فانه ما من لوحة لرسام أو صورة فوتوغرافية تجسد واقع الأسواق القديمة إلاوتجد فيها الباعة الذين يفترشون الأرض سواء من النساء او الرجال يشكلون أجمل ما في اللوحة أو الصورة.

هؤلاء الباعة ليسوا ورماً سرطانياً أبتليت به الأسواق مؤخراً كما يدعي البعض، هم جزء من تراثنا وماضينا الذي تأسس على اتاحة الفرص بالتساوي للجميع، فلماذا لم نخطط لهن أماكن خاصة منظمة ضمن مخططات الأسواق وفي عربات عرض أنيقة تتوسط ممرات الأسواق مثلما يحدث في دول أقل حرصاً منا على المساواة؟!

وعندما فشلنا في هذا التخطيط لماذا ينعكس فشلنا في صورة ركل ورفس لبضائعهن ومصادرتها من قبل مراقب بلدية جائر، خرج للتو من عدد من المطاعم والمحلات الكبرى المخالفة وقد أغمض عينيه!! ليفتحها جاحظة أمام أضعف خلق الله انساناً.

لماذا يوكل التعامل مع هؤلاء النسوة الى هؤلاء الرجال الأفظاظ؟! لماذا نسمح بأن يتكرر أمام مشاعر الناس وعين الناقد منظر مجموعة نساء ضعاف يطاردهن أسد البلدية الذي كان للتو نعامة في سلسلة المطاعم والأسواق؟!

أعجبني التحقيق الرائع في جريدة “الرياض” عن هذه القضية والذي نشر اول من أمس الاثنين وابدع الزميل محمد السهلي في متابعة أحداثه وطرح أسئلة منطقية عن أسباب التركيز على هؤلاء النسوة دون غيرهن وأبدع الزميل سليمان العنزي في التقاط صور معبرة لهذه المعاناة رغم المنع.

ولقد لفت نظري الموقف الغريب لرئيس البلدية الأخ فهد أبوعباة الذي رفض مقابلة البائعات وسماع شكواهن بحجة أن عليهن توكيل رجل ينوب عنهن لمناقشة وضعهن مع البلدية وكأني بالأخ أبوعباة يريد ان يحملهن مزيداً من المصاريف ويتعرضن الى بند آخر من بنود الاستغلال فمن أين سيدفعن أتعاب هذا الوكيل؟!

ثم أود من الأخ رئيس البلدية أن يجيب على هذا السؤال غداً أو في أسرع وقت:

ـ عندما قررت ركل بضائعهن وملاحقتهن وسحب البساط من تحتهن، هل أوكلت امرأة لتنوب عن البلدية في التعامل معهن وركلهن أم أرسلت رجلاً يهيّجه لون البساط الأحمر؟!

دعونا في كل لحظة نتذكر بكاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمام المرأة التي كانت تحاول تنويم أطفالها بطبخة وهمية علنا نشعر بشيء من المسؤولية عما يحدث للجياع.

لنستقبل اللقيط بستر!!

أكثر من أربعة أخبار صحفية خلال أربعة أيام فقط تتحدث عن العثور على رضيع لقيط في أربع مدن مختلفة من المملكة.

لقيط وجد في حاوية قمامة في رمقه الأخير وقد تحول لون جسده الرقيق الطاهر “نعم اللقيط انسان طاهر بريء لفظه رحم مذنب أو بريء مجبر ولكن المؤكد انه خرج من صلب نجس”. ولقيط آخر وجد في كرتون قرب المسجد، وثالث ورابع وما لم يعثر عليه وذهب مع عربة القمامة إلى مكبها ربما يكون أكثر.

لماذا يتعرض الانسان في أطهر وأرق وأعذب مراحله وأكثرها حساسية ومدعاة للشفقة إلى هذا المصير المخيف؟! بكل ما فيه من تعذيب جسدي ونفسي “أحدهم كان في شهره التاسع، يحس بألسنة القطط تلعق وجهه ويشاهد أعينها المخيفة تتربص به وهو يدرك بالفطرة أن هذا ليس مكانه الطبيعي ولم يقدر قدره الذي يستحقه كإنسان”!!.

لماذا ترضى أم لوليدها، قطعة من دمها ولحمها، تربطها به مشاعر فياضة، وإن حاولت تجاهلها، لماذا ترضى بأن تضعه في تلك الظروف؟!.

قد نقول ان امرأة سمحت للسان قذر أن يلعق جسدها بالحرام، وعين زائغة أن تنظر لمفاتنها بدون إذن شرعي، هي امرأة لم تقدر نفسها حق قدرها فكيف نتوقع أن تتورع عن وضع وليدها بين ألسنة القطط ومخالبها وعيونها وفي مكان أقل من قدره؟! هذا إذا كانت ارتكبت الذنب طائعة غير مغتصبة!! وحتى لو كانت كذلك فإن السبب الرئيس في شروعها في قتل وليدها هو بحثها عن الستر فهلا وفرنا لها هذا الستر وحفظنا حياة وأمن وقدر ذلك الوليد البريء؟!.

هذا هو بيت القصيد فيما أود طرحه، فلست بصدد الوعظ والنصح لدرء السبب فهذا الميدان له فرسانه ممن هم أعلم وأقدر مني من خطباء المساجد والواعظين من مشايخنا الأفاضل الذين أرجو أن يكثفوا التركيز على هاتين الجريمتين، الزنا وتعريض الوليد لتلك الظروف وما سوف يتبعها.

أما ما أود التركيز عليه هنا هو ضرورة البحث عن آلية تمكن من وضع المولود سفاحاً في مكان آمن مناسب له كإنسان بريء وتوفير الستر لمن أحضره، مثلما يوفر الستر لمدمن المخدرات ويتم إيواؤه في مكان علاج.

إنني هنا أتطرق للجانب الاجتماعي لهذه القضية، فإذا كان الفاعل ـ أي من يرمي الطفل ـ سينجو بفعلته ويتحقق له الستر بتعريض نفس بريئة للرعب والموت البطيئ فلماذا لا يتحقق انقاذ هذه الروح الانسانية الكريمة ووضعها في المكان المناسب دون مساءلة من أحضرها واعتباره رماها في مسجد أو طريق أو نفق سيل كما يحدث حالياً. بل اعتباره وجد اللقيط فأحضره للدار المختصة.

في الماضي البعيد عندما كان من يحضر مصاباً في حادث يحتجز ويتهم بامكانية انه السبب في اصابته كان البعض يمر على المصاب فلا يحمله أو يتوقف عنده وعندما وجه نايف الأمن بعدم احتجاز المنقذ والاكتفاء بتسجيل معلوماته وافادته ومغادرته فوراً انعكس ذلك على انقاذ العديد من الأرواح. فهلا طبقنا نفس المفهوم الواقعي الواعي على من أحضرت لقيطاً واعتبارها وجدته فأنقذته دون كشف هويتها أو حتى محاولة التعرف عليها وانقاذ اللقيط بستر جاد، أعتقد أن هذا سيؤدي إلى إحياء أنفس عديدة من الأبرياء مع التأكيد على العمل الجاد لمحاربة أسباب الخطيئة وما يؤدي إليها وينشرها من قول وعمل ويأتي في مقدمة الأسباب في نظري الاختلاء بالأجنبي “غير المحرم” والسماح بدخول القنوات الفضائية الاباحية إلى منازلنا وترك المراهقات والمراهقين دون تحكم ورقابة وغفلة الأهل عن ابنائهم وبناتهم وترك الحبل لهم على الغارب يهاتفون دون رقابة ويخرجون دون مساءلة!!.

ولعل أساتذة علم الاجتماع مطالبون بإجراء الدراسات بأنفسهم لمعرفة أسباب تزايد حالات اللقيط وتقصيها واقتراح سبل اجتثاثها. فالمشاكل الاجتماعية تجب مواجهتها بعمل جماعي مخلص لا يتوقف ولا يرضخ لأفكار أدعياء التحرر!!

المديرات بكم.. والوفيات 15

الكم الهائل من سيل تصريحات مديرات المدارس والمعلمات للصحف عن عيوب ونواقص مدارس البنات له دلالة خطيرة لابد من الوقوف عندها طويلاً.

ما الذي أخرس المديرات والمعلمات كل هذه السنوات وهل كن ينتظرن حادثة مريعة كحادثة الهنداوية 31حتى ينطقن؟!.

انتظار سقوط الجمل لا يبرر تأخر كثرة السكاكين بل لا يبرر تأخر اسيقاظ الضمير لدى مديرات ومعلمات المدارس كل هذه المدة.

فكأني بهن وقد أثرن المصالح الشخصية والحفاظ على استقرارهن الوظيفي على أرواح فلذات أكبادنا وهو ما يعد غريباً على بنات وسيدات هذا المجتمع اللاتي يتوقع منهن التضحية والشجاعة عندما يصل الأمر إلى أداء الأمانة وعمل ما يمكن عمله لإنقاذ بناتنا من الوضع المتردي الذي لا يعرف عنه أحد أكثر منهن، وهو أمر اؤتمن عليه وكان من المفترض أن يؤثرن على أنفسهن ولو كان بهن خصاصة.

بعد أن وقع الفأس في الرأس أصبحت الصحف لا تجد متسعاً يكفي لسيل الشكاوي والبلاغات عن مدارس مهترئة غير صالحة للاستخدام الآدمي ناهيك عن الاستخدام الآمن كمدرسة فأين كانت هذه البلاغات للصحف تحديداً قبل حادثة مدرسة الهنداوية بمكة.

نحن ندرك سياسة التكتم التي تتبعها رئاسة تعليم البنات والضغوط التي تمارسها على المديرات والمعلمات لمنعهن من التصريح للصحف وما قد يواجهنه من خسارة شخصية إذا فعلن ذلك ولكن لم يكن العشم أن لا نجد من تتوفر لديها الشجاعة والتضحية لتقول الحق دون أن تخشى في الله لومة لائم.

وهذا موقف يسجل ضد كل من سكتت أكثر من عشرين عاماً لتتحدث اليوم بإسهاب بعد أن حدث ما حدث حتى وان استفدنا مما أخفته كل هذه المدة لتقوله اليوم.

لو تصرف كل واحد منا بنفس هذا القدر من الأنانية والخوف على الذات والحفاظ على الكرسي لما وجدنا من يكشف المستور ويقول كلمة الحق.. فقط تخيلوا لو اتبع هذا الأسلوب الجبان كل صحفي وطبيب ومعلم ومهندس وصيدلاني ومحامي وموظف عادي كيف ستكون حال مجتمعنا؟! أليس الغالبية من الكتّاب والصحفيين هم من غير المتفرغين للصحف ويعملون في دوائر أخرى ومع ذلك يجندون أنفسهم لكشف الأخطاء واقتراح العلاج رغم ما يواجهونه من احراجات قد تمس علاقاتهم بالآخرين ومصالحهم ومستقبلهم خاصة في عصور مضت كان قول الحق فيها ضرب من ضروب التضحية؟!. ولا ننكر أيضاً انهم يجدون شهرة وتشجيعاً ومكانة اجتماعية.

ما حدث من تكتم مهما كانت أسبابه أمر لا يغتفر كما أن أسبابه جديرة بالتغيير والمعالجة فالحل لا يقتصر على إجراء تغيير في أشخاص القائمين على رئاسة تعليم البنات بل يجب مراجعة أسلوب تعامل هذا الجهاز مع موظفاته خاصة أسلوب إخراس الألسن الحية وفرض سياسة كبت المشاعر والأصوات والعقاب الصارم لمن يخرج عن هذا النهج الصارم.

ثم لابد من إيجاد طريقة مناسبة للاتصال بين مديرات المدارس وهن في وسط المعمعة مع الجهاز الاداري في رئاسة تعليم البنات والذي يقبع في برج عاجي فما يحدث حالياً وسابقاً منذ عشرات السنين أن الاتصال يتم هاتفياً وأن مصير المكالمة الصريحة هو إقفال الخط في وجه المديرة أو الوكيلة أو المعلمة التي تصر على مطالبها ولك أن تتخيل درجة الاحباط التي تمنى بها امرأة تبلغ عن وضع مأساوي تعيشه يومياً عندما تقابل بقفل الخط الهاتفي في وجهها وهي تتحدث.

هاتفتني إحدى المشرفات الاجتماعيات في روضة تابعة لرئاسة تعليم البنات تبلغ عن ثعابين تهاجم الروضة وتريد فريقاً مختصاً يخرج الثعابين من مخابئها ويقترح حلاً جذرياً وكان الوضع طارئاً لوجود ثعبان في تلك اللحظة فطلبت منها وصفاً للموقع وشخصاً يعرفنا بمداخل الروضة لاتخاذ اللازم بعد خروج المعلمات والصغيرات وعندما طلبت هي من ادارة الأمن في الرئاسة تولي التوصيف وبخت بشدة وهددت من قبل الرئاسة على اتصالها بنا دون الاستئذان من الرئاسة أولاً وعندما أخبرتني بالأمر سألتها سؤالاً كنت أعتبره مبالغاً فيه، قلت لها: (لو شب حريق في الروضة هل يحق لكن إبلاغ المطافي مباشرة أم عبر الرئاسة؟!) وما هي إلا أيام واكتشفت أن سؤالي كان واقعياً والدليل ما حدث في الهنداوية وما حدث قبله وما سيحدث بعد إذا استمر الأسلوب كما هو.

على أي حال فإن الواقع المرير للمديرات والمعلمات مع الرئاسة لا يبرر تأخرهن في اللجوء للصحافة إلى حين فقدان خمس عشرة طالبة (ماتت واحدة منذ أيام متأثرة بجراحها في احدى مستشفيات جدة).

حقوق المتوفاة رقم 15

إحدى المصابات في حادث المدرسة 31في مكة المكرمة توفيت متأثرة بالاصابة وكما يبدو من التبرعات المشكورة من فاعلي الخير فإن التبرعات كانت مضروبة في (14) (مليون واربعمائة ألف ريال أي مائة ألف لكل أسرة) ولعل من واجبنا التنويه إلى أن الضحية (15) لم تكن مشمولة بالتبرع.

هيبة الرحم

صحيح أن الشكل التشريحي للرحم يشبه إلى حد كبير رأس ثور ذي قرنين، لكن لم نتوقع مطلقاً أن يكون للرحم قوة نطح شديدة كالتي يتمتع بها في مجتمعنا.

ومن المؤسف جداً أن نصل إلى درجة عالية من التطور التقني والإسمنتي وتستمر لدينا ظاهرة “النفوذ بحكم القرابة أو المصاهرة”.

لست ضد توظيف قريب أو نسيب إذا كان مؤهلاً أو متميزاً بل إنني ضد عدم توظيفه تلافياً للإحراج ودرءاً للشبهات. فالمسؤول الواثق من نفسه ومن قدراته ومن عدله لا يخشى في الله لومة لائم.ما نحن ضده وبكل قوة أن تعطى المميزات والصلاحيات والنفوذ لقريب غير مؤهل ويحظى بالتمييز عن زملائه في الانتدابات والمكافآت ويستمد من قريبه قوة التسلط مما يجعل الآخرين الأكثر تأهيلاً مضطرين لمراعاة مشاعره وكسب رضاه خوفاً لا قناعة.

صور عديدة من هذا النوع تتكرر في الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية، فإذا كان لأصحاب المؤسسات الأهلية والشركات العائلية عذر تملكهم للمؤسسة فيما يمارسون من تمييز فأي عذر لوزير أو مدير لمؤسسة حكومية في إعطاء النفوذ لأقربائه أو من صاهرهم؟! “يسمونهم أرحامنا، ألم أقل لكم إن للرحم قرونا؟!”.

لابد أن نفخر بأننا وبناءً على ما حققناه من رقي على جميع الأصعدة جديرون بأن نترفع عن مثل هذه السلوكيات التي تدعو للخجل، لكننا في الوقت نفسه لابد أن نعترف أننا وبكل أسف لازلنا نعاني منها.

مخطئ من يعتقد أن عدم الحياء طبع ولذا فإنه لا يعدي بل هو فيروس معد سريع الانتشار، فإذا قرب الوزير أقرباءه ومن صاهرهم وميزهم عن الآخرين دون حق، فإن العدوى أول ما تصيب مدير مكتبه ثم من يليه في قرب المسافة إلى أن تعم الوزارة كلها إلا مؤمن أو غير قادر.

ألم أقل إنه فيروس سريع الانتشار؟!.

إن تمييز موظف عن غيره بداعي القرابة دون ميزة يستحقها تأهيلاً هي من أكثر مسببات الاحباط وإضعاف الولاء للمؤسسة، وهي صورة من صور الفساد الاداري فالفساد لا يقتصر على الاختلاس والرشوات وقد تفوق نتائج هذا النوع من الفساد نتائج الأنواع الأخرى على الأقل لأنه ظاهر مفضوح قابل للتقليد وأعتقد جازماً أن على ديوان المراقبة أن يوليه الاهتمام المطلوب وما هي إلا زيارة لبعض الوزارات والتحدث مع موظفيها وستجد أن المعاناة واضحة حتى لو حاول البعض إخفاءها.

على النقيض قد تجد مديراً يحرم قريباً له من مميزات يستحقها خوفاً من تفسيرات الناس وقد تجد موظفاً يتنازل عن المطالبة بحقوقه لأن رئيسه قريب له لكن هاتين الصورتين من الندرة بمكان مقارنة باستغلال القرابة والمصاهرة في نيل النفوذ فالمشاهدات الأكثر وضوحاً وانتشاراً أن للرحم هيبة خطيرة ممقوتة غير تلك الهيبة المستحبة!!.

إلى فريق المحققين 31

العضوية في فريق التحقيق في قضية المدرسة 31للبنات بمكة المكرمة، تعني المسؤولية عن إحقاق الحق في أمر وفاة أربع عشرة طالبة وإصابة خمسين منهن، وتعني أيضاً حماية الآلاف من طالبات وطلاب وموظفين من إهمال مشابه قد تظهر نتائجه في أية لحظة، فمن لا يجد في نفسه القدرة والشجاعة على نبذ المجاملة ورفض التوقيع على ما يشك في صحته فخير له أن يعتذر عن عضوية الفريق.

ثمة طرف لا شك مطلقاً في مسؤوليته عما حدث يتمثل في جهاز الرئاسة العامة لتعليم البنات الذي استأجر وجدد الإيجار لمبنى لا يوفر أبسط متطلبات السلامة، وهذا الطرف في حكم الميت الذي لا يجدي فيه الضرب وهو الآن في حكم الشاة المذبوحة التي لا يؤلمها السلخ لذا فلن نكتب عنه أكثر مما كتب قبل وبعد هذا الحادث الأليم.

وثمة طرف آخر يشارك تعليم البنات المسؤولية فيما حدث لكنه بالتأكيد لا يتقاسمها مع الرئاسة ألا وهو الدفاع المدني. وإدارة الدفاع المدني عرف عنها مؤخراً النشاط وتكثيف العمل الوقائي ولكن السؤال العريض الذي يطرح نفسه هو مدى الصلاحية الممنوحة لهذه الإدارة لفرض شروطها وعدم التنازل عن مقترحاتها؟! بل هل هي مجرد مقترحات أم مواصفات وشروط واجبة؟!

الأسئلة التي يجب أن يتفانى المحققون في بحث إجاباتها وتثبيتها في محاضر التحقيق وكشفها للأهالي وكلنا أهالي لمن رحلوا وأصيبوا يدخل من ضمنها أي الأسئلة: هل عاين الدفاع المدني تلك المدرسة وأبدى الملاحظات حولها؟! وهل أهملت رئاسة تعليم البنات ملاحظات الدفاع المدني؟! وماذا فعل بعد ذلك؟! هل تابع وألح في ضرورة توفير ولو الحد الأدنى الذي يعنيه إذا وقع الفأس في الرأس كمخارج الطوارئ مثلاً أو صيانة كيابل الكهرباء أو إزالة شبك الحديد من النوافذ ليسهل إخراج الضحايا عبر النوافذ.

“يتشبث البعض بأن نوافذ الأدوار العليا لا بد أن تغلق بالحديد منعاً للصوص والمعتدين ويمكن للدفاع المدني بسهولة أن يثبت لهم أن لصوص عام 2000يدخلون من الأبواب ولا يكلفون أنفسهم التسلق لنوافذ الأدوار العليا”.

ثم لابد للحاضر والمستقبل ايضاح جانب غامض في علاقة الدفاع المدني مع الجهات الحكومية، هل له حق رفض المبنى الذي لا يوفر متطلبات السلامة والوقوف ضد استخدامه سواءً كان مستأجراً أو مملوكاً كما هو الحال مع المصانع والورش ومحطات الوقود أم أن الجهات الحكومية تتمتع بحصانة لا يقوى الدفاع المدني على اختراقها.

إن أكثر الجهات الحكومية المقاومة لاحتياطات السلامة بحجة أنه مبالغ فيها هي الجهات المتحجرة الممعنة في البيروقراطية وعدم تقبل الأفكار النيرة المبنية على تجارب الآخرين ومثل هذه الجهات أكثر ما يخيفها “التوقيع” لذا فإنني أنصح اللواء سعد التويجري مدير عام الدفاع المدني والمعروف بنشاطه الميداني وديناميكيته التي لابد أن يصاحبها حيوية إدارية أن يطلب من مثل هؤلاء التوقيع على رفض مقترحات أو شروط إدارته وأجزم أنهم لن يفعلوا فالتوقيع “على البيروقراطي” أصعب من إهمال الأرواح.

أختلف كثيراً، مع وافر الاحترام والتقدير لكل من ذكر أنه لن يكتب عن الحادث حتى ينتهي التحقيق فالمسؤولية عن الحادث واضحة وضوح الشمس ولولا رحمة الخالق سبحانه لشهدنا يومياً حوادث من هذا النوع في ظل وجود أضعاف الأعداد المقبولة من الطلاب والطالبات في مبانٍ متهالكة كمبنى المدرسة (31)، والمسؤول الأول عن هذا الحادث هو رئاسة تعليم البنات والتحقيق هو لمجرد كشف تفاصيل المسؤولية والمشاركين فيها، وهذا “التحقيق” تشبث به المسؤول بقوة لكي يلتقط أنفاسه ويبعد مسجلات الصحافة التي طالما حرص على احتضانها!!.

عباءات الضحايا و ‘بشت’ الرئيس

عندما توجّه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز من نيس مباشرة إلى جيزان لزيارة المصابين بحمى الوادي المتصدع، تجول على المرضى دون أن يرتدي القناع الطبي الواقي بينما كان وزير الصحة والأطباء المرافقون يرتدون ذلك القناع حماية لانفسهم!!.كأن ولي العهد كان يرسل رسالة عظمية بحجم العظماء بضرورة مراعاة مشاعر المواطن المصاب إلى درجة عدم اتقاء ما اصيب به درءاً لجرح مشاعره.

رسائل العظماء لايستوعبها إلا عظيم ويحتاج البعض الكثير من الوقت لاستيعابها ناهيك عن تطبيقها.

الرئيس العام لتعليم البنات تجول على موقع دهست فيه أكثر من ستين زهرة من بناتنا انتقل منهن إلى الباري “الأعلى” سبحانه أربع عشرة زهرة بريئة، وكان معاليه بكامل أناقته يرتدي “بشتاً” وهو يتخطى عباءات الستر ملقاة على الأرض.

تلك هفوة لم تستوعب الدرس لاحظها الجميع وتناولتها بعض وسائل الإعلام بالتصريح تارة والتليمح أخرى.

ندرك أهمية “البشت” ضمن الرداء الرسمي الوطني وفي المناسبات الوطنية، ولكن في الزيارات الميدانية لتفقد مصابين أبرياء حيث يختلط الدم ببقايا الحروق وسيل الدموع ويعم الحزن يجب أن تنتفي الشكليات ويغلب طابع المشاركة الإنسانية الجادة على كمال المظهر والأناقة ويجمع الطاووس ريشة حتى يقترب ولو اقتراباً من شكل الحمامة البريئة خاصة إذا كان ضمن الملومين في كسر جناحها!!.الشيء الذي ندركه جيداً ولم يدركه الإعلام الغربي بعد أننا على النقيض من كثير من الدول بل من غالبية الدول والحكومات الأخرى.

ففي الوقت الذي تعاني فيه شعوب كثيرة من تعالي القيادات العليا على أبناء الشعب وترك شئونهم للوزراء ووكلاء الوزارات فإن العكس يحدث لدينا فالقيادات وبناء على نهج بدأه موحد الجزيرة الملك عبدالعزيز رحمه الله تفتح أبوابها مشرعة أمام المواطن والمقيم ليصل بشكواه أو طلبه للقيادة مباشرة، حتى أن الشاعر عبدالرحمن بن مساعد تساءل واصفاً ولي العهد “من مثله إلي قرّب الكرسي لمواطن يشتكي له؟!.

وفي الوقت الذي يطبق فيه ابن عبدالعزيز هذا النهج الموروث فان حجاب بعض الوزارء (مديري مكاتبهم) يقفون حجر عثرة أمام وصول المواصن للوزير “اقرأ إن شئت (بصوت القلم) في 2002/2/13م بعنوان معايير حاجب الوزير.

هذه الصور المشاهدة من قبل الجميع في الداخل والتي أوردها غير مجامل أو متزلف بإذن الله ولكن شاهداً بالحق.. أقول هذه الصور تبين أننا خلاف شعوب كثيرة نجد الاهتمام بالمشاعر وحل المشاكل من قبل القيادات وتقتصر مشاكلنا على عدم إدراك بعض الموظفين مهما علت مراتبهم إلى أهمية الحس المرهف وتأثيره.

نحن بلا أدنى شك سعداء بهذه النعمة وسر دوامها هو شكرنا الدائم لربنا الذي أنعم علينا ومن واجبنا أن ندعوه سبحانه أن يدل من فاته الإدراك في هذا الصدد إلى الرشاد وأن يتم نعمته علينا بأن يذكر كل راع بأنه مسئول عن رعيته، مسئول عن تجنيبهم الخطر ما أمكن، وإذا تعرضوا له أن يراعي مشاعرهم ويقدر مصابهم ويعمل جاهداً أن يفعل الأسباب لمنع تكراره، فإذا لم يجد في نفسه القدرة أن يريح ليستريح ضميرة ونستريح.

هذا فيما يخص إهمال المشاعر النفسية أما ما يتعلق بإهمال الأرواح البريئة وتعويضها لما حدث من هدر فنتركه لوقت لاحق.

الاصطدام بقطار سائب!!

عندما تتناقل وكالات الأنباء خبر تصادم قطارين في بلادنا فإن القارئ سيعتقد ان الضب في صحارينا لا يستطيع ممارسة حياته الزوجية بسبب تخاطف القطارات من حوله، فأنثى الضب تدفعه كل مرة صارخة “أبعد مر قطار!!”.

قال صف صفين، قال حنا قطارين واحد رايح للدمام والثاني قادم من الدمام، خط حديدي واحد تشرف عليه “مؤسسة عامة للخطوط الحديدية” ويتعرض خلال أقل من شهر لثلاثة حوادث تشترك جميعها في ان السبب يعود إلى انقلاب العربات إلا ان الأخير كان حادثين في واحد حيث انقلبت العربات وتركت لمدة ساعة ليصطدم بها قطار آخر قادم في نفس الخط!!.

يا أولي الألباب، مؤسسة عامة برئيسها وعدد من كبار المسؤولين ومئات الموظفين تدير خطاً واحداً عمره يفوق خمسين عاما ألا تستطيع قياسا بالقيمة غير المقدرة بثمن لاعداد من يركبون القطار من البشر أن تمد هذا الخط “الواحد” بقضبان من ذهب؟! نحن لا نريد ذلك، نريد فقط أن تحميه من الرمال وتصونه لتصون أرواح رواده!! هل هذا الطلب صعب مقارنة بقيمة أمن الكتل البشرية التي يحملها قطار واحد؟!.

لقد وصل العالم إلى تسيير القطارات تحت الماء بين بلد وآخر وأصبحت شبكة السكك الحديدية أشبه بخيوط “سباكيتي” من كثرة تقاطعاتها وتعدد خطوطها وأمسينا نحلم بمزيد من الخطوط الحديدية بين المدن علها تخفف من استخدام السيارات وتقلل من وفيات المعلمات على الخطوط الصحراوية وإذا بنا نصحو من حلمنا على تصادم قطارين على خطنا الوحيد!!.

الخط الوحيد ألم يستحق من مؤسسته العامة المتفرغة له أن يحظى بتقنية اتصال مباشر تمكن من معرفة انه انقلب ليتم إيقاف القطار الآخر وتلافي التصادم؟! هذا إذا كان سبب التصادم كما ورد في جريدة الاقتصادية منسوبا إلى مصادر مطلعة في المؤسسة العامة للخطوط الحديدية.

وأياً كانت الأسباب فإن حدوث تصادم في خط حديدي واحد أمر يدخل ضمن المضحك المبكي لأنه يمثل “نكتة” محزنة للغاية والأكثر حزناً ان قطارا خرج عن مساره وانقلب يبقى كل هذه المدة ولم يعلم عنه أحد، ليس لإسعاف مصابيه ولكن لتنبيه شقيقه الوحيد القادم على نفس الخط والذي كان من الممكن ان يكون محملا بكتل بشرية أكثر ويحدث خسائر في الأرواح تشكل كارثة وطنية كان من الممكن تلافيها بشيء من الحرص والاستعجال والمتابعة.

وإذا كانت تقنية الاتصال غائبة في مجال متابعة القطارات فإنه ليس من المستكثر ان تسير المؤسسة العامة للخطوط الحديدية سيارة ترافق كل قطار لتطمئن على حالة أو تبلغ عن أحواله إذا انقلب أو توقف فهذا خير من أن يترك على سكة الحديد قطار سائب فهذا سيحرجنا كثيرا مع الجمل السائب على الطرق فليس ثمة مقارنة بين حجم ووزن السائب ووعي مرجعه في الحالتين!! والله أعلم.

هذه مجموعة اسئلة فقط اكتفى بإيرادها الآن حسب ما نشر من معلومات محدودة منسوبة إلى مصدر مطلع في المؤسسة وهي أسئلة تناسب كل الظروف الواضحة من معطيات الحادث وإلى ان تنتهي نتائج التحقيق وتنشر إذا كانت ستنشر، ليكون لنا حديث إضافي.

قنبلة التمريض الموقوتة

لا أدري ما الذي ننتظره حتى نتحرك على مستوى وطني لنزع فتيل القنبلة الموقوتة التي توشك في أية لحظة على الانفجار، والمتمثلة في ندرة العنصر الوطني في مجال التمريض.

ماذا لو قرر ولو نسبة ضئيلة من الممرضين والممرضات الأجانب الذين نعتمد عليهم كليا المغادرة إلى بلادهم؟!. كيف ستكون حال مستشفياتنا وما هو المصير الخطير الذي ينتظر مرضانا في غرف العناية المركزة والعمليات والطوارئ واجنحة المستشفيات وعياداتها الخارجية.

هذا الحدث ليس مستبعد الحدوث في أي لحظة وسبق أن تعرضنا إلى صافرة إنذار من هذ النوع خلال أزمة الخليج، ولكن يبدو أن صافرات الإنذار مهما علا صوتها غير قادرة على إيقاظ أذهان تعودت الاعتماد على الحلول الوقتية، ولم تستشعر بعد أهمية التخطيط السليم للمستقبل بناء على المعطيات المتوقعة مهما بلغت نسبة إمكانية حدوثها.

لا زلنا نعتمد على تنويع المصادر من الجنسيات العربية والأجنبية متناسين أنه عند أي ظرف طارئ يقل الرغبة في بقاء العنصر الأجنبي فإن أبناء وبنات الوطن هم فقط من سيبقى للوطن في كافة المجالات وعلى جميع الأصعدة!!.

يذكر أننا اصبحنا أكبر مركز تدريب في العالم لكافة التخصصات ومنها تخصصات تمس حياة أبناء الوطن مباشرة كالتمريض ولم نبذل جهداً يذكر في مجال إعداد الكوادر الوطنية في هذا التخصص الهام.

الندوات والمؤتمرات التي تطرقت لمشكلة نقص الكوادر الصحية ومنها التمريض أكدت منذ أكثر من عشر سنوات على أنها بالوضع الحالي نحتاج إلى قرن أو يزيد للوصول إلى نسبة مقبولة في مجال السعودة في التمريض، وأهم العوامل المؤثرة لتحقيق هذه النسبة هو عامل مخرجات التعليم في هذا المجال. ومع ذلك لم نحرك ساكنا يستحق الذكر، ولا زال الزمن المطلوب للوصول إلى نسبة مقبولة ثابتاً في خانة آلاف السنين!!.

إن من الواضح أن من أجروا تلك الدراسات كانوا متفائلين جدا ولم يتوقعوا إهمال هذا العنصر الهام إلى هذه الدرجة.

العامل الاجتماعي والمتمثل في عزوف المجتمع عن تشجيع أبنائه وبناته على الانخراط في مجال التمريض وهو ما يتشبث به المتقاعسون تغير بل تحول تماما بدليل الإقبال الكبير الذي يشهده أي بصيص أمل في مجال الحصول على شهادة في هذا المجال إلى جانب عدد المتقدمات والمتقدمين للمخرجات المحدودة جدا والمتوفرة حاليا إلى درجة فاقت الاستيعاب وهذه “فضيحة” فالواضح أن أذهان أفراد المجتمع على اختلاف شرائحه ودرجة الوعي لديهم تتفتح بسرعة أكبر من تفتح أذهان المسؤولين عن حل مشكلة نقص الكوادر التمريضية!!.

إنه رغم شهادتي المجروحة وحرصي ألا يساء تفسير ما أدلي به من شهادة فإنني لا أرى أدنى داع للتحفظ من الإشارة إلى أن الشؤون الصحية بالحرس الوطني تولي هذا الجانب اهتماما ملموسا تمثل في تكثيف برامج متقدمة تخرج أعداداً كبيرة من الممرضات السعوديات كما بدأت في إجراءات القبول لكلية التمريض والعلوم الصحية المساندة بالحرس الوطني التي أنشأتها الشؤون الصحية بالحرس الوطني لتكون بدايتها في مبنى مؤقت استعجالا لبدئها ويجري الآن البدء في إنشاء مبنى خاص لهذه الكلية الهامة ولعل من الجدير التأكيد مرة أخرى على أن الأعداد الكبيرة للمتقدمات لهذه الكلية يرد على من يتشبث بالقول أن عزوف المجتمع عن إلحاق بناته بالتمريض هو سبب نقص الكوادر الوطنية التمريضية.

ولكن هل تكفي يد الشؤون الصحية بالحرس الوطني الواحدة للتصفيق في هذا المجال الحيوي والهام والذي يشكل النقص فيه خطرا يهدد مجتمعنا؟!، ومتى تتحرك بقية الأطراف الساكنة؟!. بل هل ستتحرك أم ستنتظر كالعادة إلى أن تقع الفأس في الرأس؟!.

لدينا (هوملس) فهل لدينا رعاية اجتماعية؟!

يبدو أن مفهوم الرعاية الاجتماعية لدينا قاصر جداً إلى درجة اقتصار هذا المفهوم على جمعيات خيرية في المجتمع وإدارات خدمة اجتماعية في المستشفيات ويدير هذه الجمعيات والإدارات العنصر النسائي المتحمس والمجتهد والذي يصطدم كثيراً بحاجز عدم الحماس أو البيروقراطية من قبل مرجعهم.

معاناة الجمعيات وإدارات الخدمة الاجتماعية وما تواجهه من إحباطات موضوع كبير جداً وواسع ويحتاج إلى صفحات، لذا فإنني أورده اليوم شاهداً فقط على قصور مفهوم الرعاية الاجتماعية لدينا وأترك تفاصيله لوقت لاحق.

يبدو من قصور المفهوم أيضاً أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ممثلة في وكالة الوزارة للشؤون الاجتماعية تعتقد أن وجود أناس هائمين يفترشون الأرصفة، ليس لهم مكان يؤويهم أمر لا يعني الوزارة بدليل تزايد الحالات دون أن تحرك نحوها ساكنا.

جريدة “الرياض” وحدها، نشرت من التحقيقات الصحفية والحوارات مع الهائمين ومفترشي الأرصفة خلال أقل من عام عشرات الصفحات وتبنت عددا كبيرا من الحالات، وقياساً بقوة هذه الجريدة وانتشارها وسرعة التجاوب مع ما ينشر فيها من جميع الجهات والذي غالباً ما يحدث في اليوم التالي فإن من المتوقع من أي إدارة أو وكالة تعتقد أن الأمر يعنيها أن تبادر إلى قطع دابر المشكلة أصلاً ناهيك عن بحث كل حالة على حدة ومعرفة خلفياتها.

شيء من هذا لم يحدث، ولا زالت الحالات في ازدياد ونتيجة لعدم تجاوب جهات الشؤون الاجتماعية فإن الناس على اختلاف وعيهم وثقافتهم، سواءً منهم الصحفي أو غيره من المواطنين المتحمسين أو صاحب المشكلة عندما يتحدثون عن حالة من حالات الهائمين دون مأوى فإنهم يوجهون الرجاء والتوسل إلى “أهل الخير” من الموسرين وكأن لا خير في غيرهم!!. والواقع يشير إلى أن العيب ليس في المستنجدين ولكن في الشؤون الاجتماعية التي عزفت عن تحريك ساكن في هذا الصدد مما ولد شعوراً بأن الأمر لا يعني الوزارة أو قل اليأس من التجاوب ومن ثم التحول للغير.

إذا كنا نبدع في التقاط المتسولين ودراسة حالاتهم وترديد القول بأنهم نصابون وأثرياء محرومون، فهل على الهائم أن يتسول كي تدرس حالته ويجد الاهتمام؟!.

هل كلفت الشؤون الاجتماعية نفسها ومستشاريها وتعاونت مع أقسام علم الاجتماع في جامعات المملكة لدراسة حالات من يفترشون الأرصفة أو يبنون العشش أو يلجأون إلى بقايا هياكل السيارات لاستخدامها كمسكن وهل أدل على الحاجة من افتراش الرصيف “دون تسول” حتى يثبت الإنسان أنه “ممن لا يسألون الناس إلحافاً”؟!، أم أن الوزارة تعتقد أن مسؤوليتها تقتصر على من يتقدم لها بـ “معروض” وإثبات إعسار ومراجعات أما غيره فليست على استعداد لمجرد دراسة حالته حتى وإن كان يفترش الرصيف!!.

إن هذه المشكلة وفي بلد كالمملكة جديرة بأن تدرس باهتمام وعن طريق مختصين سعوديين يعرفون ظروف المجتمع، ولديهم القدرة على مقارنة الحالة بالوضع الطبيعي، ولديهم الأمانة لنقل آرائهم دون مجاملة، ففي مثل هذه المشاكل ذات الانعكاسات الخطيرة لا يجب الخلود إلى رأي غير ابن الوطن حتى لو كان مختصاً وزهيد الأجر.

في الغرب يسمونهم “هوملس” وحالاتهم تدرس أولاً بأول ويختلفون عن الهائمين لدينا بمثل الاختلاف الشاسع بين مجتمعنا ومجتمعهم فأغلبهم من مدمني الكحول والمخدرات ممن نبذتهم أسرهم، ولكن النتائج الخطيرة متشابهة وتتمثل في إمكانية إساءة استغلال بعضهم في أعمال إجرامية، مما يشير إلى الآثار الأمنية المرتبطة بالموضوع.

النار وقريص الصحة والتعليم

شئنا أم أبينا، بقصد أو بغير قصد فإن تأخير بعض الإجراءات المطلوبة بإلحاح خاصة في مجالات الصحة والتعليم لا يمكن أن يخدم غير مصالح القطاع الخاص الصحي والتعليمي وملاك المستشفيات الخاصة والمدارس الخاصة والمشاركين فيهما.

خذ على سبيل المثال توفير فرص العلاج لمنسوبي الوزارات والقطاعات الحكومية التي لا يتبع لها مستشفيات كالزراعة والمعارف والتخطيط والعدل والإعلام والشؤون الاجتماعية والعمل وغيرها ممن يشكل منسوبوها نسبة كبيرة مقارنة بمنسوبي القطاعات التي أنشأت خدمات صحية.

طالبنا كثيراً بالنظر في المشكلة التي يعاني منها منسوبو هذه القطاعات إذا احتاجوا لرعاية صحية متقدمة والمتمثلة في بحثهم عن قبول للعلاج في المستشفيات المتقدمة دون جدوى لانشغال أسِرّة هذه المستشفيات بمنسوبي القطاع الذي تتبع له وأن هؤلاء المرضى يسفكون ماء الوجه طلباً لشفاعة أو استثناء في حين أنهم مواطنون موظفون منتجون مثلهم مثل غيرهم ممن صادف انتماؤهم لقطاع يوفر رعاية صحية متقدمة ومتميزة، إلا أن تلك المطالبات لم يلتفت لها وهذه المعاناة المستمرة لم يكتب لها النهاية حتى اليوم.

تأخير وضع حد لهذه المشكلة لا يخدم غير ملاك المستشفيات الخاصة وأصحاب الأسهم فيها.

تطبيق فكرة البطاقة الذكية والتي يفترض أن تحد من حصول المريض الواحد على أكثر من ملف في مستشفيات متعددة في المدينة الواحدة، وهو الإجراء الذي سيتيح حلاً لجزء من تلك المشكلة حيث سيوفر فرصاً لعلاج عدد أكبر من المواطنين في المستشفيات الحكومية بعد زوال ازدواج الملفات.. هذه الفكرة هي الأخرى تأخر تطبيقها دون مبرر، وهو تأخير لا يخدم سوى مصلحة المستشفيات الخاصة وملاكها والمشاركين فيها سراً وعلناً.

أرجو التأكيد هنا أنني أطرح حقيقة مرّة، تتمثل في أن تضييق فرص العلاج على المواطن لا يخدم سوى مصلحة القطاع الخاص الصحي، لأنه سيتحول إليه، وهذا استنتاج لا يحتاج إلى تخمين أو كثير ذكاء، وإيراد هذا الاستنتاج لا يعني اتهام أحد بتعمد حدوثه.

إن من الواجب التحذير من التساهل في توفير الأساسيات كالصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية فما يقال عن المستشفيات ينطبق على المدارس فعندما لا توفر المدارس الحكومية البيئة الدراسية المناسبة كالتكييف مثلاً ودورات المياه الصحية ووسائل التعليم المناسبة إلى جانب القدرة الاستيعابية المقبولة فإن في ذلك حثاً على الالتحاق بالمدارس الخاصة وهو أمر لا يخدم سوى ملاكها وشركائهم.

ويجب الأخذ في الاعتبار هنا أن البعض قادر على المستشفى الخاص والمدرسة الأهلية لكن الأغلبية لا تقدر. ونظراً لقلة أو انعدام البديل للرعاية الاجتماعية فإن الخيار أكثر ضيقاً ولا بديل هنا إلا التسول أو الموت جوعاً.

ملخص القول أن الأساسيات لا تقبل التهاون الذي يخدم مصلحة البديل التجاري أما جوانب الترفيه، كأن تمتنع قناة رسمية عن نقل مباراة كرة قدم لتنقل حصرياً على قناة تجارية فهذا أمر مقبول لأن “حوش النار على قريص الكرة” لا يقتل ولا يورث الجهل، مثلما يحدث عندما تحاش النار على قريص الصحة أو التعليم.