حتى لا نخسر شرطياً

يوماً بعد يوم يضرب رجال الأمن لدينا أمثلة في الشجاعة والإخلاص وهو أمر غير مستغرب خاصة على هذه الفئة من المواطنين ممن اختاروا مجال السلك العسكري سبيلاً للحياة.

حياة هؤلاء الرجال ودماؤهم عزيزة علينا وحري بنا أن نحافظ عليها ونحميها حتى من الشجاعة المفرطة.

الشجاعة وحدها لا تكفي للغلبة فالكثرة تغلبها وكذلك الدهاء والسلاح والبنية الجسدية جميعها كفيلة بأن تغلب الشجاعة فنخسر فرداً فريداً وإنساناً نبيلاً يصعب تعويضه.

في يوم الجمعة الماضي وحوالي الساعة الثانية عشرة منتصف الليل صادف مروري في جزء شبه منعزل من طريق الخدمة في أحد الطرق السريعة وشاهدت أحد جنود الدوريات يمسك بأحد المشبوهين من المقيمين من بلد آسيوي أنعم الله على أهله بطول القامة وضخامة المنكبين واشتهروا بخطورة المجرم منهم وسرعته في الفتك والخلاص خاصة إذا عرف شدة العقوبة وتساوى لديه خيار الموت مع الاستسلام والجاهل منهم حتى لو لم يجرم فإنه يشعر أن دخول سيارة الشرطة يعني التسفير وخسارة جهد العمر.

الجندي كان قوي القلب ضعيف البنية مقارنة بخصمه وقد تعلق في جسد المشبوه وحيداً يحاول عبثاً ثني جسده الضخم للدخول في السيارة أو وضع القيد في يديه.

شاهدت الموقف وشعرت بأن الجندي في خطر خصوصاً وأن صاحب المشبوه يرقب الوضع وفي يده كيس لا نعلم هل به ساطور أو شاورما!! أوقفت سيارتي خلف سيارة الدورية وهممت بالنزول إلا أن صرخات الاعتراض علت في داخل سيارتي من أطفالي الذين كانوا معي وأمسكوا بيدي خوفاً عليّ، وحسناً فعلوا، ولو لم يفعلوا لتمسكت بهم أنا وصرخت “فكوني عليه” لأنه وحسب تقديري فإن بقائي داخل السيارة أكثر إخافة للمشبوه وصاحبه من رؤيتي مقذوفاً فوق سقف الدورية!!

ركزت أضواء سيارتي على الحدث وأكثرت من “دعس” البنزين مذكراً المشبوه وصاحبه زنهما تحت مراقبة حذرة وإن أي اعتداء على الجندي سيؤدي إلى دهس الفاعل فقد ساقتني حكمة “إلى ما يخاف ما يسلم” ان هذا هو الأسلوب الأمثل وكانت الخطوة الثانية هي تناول جهاز الجوال لطلب فرق تعزيز من الدوريات.

الجندي كان أقوى مما توقعت فقد تمكن من تقييد إحدى ذراعي المشبوه في باب الدورية والإمساك بالذراع الأخرى، عندها قررت النزول محذراً صاحب المشبوه من الاقتراب وطالباً منه أن يغادر فقد أصبحنا اثنين ضد واحد “قصير”. وبعد أن تأكدت أن القيد مثبت جيداً سألت الجندي “تحتاج فزعة!!”.

طلب مني أن أناوله جهاز اللاسلكي وهو يمسك بيد المشبوه وطلب فرقة تعزيز.

لم يعادل إعجابي بشجاعة ذلك الجندي إلا سرعة وصول فرق التعزيز فبدون أدنى مبالغة لم تمض دقيقتان حتى أحاط بنا أكثر من عشر سيارات دورية هب أفرادها لمساعدة زميلهم والبحث عن صديق المشبوه الذي اختفى فور وصول التعزيز لكنهم أحضروه.

عند فك قيده من الباب حاول المشبوه المقاومة رافضاً دخول سيارة الدورية ولم يتم إدخاله إلا بعد تقييده وثني قامته بتعاون أربعة أفراد مع اقناعه بأنه لا فائدة من الرفض.

شجاعة الجندي لاشك أنها محل تقدير، وجهده وصبره دلالة تفان في أداء الواجب وبالمناسبة فمن حقه ذكر اسمه كما قرأته من بطاقته (نواف المطيري) فما قام به يعكس إخلاصاً للعمل وبذلاً للنفس في سبيل الواجب، لكن امكانية تعرضه للخطر كانت واردة جداً فلو كان المشبوه مجرماً أو صديقه شريكاً لمجرم ينتظر عقوبة صارمة فإنه كان من المتوقع التخلص من الجندي باستخدام أي أداة حادة أو حتى حجر فهو لم يشهر سلاحه ودخل في تشابك جسدي غير متكافئ.

اعتقد ان حماس هؤلاء الرجال لا يكفي وحده ولابد من تدريبهم على اجراءات وقائية تفترض اسوأ الاحتمالات، مثل أمر المشبوه بالانبطاح قبل الاقتراب منه، وطلب التعزيز بمجرد رفضه الانصياع للأمر وتدريب الأفراد على سبل الدفاع عن النفس وسرعة التصرف وتقدير نقاط القوة والضعف في الخصم وعدم الاستهانة به.

إن سبل الاحتياط والوقاية لا تتعارض مطلقاً مع الشجاعة بل هي من عناصر الشجاعة وطالما ان فرق التعزيز ستصل بهذه السرعة والكم الهائل فما المانع من طلب التعزيز بمجرد استشعار الخطر؟!

من جهة أخرى فإنه لابد من تكثيف توعية المقيمين، خاصة العمالة محدودة الوعي، بأن مرافقته للشرطة لا تعني نهاية المطاف أو نهاية أمله في كسب العيش وأن له حقوقاً مصانة وكل ما عليه هوالتجاوب مع تعليمات رجل النظام وعدم المقاومة أو الرفض وعلى الكفيل أن يتحمل مسئولية عدم توعية العمالة بحقوقهم وواجباتهم بل أخال بعض الكفلاء أو كثيراً منهم مسئولون عن إخافة عمالتهم من الشرطة إلى درجة جعلت أمر دخول سيارة الشرطة بالنسبة لهم تعني نهاية كفاح وكد سنوات العمر فصاحبنا المشبوه هذا قادتني رغبة استكمال الملف الصحفي لهذه القصة ان أتابع أمره في دائرة الشرطة فاتضح ان خوفه من سيارة الشرطة جعله مثاراً لريبة رجل الدورية وسبباً في تلعثمه عند سؤاله عن الإقامة ثم رفضه دخول السيارة ومقاومته الشديدة معتقداً انه سيعاد إلى بلاده رغم ان إقامته نظامية ومرحباً بها، لقد كان صغير السن كبير الجسد شديد الخوف من الشرطة، وهذا كل ما في الأمر!!

اترك رد