اليوم: 14 أغسطس، 2004

إهمال المشكلة الوطنية الأولى

قياساً بعدد الخسائر البشرية في الأرواح والإصابات والإعاقات فإن قضية حوادث السيارات تعد بالنسبة لنا القضية الوطنية الأولى دون منازع ودون أدنى خلاف.
حوادث السيارات هي القاتل رقم واحد إحصائياً في مجتمعنا، وهي سبب اليتم والمشاكل الاجتماعية الناجمة عنه، وهي سبب إعاقة عدد كبير من أفراد المجتمع، وهي التي تشكل أعلى تكلفة اقتصادية في المجال الصحي لعلاج نتائجها أو رعاية ضحاياها.

ومع هذا كله فإننا لم نر أو حتى نسمع عن دراسة جادة لهذه المشكلة الوطنية الأولى!! دراسة تشمل الأسباب الحقيقية لحوادث السيارات وتقترح الحلول الجذرية لها كونها هَمّا وطنياً يفترض أننا سعينا إلى كشفه وإزالته منذ مدة ليست بالقصيرة.

لا أقصد دراسة تحتفظ بها رفوف المكتبات كما هي معظم أعمال الأكاديميين والباحثين في مجتمعنا!! إنما أعني دراسة شاملة اعتمدت لاتخاذ حلول جذرية ويتم تطبيق توصياتها خطوة بخطوة لنستطيع القول إننا في أحد الأعوام القادمة سنتمكن من خفض نسب الوفيات والإعاقات ونتائج حوادث السيارات نتيجة اتخاذ خطوات عملية جادة ومدروسة.

صحيح أن الجهات المعنية بهذه القضية لدينا تتفنن في إعطاء أرقام الوفيات نتيجة الحوادث إن شئت سنوياً أو أسبوعياً أو يومياً أو كل دقيقة!! وصحيح أننا ردّدنا كثيراً عبارة أن أرقام وفيات حوادث السيارات لدينا في عام واحد تعادل أعداد ضحايا الحرب الأهلية في لبنان. أي أننا إحصائياً قمنا باستشعار حجم الخطر، لكننا لم نقم بأي جهد يذكر لوقف نزف الدم أو على أقل تقدير خفض النسبة المخيفة لأعداد الوفيات أو الإعاقات أو الخسائر.

وبطريقة جد متحيزة ومجاملة للدوائر الحكومية كنا ولا زلنا نعلق جل المشكلة على شماعة وعي المواطن المتمثل في السرعة أو عدم اتباع أنظمة القيادة، في حين أن واقع الأمر يشير إلى دور كبير للطريق يتمثل في ضيق وسوء بعض الطرق من جهة وعدم الصيانة وانعدام التعليمات المرورية الواضحة المتفق عليها دولياً في كثير من الطرق خاصة تلك القديمة أو الضيقة ذات المسار الواحد!! أقول إن ثمة دوراً كبيراً للعوامل الأخرى غير السائق والمركبة لكنني لا أستطيع تحديده دون دراسة.

إننا إذا ما أردنا إجراء مقارنة لمستوى الأهمية فإن اهتمامنا بحوادث السيارات كسبب للموت يفترض أن لا يقل مطلقاً عن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالإيدز أو الإرهاب مؤخراً، لأنها قضية وطنية ذات أبعاد اجتماعية وصحية واقتصادية ونفسية لا يمكن تجاهل أي منها ومن المستغرب جداً أن لا نتحرك لاحتوائها ونكتفي بلوم المواطن والسرعة والمركبة!!.